الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحِسِّيَّةُ، بَلْ تَصِيرُ الْأَدْوِيَةُ الْحِسِّيَّةُ عِنْدَهَا بِمَنْزِلَةِ أَدْوِيَةِ الطَّرْقِيَّةِ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ، وَهَذَا جَارٍ عَلَى قَانُونِ الْحِكْمَةِ الْإِلَهِيَّةِ لَيْسَ خَارِجًا عَنْهَا، وَلَكِنَّ الْأَسْبَابَ مُتَنَوِّعَةٌ، فَإِنَّ الْقَلْبَ مَتَى اتَّصَلَ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَخَالِقِ الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ، وَمُدَبِّرِ الطَّبِيعَةِ وَمُصَرِّفِهَا عَلَى مَا يَشَاءُ كَانَتْ لَهُ أَدْوِيَةٌ أُخْرَى غَيْرُ الْأَدْوِيَةِ الَّتِي يُعَانِيهَا الْقَلْبُ الْبَعِيدُ مِنْهُ الْمُعْرِضُ عَنْهُ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْأَرْوَاحَ مَتَى قَوِيَتْ، وَقَوِيَتِ النَّفْسُ وَالطَّبِيعَةُ تَعَاوَنَا عَلَى دَفْعِ الدَّاءِ وَقَهْرِهِ، فَكَيْفَ يُنْكَرُ لِمَنْ قَوِيَتْ طَبِيعَتُهُ ونفسه، وفرحت بقربها من بارئها، وأنسهابه، وَحُبِّهَا لَهُ، وَتَنَعُّمِهَا بِذِكْرِهِ، وَانْصِرَافِ قُوَاهَا كُلِّهَا إلَيْهِ، وَجَمْعِهَا عَلَيْهِ، وَاسْتِعَانَتِهَا بِهِ، وَتَوَكُّلِهَا عَلَيْهِ، أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهَا مِنْ أَكْبَرِ الْأَدْوِيَةِ، وَأَنْ تُوجِبَ لَهَا هَذِهِ الْقُوَّةُ دَفْعَ الْأَلَمِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَا يُنْكِرُ هَذَا إِلَّا أَجْهَلُ النَّاسِ، وَأَغْلَظُهُمْ حِجَابًا، وَأَكْثَفُهُمْ نَفْسًا، وَأَبْعَدُهُمْ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ حَقِيقَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَسَنَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ السَّبَبَ الَّذِي بِهِ أَزَالَتْ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ دَاءَ اللَّدْغَةِ عَنِ اللَّدِيغِ الَّتِي رُقِيَ بِهَا، فَقَامَ حَتَّى كَأَنَّ مَا بِهِ قَلَبَةٌ «1» .
فَهَذَانِ نَوْعَانِ مِنَ الطِّبِّ النَّبَوِيِّ نَحْنُ بِحَوْلِ اللَّهِ نَتَكَلَّمُ عَلَيْهِمَا بِحَسْبِ الْجَهْدِ وَالطَّاقَةِ، وَمَبْلَغِ عُلُومِنَا الْقَاصِرَةِ، وَمَعَارِفِنَا الْمُتَلَاشِيَةِ جِدًّا، وَبِضَاعَتِنَا الْمُزْجَاةِ «2» ، وَلَكِنَّا نَسْتَوْهِبُ مَنْ بِيَدِهِ الْخَيْرُ كُلُّهُ، وَنَسْتَمِدُّ مِنْ فَضْلِهِ، فإنه العزيز الوهّاب.
فَصْلٌ
رَوَى مسلم فِي «صَحِيحِهِ» : مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزبير، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ، بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عز وجل» «3» .
وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنْ عطاء، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ دَاءٍ إِلَّا أَنْزَلَ له شفاء» «4» .
(1) قلبة (بزنة سبلة) الداء أو الألم الذي يتقلب منه صاحبه
(2)
بضاعة مزجاة: قليلة أو لم يتم إصلاحها
(3)
أخرجه مسلم في كتاب الطب عن جابر، والإمام أحمد، ولم يخرجه البخاري واستدركه الحاكم فوهم
(4)
أخرجه ابن ماجه. والبخاري في الطب. ورواه مسلم بلفظ «ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء، فإذا أصيب دواء الداء برىء بإذن الله
وَفِي «مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ» : مِنْ حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، عَنْ أسامة بن شريك، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَجَاءَتِ الْأَعْرَابُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنَتَدَاوَى؟
فَقَالَ: «نَعَمْ يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ» ، قَالُوا مَا هُوَ؟ قَالَ:«الْهَرَمُ» «1»
وَفِي لَفْظٍ: «إِنَّ الله لم ينزل داء إلّا أنزل شِفَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ» «2»
وَفِي «الْمُسْنَدِ» : مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَرْفَعُهُ: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ» .
وَفِي «الْمُسْنَدِ» وَ «السُّنَنِ» «3» عَنْ أبي خزامة، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا، وَدَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ، وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا، هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا؟ فَقَالَ «هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ» «4» .
فَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ إثْبَاتَ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ. وَإِبْطَالَ قَوْلِ مَنْ أَنْكَرَهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ:«لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ» ، عَلَى عُمُومِهِ حَتَّى يَتَنَاوَلَ الْأَدْوَاءَ الْقَاتِلَةَ، وَالْأَدْوَاءَ الَّتِي لَا يُمْكِنُ لِطَبِيبٍ أَنْ يُبْرِئَهَا، وَيَكُونُ اللَّهُ عز وجل قَدْ جَعَلَ لَهَا أَدْوِيَةً تُبْرِئُهَا، وَلَكِنْ طَوَى عِلْمَهَا عَنِ الْبَشَرِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ إِلَيْهِ سَبِيلًا، لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ لِلْخَلْقِ إِلَّا مَا عَلَّمَهُمُ اللَّهُ، وَلِهَذَا عَلَّقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الشّفاء على مصادفة الدواء للداء،
(1) أخرجه أبو داود والترمذي والإمام أحمد وابن ماجه كلهم في كتاب الطب وأخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم من حديث زياد بن علاقة، وقال الترمذي حس صحيح والحاكم صحيح. ومعنى الحديث: أي تداووا ولا تعتمدوا في الشفاء على التداوي بل كونوا عباد الله متوكلين عليه. ومن تداوى عليه أن يعتقد حقا ويؤمن يقينا بأن الدواء لا يحدث شفاء ولا يولده، كما أن الداء لا يحدث سقما ولا يولده، ولكن المولى جلت قدرته يخلق الموجودات واحدا عقب آخر على ترتيب هو أعلم بحكمته و «داء الهرم» أي الكبر جعل داء تشبيها به لأن الموت يعقبه كالداء
(2)
رواه الحاكم. ونحوه للنسائي وابن ماجه، وصحيحه ابن حبان
(3)
هي سنن الترمذي
(4)
أخرجه ابن ماجه والحاكم في صحيحه، والترمذي وقال: حسن صحيح
فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ إِلَّا لَهُ ضِدٌّ، وَكُلُّ دَاءٍ لَهُ ضِدٌّ مِنَ الدَّوَاءِ يُعَالَجُ بِضِدِّهِ، فَعَلَّقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْبُرْءَ بِمُوَافَقَةِ الدَّاءِ لِلدَّوَاءِ، وَهَذَا قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى مُجَرَّدِ وَجُودِهِ، فَإِنَّ الدَّوَاءَ مَتَى جَاوَزَ دَرَجَةَ الدَّاءِ فِي الْكَيْفِيَّةِ، أَوْ زَادَ فِي الْكَمِّيَّةِ عَلَى مَا يَنْبَغِي، نَقَلَهُ إِلَى دَاءٍ آخَرَ، وَمَتَى قَصَرَ عَنْهَا لَمْ يَفِ بِمُقَاوَمَتِهِ، وَكَانَ الْعِلَاجُ قَاصِرًا، وَمَتَى لَمْ يَقَعِ الْمُدَاوِي عَلَى الدَّوَاءِ، أَوْ لَمْ يَقَعِ الدَّوَاءُ عَلَى الدَّاءِ، لَمْ يَحْصُلِ الشِّفَاءُ، وَمَتَى لَمْ يَكُنِ الزَّمَانُ صَالِحًا لِذَلِكَ الدَّوَاءِ، لَمْ يَنْفَعْ، وَمَتَى كَانَ الْبَدَنُ غَيْرَ قَابِلٍ لَهُ، أَوِ الْقُوَّةُ عَاجِزَةً عَنْ حَمْلِهِ، أَوْ ثَمَّ مَانِعٌ يَمْنَعُ مِنْ تَأْثِيرِهِ، لَمْ يَحْصُلِ الْبُرْءُ لِعَدَمِ الْمُصَادَفَةِ، وَمَتَى تَمَّتِ الْمُصَادَفَةُ حَصَلَ الْبُرْءُ بِإِذْنِ الله ولابد، وَهَذَا أَحْسَنُ الْمَحْمِلَيْنِ فِي الْحَدِيثِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِنَ الْعَامِّ الْمُرَادِ بِهِ الْخَاصُّ، لَا سِيَّمَا وَالدَّاخِلُ فِي اللَّفْظِ أَضْعَافُ أَضْعَافِ الْخَارِجِ مِنْهُ، وَهَذَا يُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ لِسَانٍ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً يَقْبَلُ الدَّوَاءَ إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً، فَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْأَدْوَاءُ الَّتِي لَا تَقْبَلُ الدَّوَاءَ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الرِّيحِ الَّتِي سَلَّطَهَا عَلَى قَوْمِ عَادٍ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها «1» أَيْ كُلُّ شَيْءٍ يَقْبَلُ التَّدْمِيرَ، وَمِنْ شَأْنِ الرِّيحِ أَنْ تُدَمِّرَهُ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ.
وَمَنْ تَأَمَّلَ خَلْقَ الْأَضْدَادِ فِي هَذَا الْعَالَمِ، وَمُقَاوَمَةَ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ، وَدَفْعَ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَتَسْلِيطَ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، تَبَيَّنَ لَهُ كَمَالُ قُدْرَةِ الرَّبِّ تَعَالَى، وَحِكْمَتُهُ، وَإِتْقَانُهُ مَا صَنَعَهُ، وَتَفَرُّدُهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَالْوَحْدَانِيَّةِ، وَالْقَهْرِ، وَأَنَّ كُلَّ مَا سِوَاهُ فَلَهُ مَا يُضَادُّهُ وَيُمَانِعُهُ، كَمَا أَنَّهُ الْغَنِيُّ بِذَاتِهِ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ مُحْتَاجٌ بِذَاتِهِ.
وَفِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْأَمْرُ بِالتَّدَاوِي، وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ، كَمَا لَا يُنَافِيهِ دَفْعُ دَاءِ الْجَوْعِ، وَالْعَطَشِ، وَالْحَرِّ، وَالْبَرْدِ بِأَضْدَادِهَا، بَلْ لَا تَتِمُّ حَقِيقَةُ التَّوْحِيدِ إِلَّا بِمُبَاشَرَةِ الْأَسْبَابِ الَّتِي نَصَبَهَا اللَّهُ مُقْتَضَيَاتٍ لِمُسَبَّبَاتِهَا قَدَرًا وَشَرْعًا، وَأَنَّ تَعْطِيلَهَا يَقْدَحُ فِي نَفْسِ التَّوَكُّلِ، كَمَا يَقْدَحُ فِي الْأَمْرِ وَالْحِكْمَةِ، وَيُضْعِفُهُ مِنْ حَيْثُ يَظُنُّ مُعَطِّلُهَا أَنَّ تَرْكَهَا أَقْوَى فِي التَّوَكُّلِ، فَإِنَّ تَرْكَهَا عَجْزًا يُنَافِي التوكل الذي حقيقته اعتماد
(1) الأحقاف- 25- وهي الريح العاصفة التي دمر الله بها عادا قوم هود، وكان ذلك بإرادة الله سبحانه، فأهلكتهم رجالا ونساء وصغارا وكبارا، وأهلكت أموالهم. وبقي هود ومن آمن معه.
الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ فِي حُصُولِ مَا يَنْفَعُ الْعَبْدَ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَدَفْعِ مَا يَضُرُّهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَلَا بُدَّ مَعَ هَذَا الِاعْتِمَادِ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْأَسْبَابِ، وَإِلَّا كَانَ مُعَطِّلًا لِلْحِكْمَةِ وَالشَّرْعِ، فَلَا يَجْعَلُ الْعَبْدُ عَجْزَهُ تَوَكُّلًا، وَلَا تَوَكُّلَهُ عَجْزًا.
وَفِيهَا رَدٌّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ التَّدَاوِي، وَقَالَ: إِنْ كَانَ الشِّفَاءُ قَدْ قُدِّرَ، فَالتَّدَاوِي لَا يُفِيدُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ قُدِّرَ، فَكَذَلِكَ وَأَيْضًا، فَإِنَّ الْمَرَضَ حَصَلَ بِقَدَرِ اللَّهِ، وَقَدَرُ اللَّهِ لَا يُدْفَعُ وَلَا يُرَدُّ، وَهَذَا السُّؤَالُ هُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْأَعْرَابُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وَأَمَّا أَفَاضِلُ الصِّحَابَةِ، فَأَعْلَمُ بِاَللَّهِ وَحِكْمَتِهِ وَصِفَاتِهِ مِنْ أَنْ يُورِدُوا مِثْلَ هَذَا، وَقَدْ أَجَابَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَا شَفَى وَكَفَى، فَقَالَ: هَذِهِ الْأَدْوِيَةُ وَالرُّقَى وَالتُّقَى هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ، فَمَا خَرَجَ شَيْءٌ عَنْ قَدَرِهِ، بَلْ يُرَدُّ قَدَرُهُ بِقَدَرِهِ، وَهَذَا الرَّدُّ مِنْ قَدَرِهِ، فَلَا سَبِيلَ إِلَى الْخُرُوجِ عَنْ قَدَرِهِ بِوَجْهٍ مَا، وَهَذَا كَرَدِّ قَدَرِ الْجُوعِ، وَالْعَطَشِ وَالْحَرِّ، وَالْبَرْدِ بِأَضْدَادِهَا، وَكَرَدِّ قَدَرِ الْعَدُوِّ بِالْجِهَادِ، وَكُلٌّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ الدَّافِعُ وَالْمَدْفُوعُ وَالدَّفْعُ.
وَيُقَالُ لِمُورِدِ هَذَا السُّؤَالِ «هَذَا يُوجِبُ عليك ألاتباشر سَبَبًا مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَجْلِبُ بِهَا مَنْفَعَةً، أَوْ تَدْفَعُ بِهَا مَضَرَّةً، لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ وَالْمَضَرَّةَ إِنْ قُدِّرَتَا، لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ وُقُوعِهِمَا، وَإِنْ لَمْ تُقَدَّرَا لَمْ يَكُنْ سَبِيلٌ إِلَى وُقُوعِهِمَا، وَفِي ذَلِكَ خَرَابُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَفَسَادُ الْعَالَمِ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ إِلَّا دَافِعٌ لِلْحَقِّ، مُعَانِدٌ لَهُ، فَيَذْكُرُ الْقَدَرَ لِيَدْفَعَ حُجَّةَ الْمُحِقِّ عَلَيْهِ، كَالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا: لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا «1» ، ولَوْ شاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا «2» . فَهَذَا قَالُوهُ دَفْعًا لِحُجَّةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِالرُّسُلِ.
وَجَوَابُ هَذَا السَّائِلِ أَنْ يُقَالَ: بَقِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ لَمْ تَذْكُرْهُ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ كَذَا وَكَذَا بِهَذَا السَّبَبِ. فَإِنْ أَتَيْتَ بِالسَّبَبِ حَصَلَ الْمُسَبَّبُ، وَإِلَّا فَلَا. فَإِنْ قَالَ: إِنْ كَانَ قَدَّرَ لِي السَّبَبَ، فَعَلْتُهُ، وَإِنْ لَمْ يقدّره لي لم أتمكن من فعله.
(1) الانعام- 148- والمعنى أن المشركين يريدون أن يقولوا: إن الله راض بإشراكنا وتحريمنا للبحيرة والسائبة وغيرهما. ورد الله عليهم بقوله «قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا»
(2)
النحل- 35- والمعنى أن قائل هذا القول أهل مكة وأحزابهم في الشرك فرد عليهم بأنهم يتبعون الذين كانوا من قبلهم فهم مقلدون لاحظ لهم من النظر «كذلك قال الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين»
قِيلَ: فَهَلْ تَقْبَلُ هَذَا الِاحْتِجَاجَ مِنْ عَبْدِكَ، وَوَلَدِكَ، وَأَجِيرِكَ إِذَا احْتَجَّ بِهِ عَلَيْكَ فِيمَا أَمَرْتَهُ بِهِ، وَنَهَيْتَهُ عَنْهُ فَخَالَفَكَ؟ فَإِنْ قَبِلْتَهُ، فَلَا تَلُمْ مَنْ عَصَاكَ، وَأَخَذَ مَالَكَ، وَقَذَفَ عِرْضَكَ، وَضَيَّعَ حُقُوقَكَ. وَإِنْ لَمْ تَقْبَلْهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَقْبُولًا مِنْكَ فِي دَفْعِ حُقُوقِ اللَّهِ عَلَيْكَ. وَقَدْ رُوِيَ فِي أَثَرٍ إسْرَائِيلِيٍّ: أَنَّ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ قَالَ؛ يَا رَبِّ مِمَّنِ الدَّاءُ؟ قَالَ: «مِنِّي» . قَالَ: «فَمِمَّنِ الدَّوَاءُ؟» ؟ قَالَ: «مِنِّي» . قَالَ:
فَمَا بَالُ الطَّبِيبِ؟، قَالَ:«رَجُلٌ أُرْسِلُ الدَّوَاءَ عَلَى يَدَيْهِ» .
وَفِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ» ، تَقْوِيَةٌ لِنَفْسِ الْمَرِيضِ وَالطَّبِيبِ، وَحَثٌّ عَلَى طَلَبِ ذَلِكَ الدَّوَاءِ وَالتَّفْتِيشِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْمَرِيضَ إِذَا اسْتَشْعَرَتْ نَفْسُهُ أَنَّ لِدَائِهِ دَوَاءً يُزِيلُهُ، تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِرُوحِ الرِّجَاءِ، وَبَرَدَتْ عِنْدَهُ حَرَارَةُ الْيَأْسِ، وَانْفَتَحَ لَهُ باب الرجاء، متى قَوِيَتْ نَفْسُهُ انْبَعَثَتْ حَرَارَتُهُ الْغَرِيزِيَّةُ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِقُوَّةِ الْأَرْوَاحِ الْحَيَوَانِيَّةِ وَالنَّفْسَانِيَّةِ وَالطَّبِيعِيَّةِ، وَمَتَى قَوِيَتْ هَذِهِ الْأَرْوَاحُ، قَوِيَتِ الْقُوَى الَّتِي هِيَ حَامِلَةٌ لَهَا، فَقَهَرَتِ الْمَرَضَ وَدَفَعَتْهُ.
وَكَذَلِكَ الطَّبِيبُ إِذَا عَلِمَ أَنَّ لِهَذَا الدَّاءِ دَوَاءً أَمْكَنَهُ طَلَبُهُ وَالتَّفْتِيشُ عَلَيْهِ.
وَأَمْرَاضُ الْأَبْدَانِ عَلَى وِزَانِ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ، وَمَا جَعَلَ اللَّهُ لِلْقَلْبِ مَرَضًا إِلَّا جَعَلَ لَهُ شِفَاءً بِضَدِّهِ، فَإِنْ عَلِمَهُ صَاحِبُ الدَّاءِ وَاسْتَعْمَلَهُ، وَصَادَفَ دَاءَ قَلْبِهِ، أَبْرَأَهُ بإذن الله تعالى.
فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الِاحْتِمَاءِ مِنَ التَّخَمِ
، وَالزِّيَادَةِ فِي الْأَكْلِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ، وَالْقَانُونِ الَّذِي يَنْبَغِي مُرَاعَاتُهُ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ.
فِي «الْمُسْنَدِ» وَغَيْرِهِ: عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وثلث لنفسه» «1» .
(1) أخرجه الإمام أحمد والنسائي في كتاب الزهد، وابن ماجه في الأطعمة والحاكم في الأطعمة عن المقدام بن معد يكرب. قال الحاكم هو صحيح. وقال ابن حجر في فتح الباري: حديث حسن.
الْأَمْرَاضُ نَوْعَانِ: أَمْرَاضٌ مَادِّيَّةٌ تَكُونُ عَنْ زِيَادَةِ مَادَّةٍ أَفْرَطَتْ فِي الْبَدَنِ حَتَّى أَضَرَّتْ بِأَفْعَالِهِ الطَّبِيعِيَّةِ، وَهِيَ الْأَمْرَاضُ الْأَكْثَرِيَّةُ، وَسَبَبُهَا إدْخَالُ الطَّعَامِ عَلَى الْبَدَنِ قَبْلَ هَضْمِ الْأَوَّلِ، وَالزِّيَادَةُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْبَدَنُ وَتَنَاوُلُ، الْأَغْذِيَةِ الْقَلِيلَةِ النَّفْعِ، الْبَطِيئَةِ الْهَضْمِ، وَالْإِكْثَارُ مِنَ الْأَغْذِيَةِ الْمُخْتَلِفَةِ التَّرَاكِيبِ الْمُتَنَوِّعَةِ، فَإِذَا مَلَأَ الْآدَمِيُّ بَطْنَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَغْذِيَةِ، وَاعْتَادَ ذَلِكَ، أَوْرَثَتْهُ أَمْرَاضًا مُتَنَوِّعَةً، مِنْهَا بَطِيءُ الزَّوَالِ وَسَرِيعُهُ، فَإِذَا تَوَسَّطَ فِي الْغِذَاءِ، وَتَنَاوَلَ مِنْهُ قَدْرَ الْحَاجَةِ، وَكَانَ مُعْتَدِلًا فِي كَمِّيَّتِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ، كَانَ انْتِفَاعُ الْبَدَنِ بِهِ أَكْثَرَ مِنَ انْتِفَاعِهِ بِالْغِذَاءِ الْكَثِيرِ.
وَمَرَاتِبُ الْغِذَاءِ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا: مَرْتَبَةُ الْحَاجَةِ. وَالثَّانِيَةُ: مَرْتَبَةُ الْكِفَايَةِ.
وَالثَّالِثَةُ: مَرْتَبَةُ الْفَضْلَةِ. فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ يَكْفِيهِ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَلَا تَسْقُطُ قُوَّتُهُ، وَلَا تَضْعُفُ مَعَهَا، فَإِنْ تَجَاوَزَهَا، فَلْيَأْكُلْ فِي ثُلُثِ بَطْنِهِ، وَيَدَعِ الثُّلُثَ الْآخَرَ لِلْمَاءِ، وَالثَّالِثَ لِلنَّفَسِ، وَهَذَا مِنْ أَنْفَعِ مَا لِلْبَدَنِ وَالْقَلْبِ، فَإِنَّ الْبَطْنَ إِذَا امْتَلَأَ مِنَ الطَّعَامِ ضَاقَ عَنِ الشَّرَابِ، فَإِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ الشَّرَابُ ضَاقَ عَنِ النَّفَسِ، وَعَرَضَ لَهُ الْكَرْبُ وَالتَّعَبُ بِحَمْلِهِ بِمَنْزِلَةِ حَامِلِ الْحِمْلِ الثَّقِيلِ، هَذَا إِلَى مَا يَلْزَمُ ذَلِكَ مِنْ فساد القلب، وكسل الجوارح عن الئاعات، وَتَحَرُّكِهَا فِي الشَّهَوَاتِ الَّتِي يَسْتَلْزِمُهَا الشِّبَعُ. فَامْتِلَاءُ الْبَطْنِ مِنَ الطَّعَامِ مُضِرٌّ لِلْقَلْبِ وَالْبَدَنِ.
هَذَا إِذَا كَانَ دَائِمًا أَوْ أَكْثَرِيَّا. وَأَمَّا إِذَا كَانَ فِي الْأَحْيَانِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ، فَقَدْ شَرِبَ أَبُو هُرَيْرَةَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ اللَّبَنِ، حَتَّى قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا «1» وَأَكَلَ الصِّحَابَةُ بِحَضْرَتِهِ مِرَارًا حَتَّى شَبِعُوا.
وَالشِّبَعُ الْمُفْرِطُ يُضْعِفُ الْقُوَى وَالْبَدَنَ، وَإِنْ أَخْصَبَهُ، وَإِنِّمَا يَقْوَى الْبَدَنُ بِحَسْبِ مَا يَقْبَلُ مِنَ الْغِذَاءِ، لَا بِحَسْبِ كَثْرَتِهِ.
وَلَمَّا كَانَ فِي الْإِنْسَانِ جُزْءٌ أَرْضِيٌّ، وَجُزْءٌ هَوَائِيٌّ، وَجُزْءٌ مَائِيٌّ، قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَفَسَهُ عَلَى الْأَجْزَاءِ الثَّلَاثَةِ.
فَإِنْ قِيلَ «فَأَيْنَ حَظُّ الْجُزْءِ النَّارِيِّ؟.
قِيلَ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ تَكَلَّمَ فِيهَا الأطباء، وقالوا: إن في البدن جزء ناريا بالفعل، وهو أحد أركانه وأسطقساته» «2» .
(1) أخرجه البخاري في الرقاق: باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتخليهم عن الدنيا
(2)
لفظ يوناني أي أصوله جمع «اسطقس» بمعنى الأصل
وَنَازَعَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ مِنَ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْأَطِبَّاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالُوا: لَيْسَ فِي الْبَدَنِ جُزْءٌ نَارِيٌّ بِالْفِعْلِ، وَاسْتَدَلَّوا بِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ ذَلِكَ الْجُزْءَ النَّارِيَّ إِمَّا أَنْ يُدَّعَى أَنَّهُ نَزَلَ عَنِ الْأَثِيرِ، وَاخْتَلَطَ بِهَذِهِ الْأَجْزَاءِ الْمَائِيَّةِ وَالْأَرْضِيَّةِ، أَوْ يُقَالُ: إنَّهُ تَوَلَّدَ فِيهَا وَتَكَوَّنَ، وَالْأَوَّلُ مُسْتَبْعَدٌ لِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّارَ بِالطَّبْعِ صَاعِدَةٌ، فَلَوْ نَزَلَتْ، لَكَانَتْ بِقَاسِرٍ مِنْ مَرْكَزِهَا إِلَى هَذَا الْعَالَمِ. الثَّانِي: أَنَّ تِلْكَ الْأَجْزَاءَ النَّارِيَّةَ لابدّ فِي نُزُولِهَا أَنْ تَعْبُرَ عَلَى كُرَةِ الزَّمْهَرِيرِ الَّتِي هِيَ فِي غَايَةِ الْبَرْدِ، وَنَحْنُ نُشَاهِدُ في هذا العالم أن النار العظيمة تنطفىء بِالْمَاءِ الْقَلِيلِ، فَتِلْكَ الْأَجْزَاءُ الصَّغِيرَةُ عِنْدَ مُرُورِهَا بِكُرَةِ الزَّمْهَرِيرِ الَّتِي هِيَ فِي غَايَةِ الْبَرْدِ، وَنِهَايَةِ الْعِظَمِ أَوْلَى بِالِانْطِفَاءِ.
وَأَمَّا الثَّانِي- وَهُوَ أن يقال: إنها تكونت ها هنا- فَهُوَ أَبْعَدُ وَأَبْعَدُ، لِأَنَّ الْجِسْمَ الَّذِي صَارَ نَارًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، قَدْ كَانَ قَبْلَ صَيْرُورَتِهِ إِمَّا أَرْضًا، وَإِمَّا مَاءً، وَإِمَّا هَوَاءً لِانْحِصَارِ الْأَرْكَانِ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ، وَهَذَا الَّذِي قَدْ صَارَ نَارًا أَوَّلًا، كَانَ مُخْتَلِطًا بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَجْسَامِ، وَمُتَّصِلًا بِهَا، وَالْجِسْمُ الَّذِي لَا يَكُونُ نَارًا إِذَا اخْتَلَطَ بِأَجْسَامٍ عَظِيمَةٍ لَيْسَتْ بِنَارٍ وَلَا وَاحِدٍ مِنْهَا، لَا يَكُونُ مُسْتَعِدًّا لِأَنْ يَنْقَلِبَ نَارًا لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ بِنَارٍ، وَالْأَجْسَامُ الْمُخْتَلِطَةُ بَارِدَةٌ، فَكَيْفَ يَكُونُ مُسْتَعِدًّا لِانْقِلَابِهِ نَارًا؟
فَإِنْ قُلْتُمْ: لِمَ لَا تَكُونُ هُنَاكَ أَجْزَاءٌ نَارِيَّةٌ تَقْلِبُ هَذِهِ الْأَجْسَامَ، وَتَجْعَلُهَا نَارًا بِسَبَبِ مُخَالَطَتِهَا إيَّاهَا؟
قُلْنَا: الْكَلَامُ فِي حُصُولِ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ النَّارِيَّةِ كَالْكَلَامِ فِي الْأَوَّلِ، فَإِنْ قُلْتُمْ:
إنَّا نَرَى مِنْ رَشِّ الْمَاءِ عَلَى النَّوْرَةِ «1» الْمُطْفَأَةِ تَنْفَصِلُ مِنْهَا نارا، وَإِذَا وَقَعَ شُعَاعُ الشَّمْسِ عَلَى الْبَلُّورَةِ، ظَهَرَتِ النَّارُ مِنْهَا، وَإِذَا ضَرَبْنَا الْحَجَرَ عَلَى الْحَدِيدِ، ظَهَرَتِ النَّارُ، وَكُلُّ هَذِهِ النَّارِيَّةِ حَدَثَتْ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ، وَذَلِكَ يُبْطِلُ مَا قَرَّرْتُمُوهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَيْضًا.
قَالَ الْمُنْكِرُونَ: نَحْنُ لَا نُنْكِرُ أن تكون المصاكّة [2] لشديدة مُحْدِثَةً لِلنَّارِ، كَمَا فِي ضَرْبِ الْحِجَارَةِ عَلَى الْحَدِيدِ، أَوْ تَكُونُ قُوَّةُ تَسْخِينِ الشَّمْسِ مُحْدِثَةً لِلنَّارِ، كَمَا فِي الْبَلُّورَةِ، لَكِنَّا نَسْتَبْعِدُ ذَلِكَ جِدًّا فِي أَجْرَامِ النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ، إذْ لَيْسَ في أجرامها
(1) تطلعه النّورة على حجر الكلس، ثم غلب هذا اللفظ على مواد تضاف إلى الكلس من زرنيخ وغيره.
مِنَ الِاصْطِكَاكِ مَا يُوجِبُ حُدُوثَ النَّارِ، وَلَا فِيهَا مِنَ الصَّفَاءِ وَالصِّقَالِ مَا يَبْلُغُ إِلَى حَدِّ الْبَلُّورَةِ، كَيْفَ وَشُعَاعُ الشَّمْسِ يَقَعُ عَلَى ظَاهِرِهَا، فَلَا تَتَوَلَّدُ النَّارُ الْبَتَّةَ، فَالشُّعَاعُ الَّذِي يَصِلُ إِلَى بَاطِنِهَا كَيْفَ يُوَلِّدُ النَّارَ؟.
الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الْأَطِبَّاءَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الشَّرَابَ الْعَتِيقَ فِي غَايَةِ السُّخُونَةِ بِالطَّبْعِ، فَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ السُّخُونَةُ بِسَبَبِ الْأَجْزَاءِ النَّارِيَّةِ، لَكَانَتْ مُحَالًا إذْ تِلْكَ الْأَجْزَاءُ النَّارِيَّةُ مَعَ حَقَارَتِهَا كَيْفَ يُعْقَلُ بَقَاؤُهَا فِي الْأَجْزَاءِ المائية الغالبة دهرا طويلا، بحيث لا تنطفىء مَعَ أَنَّا نَرَى النَّارَ الْعَظِيمَةَ تُطْفَأُ بِالْمَاءِ الْقَلِيلِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ جُزْءٌ نَارِيٌّ بِالْفِعْلِ، لَكَانَ مَغْلُوبًا بِالْجُزْءِ الْمَائِيِّ الَّذِي فِيهِ، وَكَانَ الْجُزْءُ النَّارِيُّ مَقْهُورًا بِهِ، وَغَلَبَةُ بَعْضِ الطَّبَائِعِ وَالْعَنَاصِرِ عَلَى بَعْضٍ يَقْتَضِي انْقِلَابَ طَبِيعَةِ الْمَغْلُوبِ إِلَى طَبِيعَةِ الغالب، فكان يلزم بالضرورة انقلاؤب تِلْكَ الْأَجْزَاءِ النَّارِيَّةِ الْقَلِيلَةِ جِدًّا إِلَى طَبِيعَةِ الْمَاءِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ النَّارِ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى ذَكَرَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ فِي كِتَابِهِ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ، يُخْبِرُ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ خَلَقَهُ مِنْ مَاءٍ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ خَلَقَهُ مِنَ الْمُرَكَّبِ مِنْهُمَا وَهُوَ الطِّينُ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ خَلَقَهُ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ، وَهُوَ الطِّينُ الَّذِي ضَرَبَتْهُ الشَّمْسُ وَالرِّيحُ حَتَّى صَارَ صَلْصَالًا كَالْفَخَّارِ، وَلَمْ يُخْبِرْ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ خَلَقَهُ مِنْ نَارٍ، بَلْ جَعَلَ ذَلِكَ خَاصِّيَّةَ إبْلِيسَ. وَثَبَتَ فِي «صَحِيحِ مسلم» : عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ» خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ» «1» . وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ خُلِقَ مِمَّا وَصَفَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَقَطْ، وَلَمْ يَصِفْ لَنَا سُبْحَانَهُ أَنَّهُ خَلَقَهُ مِنْ نَارٍ، وَلَا أَنَّ فِي مَادَّتِهِ شَيْئًا مِنَ النَّارِ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ غَايَةَ مَا يَسْتَدِلِّونَ بِهِ مَا يُشَاهِدُونَ مِنَ الْحَرَارَةِ فِي أَبْدَانِ الْحَيَوَانِ، وَهِيَ دَلِيلٌ عَلَى الْأَجْزَاءِ النَّارِيَّةِ، وَهَذَا لَا يَدُلُّ، فَإِنَّ أَسْبَابَ الْحَرَارَةِ أَعَمُّ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّهَا تَكُونُ عَنِ النَّارِ تَارَةً، وَعَنِ الْحَرَكَةِ أُخْرَى، وَعَنِ انْعِكَاسِ الْأَشِعَّةِ، وَعَنْ سُخُونَةِ الْهَوَاءِ، وَعَنْ مُجَاوَرَةِ النَّارِ، وَذَلِكَ بِوَاسِطَةِ سُخُونَةِ الْهَوَاءِ أَيْضًا، وَتَكُونُ عَنْ أَسْبَابٍ أُخَرَ، فَلَا يَلْزَمُ مِنَ الْحَرَارَةِ النار.
(1) لم يخرجه البخاري. وقد رواه الإمام أحمد والإمام مسلم في آخر صحيحه عن عائشة.
قَالَ أَصْحَابُ النَّارِ: مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ التُّرَابَ وَالْمَاءَ إِذَا اخْتَلَطَا فَلَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ حَرَارَةٍ تَقْتَضِي طَبْخَهُمَا وَامْتِزَاجَهُمَا، وَإِلَّا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا غَيْرَ مُمَازِجٍ لِلْآخَرِ، وَلَا مُتَّحِدًا بِهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا أَلْقَيْنَا الْبَذْرَ فِي الطِّينِ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ الْهَوَاءُ وَلَا الشَّمْسُ فَسَدَ، فَلَا يَخْلُو، إِمَّا أَنْ يَحْصُلَ فِي الْمُرَكَّبِ جِسْمٌ مُنْضِجٌ طَابِخٌ بِالطَّبْعِ أَوْ لَا، فَإِنْ حَصَلَ، فَهُوَ الْجُزْءُ النَّارِيُّ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ، لم يكن المركب مسخنا بطبعه، بل بَلْ إِنْ سَخَّنَ كَانَ التَّسْخِينُ عَرَضِيَّا، فَإِذَا زَالَ التَّسْخِينُ الْعَرَضِيُّ، لَمْ يَكُنِ الشَّيْءُ حَارًّا فِي طَبْعِهِ، وَلَا فِي كَيْفِيَّتِهِ، وَكَانَ بَارِدًا مُطْلَقًا، لَكِنْ مِنَ الْأَغْذِيَةِ وَالْأَدْوِيَةِ مَا يَكُونُ حارا بالطبع، فعل أَنَّ حَرَارَتَهَا إِنَّمَا كَانَتْ، لِأَنَّ فِيهَا جَوْهَرًا نَارِيًّا.
وَأَيْضًا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَدَنِ جُزْءٌ مُسَخِّنٌ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي نِهَايَةِ الْبَرْدِ، لِأَنَّ الطَّبِيعَةَ إِذَا كَانَتْ مُقْتَضِيَةً لِلْبَرْدِ، وَكَانَتْ خَالِيَةً عَنِ الْمُعَاوِنِ وَالْمُعَارِضِ، وَجَبَ انْتِهَاءُ الْبَرْدِ إِلَى أَقْصَى الْغَايَةِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا حَصَلَ لَهَا الْإِحْسَاسُ بِالْبَرْدِ، لِأَنَّ الْبَرْدَ الْوَاصِلَ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ فِي الْغَايَةِ كَانَ مِثْلَهُ، وَالشَّيْءُ لَا يَنْفَعِلُ عَنْ مِثْلِهِ، وَإِذَا لَمْ يَنْفَعِلْ عَنْهُ لَمْ يَحُسَّ بِهِ، وَإِذَا لَمْ يَحُسَّ بِهِ لَمْ يَتَأَلَّمْ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فَعَدَمُ الِانْفِعَالِ يَكُونُ أَوْلَى، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَدَنِ جُزْءٌ مُسَخِّنٌ بِالطَّبْعِ لَمَا انْفَعَلَ عَنِ الْبَرْدِ، وَلَا تَأَلَّمَ بِهِ. قَالُوا: وَأَدِلَّتُكُمْ إِنَّمَا تُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: الْأَجْزَاءُ النَّارِيَّةُ بَاقِيَةٌ فِي هَذِهِ الْمُرَكَّبَاتِ عَلَى حَالِهَا، وَطَبِيعَتِهَا النَّارِيَّةِ، وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِذَلِكَ، بَلْ نَقُولُ: إِنَّ صُورَتَهَا النَّوْعِيَّةَ تَفْسُدُ عِنْدَ الِامْتِزَاجِ.
قَالَ الْآخَرُونَ «لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْأَرْضَ وَالْمَاءَ وَالْهَوَاءَ إِذَا اخْتَلَطَتْ، فَالْحَرَارَةُ الْمُنْضِجَةُ الطَّابِخَةُ لَهَا هِيَ حَرَارَةُ الشَّمْسِ وَسَائِرِ الْكَوَاكِبِ، ثُمَّ ذَلِكَ الْمُرَكَّبُ عِنْدَ كَمَالِ نضجه مستعد لقبور الْهَيْئَةِ التَّرْكِيبِيَّةِ بِوَاسِطَةِ السُّخُونَةِ نَبَاتًا كَانَ أَوْ حَيَوَانًا أَوْ مَعْدِنًا، وَمَا الْمَانِعُ أَنَّ تِلْكَ السُّخُونَةَ وَالْحَرَارَةَ الَّتِي فِي الْمُرَكَّبَاتِ هِيَ بِسَبَبِ خَوَاصَّ وَقُوًى يُحْدِثُهَا اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ ذَلِكَ الِامْتِزَاجِ لَا مِنْ أَجْزَاءٍ نَارِيَّةٍ بِالْفِعْلِ؟ وَلَا سَبِيلَ لَكُمْ إِلَى إِبْطَالِ هَذَا الْإِمْكَانِ الْبَتَّةَ، وَقَدِ اعْتَرَفَ جَمَاعَةٌ مِنْ فُضَلَاءِ الْأَطِبَّاءِ بِذَلِكَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ إِحْسَاسِ الْبَدَنِ بِالْبَرْدِ، فَنَقُولُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِي الْبَدَنِ حَرَارَةً وَتَسْخِينًا، وَمَنْ يُنْكِرُ ذَلِكَ؟ لَكِنْ مَا الدَّلِيلُ عَلَى انْحِصَارِ الْمُسَخِّنِ فِي النَّارِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ
كَانَ كُلُّ نَارٍ مُسَخِّنًا، فَإِنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ لَا تَنْعَكِسُ كُلِّيَّةً، بَلْ عَكْسُهَا الصَّادِقُ بَعْضُ الْمُسَخِّنِ نَارٌ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ بِفَسَادِ صُورَةِ النَّارِ النَّوْعِيَّةِ، فَأَكْثَرُ الْأَطِبَّاءِ عَلَى بَقَاءِ صُورَتِهَا، النَّوْعِيَّةِ، وَالْقَوْلُ بِفَسَادِهَا قَوْلٌ فَاسِدٌ قَدِ اعْتَرَفَ بِفَسَادِهِ أفضل متأخريكم «1» في كتابه المسمى بالشفاء، وَبَرْهَنَ عَلَى بَقَاءِ الْأَرْكَانِ أَجْمَعَ عَلَى طَبَائِعِهَا في المركبات. وبالله التوفيق.
فصل: في علاجه ص للمرض
وَكَانَ عِلَاجُهُ صلى الله عليه وسلم لِلْمَرَضِ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ:
أَحَدُهَا: بِالْأَدْوِيَةِ الطَّبِيعِيَّةِ.
وَالثَّانِي: بِالْأَدْوِيَةِ الْإِلَهِيَّةِ.
وَالثَّالِثُ: بِالْمُرَكَّبِ مِنَ الْأَمْرَيْنِ.
وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم، فَنَبْدَأُ بِذِكْرِ الْأَدْوِيَةِ الطَّبِيعِيَّةِ الَّتِي وَصَفَهَا وَاسْتَعْمَلَهَا، ثُمَّ نَذْكُرُ الْأَدْوِيَةَ الْإِلَهِيَّةَ، ثُمَّ الْمُرَكَّبَةَ.
وَهَذَا إِنِّمَا نُشِيرُ إِلَيْهِ إِشَارَةً، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنِّمَا بُعِثَ هَادِيًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ، وَإِلَى جَنَّتِهِ، وَمُعَرِّفًا بِاَللَّهِ، وَمُبَيِّنًا لِلْأُمَّةِ مَوَاقِعَ رِضَاهُ وَآمِرًا لَهُمْ بِهَا، وَمَوَاقِعَ سَخَطِهِ وَنَاهِيًا لَهُمْ عَنْهَا، وَمُخْبِرَهُمْ أَخْبَارَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَأَحْوَالَهُمْ مَعَ أُمَمِهِمْ، وَأَخْبَارَ تَخْلِيقِ الْعَالَمِ، وَأَمْرَ الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ، وَكَيْفِيَّةَ شَقَاوَةِ النُّفُوسِ وَسَعَادَتِهَا، وَأَسْبَابَ ذَلِكَ.
وَأَمَّا طِبُّ الْأَبْدَانِ «فَجَاءَ مِنْ تَكْمِيلِ شَرِيعَتِهِ، وَمَقْصُودًا لِغَيْرِهِ، بِحَيْثُ إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، فَإِذَا قَدَرَ عَلَى الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ، كَانَ صَرْفُ الْهِمَمِ وَالْقُوَى إِلَى عِلَاجِ الْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ، وَحِفْظِ صِحَّتِهَا، وَدَفْعِ أَسْقَامِهَا، وَحِمْيَتِهَا مِمَّا يُفْسِدُهَا هُوَ الْمَقْصُودَ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ، وَإِصْلَاحُ الْبَدَنِ بِدُونِ إِصْلَاحِ الْقَلْبِ لَا يَنْفَعُ، وَفَسَادُ الْبَدَنِ مَعَ إِصْلَاحِ الْقَلْبِ مَضَرَّتُهُ يَسِيرَةٌ جِدًّا، وَهِيَ مَضَرَّةٌ زَائِلَةٌ تَعْقُبُهَا الْمَنْفَعَةُ الدائمة التامة، وبالله التوفيق.
(1) أي الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا توفي عام 428 هـ.