الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَدْ ثَبَتَ فِي «الصَّحِيحِ» : عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ كَانَ يُوَاصِلُ فِي الصِّيَامِ الْأَيَّامَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ، وَيَنْهَى أَصْحَابَهُ عَنِ الْوِصَالِ وَيَقُولُ «لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي» «1» .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ لَيْسَ هُوَ الطَّعَامَ الَّذِي يَأْكُلُهُ الْإِنْسَانُ بِفَمِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُوَاصِلًا وَلَمْ يَتَحَقَّقِ الْفَرْقُ، بَلْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا، فَإِنَّهُ قَالَ «أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي» .
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فِي نَفْسِ الْوِصَالِ، وَأَنَّهُ يَقْدِرُ مِنْهُ على ما لا يق يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، فَلَوْ كَانَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ بِفَمِهِ، لَمْ يَقُلْ لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، وَإِنَّمَا فَهِمَ هَذَا مِنَ الْحَدِيثِ مَنْ قَلَّ نَصِيبُهُ مِنْ غِذَاءِ الْأَرْوَاحِ وَالْقُلُوبِ، وَتَأْثِيرُهُ فِي الْقُوَّةِ وَإِنْعَاشِهَا، وَاغْتِذَائِهَا بِهِ فَوْقَ تَأْثِيرِ الْغِذَاءِ الْجُسْمَانِيِّ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الْعُذْرَةِ، وَفِي الْعِلَاجِ بِالسَّعُوطِ
ثَبَتَ عَنْهُ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» أَنَّهُ قَالَ: «خَيْرُ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ، وَالْقُسْطُ الْبَحْرِيِّ، وَلَا تُعَذِّبُوا صِبْيَانَكُمْ بِالْغَمْزِ مِنَ الْعُذْرَةِ» «2» .
وَفِي «السُّنَنِ» وَ «الْمُسْنَدِ» عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عائشة، وَعِنْدَهَا صَبِيٌّ يُسِيلُ مَنْخَرَاهُ دَمًا، فَقَالَ:«مَا هَذَا؟» . فَقَالُوا: بِهِ الْعُذْرَةُ، أَوْ وَجَعٌ فِي رَأْسِهِ، فَقَالَ:«وَيْلَكُنَّ لَا تَقْتُلْنَ أَوْلَادَكُنَّ، أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَ وَلَدَهَا عُذْرَةٌ أَوْ وَجَعٌ فِي رَأْسِهِ، فَلْتَأْخُذْ قُسْطًا هِنْدِيًّا فَلْتَحُكَّهُ بِمَاءٍ، ثُمَّ تُسْعِطْهُ إِيَّاهُ» فَأَمَرَتْ عائشة رضي الله عنها فَصُنِعَ ذَلِكَ بِالصَّبِيِّ، فَبَرَأَ «3»
قَالَ أبو عبيد عَنْ أبي عبيدة: الْعُذْرَةُ تَهَيُّجٌ فِي الْحَلْقِ مِنَ الدَّمِ، فَإِذَا عُولِجَ مِنْهُ، قِيلَ: قَدْ عُذِرَ بِهِ، فَهُوَ مَعْذُورٌ انْتَهَى. وَقِيلَ الْعُذْرَةُ: قُرْحَةٌ تَخْرُجُ فِيمَا بَيْنَ الْأُذُنِ وَالْحَلْقِ، وَتَعْرِضُ لِلصِّبْيَانِ غَالِبًا.
وَأَمَّا نَفْعُ السَّعُوطِ مِنْهَا بِالْقُسْطِ الْمَحْكُوكِ، فَلِأَنَّ الْعُذْرَةَ مادتها دم يغلب عليه
(1) أخرجه البخاري ومسلم في الصيام
(2)
أخرجه البخاري في الطب، ومسلم في المساقاة، والإمام أحمد، والنسائي
(3)
أخرجه الإمام أحمد، وإسناده صحيح