الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعا: شروط وضوابط الاعتبار برأي الأغلبية
.
ومع ميل الباحث للعمل بمبدأ الأغلبية في المجالات المذكورة آنفاً، إلا أنه لا بد لهذا المبدأ من ضوابط لا يكتمل عقده إلا بها، وإلا فلا اعتبار له، من هذه الشروط والضوابط:
1 - لا اعتبار برأي الأغلبية إذا خالفت الشرع:
فكل مسألة أو أمر أو نازلة للأمة ثبت فيها نص شرعي من كتاب الله تعالى، أو صح فيها حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أجمع عليها العلماء إجماعاً معتبراً، فلا اعتبار فيها لرأي الأغلبية
…
أو الأقلية، فمقتضى الإيمان هو الانقياد والتسليم والخضوع لأمر الله، ولأمر رسوله صلى الله عليه وسلم امتثالاً لقوله تعالى {فَلَا وربكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتى يُحَكمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَا قَضَيَتَ وَيُسَلمُوا تَسْلِيمًا} .
(1)
ولقوله جل شأنه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَىَ اللهُ وَرَسُوُلهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} .
(2)
وقوله سبحانه: {وَمَا آتَاكُمْ الْرسُوُلُ فَخُذُوُهُ وُمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} .
(3)
2 - يعتبر رأي الأغلبية في المسائل الاجتهادية:
لرأي الأغلبية مندوحة فيما لا نص فيه وفي مواطن الاجتهاد، أما مع وجود النص فلا اجتهاد ولا أغلبية في معرض النص.
قال شارح الطحاوية: " وقد دلت نصوص الكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة، أن ولي الأمر، وإمام الصلاة، والحاكم، وأمير الحرب، وعامل الصدقة: يطاع في مواضع الاجتهاد، وليس عليه أن يطيع أتباعه في موارد الاجتهاد، بل عليهم طاعته في ذلك، وترك رأيهم لرأيه فإن مصلحة الجماعة، والائتلاف، ومفسدة الفرقة والاختلاف، أعظم من أمر المسائل الجزئية".
(4)
3 - ترد الأمور الشرعية إلى أهل العلم والاختصاص:
لقول الله تعالى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} .
(5)
فكل أمر يتعلق بحكم شرعي فمرده إلى أهل العلم لقوله عز وجل {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوُا بِهِ وَلَوْ رَدوُهُ إِلَى الْرسُولِ وَإِلَى أُوِلي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الذِينَ يَسْتَنْبِطُوَنَهِ مِنْهُمْ} .
(6)
(1)
النساء (65).
(2)
الأحزاب (36).
(3)
الحشر (7).
(4)
شرح العقيدة الطحاوية: ابن أبي العز الحنفي، المكتب الإسلامي: بيروت، ط (4) 1391 هـ، ص 373.
(5)
النحل (43).
(6)
النساء (83).
فهناك أمور علمية وتخصصية، الأصل فيها أن ترد إلى أهلها ما يدل على ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنه ما، قال: "كنت أقرئ عبد الرحمن بن عوف، فلما كان آخر حجة حجها عمر، فقال عبد الرحمن بمنى لو شهدت أمير المؤمنين أتاه رجل قال إن فلانا يقول: لو مات أمير المؤمنين لبايعنا فلانا.
فقال عمر: لأقومن العشية فأحذر هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغضبوهم، قلت: لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس يغلبون على مجلسك فأخاف أن لا ينزلوها على وجهها فيطير بها كل مطير، فأمهل حتى تقدم المدينة دار الهجرة ودار السنة فتخلص بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار فيحفظوا مقالتك وينزلوها على وجهها. فقال:" والله لأقومن به في أول مقام أقومه بالمدينة، قال ابن عباس: فقدمنا المدينة. فقال: "إن الله بعث محمداً ص بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل آية الرجم
…
الخ".
(1)
قال ابن خويز منداد
(2)
: " واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون، وفيما أشكل عليهم من أمور الدين، ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب، ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح،
…
ووجوه الكتاب والوزراء والعمال فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها".
(3)
(1)
صحيح البخاري: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل العلم، ج 9، ص 127 - 128، برقم 7323.
(2)
محمد بن أحمد بن عبد الله بن خويز منداد المالكي، صاحب أبي بكر الأبهري، من كبار المالكية العراقيين، توفي 390 هـ.
- الوافي بالوفيات: صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، تح: أحمد الأرناؤوط، وتركي مصطفى، دار إحياء التراث العربي: بيروت، ط () 1420 هـ- 2000 م، ج 2، ص 39.
(3)
تفسير القرطبي: القرطبي، ج 4، ص 250.