الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ال
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على من حذر أمته من مضلات الفتن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بعثه ربه بأحسن سبيل وأفضل كتاب، وأقوم سنن صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا أما بعد:
فإن عمل قوم لوط أعظم الفواحش على الإطلاق، وأضرها على الدين والمروءة والأخلاق، فهو داء عضال وسم قتال، متناه في القبح والبشاعة
غاية في الخسة والشناعة، وهو شذوذ منحرف، وارتكاس في الطباع، يمجه الذوق السليم، وتأباه الفطرة السوية، وترفضه وتمقته الشرائع السماوية؛ لما له من عظيم الأضرار، وما يترتب عليه من جسيم الأخطار فآثاره السيئة يقصر دونها العد، وأضراره المدمرة لا تقف عند حد، فشأنه خطير، وشره مستطير، يفتك بالأفراد، وينهك المجتمعات، ويمحق الخيرات والبركات، ويتسبب في حلول العقوبات والمثلات.
ولعظم هذه الجريمة ولما لها من الآثار الوخيمة ـ تظاهرت نصوص الكتاب والسنة محذرة منها، ومن سلوك السبل المفضية إليها، مبينة عقوبة الأمة التي ابتدعتها، موضحة أن تلك العقوبة ليست من الظالمين ببعيد.
وكذلك السلف الصالح ـ رضوان الله عليهم ـ تكلموا على هذه الجريمة، وحذروا منها وألفوا فيها، فالكتابة فيها والتحذير منها ليس بدعا من القول؛ بل إنه مما ينبغي أن ينبري له من يكتب فيه ويحذر منه، بدلا من
تركه يستشري في الناس، والضرب صفحا عن الكتابة فيه بحجة أن النفوس تأنف من ذكره، ولا تحب سماعه!
وهذا ـ ولا شك ـ خطأ واضح وخلل فادح، فطالما أن المنكر عم خطره واستطار شرره ـ كان من الواجب إنكاره وصده والوقوف في وجهه أو ـ على الأقل ـ التقليل من خطره، فلقد تفشى هذا العمل القبيح في هذه الأعصار، وانتشر في كثير من الأمصار التي تدعي المدنية والحضارة والتقدم، فنظام بعض الدول ـ عياذا بالله ـ يبيح عقد النكاح للرجل على الرجل، بل إن شأن الشاذين قد علا، وصوتهم قد ارتفع، فرفعوا عقيرتهم مطالبين بحقوقهم، فأصبح لهم من جراء ذلك محطات إذاعية، وأصوات في الانتخابات، بل إن بعض الجامعات خصصت منحا دراسية للشاذين، كما أصبح هناك أحياء لهم خاصة بهم.
وعندما فشت تلك الفاحشة عندهم، وأعلنوا بها، وتمردوا على أحكام الله الشرعية فعطلوها ونبذوها وراءهم ظهريا ـ سلط الله عليهم عقوباته القدرية، ففشت فيهم الأمراض المستعصية، والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، ففتكت بهم، وأثارت الذعر في نفوسهم، وأصبحوا يبحثون عن المخرج، ويسعون للعلاج، وكلما وجدوا عقارا نافعا، أو علاجا ناجعا لمرض من الأمراض ـ نزل بساحتهم مرض جديد، فذهلوا به عن الأول، مما جعلهم يقفون واجمين متحيرين أمام هذا الخضم الموار، من تلك الشرور والأخطار، ومهما يك من شيء فإننا لا نستغرب أن تنتشر الفاحشة في مجتمعات الكفار، ذلك لأنهم كفروا بالله عز وجل وليس بعد الكفر ذنب.
ولكن المصيبة العظمى والطعنة النجلاء أن ينتقل هذا الداء العياء إلى
بلاد المسلمين، وينتشر فيها، ويستشري في أبنائها.
ولم يكن ذلك ليحصل إلا لأسباب ستمر معنا في ثنايا البحث ـ إن شاء الله ـ ولعل من أبرزها أن كثيرا من المسلمين نسوا حظا مما ذكروا به، واتبعوا سنن من كان قبلهم حذو القذة بالقذة.
ولما كان انتشاره في بلاد المسلمين نذير شؤم ومؤذن بلاء وعقوبة ـ كان واجبا على كل مسلم ـ بحسب قدرته وطاقته ـ أن يسعى في الوقوف أمامه، وأن يحاول صده، والحد من انتشاره.
لذا تطفلت ـ بجهد المقل ـ بهذا البحث سائلا المولى أن ينفع به، وأسميته:((الفاحشة (عمل قوم لوط) الأضرار ـ الأسباب ـ سبل الوقاية والعلاج)) . وقد جاء هذا البحث بعد هذه المقدمة على النوح التالي:
الفصل الأول: وتحته خمسة مباحث:
المبحث الأول: تعريف عمل قوم لوط، وأسماؤه الأخرى.
المبحث الثاني: الكتب المؤلفة في عمل قوم لوط.
المبحث الثالث: تحريمه وعقوبة مرتكبه.
المبحث الرابع: الآثار الواردة في ذمه.
المبحث الخامس: أول من ابتدعه.
الفصل الثاني: أضرار عمل قوم لوط وتحته ستة مباحث:
المبحث الأول: أضراره الدينية.
المبحث الثاني: أضراره الخلقية.
المبحث الثالث: أضراره الاجتماعية.
المبحث الرابع: أضراره الاقتصادية.
المبحث الخامس: أضراره النفسية.
المبحث السادس: أضراره الصحية.
الفصل الثالث: أسباب وقوع اللواط:
وتم فيه الحديث عن الأسباب التي تؤدي إلى وقوع تلك الجريمة، سواء الأسباب الخاصة المباشرة، التي تعود إلى ذات الأشخاص الذين يقعون فيها، أو الأسباب العامة غير المباشرة، التي قد تتسبب في وقوع تلك الجريمة.
الفصل الرابع: سبل الوقاية والعلاج وتحته مبحثان:
المبحث الأول: السبل العامة للوقاية والعلاج من اللواط.
المبحث الثاني: سبل الوقاية والعلاج للمبتلين باللواط.
خاتمة البحث: وهي تحوي ملخصا لأهم ما ورد في هذا الكتاب.
هذا ما تيسر جمعه وتقييده، وهذا جهد المقل، فما كان فيه من صواب فذلك فضل الله، وما كان فيه من زلل أو خطل ـ فمن نفسي والشيطان، {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} . [هود، 88] .
وأخيرا هذه صيحة نذير، وصرخة تحذير، أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعلم بها جاهلا، أو ينبه بها غافلا، أو يذكر ناسيا، أو يحرك متوانيا.
كما أسأله عز وجل أن يجزي خير الجزاء كل من مد يد العون لي في هذا المبحث، ويجعل ذلك في ميزان حسناته، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، كما آمل ممن يقرأ هذا الكتاب أن يوافيني بملاحظاته واستدراكاته، وله الدعاء والشكر.
كما ألتمس العذر من القراء الكرام إن كان في ثنايا هذا الكتاب ما يؤذي أسماعهم، أو يحزن قلوبهم، ولكن الحرص على الإبلاغ، والرغبة في محض النصح ـ هما اللذان حملاني على طرق هذا الموضوع بوضوح وصراحة، وإن كان في جعبتي أمور أخرى، لم تطق شباة القلم أن تخطها، فآثرت تركها
والإعراض عن ذكرها؛ لثقلها الشديد على النفس، ولئلا أوصم بالمبالغة والتهويل، من قبل من لا يدرك أبعاد هذا الداء الوبيل.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وسلام على المرسلين، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم تسليما كثيرا.
محمد بن إبراهيم الحمد الزلفي
25/9/1414 هـ
11932 ـ ص ب 460