الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: سبل الوقاية والعلاح للمبتلين باللواط
…
المبحث الثاني
سبل الوقاية والعلاج للمبتلين باللواط
وهذا المبحث داخل في المبحث السابق إلا أنه أفرد لأهميته.
والحديث في هذا المبحث سيكون مقتصرا على من ابتلي باللواط سواء كان فاعلا أم مفعولا به، وسيذكر من خلاله بعض السبل المعينة على التخلص والوقاية من هذا البلاء، والتي يجدر بمن ابتلي به أن يسلكها ويأخذ بها، فمما ينبغي على من وقع في اللواط ما يلي:
1 ـ التوبة النصوح:
فيا أيها المبتلى بهذا الداء: الله الله بالتوبة النصوح؛ فإن باب التوبة مفتوح، وبوارق الأمل لك تلوح ((فإياك أيها المتمرد أن يأخذك على غرة؛ فإنه غيور، وإذا أقمت على معصية وهو يمدك بنعمته فاحذره فإنه لم يهملك، ولكنه صبور، وبشراك أيها التائب بمغفرته ورحمته؛ إنه غفور شكور))
فأقدم أيها المذنب غير هياب، وإياك إذا صدقت في توبتك وأنبت إلى ربك وتركت ما تهواه رغبة في رضاه، وخشية من سخطه وأليم عقابه ـ فإنه سيقبلك ولن يخذلك، واعلم أن العبرة بكمال النهاية، لا بنقص البداية.
2 ـ الإخلاص لله عز وجل:
فالإخلاص لله عز وجل أنفع الأدوية، فما أحرى بمن وقع في هذا الأمر أن يلجأ إلى ربه بإخلاص وصدق، فإذا أخلص لربه وفقه الله وأعانه
1 عدة الصابرين لابن القيم ص 340.
وصرف عنه السوء والفحشاء، قال ـ سبحانه ـ عن يوسف عليه السلام:{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24] .
((فأخبر ـ سبحانه ـ أنه صرف عن يوسف السوء من العشق، والفحشاء من الفعل بإخلاصه؛ فإن القلب إذا أخلص، وأخلص عمله لله لم يتمكن منه عشق الصور؛ فإنه إنما يتمكن من القلب الفارغ))
2 ـ الصبر:
فالصبر خصلة محمودة، وسجية مرغوبة، وخلق فريد، عواقبه جميلة، وآثاره حميدة، وفوائده جمة، وعوائده كريمة 2.
والصبر علاج ناجع، ودواء نافع، فعلى من ابتلي بهذا الأمر أن يتذرع بالصبر، ويتدرع به، وأن يتكلفه ويوطن نفسه عليه، ويتجرع مرارته ليذوق حلاوته، ومن ثم يصبح سجية له، قال عليه الصلاة والسلام:((ومن يتصبريصبره الله)) 3. وما أحسن قول من قال:
والصبر مثل اسمه مر مذاقته
لكن عواقبه أحلى من العسل
قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ: ((والصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على توجبه الشهوة؛ فإنها إما أن توجب ألما وعقوبة، وإما أن تقطع لذة أكمل منها، وإما أن تضيع وقتا إضاعته حسرة وندامة، وإما أن تثلم عرضا توفيره أنفع للعبد من ثلمه، وإما أن تذهب مالا بقاؤه خير له من
1 الجواب الكافي ص 298، وانظر العبودية لشيخ الإٍسلام ابن تيمية ص 100، وفوائد مستنبطة من قصة يوسف للشيخ عبد الرحمن بن سعدي ص 35.
2 انظر الصبر، د: صالح الخزيم ص 14 ـ 22، والصبر لعاطي بن عطية الجهني، والصبر الجميل للشيخ سليم الهلالي ص 21 ـ 26.
3 رواه البخاري 7/183، ومسلم برقم (1053) .
ذهابه، وإما أن تضع قدرا وجاها قيامه خير من وضعه، وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة، وإما أن تطرق لوضيع إليك طريقا لم يكن يجدها قبل ذلك، وإما أن تجلب هما وغما وحزنا وخوفا لا يقارب لذة الشهوة، وإما أن تنسي علما ذكره ألذ من نيل الشهوة، وإما أن تشمت عدوا وتحزن وليا، وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة، وإما أن تحدث عيبا يبقى صفة لا تزول؛ فإن الأعمال تورث الصفات والأخلاق))
4 ـ مجاهدة النفس، ومخالفة الهوى:
فمجاهدة النفس، ومخالفة الهوى من أعظم الأسباب المعينة على ترك الفواحش والشرور، والذي يجاهد نفسه في ذات الله عز وجل فليبشر بالخير والهداية، قال تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} (العنكبوت:69)
فعلى من وقع في تلك الفاحشة أن يقدع نفسه، ويكفها عن شهواتها، وألا يسترسل معها في غيها، وإلا نزعت به إلى شر غاية.
فالنفس طلعة ومطالبها كثيرة، ورغباتها لا تقف عند حد، وصدق من قال:
والنفس إن أعطيتها مناها
…
فاغرة نحو هواها فاها
ومن قال:
إذا المرء أعطى نفسه كل ما اشتهت
…
ولم ينهها تاقت إلى كل مطلب
وما أحسن قول ابن المبارك رحمه الله:
ومن البلايا للبلاء علامة
…
ألا يرى لك من هواك نزوع
العبد عبد النفس في شهواتها
…
والحر يشبع تارة ويجوع 2
1 الفوائد لابن القيم ص 204.
2 روضة المحبين لابن القيم ص 481.
((ويقولون: إن هشام بن عبد الملك لم يقل بيت شعر قط إلا هذا البيت:
إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى
…
إلى بعض ما فيه عليك مقال))
ثم إن مجاهدة النفس ومخالفة الهوى تثمر ثمرات كثيرة جدا، ولو لم يأت منها إلا أن الذي يجاهد نفسه ويخالف هواه ـ ينعتق من رق الهوى، وسلطان الشهوة ، وما أجمل ما قيل:
رب مستور سبته شهوة
…
فتعرى ستره فانهتكا
صاحب الشهوة عبد فإذا
…
غلب الشهوة أضحى ملكا 2
هذا وقد ذكر ابن القيم في كتابه روضة المحبين أمورا تبلغ الخمسين تعين على مجاهدة النفس، ومخالفة الهوى، وتبين ثمرات ذلك 3.
5 ـ استشعار اطلاع الله عز وجل:
فالذي يفعل هذه الفعلة تجده يتوارى عن الأعين ويحرص على ذلك، فعليه ـ والحال هذه ـ أن يستشعر اطلاع الرب تبارك وتعالى عليه، فالله لا تخفى عليه خافية، فالغيب عنده شهادة، والسر علانية، فالذي يفعل هذه المعصية ويتوارى عن الأعين لا يخلو من حالتين: الأولى: أن يعتقد أن الله عز وجل لا يراه ولا يطلع عليه فإن كان كذلك فهو كافر بالله.
والثانية: أن يعتقد أن الله مطلع عليه ومن كان كذلك فلا يليق به أن يفعل المعصية، فإن فعلها فلا شك أنه ممن قل حياؤه من ربه، إذ جعله أهون من ينظر إليه ومن أجمل ما قيل في هذا قول الشاعر:
وإذا خلوت بريبة في ظلمة
…
والنفس داعية إلى الطغيان
1 الآداب الشرعية 3/131.
2 روضة المحبين ص 481.
3 انظر روضة المحبين ص 462 إلى 482.
فاستحي من نظر الإله وقل لها
…
إن الذي خلق الظلام يراني
وقول الآخر:
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل
…
خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة
…
ولا أن ما تخفي عليه يغيب
6 ـ امتلاء القلب من محبة الله عز وجل:
وهذا من أعظم الأسباب التي تقي من الفساد والانحراف، فالذي يتعلق بالشهوات، ويتيه في أودية الضلال لا شك أن قلبه خاو من محبة الله عز وجل فمحبة الله عز وجل تلم شعث القلب، وتشبع جوعته، وتسد فاقته وخلته، فمن المتقرر أن في القلب فقرا ذاتيا، وجوعة وشعثا وتفرقا، ولا يغني هذا القلب ولا يلم شعثه ولا يسد خلته إلا عبادة الله عز وجل ومحبته، فإذا خلا القلب من ذلك تناوشته الأخطار، وتسلطت عليه سائر المحبوبات، فشتته وفرقته، وذهبت به كل مذهب.
فما أجدر بمن تعلق قلبه في الفاحشة وغدا بلبه حب الصور المحرمة ـ أن يفرغ قلبه من تلك المحبة الفاسدة المذمومة، وأن يملأه بالمحبة الصالحة المحمودة، ففي ذلك أنسه ونعيمه، وسروره وفلاحه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ: " فالقلب لا يصلح، ولا يفلح، ولا يتلذذ، ولا يسر، ولا يطيب، ولا يسكن، ولا يطمئن إلا بعبادة ربه وحبه، والإنابة إليه، ولو حصل له كل ما يتلذذ به من المخلوقات لم يطمئن، ولم يسكن؛ إذ فيه فقر ذاتي إلى ربه، ومن حيث هو معبوده، ومحبوبه، ومطلوبه، وبذلك يحصل له الفرح، والسرور، واللذة، والنعمة، والسكون، والطمأنينة "1
1 الفتاوى الكبرى لابن تيمية 5/188 ـ 189.
وقال في موضع آخر:" والمحبة المحمودة هي المحبة النافعة، وهي التي تجلب لصاحبها ما ينفعه، وهو السعادة، والضارة هي التي تجلب لصاحبها ما يضره، وهو الشقاء "1
وقال رحمه الله:" وأيضا ففي قلوب بني آدم محبة وإرادة لما يتألهونه ويعبدونه، وذلك هو قوام قلوبهم، وصلاح نفوسهم، كما أن فيهم محبة وإرادة لما يطعمونه وينكحونه، وبذلك تصلح حياتهم، ويدوم شملهم.
وحاجتهم إلى التأله أعظم من حاجتهم إلى الغذاء؛ فإن الغذاء إذا فقد يفسد الجسم، ويفقد التأله تفسد النفس" 2.
وقال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ متحدثا عن محبة الله وفضلها: ((فهذه المحبة هي التي تلطف، وتخفف أثقال التكاليف، وتسخي البخيل، وتشجع الجبان، وتصفي الذهن، وتروض النفس، وتطيب الحياة على الحقيقة، لا محبة الصور المحرمة، وإذا بليت السرائر يوم اللقاء كانت سريرة صاحبها من خير سرائر العباد كما قيل:
سيبقى لكم في مضمر القلب والحشا
سريرة حب يوم تبلى السرائر
وهذه المحبة هي التي تنور الوجه، وتشرح الصدر، وتحيي القلب))
وخلاصة القول أن المؤمن إذا وضع نصب عينيه حب الله عز وجل ورضاه واستحضر مراقبته في السر والعلن ـ فإنه يستطيع ـ بإذن الله ـ أن ينتصر على جميع الوساوس الشيطانية، والهواجس النفسية التي تعتلج في جوانحه، وأن يتغلب على كل الدوافع الغريزية، والأشواق الجنسية التي تتأجج في أعماقه 4
1جامع الرسائل لابن تيمية 2/202.
2 المرجع السابق 2/230.
3 الجواب الكافي ص 341.
4 انظر الإسلام والحب لعبد الله علوان ص 46.
((إذا تبين هذا فالحي العالم الناصح لنفسه لا يؤثر محبة ما يضره وتشقى به ويتألم، ولا يقع إلا من فساد تصوره ومعرفته، أو من فساد قصده وإرادته))
7 ـ المحافظة على الصلاة مع جماعة المسلمين:
قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} .
[العنكبوت: 45] .
قال شيخ الإسلام: " فإن الصلاة فيها دفع مكروه وهو الفحشاء والمنكر، وفيها تحصيل محبوب وهو ذكر الله "2.
فمن حافظ على الصلاة مع جماعة المسلمين حفظه الله وسدد خطاه، وجنبه الفواحش، وسلمه منها.
فكم في الصلاة من عظيم الفوائد، وكم فيها من جميل العوائد، وكم في تردد المسلم على المسجد من تزكية لنفسه، وصلاح لقلبه، وإصلاح لحاله، وفيحب بذلك الطاعة والإيمان، ويكره الكفر والفسوق والعصيان؛ لذلك ترى أن أهل المساجد هم خيار الناس وأفاضلهم، بالرغم مما فيهم، وما كان بهم من عيوب فعند سواهم أضعاف مضاعفة 3
8 ـ الصوم:
فالصوم علاج نبوي يعين على محاربة الهوى، وقمع النفس، وكبح جماحها، والصوم يقوي الإرادة، ويشحذ العزيمة، ويعلم الصبر، وبالصوم تضيق مجاري الدم، فيضعف تأثير الشيطان ووسوسته، والصوم يعين على العفة، وحصانة الفرج، ويكسر حدة الشهوة 4، قال النبي ـ صلى الله عليه
1 إغاثة اللهفان ص 508.
2 العبودية ص 100.
3 انظر الصلاة وأثرها في زيادة الإيمان وتهذيب النفس، للشيخ حسين العوايشة ص 32.
4 انظر الصوم للشيخ د: عبد الله الطيار ص 43 ـ 44 و 45.
وسلم ـ: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " 1
9 ـ الإكثار من قراءة القرآن:
فالقرآن مأدبة الله في أرضه، وهو الشفاء من كل داء، وفيه الهدى والنور، والأنس والسرور، فعلى من ابتلي بالفاحشة أن يكثر من تلاوته وترداده وحفظه وتدبره وعقله، حتى يصح بذلك قلبه، وتزكو نفسه.
قال عثمان رضي الله عنه:" لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله ". " وكيف يشبع المحب من كلام من هو غاية مطلوبه؟ "(2) .
10 ـ دوام ذكر الله:
فبذكر الله تطمئن القلوب، وتسكن النفوس، وبه يحصل الأنس، وتطرد الخواطر السيئة، والإرادات الفاسدة، فلا تنفذ إلى القلب، ولا تجد إليه طريقا، فما أحرى بمن يريد السلامة لنفسه أن يداوم على ذكر الله، وأن يجعل له وردا يحافظ عليه؛ حتى يحفظه الله به ويحصنه من الوساوس والخطرات (3) .
11 ـ احفظ الله يحفظك:
وبالجملة فمن حفظ الله ـ عزو جل ـ بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ـ حفظه الله من شر شياطين الإنس والجن، ومن نفسه الأمارة بالسوء، وحفظ عليه دينه، وعفته، ومروءته، وشرفه؛ فالجزاء من جنس العمل.
1 رواه البخاري 6/117، ومسلم برقم (1400) .
2 الجواب الكافي ص 341.
3 انظر الوابل الصيب لابن القيم ص 61 إلى آخر الكتاب، والوسائل المفيدة للحياة السعيدة لابن سعدي ص 19.
12 ـ الزواج:
قال عليه الصلاة والسلام: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج))
فعلى من ابتلي بهذا الأمر أن يسعى للزواج، وأن يبذل مستطاعه في هذا السبيل؛ حتى يحصن فرجه، ويغض بصره، وسيعينه الله عز وجل إذا سعى في ذلك 2
13 ـ تذكر الحور العين:
اللاتي هن كاللؤلؤ المكنون، واللاتي أعدهن الله لعباده الصالحين، الذين آثروا الباقي على الفاني، واشتروا الآخرة بالدنيا.
فنساء الجنة طهرن من الحيض، والغائط، والنفاس، وكل قذر، وكل أذى يكون من نساء الدنيا، وطهر مع ذلك باطنهن من الأخلاق السيئة، والصفحات المذمومة، وطهرت ألسنتهن من الفحش والبذاء، وطهرن من أن يطمحن إلى غير أزواجهن، وطهرت أثوابهن من أن يعرض لها دنس أو وسخ 3.
واستمع لما قاله ابن القيم رحمه الله في قصيدته الميمية في وصف الجنة ونسائها:
ولله كم من خيرة إن تبسمت
…
أضاء لها نور من الفجر أعظم
فيا لذة الأبصار إن هي أقبلت
…
ويا لذة الأسماع حين تكلم
1 رواه البخاري 6/117، ومسلم برقم (1400) .
2 انظر من مشكلات الشباب للشيخ صالح الفوزان ص 22 ـ 29، وانظر الأسرة المثلى د: عمارة نجيب ص 45 ـ 48.
3 انظر حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح لابن القيم ص 257 ـ 282.
ويا خجلة الغصن الرطيب إذا انثنت
…
ويا خجلة الفجرين حين تبسم
فإن كنت ذا قلب عليل بحبها
…
فلم يبق إلا وصلها لك مرهم
ولا سيما في لثمها عند ضمها
…
وقد صار منها تحت جيدك معصم
تراه إذا أبدت له حسن وجهها
…
يلذ به قبل الوصال وينعم
تفكه منها العين عند اجتلائها
…
فواكه شتى طلعها ليس يعدم
عناقيد من كرم وتفاح جنة
…
ورمان أعصان به القلب مغرم
وللورد ما قد ألبسته خدودها
…
وللخمر ما قد ضمه الريق والفم
تقسم منها الحسن في جمع واحد
…
فيا عجبا من واحد يتقسم
لها فرق شتى من الحسن أجمعت
…
بجملتها أن السلو محرم
تذكر بالرحمن من هو ناظر
…
فينطق بالتسبيح لا يتلعثم
إذا قابلت جيش الهموم بوجهها
…
تولى على أعقابه الجيش يهزم
فيا خاطب الحسناء إن كنت راغبا
…
فهذا زمان المهر فهو المقدم
ولما جرى ماء الشباب بغصنها
…
يتقن حقا أنه ليس يهرم
وكن مبغضا للخائنات لحبها
…
فتحظى بها من دونهن وتنعم
وكن أيما ممن سواها فإنها
…
لمثلك في جنات عدن تأيم
وصم يومك الأدنى لعلك في غد
…
تفوز بعيد الفطر والناس صوم
وأقدم ولا تقنع بعيش منغص
…
فما فاز باللذات من ليس يقدم
وإن ضاقت عليك الدنيا بأسرها
…
ولم يك فيها منزل لك يعلم
فحي على جنات عدن فإنها
…
منازلك الأولى وفيها المخيم1
4 ـ عض البصر:
فغض البصر يعين على تجنب الفحشاء، فمن غض بصره أطاع ربه، وأراح قلبه، وحفظ دينه، وسلم من تبعات إطلاق البصر، والتعلق بالصور،
1 حادي الأرواح ص 27 ـ 28.
وقد قيل: ((إن حبس اللحظات أيسر من دوام الحسرات))
ثم إن غض البصر يورث أنسا بالله، وقوة في القلب وفرحا، كما أن إطلاقه يضعفه ويحزنه، وغض البصر ـ أيضا ـ يكسب القلب نورا وثباتا وشجاعة، وفراسة صادقة، كما أنه يسد على الشيطان مدخله من القلب 2.
15 ـ البعد عن المعشوق المحبوب:
فمن أنجع السبل، وأنفع الأدوية للتخلص من هذا الداء ـ أن يبتعد المبتلى به عن معشوقه، ومن يحرك كوامن الشهوة فيه، بحيث لا يراه ولا يسمع كلامه؛ فالابتعاد عنه وصرمه وتجرع غصص الهجر ـ أهون بكثير من الاسترسال معه والزلفى منه؛ فالبعد جفاء، والقرب بلاء وشقاء، فالقرب يضرم نار الوجد بين الجوانح، كما قال الشاعر:
تزودت من ليلى بتكليم ساعة
…
فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها 3
أما البعد والتسلي واليأس وقطع الأمل فإنه يفيد في علاج هذا الأمر، ((فكل بعيد عن البدن يؤثر بعده في القلب، فليصبر على مضض الشوق في بداية البعد صبر المصاب في بداية مصيبته، ثم إن مر الأيام يهون الأمر.
قال زهير بن الحباب الكلبي:
إذا ما شئت أن تسلو حبيبا
…
فأكثر دونه عدد الليالي
فما سلى حبيبك غير نأي
…
ولا أبلى جديدك كابتذال
وقال امرؤ القيس:
وإنك لم تقطع لبانة عاشق
…
بمثل غدو أو رواح مأوب 5
1 الجواب الكافي ص 218.
2 انظر الجواب الكافي ص 251 ـ 255، وانظر الداء العضال للأخ عبد الحميد السحيباني.
3 انظر الآداب الشرعية 3/126 وانظر ديوان مجنون ليلى ص 194.
4 انظر ذم الهوى لابن الجوزي ص 473.
5 ديوان امرىء القيس ص 39، وانظرذم الهوى ص 473.
16 ـ البعد عن المثيرات عموما:
وهذا من طرق الوقاية والعلاج، وهو أن يبتعد عن كل المثيرات التي تحرك الشهوة، وتدعو إلى الفاحشة، فيبتعد عن الاختلاط بالنساء والمردان، ويبتعد عن مشاهدة الأفلام الخليعة، وسماع الأغاني الماجنة، ويقطع الصلة بما يذكره بالفاحشة، فيتلف ما عنده من أشرطة وأفلام وصور ورسائل، حتى لا تضعف نفسه برؤيتها.
ومن ذلك أيضا: ((تجنب الأطعمة المحتوية على بهارات وتوابل؛ لكونها مثيرة ومهيجة))
ومن ذلك تجنب الأماكن التي تذكره بالفاحشة، وتقربه منها؛ فالشيء إذا قطعت أسبابه التي تمده زال واضمحل.
17 ـ الاشتغال بما ينفع، وتجنب الوحدة والفراغ:
((لأن العشق شغل الفراغ، فهو يمثل صورة المعشوق في خلوته لشوقه إليها، فيكون تمثيله لها إلقاء في باطنه، فإذا تشاغل بما يوجب اشتغال القلب بغير المحبوب درس الحب، ودثر العشق، وحصل التناسي)) 2.
فبدلا من أن يجلس المرء وحيدا مسترسلا مع أوهامه وجنوحاته عليه أن يشغل نفسه بما يعود عليه بالنفع، أو بما يشغله ـ على الأقل ـ عما يضره، فيشغل نفسه بطلب العلم، ومذاكرة الدروس، وزيارة الأقارب، وقضاء حوائج المنزل، أو أن يلتحق بحلق تحفيظ القرآن الكريم، أو بالمراكز الصيفية، أو يشتغل ببعض المباحات كالبيع والشراء أو غير ذلك 3.
1 الإسلام والجنس لعبد الله علوان ص 14.
2 ذم الهوى 473.
3 انظر منهج التربية الإسلامية لمحمد قطب، 1/206 ـ 207.
18 ـ دفع الوساوس والخواطر السيئة:
فعلى المرء أن يدفع الوساوس والخطرات التي يلقيها الشيطان في روعه، وألا يسترسل معها، وإلا قادته إلى الغواية، ونزعت به إلى شر غاية.
فالخطرات شأنها خطير ((فإنها مبدأ الخير والشر، ومنها تتولد الإرادات، والهمم، والعزائم، فمن راعى خطراته ملك زمام نفسه، وقهر هواه، ومن غلبته خطراته فهواه ونفسه له أغلب، ومن استهان بالخطرات قادته قهرا إلى الهلكات)) 1.
19 ـ تقوية الإرادة وترك اليأس والقنوط:
فالمبتلى بهذا الأمر قد يعتريه الضعف والانهزام أمام رغباته، فيسترسل معها، ويوغل فيها، فيقوده ذلك إلى اليأس والقنوط من إصلاح حاله، ويظن أن هذا البلاء ضربة لازب عليه لا يستطيع الفكاك منه، وقد يقوده ذلك إلى اليأس من التوبة، والقنوط من رحمة الله عز وجل.
وهذا خطأ فادع وخلل واضح، فعلى من ابتلي بهذا الأمر أن يقوي إرادته ويشحذ عزيمته، ويصحو من رقدته، ويدرك أن هذا العمل ليس ضربة لازب لا تزول، ولا وصمة عار لا تنمحي، بل إن الإصلاح ممكن، والتغيير وارد، فما عليه إلا أن يأخذ بالأسباب، ويغير ما بنفسه، ويحسن ظنه بربه، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} .
(الرعد: 11) . وقال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} . (الطلاق: 2) .
وقال في الحديث القدسي: " أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني "2.
1 الجواب الكافي ص 218.
2 البخاري 8/ 171.
20 ـ الحذر من العلاجات الغريبة:
فهناك من إذا وقع في هذا الأمر، وأوغل فيه، وأراد التخلص منه يعمد إلى استخدام علاجات غريبة، ومن ذلك استخدام النذر، والحلف بألا يعود إلى هذه الفعلة، فتجد بعضهم ينذر صيام خمسة أشهر مثلا، وبعضهم ينذر بأن يتصدق بآلاف الريالات، وبعضهم يأخذ على نفسه الأيمان المغلظة، فيحمل نفسه آصارا وأغلالا ينوء كاهله بحملها، وهذا قد ينفع فترة مؤقتة؛ لما في النفس من تعظيم القسم واليمين، أو خشية أن يلزمه ما نذر من العمل الشديد أو الكثير، ولكن لا تلبث الشهوة أن تلقي بثقلها عليه، فتنهزم النفس الضعيفة تحت سلطان الشهوة، وتستجيب لداعي الهوى، فتهوي في منحدر الرذيلة، فتنتقض الأيمان بعد توكيدها، وتلزم الكفارة فيقع هذا المسكين في الحرج، وربما ترك الوفاء بالنذر فيقع في بلايا ورزايا.
ومنهم من يلجأ إلى تناول بعض الأدوية المسكنة للشهوة دون استشارة طبيب، وهذا الحل قد يكون فيه مخاطر طبية وجسدية.
ألا فليحذر العاقل من هذه العلاجات، فله في غيرها سعة ومندوحة1
21 ـ علو الهمة:
فعلو الهمة يستلزم الجد والإباء، ونشدان المعالي، وتطلاب الكمال، والترفع عن الصغائر والدنايا ومحقرات الأمور 2.
والهمة العالية لا تزال بصاحبها تضربه بسياط اللوم والتأنيب، وتزجره عن مواقف الذل، واكتساب الرذائل، وحرمان الفضائل ـ حتى ترفعه من أدنى الحضيض إلى أعلى مقامات المجد والسؤدد.
1 انظر العادة السيئة لمحمد المنجد ص 27 ـ 28.
2 انظر الأخلاق الإٍسلامية لعبد الرحمن حبنكة 2/474.
((فمن لم تكن له همة أبية لم يكد يتخلص من هذه البلية، فإن ذا الهمة يأنف أن يملك رقة شيء، وما زال الهوى يذل أهل العز))
فأين هذا الذي يطلق العنان لشهواته، ويرسف في أغلال رغباته من الإمام الشافعي رحمه الله الذي يقول:((لو علمت أن الماء البارد يثلم مروءتي لما شربته)) 2.
فعلو الهمة مما يفتخر به، وسفول الهمة مما يعاب به ويذم صاحبه.
روى ابن الجوزي بسنده قال:" قال معاوية بن أبي سفيان لعمرو ابن العاص رضي الله عنهما: ما ألذ الأشياء؟ قال: يا أمير المؤمنين مر أحداث قريش فليقوموا، فلما قاموا قال: إسقاط المروءة ".
يريد أن الرجل إذا لم تهمه مروءته فعل ما يهوى، ولم يبال بلوم، وهذه صفات البهائم، فأما أرباب الأنفة فكما قال ابن المعتز:
وإني وإن حنت إليك ضمائري
…
فما قدر حبي أن يذل له قدري 3
وقال الأعشى:
أرى سفها للمرء تعليق قلبه
…
بغانية خود متى تدن تبعد 4
وقال أبو فراس الحمداني مفتخرا بعلو همته، وعائبا على من سفلت همته، واسترقه هواه:
لقد ضل من تحوي هواه خريدة
…
وقد ذل من تقضي عليه كعاب
ولكنني والحمد لله حازم
…
أعز إذا ذلت لهن رقاب
ولا تملك الحسناء قلبي كله
…
ولو شملتها رقة وشباب
1 ذم الهوى ص 477.
2 روضة المحبين ص 468.
3 انظر ذم الهوى لابن الجوزي ص 479.
4 ديوان الأعشى ص 47.
وأجري ولا أعطي الهوى فضل مقودي
…
وأهفو ولا يخفى علي صواب1
وقال عبد الواحد بن نصر:
وقد رام هذا الحب أن يسترقني
…
فأنجدني صبر علي جميل 2
وقال أبو علي بن الشبل:
وآنف أن تعتاق قلبي خريدة
…
بلحظ وأن يروى صداي رضاب
وللقلب مني زاجر من مروءة
…
يجنبه طرق الهوى فيجاب 3
وقال منصور الهروي:
خلقت أبي النفس لا أتبع الهوى
…
ولا أستقي إلا من المشرب الأصفى
ولا أحمل الأثقال في طلب العلا
…
ولا أبتغي معروف من سامني خسفا
ولا أتحرى العز فيما يذلني
…
ولا أخطب الأعمال كي لا أرى صرفا
ولست على طبع الذباب متى يذد
…
عن الشيء يسقط فيه وهو يرى الحتفا 4
وقال البارودي:
سواي بتحنان الأغاريد يطرب
…
وغيري باللذات يلهو ويعجب
وما أنا ممن تأسر الخمر لبه
…
ويملك سمعيه اليراع المثقب
ولكن أخو هم إذا ما ترجحت
…
به سورة نحو العلا راح يدأب 5
فإذا كان الأمر كذلك فما أحرى بمن ابتلي بهذا الداء أن يعلي همته، وأن يأنف هذا الذل، الذي لا يحتمله ذو مروءة وأنفة، فإن أهل الأنفة حملهم طلب علو القدر على قتل نفوسهم، وإجهاد أبدانهم في طلب المعالي.
((فأما من لا يأنف الذل وينقاد لموافقة هواه فذاك خارج عن المتميزين)) 6. وصدق من قال:
1 ديوان أبي فراس الحمداني ص 13.
2، 3، 4 ذم الهوى لابن الجوزي ص 480.
5 ديوان البارودي 1/89، وانظر النصوص الأدبية تحليلها ونقدها، د: علي عبد الحليم محمود ص 196.
6 ذم الهوى ص 479.
إذا ما علا المرء رام العلا
…
ويقنع بالدون من كان دونا
22 ـ الحياء:
فالحياء كله خير، والحياء لا يأتي إلا بخير، والحياء خلق الإسلام، وهو شعبة من شعب الإيمان، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"الحياء لا يأتي إلا بخير "1
. وقال: ((إن لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء))
وقال: ((والحياء شعبة من الإيمان)) 3. وقال: ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى ـ إذا لم تستح فاصنع ما شئت))
((فالواجب على العاقل لزوم الحياء؛ لأنه أصل العقل، وبذر الخير، وتركه أصل الجهل وبذر الشر)) 5؛ لأن الحياء يبعث على فعل الجميل، وترك القبيح، فإذا تحلى به الإنسان انبعث إلى فعل الفضائل وترك الرذائل، فما أجدر بمن وقع في هذا البلاء أن يتحلى بالحياء، ويسعى في اكتسابه، ومن الأمور التي تعين على ذلك ما يلي:
أـ قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
ب ـ قراءة سيرة أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ.
جـ ـ تذكر الثمرات الجميلة المترتبة على الحياء، وتذكر العواقب الوخيمة المترتبة على قلته.
د ـ مجالسة أهل الحياء، ومجانبة أهل الوقاحة.
هـ ـ تكلف الحياء مرة بعد أخرى، حتى يصبح سجية في الإنسان.
1 البخاري 7/100، ومسلم 1/64 برقم (37) .
2 رواه ابن ماجة (4181) وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (2149) .
3 رواه البخاري 1/8، ومسلم 1/63 برقم (35) .
4 رواه البخاري 7/100.
5 روضة العقلاء ص 56.
وـ الإمساك عما تقتضيه قلة الحياء من قول أو عمل.
وإذا كان الحياء مطلوبا من كل أحد فهو من الصبيان الأحداث أولى وأحرى، فإذا كان الصغير حييا أفلح وأنجح، وإذا كان وقحا متجرءا على كل أحد خاب وخسر.
((فينبغي أن يكون الصبي كثير الحياء قليل المخالطة للأجانب، قال وهب بن منبه رضي الله عنه ورحمه ـ: ((إذا كان في الصبي خصلتان: الحياء والرهبة رجى خيره))
وقال الأصمعي: ((سمعت أعرابيا يقول: من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه)) 2.
فالله الله أخا الإسلام بالحياء، الزمه وتدثر به، وليكن حليتك، واعلم أن معيار رجولتك ليس بكثرة الاختلاط بالكبار، ولا بإطلاق اللسان يسيء الكلام، وإنما معيارها حياؤك وأدبك وسمتك ووقارك 3.
23 ـ الحرص على الستر والعفاف والبعد عن التكشف والتعري:
وخصوصا للأحداث؛ لأن التكشف والتعري مدعاة لفتنة الآخرين، وتسلط الساقطين، فينبغي عليهم الستر والعفاف، والبعد عن التكشف والتعري سواء في الرياضة أو في غيره؛ فالعورة عورة في الرياضة وغيرها 4.
ثم إن الستر والعفاف من خصال الفطرة، ومن محاسن الإسلام، فلقد ((جاء الإسلام وكرم الجنس البشري في مجالات متعددة، كان من
1 الحكم المضبوط ص 52.
2 الآداب الشرعية 2/228.
3 انظر أدب الدنيا والدين للماوردي ص 248 ـ 258، والأدب النبوي لمحمد الخولي ص 154 ـ 158، والحياء في ضوء الكتاب والسنة لسليم الهلالي، والحياء خلق الإسلام لمحمد ابن أحمد بن إسماعيل، والحياء وأثره في حياة المسلم لعبد الله الجار الله.
4 انظر الإيضاح والتبيين للشيخ حمود التويجري ص 228 ـ 229، وانظر أخي الشاب إلى أين تسير ص 25 لمحمد أمين مرزا عالم.
أبرزها أن كرم الإنسان وأمره بستر عورته وسمى ذلك زينة، ونهاه عن كشفها وسماه فتنة))
24 ـ الاعتدال في التجمل وترك المبالغة فيه:
فينبغي للأحداث أن يعتدلوا في التجمل، ويتركوا المبالغة فيه، فلا يليق بهم أن يبالغوا في التطيب، ولا أن يلبسوا الملابس الضيقة، أو الفارهة، ويجدر بهم أن يترفعوا عن تقليد الكفار، وأن لا يكون همهم الأول الاعتناء بتصفيف الشعر وتسريحه، وصرف الهمة للتأنق بالملبس؛ حتى لا يتسببوا في فتنة الناس وإغوائهم، وحتى يسلموا من المجرمين الذين يكيدون لهم، ويتربصون بهم الدوائر.
25 ـ الإقلال من المزاح:
لأن كثرة المزاح تذهب بالمروءة وتسقط الهيبة، وتجرىء السفهاء، وصدق من قال:
فإياك إياك المزاح فإنه
…
يجري عليك الطفل والدنس النذلا
ويذهب ماء الوجه بعد بهائها
…
ويورثه من بعد عزته ذلا 2
فينبغي للأحداث ألا يكثروا من المزاح، وأن لا يمازحوا كل من هب ودب، سواء من الكبار أو ممن في قلبه دخن وفساد، وإن مزحوا فباعتدال وأدب كما قيل:
لا تمزحن فإذا مزحت فلا يكن
…
مزحا تضاف به إلى سوء الأدب 3
26 ـ الوقوف مع النفس:
فمن العلاجات النافعة، أن يقف المبتلى بهذه الفاحشة مع نفسه، سواء أكان فاعلا أم مفعول به، كبيرا أم صغيرا فإن كان كبيرا فلا ينبغي أن يغتر بستر الله عليه،
1 أحكام العورة والنظر، لمساعد الفالح ص 20.
2 الآداب الشرعية 2/224.
3 الآداب الشرعية 2/223.
وليقف مع نفسه ويسألها ماذا أتنظر؟ وإلى متى سأستمر؟ أأنتظر عقوبة الله تحل بساحتي بعدما بلغت الكبرعتيا؟ أم أنتظر الموت يهجم علي بكرة أو عشيا، فأموت على هذه الخاتمة السيئة؟!
وليعاتب نفسه قائلا: ألما تصح والشيب وازع؟
ذا ارعواء فليس بعد اشتعال الرأس شيبا إلى الصبا من سبيل.
أطربا وأنت قنسري 1
…
والدهر بالإنسان دواري
وإن كان صغيرا فليفكر في مستقبله، هل سيعمر طويلا؟ أم سيأتيه الموت في ريعان شبابه وهو مصر على هذه الجريمة؟ وإن قدر له العيش فهل سيستمر على هذا العمل؟ وهل سيضيع زهرة شبابه في هذه الرذائل؟ وكيف سيواجه الحياة بتلك النفسية المريضة؟ وهل سيتزوج ومن الذي سيعطيه؟ وما مصير هذه الزوجة إن قدر له زواج؟ وما مصير الأولاد إن كان هو أبا لهم؟ وليسأل الكبير والصغير أنفسهما هل هما في مأمن من الفضيحة؟ أم هما في مأمن من الأمراض المستعصية التي تقلب عليهما الحياة جحيما ملهبا؟ وما موقفها أمام الله يوم العرض الأكبر؟ يوم تبلى السرائر، يوم لا تخفى منهم خافية؟
فلعل هذه الوقفة والتساؤلات تقصرهم عن الاسترسال في الشهوات.
27 ـ ومن العلاجات أن يدرك المبتلى أن هذه الشهوة لن تقف عند حد:
فهذه الشهوة كمرض الجرب، كلما ازداد الإنسان في الحك ـ ازداد عليه الداء والعكس بالعكس.
أضف إلى ذلك أن الشخص المبتلى بهذا الأمر لن يقر له قرار، ولن
1 القنسري: الكبير السن الذي أتى عليه الدهر. انظر لسان العرب 5/117.
يهدأ له بال؛ لأنه كلما ظفر بمأرب من مآربه تاقت نفسه إلى غيره، فيقضي العمر في شقاء وتعب وعناء ونصب، وصدق من قال:
وإنك مهما تعط بطنك سؤله
…
وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا1
28 ـ النظر في العواقب:
وذلك بأن يدرك أن هذه الشهوة الخاطئة والنزوة العابرة ـ سيعقبها حسرة وندامة، وخزي وعار، وذلة وشنار، وأن عذابها سيصير عذابا، فتذهب اللذات وتبقى التبعات، وتذهب الشهوة وتبقى الشقوة.
تفنى اللذاذات ممن نال صفوتها
…
من الحرام ويبقى الخزي والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها
…
لا خير في لذة من بعدها النار 2
29 ـ مجالسة الأخيار ومجانبة الأشرار:
فإن مجالسة الأخيار والصالحين والزهاد تحيي القلوب، وتشرح الصدر، وتنير الفكر، وتعين على الطاعة، ومجانبة الأشرار سلامة للدين والعرض.
30 ـ ومن الأدوية: عيادة المرضى وتشييع الجنائز، وزيارة القبور، والنظر إلى الموتى، والتفكر في الموت وما بعده؛ فإن ذلك يطفىء نيران الهوى 3.
31 ـ عدم الاستسلام للتهديد، والإبلاغ عمن هدد:
فينبغي لمن هدد في عرضه، وأريد منه أن يمكن من نفسه ـ ألا يستسلم للتهديد ولا يصيخ الأذن للوعيد، بل عليه أن يتشجع ويدرك أن هؤلاء الخفافيش الأنذال جبناء أذلاء، فبمجرد شعورهم بقوة ذلك الشخص ورجولته، فإنهم سرعان ما يتوارون.
1 ديوان حاتم الطائي ص 35.
2 روضة المحبين ص 379.
3 انظر ذم الهوى ص 476، وانظر رسائل إلى شبل الإسلام للأخ صالح العصيمي ص 15.
كما ينبغي لمن هدد وأعيته الحيلة ـ أن يعلم أباه، أو أخاه الأكبر، أو من يثق به من المدرسين أو الأخيار؛ حتى يعينوه على التخلص من هؤلاء الأشرار، أما إذا استسلم للمجرمين وأسلم لهم القياد ـ فسيجعلونه كالنعل يلبسونه كيف شاءوا متى شاءوا.
32 ـ قراءة القصص في العفة وقصص التائبين:
ففيها العظة والعبرة، وفيها الترغيب في الفضيلة، والتنفير من الرذيلة1
33 ـ سماع الأشرطة الإسلامية النافعة:
التي تحتوي على العلم النافع، والقصص والمواعظ، التي توقظ القلوب، وتقرب من علام الغيوب.
34 ـ عرض الحال على من يعين:
ومن الأدوية النافعة لذلك: أن يعرض المبتلى حاله على من يتوسم فيه الخير والصلاة والعلم؛ لعله يجد حلا يخرجه من مأزقه ويعيده إلى رشده.
35 ـ عرض الحال على الطبيب:
وذلك بأن يعرض المبتلى حاله على الطبيب المختص، فقد يجد له علاجا مناسبا، أو يدله على طريقة معينة تعينه على كبح جماح الشهوة.
36 ـ الدعاء:
فمن أكبر الأدوية المعينة على التخلص من هذا البلاء الدعاء
1 انظر على سبيل المثال فوائد مستنبطة من قصة يوسف للشيخ ابن سعدي، وشباب عادوا إلى الله للشيخ عائض القرني، والعائدون إلى الله للشيخ محمد المسند.
والتضرع إلى الله عز وجل لا سيما في الأوقات والأماكن والأحوال والأوضاع التي هي مظنة إجابة الدعاء، كالدعاء بين الأذان والإقامة، وفي ثلث الليل الأخير، وفي السجود، وفي شهر رمضان، وفي آخر ساعة من الجمعة1
1 انظر الدعاء لحسين العوايشة ص 16 ـ 23، والذكر والدعاء والعلاج بالرقى للشيخ سعيد بن وهف القحطاني ص 106 ـ 108.