الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: أضرار عمل قوم لوط
المبحث الأول: أضراره الدينية
…
أضرار عمل قوم لوط
لعمل قوم لوط أضرار كثيرة جدا يقصر دونها العد والإحصاء، والبحث والاستقصاء، وذلك على الأفراد والجماعات في الدنيا والآخرة.
وهذه الأضرار متعددة، ومتشعبة، ومتنوعة، فأضراره دينية، وخلفية، واجتماعية، واقتصادية، ونفسية، وصحية، وإليك بعض التفصيل في ذلك.
المبحث الأول: أضراره الدينية
أما أضراره الدينية ـ فلأنه كبيرة من كبائر الذنوب، وسبب للبعد من علام الغيوب، ولأنه جرم عظيم حذر منه ربنا ـ جل وعلا ـ وعاقب الأمة التي فعلته بأقسى وأنكى العقوبات، فهو سبب لمقت الله وأليم عقابه، وأخذه الشديد في الدنيا والآخرة، بل هو خطر على التوحيد؛ إذ أنه ذريعة للعشق، والعشق ذريعة للشرك والتعلق بغير الله ـ جلا وعلا ـ.
قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ بعد أن تحدث عن الذنوب والمعاصي وأن التوحيد يمحوها، ويزيل نجاستها، قال: ((ولكن نجاسة الزنا واللواطة ـ أغلظ من غيرها من النجاسات؛ من جهة أنها تفسد القلب،
وتضعف توحيده جدا، ولهذا كان أحظى الناس بهذه النجاسة ـ أكثرهم شركا، فكلما كان الشرك في العبد أغلب ـ كانت هذه النجاسة والخبائث فيه أكثر، وكلما كان أعظم إخلاصا كان منهما أبعد، كما قال تعالى عن يوسف الصديق عليه السلام:{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} . [يوسف: 24] . فإن عشق الصور المحرمة نوع تعبد لها، بل هو من أعلى أنواع التعبد، ولا سيما إذا استولى على القلب، وتمكن منها صار تتيما، والتتيم: التعبد، فيصير العاشق عابدا لمعشوقه، وكثيرا ما يغلب حبه، وذكره، والشوق إليه والسعي في مرضاته، وإيثار محابه على حب الله وذكره، والسعي في مرضاته، بل كثيرا ما يذهب ذلك من قبل العاشق بالكلية، ويصير متعلقا بمعشوقه من الصور، كما هو مشاهد، فيصير المعشوق هو إلهه من دون الله عز وجل يقدم رضاه وحبه على رضا الله وحبه، ويتقرب إليه ما لا يتقرب إلى الله ـ تعالى ـ وينفق في مرضاته ما لا ينفقه في مرضاة الله، ويتجنب من سخطه ما لا يتجنب من سخط الله ـ تعالى ـ فيصير آثر عنده من ربه، حبا وخضوعا، وذلا، وسمعا وطاعة.
ولهذا كان العشق والشرك متلازمين، وإنما حكى الله ـ سبحانه ـ العشق عن المشركين من قوم لوط، وعن امرأة العزيز وكانت إذ ذاك مشركة، فكلما قوي شرك العبد ـ بلي بعشق الصور، وكلما قوي توحيده ـ صرف ذلك عنه.
والزنا واللواط كمال لذاتهما إنما يكون مع العشق، ولا يخلو صاحبهما منه، وإنما لتنقله من محل إلى محل ـ لا يبقى عشقه مقصورا على محل واحد، بل ينقسم على سهام كثيرة، لكل محبوب نصيب من تألهه وتعبده.
فليس في الذنوب أفسد للقلب والدين من هاتين الفاحشتين، ولهما خاصية في تبعيد القلب من الله؛ فإنهما من أعظم الخبائث، فإذا انصبغ
القلب بهما بعد ممن هو طيب لا يصعد إليه إلا طيب، وكلما ازداد خبثا ـ ازداد من الله بعدا ". 1
وقال رحمه الله في موطن آخر متحدثا عن العشق، وأن اللواط سبب له: "وهذا داء أعيا الأطباء دواؤه، وعز عليهم شفاؤه، وهو ـ والله ـ الداء العضال، والسم القتال، الذي ما علق بقلب إلا وعز على الورى استنقاذه من إساره، ولا اشتغلت ناره في مهجة إلا وصعب على الخلق تخليصها من ناره.
وهو اقسام:
تارة يكون كفرا، كمن اتخذ معشوقه ندا يحبه كما يحب الله، فكيف إذا كانت محبته أعظم من محبة الله في قلبه؟! فهذا عشق لا يغفره الله لصاحبه، فإن من أعظم الشرك، والله لا يغفر أن يشرك به، وإنما يغفر بالتوبة الماحية ما دون ذلك، وعلامة هذا العشق الشركي الكفري أن يقدم العاشق رضاء معشوقه على رضاء ربه، وإذا تعارض عنده حق معشوقه وحق ربه، وطاعة ربه وطاعته ـ قدم حق معشوقه وطاعته على حق ربه، وآثر رضاه على رضاه، وبذل لمعشوقه أنفس ما يقدر عليه، وبذل لربه ـ إن بذل ـ أردأ ما عنده، واستفرغ وسعه في مراضاة معشوقه وطاعته، والتقرب إليه وجعل لربه ـ إن أطاعه ـ الفضلة التي تفضل عن معشوقه من ساعاته" 2.
ثم قال رحمه الله: " فتأمل حال أكثر عشاق الصور، هل تجدها إلا مطابقة لذلك؟ ثم ضع حالهم في كفة، وتوحيدهم في كفة، وإيمانهم في كفة
1إغاثة اللهفان ص70ـ71.
2 الجواب الكافي ص296ـ297.
ثم زن يرضي الله ورسوله، ويطابق العدل، وربما صرح العاشق منهم بأن وصل معشوقه أحب إليه من توحيده ربه، كما صرح أحدهم بأن وصل معشوقه أشهى إليه من رحمة ربه، فعياذا بالله من الخذلان، ومن هذا الحال.
قال الشاعر:
وصلك أشهى إلى فؤادي
…
من رحمة الخالق الجليل
ولا ريب أن هذا العشق من أعظم الشرك، وكثير من العشاق يصرح بأنه لم يبق في قلبه موضع لغير معشوقه ألبتة، بل قد ملك معشوقه عليه قلبه كله، فصار عبدا مخلصا من كل وجه لمعشوقه، فقد رضي هذا من عبودية الخالق جل جلاله بعبوديته لمخلوق مثله؛ فإن العبودية هي كمال الحب والخضوع، وهذا قد استغرق قوة حبه وخضوعه وذله لمعشوقه؛ فقد أعطاء حقيقة العبودية" 1
ومن أضراره الدينية أيضا أنه يجر صاحبه إلى معاص أخرى، ربما لا تقل عن اللواط قبحا، كما يجره إلى ترك طاعات كان يفعلها؛ فكم شرب بسببه من المسكرات؟ وكم ضاع بسببه من الجمع والجماعات؟ وكم أغري به من عداوات؟
ثم إن الاسترسال بهذا الأمر ـ يقود الإنسان إلى محبته، فيحب الفاحشة ويبغض العفة، فيقع في محبة ما كرهه الله، وبغض ما أحبه الله.
وقد يقوده التمادي به والاستمرار عليه إلى استمرائه، وعدم النفور منه وربما قاده ذلك ـ عياذا بالله ـ إلى استحلاله
1 انظر المرجع السابق ص 297، وانظر الدين الخالص لصديق حسن، 2/403ـ412.