المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

تَنْبِيهٌ فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ اسْتِفْهَامِ زَكَرِيَّا فِي قَوْلِهِ: أَنَّى يَكُونُ - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط الفكر - جـ ٣

[محمد الأمين الشنقيطي]

الفصل: تَنْبِيهٌ فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ اسْتِفْهَامِ زَكَرِيَّا فِي قَوْلِهِ: أَنَّى يَكُونُ

تَنْبِيهٌ

فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ اسْتِفْهَامِ زَكَرِيَّا فِي قَوْلِهِ: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ، مَعَ عِلْمِهِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.

فَالْجَوَابُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِنَا (دَفْعُ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عِنْدَ آيَاتِ الْكِتَابِ (فِي سُورَةِ «آلِ عِمْرَانَ» وَوَاحِدٌ مِنْهَا فِيهِ بُعْدٌ وَإِنْ رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَالسُّدِّيِّ وَغَيْرِهِمَا.

الْأَوَّلُ: أَنَّ اسْتِفْهَامَ زَكَرِيَّا اسْتِفْهَامُ اسْتِخْبَارٍ وَاسْتِعْلَامٍ ; لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ هَلِ اللَّهُ يَأْتِيهِ بِالْوَلَدِ مِنْ زَوْجَةِ الْعَجُوزِ عَلَى كِبَرِ سِنِّهِمَا عَلَى سَبِيلِ خَرْقِ الْعَادَةِ، أَوْ يَأْمُرُهُ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ شَابَّةً، أَوْ يَرُدُّهُمَا شَابَّيْنِ؟ فَاسْتَفْهَمَ عَنِ الْحَقِيقَةِ لِيَعْلَمَهَا، وَلَا إِشْكَالَ فِي هَذَا، وَهُوَ أَظْهَرُهَا.

الثَّانِي: أَنَّ اسْتِفْهَامَهُ اسْتِفْهَامُ تَعَجُّبٍ مِنْ كَمَالِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى.

الثَّالِثُ: وَهُوَ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّ فِيهِ بُعْدًا هُوَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ وَالسُّدِّيِّ: مِنْ أَنَّ زَكَرِيَّا لَمَّا نَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى، قَالَ لَهُ الشَّيْطَانُ: لَيْسَ هَذَا نِدَاءُ الْمَلَائِكَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ نِدَاءُ الشَّيْطَانِ، فَدَاخَلَ زَكَرِيَّا الشَّكُّ فِي أَنَّ النِّدَاءَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ الشَّكِّ النَّاشِئِ عَنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ قَبْلَ أَنْ يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ [1‌

‌9

\ 8] ، وَلِذَا طَلَبَ الْآيَةَ مِنَ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً الْآيَةَ [19 \ 10]، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ فِيهِ بُعْدٌ ; لِأَنَّهُ لَا يَلْتَبِسُ عَلَى زَكَرِيَّا نِدَاءُ الْمَلَائِكَةِ بِنِدَاءِ الشَّيْطَانِ.

وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: «عِتِيًّا» أَصْلُهُ عُتُوًّا، فَأُبْدِلَتِ الْوَاوُ يَاءً، وَمِنْ إِطْلَاقِ الْعِتِيِّ الْكِبَرِ الْمُتَنَاهِي قَوْلُ الشَّاعِرِ:

إِنَّمَا يُعْذَرُ الْوَلِيدُ وَلَا يُعْ

ذَرُ مَنْ كَانَ فِي الزَّمَانِ عِتِيًّا

وَقِرَاءَةُ «عِسِيًّا» بِالسِّينِ شَاذَّةٌ لَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِهَا، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَبِهَا قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهِيَ كَذَلِكَ فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا.

هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ذَكَرُهُ أَيْضًا فِي «آلِ عِمْرَانَ» فِي قَوْلِهِ: قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [3 \ 40]، وَقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ «كَذَلِكَ» لِلْعُلَمَاءِ فِي إِعْرَابِهِ أَوْجُهٌ:

ص: 369

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَتَقْدِيرُهُ، الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَلَا مَحَالَةَ أَنْ تَلِدَ الْغُلَامَ الْمَذْكُورَ، وَقِيلَ، الْأَمْرُ كَذَلِكَ أَنْتَ كَبِيرٌ فِي السِّنِّ، وَامْرَأَتُكَ عَاقِرٌ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: قَالَ رَبُّكَ [19 \ 9]، ابْتِدَاءُ كَلَامٍ:

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ «كَذَلِكَ» فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِـ «قَالَ» وَعَلَيْهِ فَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ «ذَلِكَ» إِلَى مُبْهَمٍ يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ: هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ، وَنَظِيرُهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ [15 \ 66] ، وَغَيْرُ هَذَيْنِ مِنْ أَوْجُهِ إِعْرَابِهِ تَرَكْنَاهُ لِعَدَمِ وُضُوحِهِ عِنْدَنَا، وَقَوْلُهُ: هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ، أَيْ: يَسِيرٌ سَهْلٌ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا أَيْ: وَمَنْ خَلَقَكَ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُرْزُقَكَ الْوَلَدَ الْمَذْكُورَ كَمَا لَا يَخْفَى، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُنَا لِزَكَرِيَّا: مِنْ أَنَّهُ خَلَقَهُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا أَشَارَ إِلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَانِ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ: أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا [19 \ 67]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا [76 \ 1] .

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَلَمْ تَكُ شَيْئًا، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا [24 \ 39] ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ: إِنَّ الْمَعْدُومَ الْمُمْكِنَ وُجُودُهُ شَيْءٌ، مُسْتَدِلِّينَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [36 \ 82]، قَالُوا: قَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ شَيْءٌ قَبْلَ وُجُودِهِ، وَلِأَجْلِ هَذَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، أَوْ لَيْسَ شَيْئًا يُعْتَدُّ بِهِ، كَقَوْلِهِمْ: عَجِبْتُ مِنْ لَا شَيْءَ، وَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

وَضَاقَتِ الْأَرْضُ حَتَّى كَانَ هَارِبُهُمْ

إِذَا رَأَى غَيْرَ شَيْءٍ ظَنَّهُ رَجُلًا

لِأَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ: غَيْرَ شَيْءٍ، أَيْ: إِذَا رَأَى شَيْئًا تَافِهًا لَا يُعْتَدُّ بِهِ كَأَنَّهُ لَا شَيْءَ لِحَقَارَتِهِ ظَنَّهُ رَجُلًا ; لِأَنَّ غَيْرَ شَيْءٍ بِالْكُلِّيَّةِ لَا يَصِحُّ وُقُوعُ الرُّؤْيَةِ عَلَيْهِ، وَالتَّحْقِيقُ هُوَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ وَأَمْثَالُهَا فِي الْقُرْآنِ: مِنْ أَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِشَيْءٍ؟ وَالْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْآيَةِ: أَنَّ ذَلِكَ الْمَعْدُومَ لَمَّا تَعَلَّقَتِ الْإِرَادَةُ بِإِيجَادِهِ، صَارَ تَحَقُّقُ وُقُوعِهِ كَوُقُوعِهِ بِالْفِعْلِ، كَقَوْلِهِ: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ [16 \ 1]، وَقَوْلِهِ: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ [18 \ 99]، وَقَوْلِهِ: وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ الْآيَةَ [39 \ 69] ،

ص: 370

وَقَوْلِهِ: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا الْآيَةَ [39 \ 73]، وَقَوْلِهِ: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ، كُلُّ هَذِهِ الْأَفْعَالِ الْمَاضِيَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوُقُوعِ بِالْفِعْلِ فِيمَا مَضَى أُطْلِقَتْ مُرَادًا بِهَا الْمُسْتَقْبَلُ ; لِأَنَّ تَحَقُّقَ وُقُوعِ مَا ذُكِرَ صَيَّرَهُ كَالْوَاقِعِ بِالْفِعْلِ، وَكَذَلِكَ تَسْمِيَتُهُ شَيْئًا قَبْلَ وُجُودِهِ لِتَحَقُّقِ وَجُودِهِ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ، قَرَأَهُ عَامَّةُ السَّبْعَةِ مَا عَدَا حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيَّ «خَلَقْتُكَ» بِتَاءِ الْفَاعِلِ الْمَضْمُومَةِ الَّتِي هِيَ تَاءُ الْمُتَكَلِّمِ، وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ «وَقَدْ خَلَقْنَاكَ» بَنُونٍ بَعْدَهَا أَلِفٌ، وَصِيغَةُ الْجَمْعِ فِيهَا لِلتَّعْظِيمِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا.

الْمُرَادُ بِالْآيَةِ هُنَا الْعَلَامَةُ، أَيِ: اجْعَلْ لِي عَلَامَةً أَعْلَمُ بِهَا وُقُوعَ مَا بُشِّرْتُ بِهِ مِنَ الْوَلَدِ، قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: طَلَبَ الْآيَةَ عَلَى ذَلِكَ لِتَتِمَّ طُمَأْنِينَتُهُ بِوُقُوعِ مَا بُشِّرَ بِهِ، وَنَظِيرُهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [2 \ 260]، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْعَلَّامَةِ أَنْ يَعْرِفَ ابْتِدَاءَ حَمْلِ امْرَأَتِهِ ; لِأَنَّ الْحَمْلَ فِي أَوَّلِ زَمَنِهِ يَخْفَى.

وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا أَيْ: عَلَامَتُكَ عَلَى وُقُوعِ ذَلِكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ، أَيْ: أَنْ تُمْنَعَ الْكَلَامَ فَلَا تُطِيقُهُ ثَلَاثَ لَيَالٍ بِأَيَّامِهِنَّ فِي حَالِ كَوْنِكَ سَوِيًّا، أَيْ: سَوِيَّ الْخَلْقِ، سَلِيمَ الْجَوَارِحِ، مَا بِكَ خَرَسٌ وَلَا بُكْمٌ وَلَكِنَّكَ مَمْنُوعٌ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى سَبِيلِ خَرْقِ الْعَادَةِ، كَمَا قَدَّمْنَا فِي «آلِ عِمْرَانَ» ، أَمَّا ذِكْرُ اللَّهِ فَلَيْسَ مَمْنُوعًا مِنْهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي «آلِ عِمْرَانَ» : وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ [3 \ 41]، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى، ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا، أَيْ: ثَلَاثَ لَيَالٍ مُتَتَابِعَاتٍ غَيْرُ صَوَابٍ، بَلْ مَعْنَاهُ هُوَ مَا قَدَّمْنَا مِنْ كَوْنِ اعْتِقَالِ لِسَانِهِ عَنْ كَلَامِ قَوْمِهِ لَيْسَ لِعِلَّةٍ وَلَا مَرَضٍ حَدَثَ بِهِ، وَلَكِنْ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ قَالَ تَعَالَى هُنَا «ثَلَاثَ لَيَالٍ» وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهَا أَيَّامَهَا، وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ الْأَيَّامَ فِي «آلِ عِمْرَانَ» ، فِي قَوْلِهِ: قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ [3 \ 41] ، فَدَلَّتِ الْآيَتَانِ عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثُ لَيَالِي بِأَيَّامِهِنَّ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ، يَعْنِي إِلَّا بِالْإِشَارَةِ أَوِ الْكِتَابَةِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ هُنَا: فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا [19 \ 11] ، وَقَوْلُهُ فِي «آلِ

ص: 371