المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم سُورَةُ‌ ‌ لُقْمَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى: الم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط الفكر - جـ ٦

[محمد الأمين الشنقيطي]

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم سُورَةُ‌ ‌ لُقْمَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى: الم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ

بسم الله الرحمن الرحيم

سُورَةُ‌

‌ لُقْمَانَ

قَوْلُهُ تَعَالَى: الم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ.

قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِقَوْلِهِ: هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ، فِي أَوَّلِ سُورَةِ «الْبَقَرَةِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [2 \ 1 - 2] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ.

ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُ اللَّهِ، وَهِيَ هَذَا الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ: وَلَّى مُسْتَكْبِرًا، أَيْ: مُتَكَبِّرًا عَنْ قَبُولِهَا، كَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا، أَيْ: صَمَمًا وَثِقَلًا مَانِعًا لَهُ مِنْ سَمَاعِهَا، ثُمَّ أَمَرَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَشِّرَهُ بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ.

وَقَدْ أَوْضَحَ جَلَّ وَعَلَا هَذَا الْمَعْنَى فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [45 \‌

‌ 7

- 10] ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى هُنَا: كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا، عَلَى سَبِيلِ التَّشْبِيهِ، وَصَرَّحَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُ جَعَلَ فِي أُذُنَيْهِ الْوَقْرَ بِالْفِعْلِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا [18 \ 57] ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَقْرَ الْمَذْكُورَ عَلَى سَبِيلِ التَّشْبِيهِ بِالْوَقْرِ الْحِسِّيِّ ; لِأَنَّ الْوَقْرَ الْمَعْنَوِيَّ يُشْبِهُ الْوَقْرَ الْحِسِّيِّ، وَالْوَقْرُ الْمَجْعُولُ عَلَى آذَانِهِمْ بِالْفِعْلِ، هُوَ الْوَقْرُ الْمَعْنَوِيُّ الْمَانِعُ مِنْ سَمَاعِ الْحَقِّ فَقَطْ، دُونَ سَمَاعِ غَيْرِهِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

ص: 179

قَوْلُهُ تَعَالَى: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا.

قَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ بِالْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ «الرَّعْدِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا الْآيَةَ [13 \ 2] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ.

قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ «الرَّعْدِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ الْآيَةَ [13 \ 16] ، وَفِي أَوَّلِ سُورَةِ «الْفُرْقَانِ» .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ. دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَى أَنَّ الشِّرْكَ ظُلْمٌ عَظِيمٌ.

وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى ذَلِكَ فِي آيَاتٍ أُخَرَ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ [10 \ 106]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [2 \ 254]، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ فَسَّرَ الظُّلْمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [6 \ 82] ، بِأَنَّهُ الشِّرْكُ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ هُنَا: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذَا سَابِقًا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ.

مَعْنَاهُ: لَا تَتَكَبَّرْ عَلَى النَّاسِ، فَفِي الْآيَةِ نَهْيٌ عَنِ التَّكَبُّرِ عَلَى النَّاسِ، وَالصُّعْرُ: الْمَيْلُ، وَالْمُتَكَبِّرُ يُمِيلُ وَجْهَهُ عَنِ النَّاسِ مُتَكَبِّرًا عَلَيْهِمْ مُعْرِضًا عَنْهُمْ، وَالصُّعْرُ: الْمَيْلُ، وَأَصْلُهُ: دَاءٌ يُصِيبُ الْبَعِيرَ يَلْوِي مِنْهُ عُنُقَهُ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمُتَكَبِّرِ يَلْوِي عُنُقَهُ وَيُمِيلُ خَدَّهُ عَنِ النَّاسِ تَكَبُّرًا عَلَيْهِمْ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ حُنَيٍّ التَّغْلِبِيِّ:

وَكُنَّا إِذَا الْجَبَّارُ صَعَّرَ خَدَّهُ

أَقَمْنَا لَهُ مِنْ مَيْلِهِ فَتَقَوَّمَا

وَقَوْلُ أَبِي طَالِبٍ:

وَكُنَّا قَدِيمًا لَا نُقِرُّ ظُلَامَةً

إِذَا مَا ثَنَوْا صُعْرَ الرُّءُوسِ نُقِيمُهَا

ص: 180