الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَبَيَّنَّا بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ «الْحَجِّ» : أَنَّ نَصِيبَ النَّارِ مِنَ الْأَلْفِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَتِسْعُمِائَةٍ، وَأَنَّ نَصِيبَ الْجَنَّةِ مِنْهَا وَاحِدٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ. الْأَغْلَالُ: جَمْعُ غُلٍّ وَهُوَ الَّذِي يَجْمَعُ الْأَيْدِي إِلَى الْأَعْنَاقِ. وَالْأَذْقَانُ: جَمْعُ ذَقَنٍ وَهُوَ مُلْتَقَى اللَّحْيَيْنِ. وَالْمُقْمَحُ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ، وَهُوَ الرَّافِعُ رَأْسَهُ. وَالسَّدُّ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ: هُوَ الْحَاجِزُ الَّذِي يَسُدُّ طَرِيقَ الْوُصُولِ إِلَى مَا وَرَاءَهُ.
وَقَوْلُهُ: فَأَغْشَيْنَاهُمْ، أَيْ: جَعَلَنَا عَلَى أَبْصَارِهِمُ الْغِشَاوَةَ، وَهِيَ الْغِطَاءُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى الْعَيْنِ يَمْنَعُهَا مِنَ الْإِبْصَارِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ [2 \ 7]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً [45 \ 23]، وَقَوْلُ الشَّاعِرِ وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْعَاصِ:
هَوَيْتُكِ إِذْ عَيْنِي عَلَيْهَا غِشَاوَةٌ
…
فَلَمَّا انْجَلَتْ قَطَّعْتُ نَفْسِي أَلُومُهَا
وَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَشْقِيَاءَ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمُ الشَّقَاوَةُ فِي عِلْمِ اللَّهِ الْمَذْكُورِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، صَرَفَهُمُ اللَّهُ عَنِ الْإِيمَانِ صَرْفًا عَظِيمًا مَانِعًا مِنْ وُصُولِهِ إِلَيْهِمْ ; لِأَنَّ مَنْ جُعِلَ فِي عُنُقِهِ غُلٌّ، وَصَارَ الْغُلُّ إِلَى ذَقَنِهِ، حَتَّى صَارَ رَأْسُهُ مَرْفُوعًا لَا يَقْدِرُ أَنْ يُطَأْطِئَهُ، وَجَعَلَ أَمَامَهُ سَدًّا، وَخَلْفَهُ سَدًّا، وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ الْغِشَاوَةَ لَا حِيلَةَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ، وَلَا فِي جَلْبِ نَفْعٍ لِنَفْسِهِ، وَلَا فِي دَفْعِ ضُرٍّ عَنْهَا، فَالَّذِينَ أَشْقَاهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَا يَصِلُ إِلَيْهِمْ خَيْرٌ.
وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ كَوْنِهِ جَلَّ وَعَلَا يَصْرِفُ الْأَشْقِيَاءَ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمُ الشَّقَاوَةُ فِي عِلْمِهِ عَنِ الْحَقِّ وَيَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا [1
8
\ 57] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ [2 \ 7]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً [45 \ 23]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [6 \ 125]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ [7 \ 186] ،
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [5 \ 41] .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [16 \ 108]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ [11 \ 20]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا [18 \ 101] ، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا الطَّبْعَ وَالْخَتْمَ عَلَى الْقُلُوبِ، وَكَذَلِكَ الْأَغْلَالُ فِي الْأَعْنَاقِ، وَالسَّدُّ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمَنْ خَلْفِهِمْ، أَنَّ جَمِيعَ تِلْكَ الْمَوَانِعِ الْمَانِعَةِ مِنَ الْإِيمَانِ، وَوُصُولِ الْخَيْرِ إِلَى الْقُلُوبِ أَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا جَعَلَهَا عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ مُسَارَعَتِهِمْ لِتَكْذِيبِ الرُّسُلِ، وَالتَّمَادِي عَلَى الْكُفْرِ، فَعَاقَبَهُمُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ، بِطَمْسِ الْبَصَائِرِ وَالْخَتْمِ عَلَى الْقُلُوبِ وَالطَّبْعِ عَلَيْهَا، وَالْغِشَاوَةِ عَلَى الْأَبْصَارِ ; لِأَنَّ مِنْ شُؤْمِ السَّيِّئَاتِ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا يُعَاقِبُ صَاحِبَهَا عَلَيْهَا بِتَمَادِيهِ عَلَى الشَّرِّ، وَالْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَيْرِ جَزَاهُ اللَّهُ بِذَلِكَ عَلَى كُفْرِهِ جَزَاءً وِفَاقًا.
وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ [4 \ 155]، فَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ. وَفِي الْآيَةِ تَصْرِيحٌ مِنْهُ تَعَالَى أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ الطَّبْعِ عَلَى قُلُوبِهِمْ هُوَ كُفْرُهُمْ ; وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ [63 \ 3] ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفَاءَ مِنْ حُرُوفِ التَّعْلِيلِ، أَيْ: فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ ذَلِكَ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [61 \ 5]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [6 \ 110]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا [2 \ 10] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ.
وَقَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَاتُ عَلَى أَنَّ شُؤْمَ السَّيِّئَاتِ يَجُرُّ صَاحِبَهُ إِلَى التَّمَادِي فِي السَّيِّئَاتِ، وَيُفْهَمُ مِنْ مَفْهُومِ مُخَالَفَةِ ذَلِكَ، أَنَّ فِعْلَ الْخَيْرِ يُؤَدِّي إِلَى التَّمَادِي فِي فِعْلِ الْخَيْرِ، وَهُوَ كَذَلِكَ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ [47 \ 17] ، وَقَوْلُهُ
تَعَالَى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [29 \ 69]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [64 \ 11] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا، أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْأَغْلَالُ الَّتِي يُعَذَّبُونَ بِهَا فِي الْآخِرَةِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ [40 \ 71 - 72] ، خِلَافَ التَّحْقِيقِ، بَلِ الْمُرَادُ بِجَعْلِ الْأَغْلَالِ فِي أَعْنَاقِهِمْ، وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ فِي الْآيَةِ هُوَ صَرْفُهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ وَالْهُدَى فِي دَارِ الدُّنْيَا ; كَمَا أَوْضَحْنَا. وَقَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ: حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَحَفْصٌ، عَنْ عَاصِمٍ: سَدًّا، بِالْفَتْحِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِضَمِّ السِّينِ، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ عَلَى الصَّوَابِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ. تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ مَعَ نَظَائِرِهِ مِنَ الْآيَاتِ فِي سُورَةِ «فَاطِرٍ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ [35 \ 18] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ. ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ:
الْأَوَّلَ: أَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى، مُؤَكِّدًا ذَلِكَ مُتَكَلِّمًا عَنْ نَفْسِهِ بِصِيغَةِ التَّعْظِيمِ.
الثَّانِيَ: أَنَّهُ يَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا فِي دَارِ الدُّنْيَا.
الثَّالِثَ: أَنَّهُ يَكْتُبُ آثَارَهُمْ.
الرَّابِعَ: أَنَّهُ أَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ، أَيْ: فِي كِتَابٍ بَيِّنٍ وَاضِحٍ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ الْأَرْبَعَةُ جَاءَتْ مُوَضَّحَةً فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهَا وَهُوَ كَوْنُهُ يُحْيِي الْمَوْتَى بِالْبَعْثِ، فَقَدْ جَاءَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ [64 \ 7]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ [10 \ 53]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا [16 \ 38] ، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.
وَقَدْ قَدَّمْنَاهَا بِكَثْرَةٍ فِي سُورَةِ «الْبَقَرَةِ» ، وَسُورَةِ «النَّحْلِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى بَرَاهِينِ الْبَعْثِ، وَقَدَّمْنَا الْإِحَالَةَ عَلَى ذَلِكَ مِرَارًا.
وَأَمَّا الثَّانِي مِنْهَا وَهُوَ كَوْنُهُ يَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا فِي دَارِ الدُّنْيَا، فَقَدْ جَاءَ فِي آيَاتٌ كَثِيرَةٌ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [43 \ 80]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [45 \ 29]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [17 \ 13 - 14]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا الْآيَةَ [18 \ 49]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [50 \ 18] . وَقَدْ قَدَّمْنَا بَعْضَ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا فِي سُورَةِ «الْكَهْفِ» .
وَأَمَّا الثَّالِثُ مِنْهَا وَهُوَ كَوْنُهُمْ تُكْتَبُ آثَارُهُمْ، فَقَدْ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ أَيْضًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: وَآثَارَهُمْ، فِيهِ وَجْهَانِ مِنَ التَّفْسِيرِ مَعْرُوفَانِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ.
الْأَوَّلُ مِنْهُمَا: أَنَّ مَعْنَى مَا قَدَّمُوا: مَا بَاشَرُوا فِعْلَهُ فِي حَيَاتِهِمْ، وَأَنَّ مَعْنَى آثَارَهَمْ: هُوَ مَا سَنُّوهُ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ سُنَّةٍ حَسَنَةٍ أَوْ سَيِّئَةٍ، فَهُوَ مِنْ آثَارِهِمُ الَّتِي يُعْمَلُ بِهَا بِعَدَهُمْ.
الثَّانِي: أَنَّ مَعْنَى آثَارَهُمْ: خُطَاهُمْ إِلَى الْمَسَاجِدِ وَنَحْوُهَا مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ، وَكَذَلِكَ خُطَاهُمْ إِلَى الشَّرِّ، كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبُ آثَارُكُمْ» ، يَعْنِي: خُطَاكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ إِلَى مَسْجِدِهِ صلى الله عليه وسلم.
أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: فَاللَّهُ جَلَّ وَعَلَا قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَ مَنْ أَضَلُّوهُمْ وَسَنُّوا لَهُمُ السُّنَنَ السَّيِّئَةَ ; كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ الْآيَةَ [16 \ 25]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ [29 \ 13] .
وَقَدْ أَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي سُورَةِ «النَّحْلِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ الْآيَةَ [16 \ 25]
وَذَكَرْنَا حَدِيثَ جَرِيرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي إِيضَاحِ ذَلِكَ.
وَمِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى مُؤَاخَذَةِ الْإِنْسَانِ بِمَا عُمِلَ بِهِ بَعْدَهُ مِمَّا سَنَّهُ مِنْ هُدًى أَوْ ضَلَالَةٍ، قَوْلُهُ تَعَالَى: يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ [75 \ 13]، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى بِمَا قَدَّمَ: مُبَاشِرًا لَهُ، وَأَخَّرَ: مِمَّا عُمِلَ بِهِ بَعْدَهُ مِمَّا سَنَّهُ مِنْ هُدًى أَوْ ضَلَالٍ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ [82 \ 5] ، عَلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ.
وَأَمَّا عَلَى التَّفْسِيرِ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى آثَارَهُمْ: خُطَاهُمْ إِلَى الْمَسَاجِدِ وَنَحْوُهَا، فَقَدْ جَاءَ بَعْضُ الْآيَاتِ دَالًّا عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ [9 \ 121] ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنْ تُكْتَبَ لَهُمْ خُطَاهُمُ الَّتِي قَطَعُوا بِهَا الْوَادِيَ فِي غَزْوِهِمْ.
وَأَمَّا الرَّابِعُ: وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ، فَقَدْ تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى الْأَمْرِ الثَّانِي، وَهُوَ كِتَابَةُ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ الَّتِي قَدَّمُوهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ خُصُوصُ الْأَعْمَالِ.
وَأَمَّا عَلَى فَرْضِ كَوْنِهِ عَامًّا، فَقَدْ دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ أُخَرُ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا [72 \ 28]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [6 \ 38] ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكِتَابِ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ، وَهُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ. قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ «بَنِي إِسْرَائِيلَ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا [17 \ 94] .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَنِ الْكُفَّارِ: وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ، قَدْ بَيَّنَ أَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ الْآيَةَ [67 \ 8 - 9] ،
وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الَّذِينَ أَنْكَرُوا إِنْزَالَ اللَّهِ الْوَحْيَ كَهَؤُلَاءِ أَنَّهُمْ لَمْ يُقَدِّرُوهُ حَقَّ قَدْرِهِ، أَيْ: لَنْ يُعَظِّمُوهُ حَقَّ عَظَمَتِهِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [6 \ 91] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ. قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ «الْأَعْرَافِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ [7 \ 131] ، وَذَكَرْنَا بَعْضَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ «النَّمْلِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ الْآيَةَ [27 \ 47] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا. قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنَ الْأَحْكَامِ فِي سُورَةِ «هُودٍ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ [11 \ 29] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. قَوْلُهُ: فَطَرَنِي، مَعْنَاهُ: خَلَقَنِي وَابْتَدَعَنِي، كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ «فَاطِرٍ» .
وَالْمَعْنَى: أَيُّ شَيْءٍ ثَبْتَ لِي يَمْنَعُنِي مِنْ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِي خَلَقَنِي، وَابْتَدَعَنِي، وَأَبْرَزَنِي مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ، وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ أَنَّ الَّذِي يَخْلُقُ هُوَ وَحْدَهُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ وَحْدَهُ، جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ «الْفُرْقَانِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ [25 \ 3] ، وَفِي سُورَةِ «الرَّعْدِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ الْآيَةَ [13 \ 16] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ.
الِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَأَتَّخِذُ لِلْإِنْكَارِ، وَهُوَ مُضَمَّنٌ مَعْنَى النَّفْيِ، أَيْ: لَا أَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَعْبُودَاتٍ، إِنْ أَرَادَنِي اللَّهُ بِضُرٍّ لَا تَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ عَنِّي، وَلَا تَقْدِرُ أَنْ تُنْقِذَنِي مِنْ كَرْبٍ.
وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ عَدَمِ فَائِدَةِ الْمَعْبُودَاتِ مِنْ دُونِ اللَّهِ جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ [39 \ 38]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا [17 \ 56]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ الْآيَةَ [10 \ 18]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [10 \ 18]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ [10 \ 106] ، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا، أَيْ: لَا شَفَاعَةَ لَهُمْ أَصْلًا حَتَّى تُغْنِيَ شَيْئًا، وَنَحْوُ هَذَا أُسْلُوبٌ عَرَبِيٌّ مَعْرُوفٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
عَلَى لَاحِبٍ لَا يُهْتَدَى بِمَنَارِهِ
…
إِذَا سَافَهُ الْعُودُ النَّبَاطِيُّ جَرْجَرَا
فَقَوْلُهُ: لَا يُهْتَدَى بِمَنَارِهِ، أَيْ: لَا مَنَارَ لَهُ أَصْلًا حَتَّى يُهْتَدَى بِهِ، وَقَوْلُ الْآخَرِ:
لَا تُفْزِعُ الْأَرْنَبَ أَهْوَالُهَا
…
وَلَا تَرَى الضَّبَّ بِهَا يَنْجَحِرْ
أَيْ: لَا أَرْنَبَ فِيهَا، حَتَّى تُفْزِعَهَا أَهْوَالُهَا، وَلَا ضَبَّ فِيهَا حَتَّى يَنْجَحِرَ، أَيْ: يَتَّخِذُ جُحْرًا.
وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْمَنْطِقِيِّينَ، بِقَوْلِهِمِ: السَّالِبَةُ لَا تَقْتَضِي وُجُودَ الْمَوْضُوعِ ; كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ.
بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا أَنَّ الْعِبَادَ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ غَيْرَ مُكْتَفِينَ بِتَكْذِيبِهِ، بَلْ جَامِعِينَ مَعَهُ الِاسْتِهْزَاءَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ، نَصٌّ صَرِيحٌ فِي تَكْذِيبِ الْأُمَمِ لِجَمِيعِ الرُّسُلِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، مِنْ أَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ إِذَا زِيدَتْ قَبْلَهَا مِنْ، فَهِيَ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي عُمُومِ النَّفْيِ، كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَحَلِّهِ.
وَهَذَا الْعُمُومُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ أُخَرَ، وَجَاءَ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ إِخْرَاجُ أُمَّةٍ وَاحِدَةٍ عَنْ حُكْمِ هَذَا الْعُمُومِ بِمُخَصَّصٍ مُتَّصِلٍ، وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ.
فَمِنَ الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةِ لِهَذَا الْعُمُومِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ [34 \ 34]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ [43 \ 23]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ، إِلَى قَوْلِهِ: فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [7 \ 94 - 95] .
وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا فِي سُورَةِ «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ الْآيَةَ [23 \ 44] .
وَقَدَّمْنَا طَرَفًا مِنَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ «الْأَنْعَامِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا الْآيَةَ [6 \ 123] .
وَأَمَّا الْأُمَّةُ الَّتِي أُخْرِجَتْ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ فَهِيَ أُمَّةُ يُونُسَ، وَالْآيَةُ الَّتِي بَيَّنَتْ ذَلِكَ هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [37 \ 147 - 148] ، وَالْحَسْرَةُ أَشَدُّ النَّدَامَةِ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مُنَادًى عَامِلٌ فِي الْمَجْرُورِ بَعْدَهُ، فَأَشْبَهَ الْمُنَادَى الْمُضَافَ.
وَالْمَعْنَى: يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ تَعَالِي وَاحْضُرِي فَإِنَّ الِاسْتِهْزَاءَ بِالرُّسُلِ هُوَ أَعْظَمُ الْمُوجِبَاتِ لِحُضُورِكِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ، إِلَى قَوْلِهِ: أَفَلَا يَشْكُرُونَ
قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ إِحْيَاءَ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، بُرْهَانٌ قَاطِعٌ عَلَى الْبَعْثِ فِي سُورَةِ «الْبَقَرَةِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ [2 \ 22] . وَفِي سُورَةِ «النَّحْلِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ الْآيَةَ [16 \ 10] ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاضِعِ. وَأَوْضَحْنَا فِي الْمَوَاضِعِ الْمَذْكُورَةِ، بَقِيَّةَ بَرَاهِينِ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ. قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ «النَّحْلِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا الْآيَةَ [16 \ 14] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ. ذَمَّ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْكُفَّارَ بِإِعْرَاضِهِمْ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ.
وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ، جَاءَ فِي آيَاتٍ أُخَرَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ «الْأَنْعَامِ» : وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ الْآيَةَ [6 \ 4 - 5]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آخِرِ «يُوسُفَ» : وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ [12 \ 105]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [54 \ 1 - 2]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ [37 \ 13 - 14] ، وَأَصْلُ الْإِعْرَاضِ مُشْتَقٌّ مِنَ الْعُرْضِ بِالضَّمِّ، وَهُوَ الْجَانِبُ ; لِأَنَّ الْمُعْرِضَ عَنِ الشَّيْءِ يُوَلِّيهِ بِجَانِبِ عُنُقِهِ صَادًّا عَنْهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ. ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ النَّفْخَةَ الْأَخِيرَةَ، وَالصُّورُ قَرْنٌ مِنْ نُورٍ يَنْفُخُ فِيهِ الْمَلَكُ نَفْخَةَ الْبَعْثِ، وَهِيَ النَّفْخَةُ الْأَخِيرَةُ، وَإِذَا نَفَخَهَا قَامَ جَمِيعُ أَهْلِ الْقُبُورِ مِنْ قُبُورِهِمْ، أَحْيَاءً إِلَى الْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ.
وَقَوْلُهُ: فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ، جَمْعُ جَدَثٍ بِفَتْحَتَيْنِ، وَهُوَ الْقَبْرُ، وَقَوْلُهُ:
يَنْسِلُونَ، أَيْ: يُسْرِعُونَ فِي الْمَشْيِ مِنَ الْقُبُورِ إِلَى الْمَحْشَرِ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ [70 \ 43]، وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا الْآيَةَ [50 \ 44]، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِي الْآيَةَ [54 \ 7]، وَقَوْلُهُ: مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِي، أَيْ: مُسْرِعِينَ مَادِّي أَعْنَاقِهِمْ عَلَى أَشْهَرِ التَّفْسِيرَيْنِ، وَمِنْ إِطْلَاقِ نَسَلَ بِمَعْنَى أَسْرَعَ، قَوْلُهُ تَعَالَى: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ [21 \ 96]، وَقَوْلُ لَبِيدٍ:
عَسَلَانُ الذِّئْبِ أَمْسَى قَارِبًا
…
بَرَدَ اللَّيْلُ عَلَيْهِ فَنَسَلْ
وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، مِنْ أَنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يَقُومُونَ أَحْيَاءً عِنْدَ النَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ، جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [39 \ 68]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ [36 \ 53]، وَهَذِهِ الصَّيْحَةُ هِيَ النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ [50 \ 42]، أَيِ: الْخُرُوجِ مِنَ الْقُبُورِ. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ [79 \ 13 - 14]، وَالزَّجْرَةُ: هِيَ النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ. وَالسَّاهِرَةُ: وَجْهُ الْأَرْضِ وَالْفَلَاةُ الْوَاسِعَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي كَبِيرٍ الْهُذَلِيِّ:
يَرْتَدْنَ سَاهِرَةً، كَأَنَّ جَمِيمَهَا
…
وَعَمِيمَهَا أَسْدَافُ لَيْلٍ مُظْلِمِ
وَقَوْلُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ:
وَسَاهِرَةٍ يَضْحَى السَّرَابُ مُجَلِّلًا
…
لِأَقْطَارِهَا قَدْ جِئْتُهَا مُتَلَثِّمَا
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ [37 \ 19]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ [30 \ 25]، وَهَذِهِ الدَّعْوَةُ بِالنَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ [17 \ 52] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.