المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فَمَا يَكُ مِنْ خَيْرٍ أَتَوْهُ فَإِنَّمَا … تَوَارَثَهُ آبَاءُ آبَائِهِمْ - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط الفكر - جـ ٦

[محمد الأمين الشنقيطي]

الفصل: فَمَا يَكُ مِنْ خَيْرٍ أَتَوْهُ فَإِنَّمَا … تَوَارَثَهُ آبَاءُ آبَائِهِمْ

فَمَا يَكُ مِنْ خَيْرٍ أَتَوْهُ فَإِنَّمَا

تَوَارَثَهُ آبَاءُ آبَائِهِمْ قَبْلُ

وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْإِفْكَ هُوَ أَسْوَأُ الْكَذِبِ، لِأَنَّهُ قَلْبٌ لِلْكَلَامِ عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَفَكَهُ بِمَعْنَى قَلَبَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي قَوْمِ لُوطٍ: وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ، وَقَوْلُهُ: وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى ‌

‌[5

3 \ 53] وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا مُؤْتَفِكَاتٌ ; لِأَنَّ الْمَلِكَ أَفَكَهَا، أَيْ: قَلَبَهَا ; كَمَا أَوْضَحَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا [11 \ 82] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا. ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي الْأُولَى مِنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ أَنَّ الْكُفَّارَ، قَالُوا: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، أَيْ: مِمَّا كَتَبَهُ وَسَطَرَهُ الْأَوَّلُونَ كَأَحَادِيثِ رُسْتُمَ وَأَسْفَنْدِيَارَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَهُ، وَأَخَذَهُ مِنْ تِلْكَ الْأَسَاطِيرِ، وَأَنَّهُ اكْتَتَبَ تِلْكَ الْأَسَاطِيرَ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَيْ كَتَبَهَا لِنَفْسِهِ وَأَخَذَهَا، كَمَا تَقُولُ: اسْتَكَبَ الْمَاءَ وَاصْطَبَّهُ إِذَا سَكَبَهُ وَصَبَّهُ لِنَفْسِهِ وَأَخَذَهُ، وَقَوْلُهُ: فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ، أَيْ: تُلْقَى إِلَيْهِ، وَتُقْرَأُ عَلَيْهِ عِنْدَ إِرَادَتِهِ كِتَابَتَهَا لِيَكْتُبَهَا، وَالْإِمْلَاءُ إِلْقَاءُ الْكَلَامِ عَلَى الْكَاتِبِ لِيَكْتُبَهُ، وَالْهَمْزَةُ مُبْدَلَةٌ مِنَ اللَّامِ تَخْفِيفًا، وَالْأَصْلُ فِي الْإِمْلَاءِ الْإِمْلَالُ بِاللَّامِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ الْآيَةَ [2 \ 28] .

وَقَوْلُهُ: بُكْرَةً وَأَصِيلًا، الْبُكَرَةُ: أَوَّلُ النَّهَارِ، وَالْأَصِيلُ: آخِرُهُ.

وَمَا ذَكَرَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ أَنَّ الْكُفَّارَ، قَالُوا: إِنَّ الْقُرْآنَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَعَلَّمَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَكَتَبَهُ جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ [18 \ 31] .

وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى أَنَّهُمُ افْتَرَوْا عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَوْضَحْنَا تَعَنُّتَهُمْ وَكَذِبَهُمْ فِي ذَلِكَ فِي سُورَةِ «النَّحْلِ» ، وَدَلَالَةُ الْآيَاتِ عَلَى ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا.

ص: 15

وَمِنَ الْآيَةِ الدَّالَّةِ عَلَى كَذِبِهِمْ فِي قَوْلِهِ: اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [29 \ 84] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ، إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ [7 \ 157 - 158] وَالْأُمِّيُّ هُوَ الَّذِي لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ، وَمَا ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ قَوْلِهِ: قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْآيَةَ، جَاءَ أَيْضًا مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ أُخَرَ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ الْآيَةَ [16 \ 102] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ الْآيَةَ [2 \ 97] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [26 \ 192 - 195] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ [20 \ 114] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [75 \ 16 - 19] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [69 \ 38 - 43] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا [20 \ 4] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَقَوْلُهُ هُنَا: الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، أَيْ: وَمَنْ يَعْلَمُ السِّرَّ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ.

وَمِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، مِنْ كَوْنِهِ تَعَالَى يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [20 \ 7] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [67 \ 13] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [9 \ 78] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [43 \ 80] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [32 \ 6] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ الْآيَةَ [2 \ 235] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ

ص: 16