المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم سُورَةُ‌ ‌ الْفَتْحِ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط الفكر - جـ ٧

[محمد الأمين الشنقيطي]

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم سُورَةُ‌ ‌ الْفَتْحِ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا

بسم الله الرحمن الرحيم

سُورَةُ‌

‌ الْفَتْحِ

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا.

التَّحْقِيقُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْفَتْحِ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ ; لِأَنَّهُ فَتْحٌ عَظِيمٌ.

وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ الصُّلْحَ الْمَذْكُورَ هُوَ السَّبَبُ الَّذِي تَهَيَّأَ بِهِ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَجْتَمِعُوا بِالْكُفَّارِ فَيَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَبَيَّنُوا لَهُمْ مَحَاسِنَهُ، فَدَخَلَ كَثِيرٌ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ بِسَبَبِ ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ.

وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ شَهِدُوا صُلْحَ الْحُدَيْبِيَةِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ذِي الْقِعْدَةِ عَامَ سِتٍّ كَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ.

وَلَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَزْوَ مَكَّةَ حِينَ نَقَضَ الْكُفَّارُ الْعَهْدَ، كَانَ خُرُوجُهُ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ عَامَ ثَمَانٍ.

وَكَانَ مَعَهُ عَشَرَةُ آلَافِ مُقَاتِلٍ، وَذَلِكَ يُوَضِّحُ أَنَّ الصُّلْحَ الْمَذْكُورَ مِنْ أَعْظَمِ الْفُتُوحِ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ.

وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْفَتْحِ الْمَذْكُورِ فَتْحَ مَكَّةَ، وَإِنْ قَالَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى مَا قُلْنَا، وَلِأَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ سُورَةَ الْفَتْحِ هَذِهِ نَزَلَتْ بَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ فِي طَرِيقِهِ صلى الله عليه وسلم رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ.

وَلَفْظُ الْمَاضِي فِي قَوْلِهِ: إِنَّا فَتَحْنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْفَتْحَ قَدْ مَضَى، فَدَعْوَى أَنَّهُ فَتَحَ مَكَّةَ وَلَمْ يَقَعْ إِلَّا بَعْدَ ذَلِكَ بِقُرْبِ سَنَتَيْنِ - خِلَافُ الظَّاهِرِ.

وَالْآيَةُ الَّتِي فِي فَتْحِ مَكَّةَ دَلَّتْ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ لَا عَلَى الْمُضِيِّ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ الْآيَةَ ‌

‌[1

10 \ 1] .

وَقَدْ أَوْضَحْنَا فِي كِتَابِنَا «دَفْعُ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ» مَعْنَى اللَّامِ فِي قَوْلِهِ:

ص: 393

لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ الْآيَةَ [48 \ 2] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ.

مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ أُخَرُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [8 \ 2]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [9 \ 124]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا [74 \ 31] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ مِرَارًا.

وَالْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، كَمَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ الْوَحْيُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.

ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، أَنَّ لَهُ جُنُودَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَبَيَّنَ فِي الْمُدَّثِّرِ أَنَّ جُنُودَهُ هَذِهِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [74 \ 31] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ.

أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَصَحُّهَا فِي الْآيَةِ أَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ: لِيُدْخِلَ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ [48 \ 4] .

وَإِيضَاحُ الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ، أَيِ السُّكُونَ وَالطُّمَأْنِينَةَ إِلَى الْحَقِّ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، لِيَزْدَادُوا بِذَلِكَ إِيمَانًا لِأَجْلِ أَنْ يُدْخِلَهُمْ بِالطُّمَأْنِينَةِ إِلَى الْحَقِّ، وَازْدِيَادِ الْإِيمَانِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ.

وَمَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ فِي قَوْلِهِ: فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ قُلُوبَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلِذَا كَانَ جَزَاؤُهُمْ مُخَالِفًا لِجَزَاءِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا صَرَّحَ تَعَالَى بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ.

ص: 394