المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم سُورَةُ‌ ‌ الْحَدِيدِ . قَوْلُهُ تَعَالَى: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط الفكر - جـ ٧

[محمد الأمين الشنقيطي]

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم سُورَةُ‌ ‌ الْحَدِيدِ . قَوْلُهُ تَعَالَى: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي

بسم الله الرحمن الرحيم

سُورَةُ‌

‌ الْحَدِيدِ

.

قَوْلُهُ تَعَالَى: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

قَدْ قَدَّمْنَا مِرَارًا أَنَّ التَّسْبِيحَ هُوَ تَنْزِيهُ اللَّهِ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ، وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الْإِبْعَادُ عَنِ السُّوءِ، مِنْ قَوْلِهِمْ سَبَحَ إِذَا صَارَ بَعِيدًا، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْفَرَسِ: سَابِحٌ، لِأَنَّهُ إِذَا جَرَى يَبْعُدُ بِسُرْعَةٍ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ عَنْتَرَةَ فِي مُعَلَّقَتِهِ:

إِذْ لَا أَزَالُ عَلَى رِحَالَةِ سَابِحٍ

نَهْدٍ تَعَاوَرُهُ الْكُمَاةُ مُكَلَّمِ

وَقَوْلُ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيِّ:

لَا يَغْرِسُونَ فَسِيلَ النَّخْلِ حَوْلَهُمُ

وَلَا تَخَاوَرُ فِي مَشْتَاهُمُ الْبَقَرُ

إِلَّا سَوَابِحَ كَالْعِقْبَانِ مُقْرَبَةً

فِي دَارَةٍ حَوْلَهَا الْأَخْطَارُ وَالْفِكَرُ

وَهَذَا الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ «سَبَّحَ» قَدْ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ بِدُونِ اللَّامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [33 \ 42]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا [76 \ 26]، وَقَدْ يَتَعَدَّى بِاللَّامِ كَقَوْلِهِ هُنَا: سَبَّحَ لِلَّهِ، وَعَلَى هَذَا فَسَبَّحَهُ وَسَبَّحَ لَهُ لُغَتَانِ كَنَصَحَهُ وَنَصَحَ لَهُ. وَشَكَرَهُ وَشَكَرَ لَهُ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي الْآيَةِ وَجْهًا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، أَيْ أَحْدَثَ التَّسْبِيحَ لِأَجْلِ اللَّهِ أَيِ ابْتِغَاءَ وَجْهِهِ تَعَالَى، ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَأَبُو حَيَّانَ، وَقِيلَ: سَبَّحَ لِلَّهِ أَيْ صَلَّى لَهُ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ التَّسْبِيحَ يُطْلَقُ عَلَى الصَّلَاةِ، وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُسَبِّحُونَ لِلَّهِ، أَيْ يُنَزِّهُونَهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ - بَيَّنَهُ اللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - فِي آيَاتٍ أُخَرَ مِنْ كِتَابِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْحَشْرِ: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الْآيَةَ [59 \‌

‌ 1]

، وَقَوْلِهِ فِي الصَّفِّ: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الْآيَةَ [61 \ 1]، وَقَوْلِهِ فِي الْجُمُعَةِ: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ الْآيَةَ [62 \ 1] ، وَقَوْلِهِ فِي التَّغَابُنِ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الْآيَةَ [64 \ 1] .

وَزَادَ فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرْضَ يُسَبِّحْنَ لِلَّهِ مَعَ مَا فِيهِمَا

ص: 540