المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ، وَمَا ذَكَرَهُ - - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط الفكر - جـ ٧

[محمد الأمين الشنقيطي]

الفصل: وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ، وَمَا ذَكَرَهُ -

وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ، وَمَا ذَكَرَهُ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ - ذَكَرَهُ وَزِيَادَةً فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [33 \ 45 - 46] .

وَقَوْلُهُ هُنَا: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا حَالٌ مُقَدَّرَةٌ، وَقَوْلُهُ: وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا كِلَاهُمَا حَالٌ مَعْطُوفٌ عَلَى حَالٍ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا.

أَمَرَ اللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - نَبِيَّهُ أَنْ يَقُولَ لِلْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْهُ وَاعْتَذَرُوا بِأَعْذَارٍ كَاذِبَةٍ: فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا [48 \‌

‌ 11]

أَيْ لَا أَحَدَ يَمْلِكُ دَفْعَ الضُّرِّ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ إِنْزَالَهُ بِكُمْ وَلَا مَنْعَ النَّفْعِ الَّذِي أَرَادَ نَفْعَكُمْ بِهِ فَلَا نَافِعَ إِلَّا هُوَ وَلَا ضَارَّ إِلَّا هُوَ تَعَالَى، وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى دَفْعِ ضُرٍّ أَرَادَهُ وَلَا مَنْعِ نَفْعٍ أَرَادَهُ.

وَهَذَا الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ - جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ أُخَرَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْأَحْزَابِ قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا [33 \ 17] .

وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آخِرِ يُونُسَ: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ الْآيَةَ [10 \ 107] .

وَقَوْلِهِ فِي الْأَنْعَامِ: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [6 \ 17] .

وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْمَائِدَةِ: قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا [5 \ 17] .

وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي فَاطِرٍ: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ الْآيَةَ [35 \ 2] .

وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْمُلْكِ: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [67 \ 28] .

ص: 396

وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَ الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى هَذَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ فَاطِرٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ الْآيَةَ [35 \ 2] . وَفِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [46 \ 8] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ.

ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ أَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ. وَالسَّكِينَةُ تَشْمَلُ الطُّمَأْنِينَةَ وَالسُّكُونَ إِلَى الْحَقِّ وَالثَّبَاتَ وَالشَّجَاعَةَ عِنْدَ الْبَأْسِ.

وَقَدْ ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - إِنْزَالَهُ السَّكِينَةَ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي بَرَاءَةَ فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ [9 \ 26]، وَذَكَرَ إِنْزَالَ سَكِينَتِهِ عَلَى رَسُولِهِ فِي قَوْلِهِ فِي بَرَاءَةَ: إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ الْآيَةَ [9 \ 40] .

وَذَكَرَ إِنْزَالَهُ سَكِينَتَهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي قَوْلِهِ: فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ الْآيَةَ [48 \ 18] .

وَهَذِهِ الْآيَاتُ كُلُّهَا لَمْ يُبَيِّنْ فِيهَا مَوْضِعَ إِنْزَالِ السَّكِينَةِ، وَقَدْ بَيَّنَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ مَحَلَّ إِنْزَالِ السَّكِينَةِ هُوَ الْقُلُوبُ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ الْآيَةَ [48 \ 4] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ.

مَا ذَكَرَهُ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ذَكَرَهُ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ، وَسُورَةِ الصَّفِّ، وَزَادَ فِيهِمَا أَنَّهُ فَاعِلٌ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَكْرَهُونَهُ، فَقَالَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [9 \ 33] ، [61 - 9] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ.

قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [5 \ 54] .

ص: 397

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ.

قَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ ذَكْوَانَ وَابْنُ عَامِرٍ «شَطَأَهُ» بِفَتْحِ الطَّاءِ، وَالْبَاقُونَ مِنَ السَّبْعَةِ بِسُكُونِ الطَّاءِ.

وَقَرَأَ عَامَّةُ السَّبْعَةِ غَيْرَ ابْنِ ذَكْوَانَ: فَآزَرَهُ بِأَلْفٍ بَعْدِ الْهَمْزَةِ.

وَقَرَأَهُ ابْنُ ذَكْوَانَ عَنْ عَامِرٍ «فَأَزَرَهُ» بِلَا أَلِفٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ مُجَرَّدًا.

وَقَرَأَ عَامَّةُ السَّبْعَةِ غَيْرَ قُنْبُلٍ عَلَى سُوقِهِ بِوَاوٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ السِّينِ.

وَقَرَأَهُ قَنْبَلٌ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ بَدَلًا مِنَ الْوَاوِ، وَعَنْهُ ضَمُّ الْهَمْزَةِ بَعْدَ السِّينِ، بَعْدَهَا وَاوٌ سَاكِنَةٌ.

وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ فِيهَا أَنَّهُ ضَرَبَ الْمَثَلَ فِي الْإِنْجِيلِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ بِأَنَّهُمْ كَالزَّرْعِ يَظْهَرُ فِي أَوَّلِ نَبَاتِهِ رَقِيقًا ضَعِيفًا مُتَفَرِّقًا، ثُمَّ يَنْبُتُ بَعْضُهُ حَوْلَ بَعْضٍ، وَيَغْلَظُ وَيَتَكَامَلُ حَتَّى يَقْوَى وَيَشْتَدَّ وَتُعْجِبَ جَوْدَتُهُ أَصْحَابَ الزِّرَاعَةِ، الْعَارِفِينَ بِهَا، فَكَذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ كَانُوا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فِي قِلَّةٍ وَضَعْفٍ ثُمَّ لَمْ يَزَالُوا يُكْثِرُونَ وَيَزْدَادُونَ قُوَّةً حَتَّى بَلَغُوا مَا بَلَغُوا.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ أَيْ فِرَاخَهُ فَنَبَتَ فِي جَوَانِبِهِ. وَقَوْلُهُ: فَآزَرَهُ عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ مِنَ الْمُؤَازَرَةِ، بِمَعْنَى الْمُعَاوَنَةِ وَالتَّقْوِيَةِ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: فَآزَرَهُ أَيْ سَاوَاهُ فِي الطُّولِ، وَبِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ فُسِّرَ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

بِمَحْنِيَّةٍ قَدْ آزَرَ الصَّالُ نَبْتَهَا

مُجْرٍ جُيُوشَ غَانِمِينَ وَخَيَّبَ

وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ ذَكْوَانَ فَآزَرَهُ بِلَا أَلْفٍ، فَالْمَعْنَى شَدَّ أَزْرَهُ أَيْ قَوَّاهُ.

وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ مُوسَى: وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي الْآيَةَ [20 \ 29 - 31]، وَقَوْلُهُ: فَاسْتَغْلَظَ أَيْ صَارَ ذَلِكَ الزَّرْعُ غَلِيظًا بَعْدَ أَنْ كَانَ رَقِيقًا، وَقَوْلُهُ: فَاسْتَوَى أَيِ اسْتَتَمَّ وَتَكَامَلَ عَلَى سُوقِهِ أَيْ عَلَى قَصَبِهِ.

ص: 398

وَمَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنَ الْمَثَلِ الْمَذْكُورِ فِي الْإِنْجِيلِ الْمَضْرُوبِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ بِأَنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي مَبْدَأِ أَمْرِهِمْ فِي قِلَّةٍ وَضَعْفٍ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَكْثُرُونَ وَيَقْوُونَ - جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ [8 \ 26] .

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ [3 \ 123]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْآيَةَ [5 \ 3] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

ص: 399