الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يذكر فهذه الكتب الستة، ومسند أحمد، وعامة من جمع في الأحكام، نراهم يترخصون في إخراج أحاديث أناس ضعفاء بل ومتروكين ومع هذا لا يخرجون لمحمد بن عمر شيئًا، مع أن وزنه عندي أنه مع ضعفه يكتب حديثه، ويروي لأني لا أتهمه بالوضع، وقول من أهدره فيه مجازفة من بعض الوجوه، كما أنه لا عبرة بتوثيق من وثقه، كيزيد وأبي عبيد والصاغاني، والحربي، ومعن، وتمام عشرة محدثين، إذ قد انعقد الإجماع اليوم على أنه ليس بحجة، وأن حديثه في عداد الواهي رحمه الله.
* * *
الإمام الشافعي
محمد بن إدريس بن العباس، عالم العصر، ناصر الحديث أبو عبد الله القرشي (10/ 5).
عن الشافعي قال: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة، وعنه قال: بئس الزاد إلى المعاد، العدوان على العباد.
وعنه: ضياع العالم أن يكون بلا أخوان، وضياع الجاهل قلة عقله، وأضيع منهما مَن واخى من لا عقل له.
وعنه قال: أيما أهل بيت لم يخرج نساؤهم إلى رجال غيرهم ورجالهم إلى نساء غيرهم إلا وكان في أولادهم حمق.
وقد صنف الحافظ أبو بكر الخطيب كتابًا في ثبوت الاحتجاج بالإمام الشافعي.
وما تكلم فيه إلا حاسد أو جاهل بحاله، فكان ذلك الكلام الباطل منهم موجبًا لارتفاع شأنه وعلو قدره، وتلك سنة الله في عباده: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا * يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب: 69/ 70].
عن أحمد بن صالح قال: قال لي الشافعي: تعبَّد من قبل أن ترأس فإنك إن ترأست لم تقدر أن تتعبد.
قال أحمد بن سلمة النيسابوري: تزوج إسحاق بن راهويه بامرأة رجل كان عنده كتب الشافعي، مات ولم يتزوج بها إلا للكتب، قال: فوضع «جامع الكبير» على كتاب الشافعي ووضع «جامع الصغير» على «جامع سفيان» فقدم أبو إسماعيل الترمذي نيسابور، وكان عنده كتب الشافعي عن البويطي، فقال له إسحاق، لا تحدث بكتب الشافعي ما دمتُ هنا فأجابه.
روى أبو الشيخ الحافظ وغيره من غير وجه: أن الشافعي لما دخل مصر أتاه جلة أصحاب مالك، وأقبلوا عليه، فلما أن رأوه يخالف مالكًا وينقض عليه، جفوه وتنكروا له فأنشأ يقول:
أأنثر درًا بين سارحة النَّعم
…
وأنظم منثورًا لراعية الغَنَم
لعمري لئن ضُيَّعتُ في شر بلدة
…
فلستُ مُضيعًا بينهم غُرَرَ الحكم
فإن فرج الله اللطيف بلطفه
…
وصادفت أهلاً للعلوم وللحكم
بثثت مفيدًا واستفدت ودادهم
…
وإلا فمخزون لدي ومكتتم
ومن منح الجهال علمًا أضاعه
…
ومن منع المستوجبين فقد ظلم
وكاتم علم الدين عمن يريده
…
يبوءُ بإثم زاد وإثم إذا كتم
عن الربيع قال: رأيتُ أشهب بن عبد العزيز ساجدًا يقول في سجوده: اللهم أمت الشافعي لا يذهب علم مالك، فبلغ الشافعي، فأنشأ يقول:
تمنّى رجال أن أموت وإن أمت
…
فتلك سبيل لست فيها بأوحد
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى
…
تهيأ لأخرى مثلها فكأن قد
وقد علموا لو ينفع العلم عندهم
…
لئن متُ ما الداعي علي بمخلد
ولابن عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي في الشافعي:
ومن شعب الإيمان حب ابن شافع
…
وفرض أكيد حُبُّه لا تطوعُ
وإني حياتي شافعي فإن امت
…
فتوصيتي بعدي أن يتشفعوا
قال المحقق وفقه الله: إن الأئمة المجتهدين كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم، رحمهم الله تعالى لم يقل واحد منهم لأتباعه: اتبعوني وخذوا بجميع أقوالي، وآثروني على من سواي، وإنما ثبت عن كل واحد منهم قوله:«إذا خالف قولي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فالحجة في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «واضربوا بقولي عرض الحائط» وجميعهم أصحاب فضل وعلم، وقد بذلوا جهدهم في التماس الحق في المسائل التي اجتهدوا فيها، فأصاب كل واحد منهم في بعضها، وله في ذلك أجران، وأخطأ في البعض الآخر، وله فيها أجر واحد فالمحب الصحيح هو الذي يوالي الجميع ويقدر جهودهم ويشيد بفضلهم ولا يعتقد العصمة فيهم، وإذا رأى أحدهم أنه يفضل على الآخرين بشيء قد خصه الله به، فلا يتخذه وسيلة للتعصب، أو الإفراط في الحب الذي قد يدعوه إلى العدول عن الصواب، لأن هذا الإمام الذي يحبه لم يقل به.
وليضع كل واحد منا نصب عينيه كلمة الإمام مالك رحمه الله: «ما منا إلا من رَدَّ أو رُد عليه إلا صاحب هذا القبر» وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فالنبي صلى الله عليه وسلم هو وحده الذي افترض الله علينا الأخذ بجميع أقواله وليس ذلك لأحد سواه (10/ 73).
وعن المزني قال: دخلت على الشافعي في مرضه الذي مات فيه.
فقلت: يا أبا عبد الله، كيف أصبحت؟
فرفع رأسه، وقال: أصبحت من الدنيا راحلاً، ولإخواني مفارقًا، ولسوء عملي ملاقيًا، وعلى الله واردًا، ما أدري روحي تصير إلى جنة فأهنيها أو إلى نار فأعزيها ثم بكى وأنشأ يقول:
ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي
…
جعلت رجائي دون عفوك سُلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته
…
بعفوك ربي كان عفوك أعظما
قلت: كلام الأقران إذا تبرهن لنا أنه بهوى وعصبية لا يلتفت إليه بل يطوى ولا يروى كما تقرر عن الكف عن كثير مما شجر بين الصحابة وقتالهم رضي الله عنهم أجمعين، وما زال يمر بنا ذلك في الدواوين والكتب والأجزاء، ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف، وبعضه كَذب وهذا فيما بأيدينا وبين علمائنا، فينبغي طيه وإخفاؤه بل إعدامه لتصفوا القلوب، وتتوفر على حب الصحابة والترضي عنهم، وكتمان ذلك متعين عن العامة وآحاد العلماء، وقد يرخص في مطالعة ذلك خلوة للعالم المنصف العري من الهوى، بشرط أن يستغفر لهم، كما علمنا الله تعالى حيث يقول:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] فالقوم لهم سوابق.
وأعمال مكفرة لما وقع منهم، وجهاد مَحاءُ وعبادة ممحصة، ولسنا ممن يغالي في أحد منهم، ولا ندعي فيهم العصمة، نقطع بأن بعضهم أفضل من بعض، ونقطع بأن أبا بكر وعمر أفضل الأمة، ثم تتمة العشرة المشهود لهم بالجنة، وحمزة وجعفر ومعاذ وزيد، وأمهات المؤمنين، وبنات نبينا وأهل بدر مع كونهم على مراتب، ثم الأفضل بعدهم مثل أبي الدرداء وسلمان الفارسي وابن عمر وسائر أهل بيعة الرضوان الذين رضي الله عنهم بنص آية سورة الفتح (1).
(1) قال المحقق وفقه الله (10/ 93) وهي الآية (18) ونصها: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} وكانت عدة الذين شهدوا هذه البيعة ألفا وخمس مئة كما في الصحيحين وانظر زاد المعاد (3/ 287).
ثم عموم المهاجرين والأنصار كخالد بن الوليد والعباس وعبد الله بن عمرو، وهذه الحلبة ثم سائر من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاهد معه، أو حج معه، أو سمع منه رضي الله عنهم أجمعين وعن جميع صواحب رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرات والمدنيات وأم الفضل وأم هانئ الهاشمية وسائر الصحابيات، فأما ما تنقله الرافضة وأهل البدع في كتبهم من ذلك، فلا نعرج عليه، ولا كرامة فأكثره باطل وكذب وافتراء فدأب الروافض رواية الأباطيل أو رد ما في الصحاح والمسانيد ومتى إفاقة من به سُكْرُ؟ ثم قد تكلم خلق من التابعين بعضهم في بعض، وتحاربوا وجرت أمور لا يمكن شرحها، فلا فائدة في بثها، ووقعت في كتب التاريخ وكتب الجرح والتعديل أمور عجيبة، والعاقل خصمٌ لنفسه ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يَعنيه، ولحوم العلماء مسمومة وما نقل من ذلك لتبيين غلط العالم، وكثرة وهمه أو نقص حفظه، فليس من هذا النمط، بل لتوضيح الحديث الصحيح من الحسن والحسن من الضعيف.
وإمامنا، فبحمد الله ثبت في الحديث حافظ لما وعى، عديم الغلط موصوف بالإتقان، متين الديانة فمن نال منه بجهل وهوى ممن عُلم أنه منافس له، فقد ظلم نفسه ومقته العلماء ولاح لكل حافظ تحامله، وجر الناس برجله ومن أثنى عليه واعترف بإمامته وإتقانه، وهم أهل العقد والحل قديمًا وحديثًا فقد أصابوا، وأجملوا، وهدوا ووفقوا.
وأما أئمتنا اليوم وحكامنا فإذا أعدموا ما وُجَد من قدح بهوى فقد يقال: أحسنوا ووفقوا وطاعتهم في ذلك مفترضة لما قد رأوه من حسم مادة الباطل والشر.
وبكل حال فالجُهَّالُ والضلالُ قد تكلموا في خيار الصحابة وفي الحديث الثابت: «لا أحد أصبرُ على أذى يسمعه من الله إنهم ليدعون له ولدًا، وإنه