الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فما قال الشعر مع كثرته وجودته في قريش، وجريان قرائحهم به، وقد يقع شيء نادر في كلامه عليه السلام موزونًا فما صار بذلك شاعرًا قط كقوله:
أنا النبي لا كذب
…
أنا ابن عبد المطلب
وقوله:
هل أنت إلا إصبع دميت
…
وفي سبيل الله ما لقيت
ومثل هذا قد يقع في كتب الفقه والطب وغير ذلك مما يقع اتفاقًا ولا يقصده المؤلف ولا يشعر به، أفيقول مسلم قط: إن قوله تعالى: {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} [سبأ: 13] هو بيت؟!
معاذ الله! وإنما صادف وزنًا في الجملة والله أعلم (14/ 190).
* * *
ابن الحداد
الإمام، شيخ المالكية، أبو عثمان، سعيد بن محمد صبيح بن الحداد المغربي، أحد المجتهدين، وكان بحرًا في الفروع ورأسًا في لسان العرب، بصيرًا بالسنن (14/ 205).
قال ابن الحداد، دخلتُ يومًا على أبي العباس، فأجلسني معه في مكانه، وهو يقول لرجل: أليس المتعلم محتاجًا إلى المعلم أبدًا؟ فعرفت أنه يريد الطعن على الصديق في سؤاله عن فرض الجدة.
فبدرت وقلت: المتعلم قد يكون أعلم من المعلم وأفقه وأفضل لقوله عليه السلام: «رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» (1) ثم معلم الصغار القرآن يكبر أحدهم ثم يصير أعلم من المعلم.
(1) انظر السير (14/ 211) تعليق (2).
قال: فاذكر من عام القرآن وخاصه شيئًا؟
قلت: قال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221].
فاحتمل المراد بها العام فقال تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] فعلمنا أن مراده بالآية الأولى خاص، أراد: ولا تنكحوا المشركات غير الكتابيات من قبلكم حتى يؤمن.
قال: ومن المحصنات؟
قلت: العفائف.
قال: بل المتزوجات.
قلت: الإحصان في اللغة: الإحراز، فمن أحرز شيئًا فقد أحصنه، والعتق يحصن المملوك لأنه يحرزه عن أن يجري عليه ما على المماليك، والتزويج يحصن الفرج لأنه أحرزه عن أن يكون مباحًا والعفاف إحصان للفرج.
قال: ما عندي الإحصان إلا التزويج.
قلت له: منزل القرآن يأبى ذلك .. قال تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} [التحريم: 12] أي أعفته، وقال تعالى:{مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} [النساء: 25] عفائف.
قال: فقد قال في الإماء {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: 25] وهن عندك قد يكن عفائف.
قلت: سماهن بمتقدم إحصانهن قبل زناهن قال تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12] وقد انقطعت العصمة بالموت يريد اللاتي كن أزواجكم.
قال: يا شيخ: أنت تلوذ.
قلتُ: لست ألوذ أنا المجيب لك، وأنت الذي تلوذ بمسألة أخرى، وصحتُ: ألا أحد يكتب ما أقول وتقول.
قال: فوقى الله شره، وقال: كأنك تقول: أنا أعلم الناس.
قلتُ: أما بديني فنعم.
قال: فما تحتاج إلى زيادة فيه؟
قلت: لا.
قال: فأنت إذا أعلم من موسى إذ يقول: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ} [الكهف: 66.
قال: هذا طعن على نبوة موسى، موسى ما كان محتاجًا إليه في دينه، كلا، إنما كان العلم الذي كان عند الخضر دُنياويًا: سفينة خرقها، وغلامًا قتله، وجدارًا أقامه، وذلك كله لا يزيد في دين موسى.
قال: فأنا أسألك.
قلت: أورد وعلي الإصدار بالحق بلا مثنويه.
قال: ما تفسير الله؟
قلتُ: ذو الإلهية.
قال: وما هي؟ قلت: الربوبية.
قال: وما الربوبية؟
قلت: المالك للأشياء كلها.
قال: فقريش في جاهليتها كانت تعرف الله؟
قلتُ: لا.
قال: فقد أخبر الله تعالى عنهم أنهم قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ} [الزمر: 3.
قلت: لما أشركوا معه غيره قالوا.
وإنما يعرف الله من قال: إنه لا شريك له وقال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون: 1، 2] فلو كانوا يعبدونه ما قال: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} إلى أن قال: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} .
فقلت: المشركون عبدة الأصنام الذي بعث النبي صلى الله عليه وسلم إليهم عليًا ليقرأ عليهم سورة براءة.
قال: وما الأصناف؟.
قلت: الحجارة.
قال: والحجارة أتعبد؟
قلت: نعم، والعزى كانت تعبد وهي شجرة، والشعرى كانت تعبد وهي نجم.
قال: فالله يقول: {أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى} [يونس: 35]
فكيف نقول: إنها الحجارة؟ والحجارة لا تهتدي إذا هديت، لأنها ليست من ذوات العقول.
قلت: أخبرنا الله أن الجلود تنطق وليست بذوات عقول.
قال: نسب إليها النطق مجازًا.
قلتُ: منزل القرآن يأبى ذلك.
فقال: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ} [ص: 65] إلى أن