المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النفاق يزيد وينقص كما الإيمان - الفوائد الذهبية من سير أعلام النبلاء جـ ٢

[فهد بن عبد الرحمن العثمان]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌حسن الظن بالله

- ‌فهل من معتبر

- ‌كتاب الملكين

- ‌الإنفاق علانية

- ‌اجتهاد العلماء

- ‌ومن الشعر لحكمة

- ‌نصح الولاة

- ‌التوبة الصادقة

- ‌ذم الجدل

- ‌آداب الطلب

- ‌زيارة القبور

- ‌من افتراءات الرافضة

- ‌الحذر من أهل البدع

- ‌لزوم السنة

- ‌أحاديث الواقدي

- ‌الإمام الشافعي

- ‌السيدة نفيسة

- ‌أنواع الضحك

- ‌أمانة أهل الحديث

- ‌وقفة للقراءات

- ‌من أخبار الأصمعي

- ‌الفُتوةُ

- ‌الكريم لا تحنكه التجارب

- ‌رب كلمة قالت لصاحبها دعني

- ‌ورحى المنية تطحن

- ‌البراءة من البدع وأهلها

- ‌لذة النوم

- ‌عَرامة الصبي

- ‌ المأمون

- ‌المعتصم

- ‌الواثق

- ‌رحم الله المؤلف

- ‌الجواب المسكت

- ‌إلى هواة الصيد

- ‌شر البلية ما يُضحك

- ‌أقوال المبتدعة

- ‌أنا، أنا

- ‌أسانيد المحدثين

- ‌السلف وآيات الصفات

- ‌فتاوى العلماء

- ‌كلام المتقعرين

- ‌كتم العلم

- ‌أقسام العلم

- ‌حلاوة العبادة

- ‌إلا من أُكره

- ‌أبو تمام

- ‌يحيى بن معين

- ‌أحمد بن حنبل

- ‌النفاق يزيد وينقص كما الإيمان

- ‌دفن العلم

- ‌لقمان هذه الأمة

- ‌الانتصار للعلماء

- ‌الجاحظ

- ‌الجواب الكافي

- ‌عثرة القول

- ‌المتوكل على الله

- ‌طائر المغرب

- ‌هكذا الدنيا هبات

- ‌شمائل الأولياء

- ‌واختلف العلماء

- ‌فتنة الزنج

- ‌أبو عبد الله البخاري

- ‌عطية

- ‌الإمام مسلم بن الحجاج

- ‌قد يعثر الجواد

- ‌رئيس أهل الظاهر

- ‌المنُتْظَر

- ‌أبو داود صاحب السنن

- ‌وابنه

- ‌أبو حاتم الرازي

- ‌وابنه

- ‌الترمذي

- ‌إن أكرمكم عند الله أتقاكم

- ‌الدارامي

- ‌كلامُ سهلٌ من سهل

- ‌الخوف من الابتداع

- ‌إلى كل مُحدَّث

- ‌صلاح الكهل في المسجد

- ‌المعتضد بالله

- ‌ابن الرومي

- ‌طهارة شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم هل قرأ وكتب

- ‌ابن الحداد

- ‌ابنُ الجلَّاء

- ‌الحَلاّج

- ‌السرَّاج

- ‌كانوا يتدافعون الفُتيا

- ‌شر البلية ما يضحك

- ‌الحر عبدُ ما طمع

- ‌هل أنت من هؤلاء الأربعة

- ‌من هنا وهناك

الفصل: ‌النفاق يزيد وينقص كما الإيمان

الذي لهجت به في هذا الوقت؟

فقال: يا بني ما تدري؟

قلت: لا.

قال: إبليس لعنه الله قائم بحذائي، وهو عاض على أنامله، يقول: يا أحمد فُتَّني وأنا أقول: لا بعد حتى أموت.

هذه حكاية غريبة، تفرد بها ابنُ عَلم فالله أعلم.

جمع ابن الجوزي فأوعي من المنامات في نحو ثلاثين ورقة وأفرد ابن البناء جزءًا في ذلك وليس أبو عبد الله ممن يحتاج تقرير ولايته إلى منامات ولكنها جندُ من جند الله تسر المؤمن ولا سيما إذا تواترت.

* * *

‌النفاق يزيد وينقص كما الإيمان

إسحاق بن راهويه شيخ المغرب، سيد الحفاظ أبو يعقوب (11/ 358).

عن أبي هريرة .. عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث من كن فيه فهو منافق: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان» .

قال رجل: يا رسول الله ذهبت اثنتان وبقيت واحدة.

قال صلى الله عليه وسلم: «فإن عليه شعبة من نفاق ما بقي فيه منهن شيء» .

قال الإمام الذهبي رحمه الله: هذا الحديث حسن الإسناد وأبو معشر نجيح السندي صدوق في نفسه وما هو بالحجة، وأما المتن فقد رواه جماعة عن أبي هريرة.

وفيه دليل على أن النفاق يتبعض ويتشعب كما أن الإيمان ذو شعب ويزيد وينقص فالكامل الإيمان من اتصف بفعل الخيرات وترك المنكرات وله قُرب ماحية لذنوبه كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال: 2] إلى قوله: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: 4].

ص: 58

وقال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] إلى قوله: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 10، 11] ودون هؤلاء خلق من المؤمنين الذين خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا، ودونهم عصاة المسلمين ففيهم إيمان ينجون به من خلود عذاب الله تعالى وبالشفاعة، ألا تسمع إلى الحديث المتواتر «أنه يخرج من النار من في قلبه وزن ذرة من إيمان» (1) وكذلك شعب النفاق من الكذب والخيانة والفجور والغدر والرياء، وطلب العلم ليُقال وحب الرئاسة والمشيخة، ومُوادة الفجار والنصارى، فمن ارتكبها كلها، وكان في قلبه غل النبي صلى الله عليه وسلم أو حَرج من قضاياه. أو يصوم رمضان غير محتسب أو يُجوز أن دين النصارى أو اليهود دين مليح، ويميل إليهم، فهذا لا تَرْتَبْ في أنه كامل النفاق وأنه في الدرك الأسفل من النار وصفاته الممقوتة عديدة في الكتاب والسنة من قيامه إلى الصلاة كسلان، وأدائه الزكاة وهو كاره، وإن عامل الناس فبالمكر والخديعة، قد اتخذ إسلامه جُنة نعوذ بالله من النفاق، فقد خافه سادة الصحابة على نفوسهم.

فإن كان فيه شعبة من نفاق الأعمال، فله قسط من المقت حتى يدعها، ويتوب منها، أما من كان في قلبه شك من الإيمان بالله ورسوله فهذا ليس بمسلم وهو من أصحاب النار، كما أن من في قلبه جزم بالإيمان بالله ورسله وملائكته وكتبه وبالمعاد وإن اقتحم الكبائر فإنه ليس بكافر قال تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} وهذه مساءلة كبيرة جليلة قد صنف فيها العلماء كتبًا وجمع فيها الإمام أبو العباس (2) شيخنا مجلدًا حافلاً. قد اختصرته نسأل الله تعالى أن يحفظ علينا إيماننا حتى نوافيه به.

عن أبي عبد الله البصري قال: أتيت إسحاق بن راهويه، فسألته شيئًا فقال: صنع الله لك.

(1) قال المحقق وفقه الله: أخرجه من حديث أنس البخاري (1/ 95، 96) في الإيمان .. باب زيادة الإيمان ونقصانه (13/ 395) في التوحيد: باب كلام الرب تعالى يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم، ومسلم (193) و (325) و (326) في الإيمان: باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها.

(2)

قال المحقق وفقه الله: يقصد ابن تيمية، وكتابه الذي أشار إليه هو "منهاج السنة" ومختصره الذي اختصره المؤلف أسماه: المنتقى من منهاج الاعتدال، وقد طبع بتحقيق محب الدين الخطيب.

ص: 59

قلت: لم أسألك صنع الله، إنما سألتك صدقة، فقال: لطف الله بك.

قلت: لم أسألك لطف الله إنما سألتك صدقة.

فغضب وقال: الصدقة لا تحل لك.

قلت: ولما؟

قال: لأن جريرًا حدثنا عن الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي» (1).

فقلت: ترفق يرحمك الله فمعي حديث في كراهية العمل.

قال إسحاق: وما هو؟

قلت: حدثني أبو عبد الله الصادق الناطق عن إفشين عن إيتاخ عن سيماء الصغير، عن عجيف بن عنبسة، عن زغلمج بن أمير المؤمنين، أنه قال: العمل شؤم، وتركه خير، تقعد تمني خير من أن تعمل تعني، فضحك إسحاق، وذهب غضبه، وقال: زدنا.

فقلت: وحدثنا الصادق الناطق بإسناده عن عجيف.

قال: قعد زغلمج في جلسائه فقال: أخبروني بأعقل الناس، فأخبر كل واحد بما عنده.

فقال: لم تصيبوا بل أعقل الناس الذي لا يعمل لأن من العمل يجيء

(1) قال المحقق وفقه الله: أخرجه الترمذي (652) في الزكاة، والطيالسي (1/ 771) وأبو داود (1634) في الزكاة وعبد الرزاق (1752) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي ص قال:«لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي» وسنده قوي وله شاهد من حديث أبي هريرة عند النسائي (5/ 99) وابن ماجة (1839) ولا بأس في سنده في الشواهد، والمرة: القوة، وأصلها من شدة قتل الحبل يقال: أمررت الحبل إذا أحكمت فتله، والسوي: الصحيح الأعضاء الذي ليس به عاهة.

ص: 60

التعب، ومن التعب يجيء المرض، ومن المرض يجيء الموت ومن عمل فقد أعان على نفسه والله يقول:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29].

فقال: زدنا من حديثك.

فقلت: حدثني أبو عبد الله الصادق الناطق بإسناده عن زغلمج.

قال: من أطعم أخاه شواء، غفر الله له عدد النوى، ومن أطعم أخاه هريسة غفر له مثل الكنيسة، ومن أطعم أخاه جنبًا غفر الله له كل ذنب، فضحك إسحاق وأمر له بدرهمين ورغيفين.

قال أحمد بن سلمة: سمعت إسحاق يقول: قال لي الأمير عبد الله بن طاهر: لِم قيل لك: ابن راهويه؟ وما معنى هذا؟ وهل تكره أن يقال لك ذلك؟

قال: اعلم أيها الأمير أن أبي ولد في طريق مكة.

فقالت المراوزة: راهويه، لأنه ولد في الطريق، وكان أبي يكره هذا، وأما أنا فلا أكرهه.

عن إسحاق قال: دخلتُ على ابن طاهر، وإذا عنده إبراهيم بن أبي صالح، فقال له: يا إبراهيم ما تقول في غسيل الثياب؟

قال: فريضة. قال: من أين تقول؟

قال: من قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] فكأن عبد الله بن طاهر استحسنه.

فقلت: أعز الله الأمير، كذب هذا، أخبرنا وكيع، حدثنا إسرائيل عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس:{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} قلبك فنقه.

وأخبرنا روح، حدثا ابن أبي عروبة عن قتادة {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} قال:

ص: 61

علمك فأصلحه ثم ذكر إسحاق قول ابن عباس: «من قال في القرآن برأيه، فليتبوأ مقعده من النار» فقال ابن طاهر: يا إبراهيم إياك أن تنطق في القرآن بغير علم.

قال قائل: ما دلت الآية على واحد من الأقوال المذكورة بل هي نص في غسل النجاسة من الثوب، فنعوذ بالله من تحريف كتابه.

وورد عن إسحاق أن بعض المتكلمين قال له: كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء.

فقال: آمنت برب يفعل ما يشاء.

قلت: هذه الصفات من الاستواء والإتيان والنزول، قد صحت بها النصوص ونقلها الخلف عن السلف، ولم يتعرضوا لها برد ولا تأويل بل أنكروا على من تأولها مع إصفاقهم على أنها لا تشبه نعوت المخلوقين، وأن الله ليس كمثله شيء، ولا تنبغي المناظرة ولا التنازع فيها فإن في ذلك محاولة للرد على الله ورسوله أو حومًا على التكييف أو التعطيل.

قال أبو عبد الله الحاكم: إسحاق، وابن المبارك، ومحمد بن يحييى هؤلاء دفنوا كتبهم.

قلت: هذا فعله عدة من الأئمة وهو دال أنهم لا يرون نقل العلم وجادة فإن الخط قد يتصحف على الناقل، وقد يمكن أن يزاد في الخط حرف فيغير المعنى ونحو ذلك.

وأما اليوم فقد اتسع الخرق وقل تحصيل العلم من أفواه الرجال، بل ومن الكتب غير المغلوطة، وبعض النقلة للمسائل قد لا يحسن أن يتهجى (11/ 377).

قال المحقق وفقه الله:

ص: 62