الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أعينهم مع قطع الأيدي والأرجل مع أن المرتد يقتل ولا يمثل به.
واختلف في الجواب فقيل فيه ما حكاه الطبري عن بعض أهل العلم أن هذه الآية نسخت فعل النبي صلى الله عليه وسلم بهم، وقال محمد بن سيرين: كان ذلك قبل نزول الحدود، وقال أبو الزناد: إن هذه الآية معاتبة له صلى الله عليه وسلم على ما فعل بهم، وبعد العتاب على ذلك لم يعد، قاله أبو داود.
والتحقيق في الجواب هو أنه صلى الله عليه وسلم فعل بهم ذلك قصاصاً، وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم إنما سمل أعينهم قصاصاً؛ لأنهم سملوا أعين رعاة اللقاح، وعقده البدوي الشنقيطي في مغازيه بقوله:
وبعدها أنتهبها الأولى انتهوا
…
لغاية الجهد وطيبة اجتووا
فخرجوا فشربوا ألبانها
…
ونبذوا إذ سمنوا أمانها
فاقتص منهم النبي أن مثلوا
…
بعبده ومقلتيه سملوا
واعترض على الناظم شارح النظم "حماد" لفظة: بعبده؛ لأن الثابت أنهم مثلوا بالرعاء، والعلم عند الله تعالى.
•
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}
الآية.
اعلم أن جمهور العلماء على أن المراد بالوسيلة هنا هو القربة إلى الله تعالى بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه على وفق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بإخلاص في ذلك لله تعالى؛ لأن هذا وحده هو الطريق
الموصلة إلى رضا الله تعالى، ونيل ما عنده من خير الدنيا والآخرة.
وأصل الوسيلة الطريق التي تقرب إلى الشيء، وتوصل إليه، وهي العمل الصالح بإجماع العلماء؛ لأنه لا وسيلة إلى الله تعالى إلا باتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وعلى هذا فالآيات المبينة للمراد من الوسيلة كثيرة جداً، كقوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وقوله: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} إلى غير ذلك من الآيات.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المراد بالوسيلة الحاجة، ولما سأله نافع الأزرق هل تعرف العرب ذلك؟ أنشد له بيت عنترة:
إن الرجال لهم إليك وسيلة
…
إن يأخذوك تكحلي وتخضبي
قال: يعني لهم إليك حاجة، وعلى هذا القول الذي روي عن ابن عباس فالمعنى:{وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} واطلبوا حاجتكم من الله؛ لأنه وحده هو الذي يقدر على إعطائها. ومما يبين معنى هذا الوجه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ} الآية، وقوله:{وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} الآية، وفي الحديث "وإذا سألت فاسأل الله".
قال مقيده - عفا الله عنه -: التحقيق في معنى الوسيلة هو ما ذهب إليه عامة العلماء من أنها التقرب إلى الله تعالى بالإخلاص له في العبادة، على وفق ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وتفسير ابن عباس داخل في هذا؛ لأن دعاء الله والابتهال إليه في طلب الحوائج من
أعظم أنواع عبادته التي هي الوسيلة إلى نيل رضاه ورحمته.
وبهذا التحقيق تعلم أن ما يزعمه كثير من ملاحدة أتباع الجهال المدعين للتصوف، من أن المراد بالوسيلة في الآية الشيخ الذي يكون له واسطة بينه وبين ربه= أنه تخبط في الجهل والعمى وضلال مبين، وتلاعب بكتاب الله تعالى. واتخاذ الوسائط من دون الله من أصول كفر الكفار، كما صرح به تعالى في قوله عنهم:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} وقوله: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} وفيجب على كل مكلف أن يعلم أن الطريق الموصلة إلى رضا الله وجنته ورحمته هي اتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ومن حاد عن ذلك فقد ضل سواء السبيل {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} هو الآية.
والظاهر أن الوسيلة في بيت عنترة معناها التقرب أيضاً إلى المحبوب؛ لأنه وسيلة لنيل المقصود منه، ولذا أنشد بيت عنترة المذكور ابن جرير، والقرطبي وغيرهما لهذا المعنى الذي ذكرنا.
وجمع الوسيلة: الوسائل، ومنه قول الشاعر:
إذا غفل الواشون وعدنا لوصلنا
…
وعاد التصافي بيننا والوسائل
وهذا الذي فسرنا به الوسيلة هنا هو معناها أيضاً في قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} الآية، وليس المراد بالوسيلة أيضاً المنزلة التي في الجنة التي أمرنا - صلى الله عليه وسلم - أن نسأل له الله أن يعطيه إياها، نرجو الله أن يعطيه إياها؛ لأنها لا تنبغي إلا لعبد، وهو يرجو أن يكون هو.