الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ساووا بين المخلوق والخالق -قبحهم الله تعالى- كقوله: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)} وقوله: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17)} وقوله: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ} الآية إلى غير ذلك من الآيات، وعدل الشيء في اللغة مثله ونظيره، قال بعض علماء العربية: إذا كان من جنسه فهو عدل -بكسر العين- وإذا كان من غير جنسه فهو عدل -بفتح العين- ومن الأول قول مهلهل:
على أن ليس عدلاً من كليب
…
إذا برزت مخبأة الخدور
على أن ليس عدلاً من كليب
…
إذا اضطرب العضاه من الدبور
على أن ليس عدلاً من كليب
…
غداة بلابل الأمر الكبير
يعني أن القتلى الذين قتلهم من بكر بن وائل بأخيه كليب الذي قتله جساس بن مرة البكري لا يكافئونه، ولا يعادلونه في الشرف.
ومن الثاني قوله تعالى: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً} ؛ لأن المراد نظير الإطعام من الصيام، وليس من جنسه، وقوله:{وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ} وقوله: {وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ} والعدل: الفداء؛ لأنه كأنه قيمة معادلة للمفدي تؤخذ بدله.
•
قوله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ}
الآية. في هذه الآية الكريمة ثلاثة أوجه للعلماء من التفسير، وكل واحد منها له مصداق في كتاب الله تعالى:
الأول: أن المعنى وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ، أي: وهو الإله المعبود في السماوات والأرض؛ لأنه جل وعلا هو المعبود وحده بحق في الأرض والسماء، وعلى هذا فجملة "يَعْلَمُ" حال، أو خبره، وهذا المعنى يبينه ويشهد له قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} أي: وهو المعبود في السماء والأرض بحق، ولا عبرة بعبادة الكافرين غيره؛ لأنها وبال عليهم يخلدون بها في النار الخلود الأبدي، ومعبوداتهم ليست شركاء لله سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} {وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (66)} .
وهذا القول في الآية أظهر الأقوال، واختاره القرطبي.
الوجه الثاني: أن قوله: {فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} يتعلق بقوله: {يَعْلَمُ سِرَّكُمْ} أي: وهو الله يعلم سركم في السماوات وفي الأرض؛ ويبين هذا القول ويشهد له قوله تعالى {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية.
قال النحاس: وهذا القول من أحسن ما قيل في الآية. نقله عنه القرطبي.
الوجه الثالث: وهو اختيار ابن جرير، أن الوقف تام على قوله في:{السَّمَاوَاتِ} وقوله: {وَفِي الْأَرْضِ} يتعلق بما بعده، أي: يعلم سركم وجهركم في الأرض. ومعنى هذا القول: إنه -جل وعلا- مستو على عرشه فوق جميع خلقه، مع أنه يعلم سر أهل الأرض، وجهركم لا يخفى عليه شيء من ذلك.
ويبين هذا القول ويشهد له قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً} الآية، وقوله:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} مع قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} وقوله: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)} وسيأتي إن شاء الله تحقيق هذا المقام بإيضاح في سورة الأعراف.
واعلم أن ما يزعمه الجهميه "من أن الله تعالى في كل مكان" مستدلين بهذه الآية على أنه في الأرض ضلال مبين، وجهل بالله تعالى؛ لأن جميع الأمكنة الموجودة أحقر وأصغر من أن يحل في شيء منها رب السماوات والأرض الذي هو أعظم من كل شيء، وأعلى من كل شيء، محيط بكل شيء ولا يحيط به شيء، فالسماوات والأرض في يده جل وعلا أصغر من حبة خردل في يد أحدنا، وله المثل الأعلى، فلو كانت حبة خردل في يد رجل فهل يمكن أن يقال: إنه حال فيها، أو في كل جزء من أجزائها، لا وكلا، هي أصغر وأحقر من ذلك، فإذا علمت ذلك فاعلم أن رب السماوات والأرض أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء "محيط بكل شيء" ولا يحيط به شيء، ولا يكون فوقه شيء:{لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3)} سبحانه وتعالى علواً كبيراً، لا نحصي ثناءً عليه، وهو كما أثنى على نفسه:{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (110)} .
• قوله تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ