الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد بين تعالى أن هذا هو المراد بقوله: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ} الآية.
•
قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ}
الآية، نهى الله تعالى في هذه الآية الكريمة عن قتل الأولاد من أجل الفقر الواقع بالفعل، ونهى في سورة الإسراء عن قتلهم خشية الفقر المترقب المخوف منه، مع أنه غير واقع في الحال بقوله:{وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} وقد أوضح صلى الله عليه وسلم معناه حين سأله عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "أي الذنب أعظم؟ فقال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قال: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قال: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك" ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} الآية.
وأخذ بعض أهل العلم من هذه الآية منع العزل؛ لأنه وأد خفي، وحديث جابر:"كنا نعزل والوحي ينزل" يدل على جوازه، لكن قال جماعة من أهل العلم: إنه لا يجوز عن الحرة إلا بإذنها، ويجوز عن الأمة بغير إذنها. والإملاق: الفقر، وقال بعض أهل العلم: الإملاق الجوع، وحكاه النقاش عن مؤرج، وقيل: الإملاق الإنفاق، يقال: أملق ماله بمعنى أنفقه، وذكر أن علياً قال لامرأته: أملقي ما شئت من مالك.
وحكي هذا القول عن منذر بن سعيد. ذكره القرطبي، وغيره، والصحيح الأول.
• قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ
أَشُدَّهُ} الآية، قد يتوهم غير العارف من مفهوم مخالفة هذه الآية الكريمة -أعني مفهوم الغاية في قوله:{حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} - إنه إذا بلغ أشده فلا مانع من قربان ماله بغير التي هي أحسن، وليس ذلك مراداً بالآية، بل الغاية ببلوغ الأشد يراد بها أنه إن بلغ أشده يدفع إليه ماله إن أونس منه الرشد، كما بينه تعالى بقوله:{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} الآية.
والتحقيق أن المراد بالأشد في هذه الآية البلوغ، بدليل قوله تعالى:{إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً} الآية.
والبلوغ يكون بعلامات كثيرة: كالإنبات، واحتلام الغلام، وحيض الجارية، وحملها، وأكثر أهل العلم على أن سن البلوغ خمس عشرة سنة. ومن العلماء من قال: إذا بلغت قامته خمسة أشبار، فقد بلغ، ويروى هذا القول عن علي، وبه أخذ الفرزدق في قوله يرثي يزيد بن المهلب:
ما زال مذ عقدت يداه إزاره
…
فسما فأدرك خمسة الأشبار
يدني خوافق من خوافق تلتقي
…
في ظل معتبط الغبار مثار
والأشد قال بعض العلماء: هو واحد لا جمع له كالآنك، وهو الرصاص، وقيل: واحده شد، كفلس وأفلس. قاله القرطبي وغيره، وعن سيبويه أنه جمع شدة، ومعناه حسن؛ لأن العرب تقول: بلغ الغلام شدته إلا إن جمع الفعلة فيه على أفعل غير معهود، كما قاله الجوهري، وأما أنعم، فليس جمع نعمة، وإنما هو جمع نعم من قولهم بؤس ونعم. قاله القرطبي: وقال
أيضاً: وأصل الأشد من شد النهار إذا ارتفع، يقال: أتيته شد النهار وكان محمد بن محمد الضبي ينشد بيت عنترة:
عهدي به شد النهار كأنما
…
خضب اللبان ورأسه بالعظلم
وقال الآخر:
تطيف به شد النهار ظعينة
…
طويلة أنقاء اليدين سحوق
قال مقيده - عفا الله عنه -: ومنه قول كعب بن زهير:
شد النهار ذراعا عيطل نصف
…
قامت فجاوبها نكد مثاكيل
فقوله: "شد النهار" يعني وقت ارتفاعه، وهو بدل من اليوم في قوله قبله:
يوما يظل به الحرباء مصطخدا
…
كأن ضاحيه بالشمس محلول
فشد النهار بدل من قوله: "يوماً" بدل بعض من كل، كما أن قوله:"يوماً" بدل من إذا في قوله قبل ذلك:
كأن أوب ذراعيها إذا عرقت
…
وقد تلفع بالقور العساقيل
لأن الزمن المعبر عنه "بإذا" هو بعينه اليوم المذكور في قوله "يوماً يظل" البيت، ونظيره في القرآن قوله تعالى:{فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ مَا سَعَى (35)} وقوله: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ} الآية، وإعراب أبيات كعب هذه يدل على جواز تداخل البدل، وقوله:"ذراعا عطيل" خبر كأن في قوله: "كأن أوب ذراعيها" البيت.