الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد أوضحنا هذه المسألة في كتابنا [دفع إيهام الاضطراب] في سورة النساء عند قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} ولذلك لم نطل الكلام بها هنا، والمراد بالتحرير الإخراج من الرق، وربما استعملته العرب في الإخراج من الأسر والمشقات، وتعب الدنيا ونحو ذلك، ومنه قول والدة مريم {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً} أي من تعب أعمال الدنيا، ومنه قول الفرزدق همام بن غالب التميمي:
أبني غدانة إنني حررتكم
…
فوهبتكم لعطية بن جعال
يعني حررتكم من الهجاء، فلا أهجوكم.
•
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ}
الآية، يفهم من هذه الآية الكريمة أن الخمر نجسة العين؛ لأن الله تعالى قال: إنها رِجْسٌ، والرجس في كلام العرب كل مستقذر تعافه النفس.
وقيل: إن أصله من الركس، وهو العذرة والنتن.
قال بعض العلماء: ويدل لهذا مفهوم المخالفة في قوله تعالى في شراب أهل الجنة: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً (21)} لأن وصفه لشراب أهل الجنة بأنه طهور يفهم منه أن خمر الدنيا ليست كذلك، ومما يؤيد هذا أن كل الأوصاف التي مدح بها تعالى خمر الآخرة منفية عن خمر الدنيا، كقوله:{لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47)} وكقوله: {لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ (19)} بخلاف خمر الدنيا ففيها غول يغتال العقول، وأهلها يصدعون، أي: يصيبهم الصداع الذي هو
وجع الرأس بسببها، وقوله:{وَلَا يٌنْزَفُونَ (19)} على قراءة فتح الزاي مبنياً للمفعول، فمعناه: أنهم لا يسكرون، والنزيف السكران، ومنه قول حميد بن ثور:
نزيف ترى ردع العبير بجيبها
…
كما ضرج الضاري النزيف المكلما
يعني أنها في ثقل حركتها كالسكران، وأن خمرة العبير الذي هو الطيب في جيبها كخمرة الدم على الطريد الذي ضرجه الجوارح بدمه، أصابه نزيف الدم من جرح الجوارح له، ومنه أيضاً قول امرىء القيس:
وإذ هي تمشي كمشي النزيـ
…
ـف يصرعه بالكثيب البهر
وقوله أيضاً:
نزيف إذا قامت لوجه تمايلت
…
تراشى الفؤاد الرخص ألا تخترا
وقول ابن أبي ربيعة، أو جميل:
فلثمت فاها آخذاً بقرونها
…
شرب النزيف ببرد ماء الحشرج
وعلى قراءة {يَنْزِفُونَ (19)} بكسر الزاي مبنياً للفاعل ففيه وجهان من التفسير للعلماء:
أحدهما: أنه من أنزف القوم إن حان منهم النزف، وهو السكر؛ ونظيره قولهم: أحصد الزرع إذا حان حصاده، وأقطف العنب إذا حان قطافه، وهذا القول معناه راجع إلى الأول.
والثاني: أنه من أنزف القوم إذا فنيت خمورهم. ومنه قول الحطيئة:
لعمري لئن أنزفتموا أو صحوتموا
…
لبئس الندامى أنتم آل أبجرا
وجماهير العلماء على أن الخمر نجسة العين لما ذكرنا؛ وخالف في ذلك ربيعة والليث، والمزني صاحب الشافعي، وبعض المتأخرين من البغداديين والقرويين؛ كما نقله عنهم القرطبي في تفسيره.
واستدلوا لطهارة عينها بأن المذكورات معها في الآية من مال ميسر، ومال قمار، وأنصاب، وأزلام ليست نجسة العين، وإن كانت محرمة الاستعمال.
وأجيب من جهة الجمهور بأن قوله: {رِجْسٌ} يقتضي نجاسة العين في الكل، فما أخرجه إجماع، أو نص خرج بذلك، وما لم يخرجه نص، ولا إجماع لزم الحكم بنجاسته؛ لأن خروج بعض ما تناوله العام بمخصص من المخصصات لا يسقط الاحتجاج به في الباقي، كما هو مقرر في الأصول، وإليه الإشارة بقول صاحب مراقي السعود:
وهو حجة لدى الأكثر إن
…
مخصص له معيناً يبن
وعلى هذا، فالمسكر الذي عمت البلوي اليوم بالتطيب به المعروف في اللسان الدارجي بالكولانيا نجس لا تجوز الصلاة به، ويؤيده أن قوله تعالى في المسكر:{فَاجْتَنِبُوهُ} يقتضي الاجتناب المطلق الذي لا ينتفع معه بشيء من المسكر، وما معه في الآية بوجه من الوجوه، كما قاله القرطبي وغيره.
قال مقيده - عفا الله عنه -: لا يخفى عن منصف أن التضمخ