الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنه للإباحة يرد عليه بآيات أخرى، والذي ينتظم الأدلة كلها هذا الذي ذكرناه، كما اختاره بعض علماء الأصول، والله أعلم. انتهى منه بلفظه.
وفي هذه المسألة أقوال أخر عقدها في (مراقي السعود) بقوله:
والأمر للوجوب بعد الخطل
…
وبعد سؤل قد أتى للأصل
أو يقتضي إباحة للأغلب
…
إذا تعلق بمثل السبب
إلا فذي المذهب والكثير
…
له إلى إيجابه مصير
وقد تقرر في الأصول أن الاستقراء التام حجة بلا خلاف، وغير التام المعروف بـ "إلحاق الفرد بالأغلب" حجة ظنية، كما عقده في مراقي السعود في كتاب (الاستدلال) بقوله:
ومنه الاستقراء بالجزئي
…
على ثبوت الحكم كلي
فإن يعم غير ذي الشقاق
…
فهو حجة بالاتفاق
وهو في البعض إلى الظن انتسب
…
يسمى لحقوق الفرد بالذي غلب
فإذا عرفت ذلك، وعرفت أن الاستقراء التام في القرآن دل على ما اخترنا، واختاره ابن كثير، وهو قول الزركشي من أن الأمر بعد الحظر يدل على رجوع الحكم إلى ما كان عليه قبل التحريم، عرفت أن ذلك هو الحق. والعلم عند الله تعالى.
•
قوله تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا}
الآية. نهى الله المسلمين في هذه الآية
الكريمة أن يحملهم بغض الكفار أن صدوهم عن المسجد الحرام في عمرة الحديبية أن يعتدوا على المشركين بما لا يحل لهم شرعاً. كما روى ابن أبي حاتم في سبب نزول هذه الآية عن زيد بن أسلم، قال:"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بالحديبية حين صدهم المشركون عن البيت، وقد اشتد ذلك عليهم، فمر بهم أناس من المشركين من أهل المشرق يريدون العمرة، فقال أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: نصد هؤلاء كما صدنا أصحابهم، فأنزل الله هذه الآية" اهـ. بلفظه من ابن كثير.
ويدل لهذا قوله قبل هذا: {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} وصرح بمثل هذه الآية في قوله: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا} الآية، وقد ذكر تعالى في هذه الآية أنهم صدوهم عن المسجد الحرام بالفعل على قراءة الجمهور {أَنْ صَدُّوكُمْ} بفتح الهمزة، لأن معناها: لأجل أن صدوكم، ولم يبين هنا حكمة هذا الصد، ولم يذكر أنهم صدوا معهم الهدي معكوفاً أن يبلغ محله، وذكر في سورة الفتح أنهم صدوا معهم الهدى، وأن الحكمة في ذلك المحافظة على المؤمنين والمؤمنات، الذين لم يتميزوا عن الكفار في ذلك الوقت، بقوله:{هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (25)} ، وفي هذه الآية دليل صريح على أن الإنسان عليه أن يعامل من عصى الله فيه؛ بأن يطيع الله فيه. وفي الحديث:"أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك" وهذا دليل واضح على كمال دين الإسلام، وحسن
ما يدعو إليه من مكارم الأخلاق، مبين أنه دين سماوي لا شك فيه.
وقوله في هذه الآية الكريمة: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ} معناه: لا يحملنكم شنآن قوم على أن تعتدوا، ونظيره من كلام العرب قول الشاعر:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة
…
جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
أي حملتم على أن يغضبوا.
وقال بعض العلماء: {لا يَجْرِمَنَّكُمْ} أي لا يكسبنكم، وعليه فلا تقدير لحرف الجر في قوله:{أَنْ تَعْتَدُوا} أي لا يكسبنكم بغضهم الاعتداء عليهم.
وقرأ بعض السبعة: {شَنْآنُ} بسكون النون، ومعنى الشنآن على القراءتين أي بفتح النون، وبسكونها: البغض. مصدر "شنأه" إذا أبغضه.
وقيل: على قراءة سكون النون يكون وصفاً كالغضبان، وعلى قراءة:{إِنْ صَدُّوكُمْ} بكسر الهمزة: المعنى إن وقع منهم صدهم لكم عن المسجد الحرام، فلا يحملنكم ذلك على أن تعتدوا عليهم بما لا يحل لكم.
وإبطال هذه القراءة -بأن الآية نزلت بعد صد المشركين النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بالحديبية، وأنه لا وجه لاشتراط الصد بعد وقوعه- مردود من وجهين:
الأول منهما: أن قراءة: {أَنْ صَدُّوكُمْ} : بصيغة الشرط