الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
تذييل لكتاب العقائد إلى تصحيح العقائد
بقلم: فضيلة الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة
فرغت من قراءة كتاب (العقائد إلى تصحيح العقائد) للعلامة المحقق: الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي العتمي
فإذا هو كتاب من أجود ما كتب في بابه من مناقشة المتكلمين والمتفلسفة الذي انحرفوا بتطرفهم وتعمقهم في النظر والأقيسة والمباحث، حتى خرجوا عن صراط الله المستقيم الذي سار عليه الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين من إثبات صفات الكمال لله تعالى من علوه سبحانه وتعالى على خلقه علواً حقيقياً يشار إليه في السماء عند الدعاء إشارة حقيقية، وإن القرآن كلامه حقاً حروفه ومعانيه كيفما قرء أو كتب، وإن الإيمان يزيد وينقص حقيقة، يزيد
بالطاعات، وينقص بالمعاصي، وأن الأعمال جزء من الإيمان، لا يتحقق الإيمان إلا بالتصديق والقول والعمل.
حقق العلامة المؤلف هذه المطالب بالأدلة الفطرية والنقلية من الكتاب والسنة على طريقة السلف الصالح من الصحابة وأكابر التابعين وناقش كمن خالف ذلك من الفلاسفة كابن سينا ورؤساء علم الكلام كالرازي والغزالي والعضد والسعد فأثبت بذلك ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه المحققة الشافية الكافية بأوضح حجة وأقوى برهان - أن طريقة السلف
في الإيمان بصفات الله تعالى أعلم وأحكم وأسلم، وإن طريقة الخلف من فلاسفة ومتكلمين أجهل وأظلم وأو دى وأهلك.
قرأت الكتاب فأعجبت به أيما إعجاب، لصبر العلامة على معاناة مطالعة نظريات المتكلمين خصوصاً من جاء منهم بعد من ناقشهم شيخ الإسلام أبن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم كالعضد والسعد، ثم رده عليهم بالأسلوب الفطري والنقول الشرعية التي يؤمن بها كل من لم تفسد عقيلته بخيالات الفلاسفة والمتكلمين، فسد بذلك فراغاً كن على كل سني سلفي سده بعد شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى، وأدى عنا ديناً كنا مطالبين بقضائه، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وحشرنا وإياه في زمرة الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. آمين.
وبقيت بعد ذلك لمن يبتلي بمطالعات في كتب العصر وما تحوي من نظريات علمية وتجارب صناعية مسائل يظن تعارضها مع ما جاءت به أنبياء الله ورسله، فيغتر بها ضعفاء العقول، ويفتتن بها سفهاء الأحلام، وسأذكر شيئاً منها على سبيل المثال، وأشير إلى المخرج لمن هداه الله تعالى ووفقه للإيمان بما جاءت به أنبياؤه ورسله، والله الهادي إلى الصراط المستقيم، ممهداً لذلك بتمهيد وجيز.
تمهيد:
أرسل الله رسله مبشرين ومنذرين، وأنزل كتبه هداية للمتقين بأصول سعادة الدنيا والآخرة للبشر أجمع، فقررت أصول الإيمان بالله ورسله والملائكة واليوم الآخر وقدر الله في خلقه، وشرحت أركان العمل الصالح في معاملة الله تعالى ومعاملة خلقه من عبادات ومعاملات وتشريع مدني وجنائي، وبينت نتائج السير على هذا الصراط المستقيم في الدنيا والآخرة وعواقب الانحراف عنه وعقوباته دنياً وأخرى، وسعادة من سار عليه، وشقاء من انحرف وحاد عنه.
أما علوم المعاش، رفاهة الحياة الدنيا وملذاتها من صناعة وزراعة وطب وهندسة
وكيميا وطبيعة وفلك قلم تعن بها شرحاً وبحثاً وتنقيباً، بل تركت ذلك لجهو د العقل البشري وتجارب الناس وهمم الباحثين، لأن ذلك يتطور حال الناس ويظهر بمظاهر تناسب عصورهم وتفكيرهم وجهو دهم العقلية والاجتماعية، وهو قابل للأخذ والرد والتمحيص والتحوير والاستبدال، واصلاحه ممكن بالعقل وبتطور الزمان ومناسبة المكان.
فإن عرضت الشرائع لشيء من ذلك فعلى سبيل المثال وذكر نعمة في خلقه ورحمته بهم بأرضه وسمائه ورياحه وسحبه وأمطاره، ولا يضيرها في ضرب هذه الأمثال أن تقر بها لعقول الناس وتفكير العقلاء.
(هذا تمهيد أول) .
(الثاني) يظهر للمتأمل في مخلوقات الله تعالى أن لكل حادث منها أسباباً مادية يتلمسها الباحثون ويقفون على كثير منها ظناً وتخميناً، أو قطعاً ويقيناً، وأن لهذه الحوادث أسباباً غيبية وعللاً روحية أشارت إليها الديانات ولوحت إليها كتب السماء. وسيأتي شيء من الأمثلة الآتية توضيح لذلك.
وجل هم الباحثين في العلوم العصرية والتجارب المعيشية التعرف إلى الأسباب المادية، وربطها بمسبباتها وما يقوي ذلك أو يضعفه.
وأما رسل الله الكرام فمطمع نظرهم وجل توجههم إلى الأسباب الغيبية والتدبير الآلهي للأسباب والمسببات والراسخون في العلم من يؤمنون بما جاءت به الأنبياء وينتفعون بما أثبتته التجارب وبحوث الباحثين، جامعيين بين الإيمان والانتفاع بثمرات العقول ونتائج الأبحاث الصحيحة، والأمثلة الآتية توضيح وتفريغ للتمهيدين السابقين، وإزالة لشبهة تعارض الدين والمباحث العصرية.
(1)
مسألة خلق آدم أبي البشر من تراب أثبتتها شرائع الله في التوراة والإنجيل والقرآن بما لا يحتمل الشك أو الجدل.
وبحث باحثون على رأسهم دارون الإنكليزي أن الحياة متسلسل بعضها من بعض من الأدنى إلى الأرقى، وأن البشر تسلسلوا من سلسلة حيوانية أدنى منهم وأرقى من القردة،
والمسألة نظرية تخمينية لا تزال في بوتقة البحث والتمحيص، لم تصعد سلماً من سلالم القطع والمشاهدة، فنلدع باحثيها في شغلهم بها ويسلم لنا الدين بلا معارض ولا منازع. والعجب من قوم منا فتنتهم هذه الفكرة التخمينية فأخذوا يؤولون نصوص الكتاب العزيز ليخضعوه إليها.ونبرأ إلى الله تعالى من ذلك.
(2)
مسألة النيل والفرات جاء في حديث (الصحيحين) أنهما ينبعان من أصل شجرة المنتهى فوق السماء السابعة، والمعروف عند الناس اليوم أن النيل يخرج من بلاد الحبشة أمطارها وبحيراتها إلى السودان إلى مصر - والفرات من جبال أرمينيا إلى العراق.
فذهب قوم كابن حزم الظاهري إلى حل المسألة باشتراك الاسمين أي أن الجنة نهرين أسمهما النيل والفرات، ينبعان من أصل سدرة المنتهى، وأنهما غير النيل والفرات اللذين في الدنيا، و «وأنهما» وإن اشتركا معهما في الاسم فالمسميان متغايران.
وذهب الآخرون كالنووي وغيره إلى المجاز والتشبيه، وإن النيل والفرات يشبهان أنهار الجنة في النماء والبركة والعذوبة.
وعندي أنه لا بأس بحل المسألة بتطبيق التمهيد الثاني المتقدم آنفاً وإن ما جاء في الحديث في نبه النيل والفرات من أصل سدرة المنتهى نظر إلى السبب الغيبي الروحاني، وأن نبعها مما هو معروف لدى الناس الآن هو السبب الحسي المادي.
فإن أعجبك التوجيه، وإلا فأنت في حل منه، وإنما هو جهد المقل، وحاول الجمع بين الإيمان المعقول، والمعقول الذي لا يشوش الإيمان.
(3)
مسألة الخسوف والكسوف - ثبت لدى علماء الفلك وأقره المحققون من علماء الدين كالغزالي والرازي وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم إن خسوف القمر لاحتجاب نور الشمس عنه بظل الأرض، وكسوف الشمس لاحتجاب نورها عنا بتوسط جرم القمر.
وجاء في حديث أبي داود أن كسوف الشمس لتجلي الله تعالى لها، وأن الله تعالى إذا تجلى لشيء خضع له. (1)
فتجرأ الغزالي بسبب أنه - كما شهد على نفسه - مزجى البضاعة في الحديث فتجرأ بالقول برد الحديث، وغلطه الشيخ ابن تيمية فقوى الحديث واعتمده.
(1) قلت هذا قطعة من خطبته صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف، والخطبة متواترة عنه صلى الله عليه وسلم رواها عنه نحوعشرين صحابياً، وأكثرهم له عنه أكثر من طريق واحد، ولم ترد هذه القطعة إلا من حديث قبيصة بن مخارق أو النعمان بن بشير من رواية أبي قلاية عنه، وهذا إسناد أعله المحققون من علماء الحديث بالانقطاع، مثل ابن أبي حاتم البيهقي وغيرهما، زد على ذلك أن بإسناده ومتنه اضطراباً كثيراً، لا مجال لبيانه هنا، ومحلة في رسالتي المؤلفة في «صفة صلاة الكسوف، وما رأي صلى الله عليه وسلم فيها من الآيات» رقم (16) .
وأيضاً فالتجلي المذكور لم يرد إلا في بعض الطرق عن أبي قلابة، فإذا ضممنا إلى =
وحل المسألة عندي مستفيداً من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومجالسة بعض محققي علماء الهند أو الحديث جاء على طريقة الأنبياء من النظر إلى الملكوت في الأسباب والمسببات التي وراء الأسباب الظاهرة المعروفة، وحينئذ فتفكير الباحثين في أسباب الخسوف والكسوف صحيح، والحديث على طريقة الأنبياء صحيح، والعاقل من آمن بها جميعاً.
(4)
مسألة كروية الأرض ودورانها حول نفسها وحول الشمس. تقطع العلوم الحديثة من فلك وجغرافيا بهذه المسألة قطعاً لا شك فيه عندهم في الكروية وظناً يقرب من اليقين، مع الإطباق والتطبيق عليه من مسألة الحركة. وظواهر النصوص تخالف ذلك بادي الرأي.
وعندي أن هذه المسألة لا حاجة لها في الدين، وإنما ذكر الله الأرض وسكونها وعدم حيدانها، والشمس والقمر وجريانهما دائبين لنزداد إيماناً برحمته بنا وخلق لاما في السماوات والأرض جميعاً لمنافعنا فالنعمة سابغة، ورحمة الله شاملة لنا، دارت الأرض أم سكنت.
المؤمن يزداد إيماناً بما ذكرنا الله من نعمه علينا وتكرار آلائه علينا.
(5)
مسألة تنفس جهنم نفسين في الشتاء يكون منه شدة البرد، وفي الصيف يكون منه شدة الحر، «كما» جاء في الحديث الصحيح.
= ذلك عدم ورودها في أحاديث سائر الصحابة العشرين، فلا ريب بعد ذلك أنه ضعيف منكر للتفرد والمخالفة لرواية التواتر، وبأقل من ذلك تثبت النكارة، وتقوية أبن تيمية إنما هو باعتبار ظاهر الرواية عن أبي قلابة عن الصحابي، ولم يتنبه للانقطاع الذي بينهما ولا الاضطراب الذي ألمحنا إليه.
ثم أن هذه القطعة ليست عند أبي داود، وإنما هي عند النسائي وعند أبي داود أصل الحديث. فاقتضى التنبيه. ن
والمسألة نفس لأمر غيبي لا نعرفه فلنؤمن به وبنفسه، والكيفية عند الله تعالى.
(6)
جاء في بعض الآثار (1) إن لله بيتاً معموراً فوق السماء السابعة يوازي بيته العتيق بمكة المكرمة، والمسألة كسابقتها غيب في غيب والإيمان واجب، والشك بدعة، والكيف مجهول.
(7)
جاء في الحديث أن الله خلق آدم طوله ستون ذراعاً، فما زال الخلق أي من بنيه يتناقص حتى صاروا إلى ما هم عليه الآن. استشكله ابن خلدون، ونقل أشكاله الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) بأن ديار ثمود في الحجر لا تزيد أبوابها عن أبواب ديارنا وهم من القدم على ما يظهر أن يكونوا في نصف الطريق بيننا وبين آدم فكان على هذا يجب أن تطول أبدانهم عنا بنحوثلاثين ذراعاً، ولعل أهل الحفريات عثروا على عظام وجماجم قديمة جداً ولا يزيد طولها عن طول الناس اليوم - سمعت حل الإشكال من الشيخ عبيد الله السندي رحمه الله أن الطول المذكور في عالم المثال لا في عالم الأجسام والمشاهدة. فالله أعلم. (2)
(8)
جاء في سورة القمر «اقتربت الساعة وانشق القمر» وجاء في الحديث المشتهر المستفيض عن أنس وابن مسعود وغيرهما ثبوت انشقاقه معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم وإقامة للحجة على طالبيها منه من قريش.
(1) قلت التعبير بـ «الآثار» قد يوهم أن الحديث المذكور موقوف غير مرفوع، وليس كذلك، فقد جاء مرفوعاً في «الصحيحين» وغيرهما من حديث أنس رضي الله عنه، لكن ليس فيه «يوازي بيته العتيق» ، وإنما جاءت هذه الزيادة عن قتادة مرسلاً بمعناها بسند صحيح، ورويت من حديث أبي هريرة وابن عباس مرفوعاً، وعلي موقوفاً، مما يشهد مجموعها لثبوتها، وقد خرجت ذلك في «الأحاديث الصحيحة» برقم (471) .
(2)
قلت هذا التأويل أشبه بتأويلات المتكلمين والمتصوفة، وأني متعجب جداً من حكاية فضيلة الشيخ إياه وإقراره له. =
ورأيت لبعض المتأخرين بحثاً تشكيكياً في ذلك، وقد سألت مدير مرصد حلوان الفلكي:
هل رأيت ما يثبت ذلك فلكياً أو يقربه من العقل؟ فأجاب: لا.
وشكوك الملاحدة على المسألة معروفة من قديم الزمان.
وعندي أن المسألة ما دامت أنها آية فسبيلها سبيل الآيات، لا مجال للعقل إلا تكيفها، ويعجبني من صاحب الكتاب (الطب الحديث والقرآن) الأستاذ بكلية الطب عبد الخالق العزيز (!) باشا إسماعيل أنه عندما يمر بمعجزة أو آية كولادة عيسى ابن مريم ومعجزات موسى وإبراهيم وغيرهم من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنه يمر عليهما مر الإيمان بدون تعليل ولا تكييف لأنه معجزة وكفى، أي فيدل اسمها على عجز العقل عن تكيفها. فلله دره من مؤمن مسلم لما أخبر الله تعالى.
وعلى ذكر آيات الأنبياء ومعجزاتهم فقد انقسم الناس فيها شأنهم في أكثر المسائل ثلاثة طوائف:
طائفة الماديين عمي البصائر، الذين أنكروها وساروا وراء قردة قلدوهم في الأفكار، واستحيوا من المسلمين فنافقوا بتأويلها.
= واستشكال ابن خلدون إنما يصح على ما استظهره أن ثمود في نصف الطريق بيننا وبين آدم. وهذا رجم بالغيب، إذ لم يأت به نص عن المعصوم، ولا ثبت مثله حتى الآن من الآثار المكتشفة، بل لعلها قد دلت على خلاف ما استظهره. فيبقى الحديث من الأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها دون أي استشكال.
والحديث المشار إليه أخرجه الشيخان في «صحيحهما» . ن
وبه انتهى التعليق على هذا الكتاب النافع إن شاء الله تعالى بتاريخ 17 شعبان سنة 1386 من هجرة سيد المرسلين، وصلة الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتب: محمد ناصر الدين الألباني
وطائفة الخرافيين الذين توسعوا في الخرافات والمخرقات حتى جعلوا كون الله العجيب ملعباً للدجاجلة يلعبون به حسب أهوائهم وأهواء الناس فيهم.
والثالثة: الوسط المؤمن بها من سائر العقلاء والمصدقون بما صح منها نقلاً متواتراً في كتاب الله تعالى، وصحيح الأخبار عن نبيه صلى الله عليه وسلم، مع رفع العصا والنعال في وجوه الدجالين والمخرفين والمظلمين للعامة بمنازعة الله تعالى في ربوبيته والتلاعب بزعمهم في سننه، طبائع مخلوقاته.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
كتب بالطائف صباح الخميس 25 ذي الحجة 1370
محمد عبد الرزاق حمزة
حامداً مصلياً