المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثالث: في الاحتجاج بالنصوص الشرعية في العقائد - القائد إلى تصحيح العقائد

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

الفصل: ‌الباب الثالث: في الاحتجاج بالنصوص الشرعية في العقائد

‌الباب الثالث: في الاحتجاج بالنصوص الشرعية في العقائد

كان من المعلوم المقطوع به في عهد السلف الصالح أن أثبت ما يحتج به في العقائد وغيرها كلام الله تعالى وكلام رسوله، ثم لما حدث التعمق في النظر العقلي كان بعض المتعمقين ربما يزيغ عما يعرفه الناس فيرد عليه أئمة الدين، ويبدعونه ويضللونه ويحتجون بالنصوص، فربما تأول هو النص أو رد الحديث زاعماً أنه لا يثق بسنده، فيرد عليه أئمة الدين تأويله بأنه خلاف المعنى الذي تعرفه العرب من لسانها وخلاف ما أثر من التفسير عمن سلف، ويردون عليه رده للحديث بأن رجاله ثقات وأن أئمة الرواية يصححونه. واستمر الأمر على هذا زماناً. وفي القرن الثاني نبغ من المبتدعة من يرد أخبار الآحاد حتى في الفقهيات، واقتصر بعضهم على ردها إذا خالفت القياس، وظاهر أن هذا يردها إذا خالفت المعقول في زعمه، وقد رد أئمة الدين على هؤلاء، وفي كتب الشافعي كثير من الرد عليهم، وكذلك تعرض له البخاري في (الصحيح) ، وعلى كل حال فكان معروفاً بين الناس أن أولئك المتأولين للنصوص على خلاف معانيها المعروفة والرادين للأخبار الصحيحة هم مبتدعة. ثم عندما كثر المتعمقون والتبس بعضهم بأهل السنة كثر القائلون بأن أخبار الآحاد إذا خالف المعقول يجب تأويلها أو ردها، ولبسوا بذلك، فإن المعقول المقبول وهو ما كان من المأخذ السلفي الأول لا يصح نص بخلافه، بل إذا صح نص ظاهر لفظه خلافه فالعقل حينئذ قرينة صحيحة لابد في فهم الكلام من ملاحظتها، فالظاهر الحقيقي الذي هو معنى النص هو ما يظهر منه مع ملاحظة

ص: 105

قرائنه. كل هذا وأهل السنة المتبعون لأئمتها المتفق على إمامتهم فيها ثابتون على ما كان السلف من الاحتجاج بالنصوص وتضليل من يصرفها عن معانيها المعروفة، أو يرد الأخبار الصحيح.

ثم نشأ المتوغلون في الفلسفة كالفارابي وابن سينا، فكان مما خالفوه من العقائد الإسلامية أمر المعاد، فاحتج عليهم المتكلمون بالنصوص فغاضهم ابن سينا مغاضة شديدة، كما تراه في (مختصر الصواعق) ج 1 ص 241.

وعباراته طويلة جداً، وأنا أحاول المقصود أحاول تلخيص المقصود منها. زعم أن الشرائع إنما وردت لخطاب الجمهور، أنها لوجائتهم بذكر التوحيد والتنزيه على ما يراه الفلاسفة ومن يوافقهم من المتكلمين، قال:«لسارعوا إلى العناد أو اتفقوا على أن الإيمان المدعو إليه إيمان بمعدوم لا وجود له أصلا» . فزعم أن الحكمة اقتضت أن تجيئهم الشرائع بما يمكن تصديقهم به من التجسيم والتشبيه ونحو ذلك ليمكن قبولهم للشرائع العملية. وذكر أن التوراة كلها تجسيم وأن في نصوص القرآن ما لا يحصى من ذلك قال: «وبعضه جاء تنزيهاً مطلقاً عاماً جداً لا تخصيص ولا تفسير له» . ثم ذكر أن من النصوص ما هو صريح في التجسيم والتشبيه «ولا يقع شبهة في أنها ليست استعارية ولا مجازية ولا يراد فيها شيء غير الظاهر» . قال: «فإن كان أريد بها ذلك (يغني غير الظاهر) إضماراً (يعني أن المتكلم أضمر في نفسه إرادة غير الظاهر، وإن كان الكلام لا يحتمله) فقد رضي (المتكلم بالقرآن) بوقوع الغلط والتشبيه (يعني التجسيم ونحوه) والاعتقاد المعوج بالإيمان يظاهرها تصريحاً» . ثم ذكر أن الحال في أمور المعاد كذلك، قال: «ولم يكن سبيل للشرائع إلى الدعوة إليها والتحذير عنها إلا بالتعبير عنها بوجود من التمثيلات المقربة إلى الأفهام

فهذا هو الكلام على تعريف من طلب أن يكون خاصاً من الناس لا عاماً أن ظاهر الشرائع غير محتج به في هذه الأبواب» .

ويمكن ترتيب مقاصده في تلك العبارة على ما يا يأتي:

ص: 106

المقصد الأول: أن من تلك النصوص ما هو ظاهر في تلك المعاني، ومنها ما هو صريح فيها.

الثاني: أن الصريح منها يدفع احتمال الاستعارة والمجاز، ويأبى أن يكون المراد منه إلا ذاك المعنى الذي هو صريح فيه.

(الثالث) : أنه ليس في الكتاب ولا السنة نص ينفي تلك المعاني التي دلت عليها تلك النصوص الكثيرة بظهورها أو صراحتها نفياً بيناً، وإنما هناك إشارات يسيرة ليست بالبينة.

(الرابع) : أن تلك المعاني موافقة لعقول المخاطبين الأولين وهو العرب الذين بعث فيهم محمد صلى الله عليه وآله ويلم، حتى لوخوطبوا بنفيها لأنكرته عقولهم وردته، وحالهم في ذلك كحال الجمهور من الناس في عصرهم وقبلهم وبعدهم.

(الخامس) : أن تلك المعاني في رأي ابن سينا ومن يوافقه من المتكلمين ز غيرهم باطلة بدلالة النظر العقلي المتعمق فيه.

(السادس) : أن صحة الدين الإسلامي ومجيئه بتلك النصوص على ما تقدم من حالها متناقضان ظاهراً، إذ كيف يأتي الدين الحق بالاعتقاد الباطل؟ !

(السابع) : أن صحة الدين الإسلامي ثابتة بالبرهان وبطلان تلك المعاني ثابت - في زعمه ومن يوافقه - بالبرهان.

(الثامن) : أنه لا مخلص من هذا التناقض مع ثبوت كلا الأمرين، بالبرهان إلا القول بأن الدين الحق قد يأتي بالاعتقاد الباطل رعاية لمصلحة البشر ليقبلوا الشرائع العملية التي تصلح شئونهم! .

(التاسع) : أنه إذا كان الأمر هكذا، فاللائق بالجمهور قبول ما جاء به الدين الحق على أنه حق، واللائق بالخاصة وهم الذين تنبهو البطلان بعض تلك المعاني أن يعرفوا أن الدين إنما جاء لإصلاح الجمهور وأنه جاراهم على اعتقادهم وما يوافقه

ص: 107