الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني من الباب الثامن «الالتفات»
سأتحدث في هذا الفصل عن ثلاث قضايا:
الأولى: الالتفات من الغيبة الى التكلم.
الثانية: الالتفات من التكلم الى الغيبة.
الثالثة: الالتفات من التكلم الى الخطاب.
[«القضية الأولى»]
أما عن «القضية الأولى» فقد تتبعت القراءات واقتبست منها الأساليب البلاغية التي ترجع الى الالتفات من الغيبة الى التكلم وهي فيما يلي:
«لا نفرق» من قوله تعالى: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ (1).
قرأ القراء العشرة عدا «يعقوب» «لا نفرق» بالنون (2).
على الالتفات من الغيبة الى التكلم، لأن سياق الآية من قوله تعالى:
آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ يقتضي الغيبة، فيقال:«لا يفرق» أي الرسول عليه الصلاة والسلام ولكن التفت الى التكلم ليكون الفاعل جمعا فيشمل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين وحينئذ يكون المعنى: كل من الرسول، والمؤمنون يقول: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ولو ظل السياق على الغيبة لما تحقق هذا المعنى.
(1) سورة البقرة آية 258.
(2)
انظر: النشر في القراءات العشر ج 2 ص 447.
والمستنير في تخريج القراءات ج 1 ص 95.
«ويعلمه» من قوله تعالى: وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ (1).
قرأ «ابن كثير، وابو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وخلف العاشر» .
«ونعلمه» بنون العظمة (2).
على الالتفات من الغيبة الى التكلم، لأن سياق الآية من قبل وهو قوله تعالى: إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (3).
يقتضي الغيبة فيقال: «ويعلمه» أي الله تعالى، ولكن التفت الى التكلم، على أنه إخبار من الله تعالى عن نفسه بأنه سيعلم «عيسى ابن مريم» عليهما السلام الكتاب، والحكمة، ولو ظل السياق على الغيبة لما تحقق هذا المعنى البلاغي.
«نؤتيه» من قوله تعالى: فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (4).
قرأ «نافع، وابن كثير، وابن عامر، وعاصم، والكسائي، وأبو جعفر، ويعقوب» «نؤتيه» بنون العظمة (5).
على الالتفات من الغيبة الى التكلم، لأن سياق الآية وهو قوله تعالى:
وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ يقتضي الغيبة فيقال: «فسوف يؤتيه» أي الله تعالى، ولكن التفت الى التكلم، على أنه إخبار من الله تعالى عن نفسه بأنه سيمنح الآمرين بالمعروف والمصلحين بين الناس ابتغاء مرضاة الله أجرا عظيما، ولو ظل السياق على الغيبة لما تحقق هذا المعنى البلاغي.
(1) سورة آل عمران آية 48.
(2)
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3 ص 7.
وحجة القراءات لابن زنجلة ص 163.
(3)
سورة آل عمران آية 47.
(4)
سورة النساء آية 114.
(5)
انظر: النشر في القراءات العشر ج 1 ص 170.
«يؤتيهم» من قوله تعالى: أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ (1).
قرأ القراء العشرة عدا «حفص» «نؤتيهم» بنون العظمة (2).
على الالتفات من الغيبة الى التكلم، لأن سياق الآية وهو قوله تعالى:
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ يقتضي الغيبة فيقال: «أولئك سوف يؤتيهم» أي الله تعالى، ولكن التفت الى التكلم، على أنه إخبار من الله تعالى عن نفسه بأنه سيكافئ الذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد من رسله بالأجر العظيم يوم القيامة وهو جنات النعيم ولو ظل السياق على الغيبة لما تحقق هذا المعنى البلاغي.
«سنؤتيهم» من قوله تعالى: أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (3).
قرأ القراء العشرة عدا «حمزة، وخلف العاشر» «سنؤتيهم» بنون العظمة (4).
على الالتفات من الغيبة الى التكلم، لأن سياق الآية وهو قوله تعالى:
وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يقتضي الغيبة فيقال: أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً أي الله تعالى، ولكن التفت الى التكلم على أنه إخبار من الله تعالى عن نفسه بأنه سيكافئ المؤمنين بالله واليوم الآخر العظيم يوم القيامة وهو النعيم المقيم الذي لا ينتهي أبدا.
ولو ظل السياق على الغيبة لما تحقق هذا المعنى البلاغي.
«نحشرهم نقول» من قوله تعالى: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ (5).
(1) سورة النساء آية 152.
(2)
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3 ص 37.
والمهذب في القراءات العشر ج 1 ص 401.
(3)
سورة النساء آية 162.
(4)
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3 ص 38.
والمهذب في القراءات العشر ج 1 ص 176.
(5)
سورة الانعام آية 22.
قرأ القراء العشرة عدا «يعقوب» «نحشرهم، نقول» بنون العظمة فيهما (1).
على الالتفات من الغيبة الى التكلم، لأن السياق من قبل في قوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (2) يقتضي الغيبة فيقال: «ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول» أي الله تعالى ولكن التفت الى التكلم على أنه إخبار من الله تعالى عن نفسه بأنه سيعاقب المفترين الكذب على الله تعالى، والمكذبين بآياته، والمشركين به، بالعذاب الأليم يوم القيامة، ويفضحهم على رءوس
الخلائق ويقول توبيخا لهم وانكارا عليهم: «أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون» .
ولو ظل الأسلوب على الغيبة لما تحقق هذا المعنى البلاغي.
«ويذرهم» من قوله تعالى: وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (3) قرأ «نافع، وابن كثير، وابن عامر، وأبو جعفر» «ونذرهم» بنون العظمة ورفع الراء (4) فالرفع على الاستئناف وقراءة النون على الالتفات من الغيبة الى التكلم لأن سياق الآية وهو قوله تعالى: مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ يقتضي الغيبة فيقال: «ويذرهم» أي الله تعالى، ولكن التفت الى التكلم، على أنه إخبار من الله تعالى عن نفسه بأنه سيترك المضلين يتخبطون في طغيانهم، ولن يشرح صدورهم للايمان وصدق الله حيث قال: وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ (5).
ولو ظل الأسلوب القرآني على الغيبة لما تحقق هذا المعنى البلاغي.
(1) انظر: النشر في القراءات العشر ج 3 ص 48.
(2)
سورة الانعام آية 21.
(3)
سورة الاعراف آية 186.
(4)
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3 ص 84.
(5)
سورة الانعام آية 125.
«يفصل» من قوله تعالى: يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (1).
قرأ «نافع، وابن عامر، وشعبة، وحمزة، والكسائي، وأبو جعفر، وخلف العاشر» «نفصل» بنون العظمة (2).
على الالتفات من الغيبة الى التكلم، لأن سياق الآية في قوله تعالى:
ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يقتضي الغيبة فيقال: «يفصل» أي الله تعالى، ولكن التفت الى التكلم، على أنه إخبار من الله تعالى عن نفسه بأنه وحده هو الذي جعل الشمس ضياء، والقمر نورا، وقدره منازل لمعرفة عدد السنين والحساب، وأنه يوضح هذه الآيات الدالة على قدرته ووحدانيته لقوم يعلمون ذلك معرفة حقيقية، فيستدلون بهذه الآيات على وجود الله تعالى، وعلى أنه لا ينبغي أن يعبد غيره.
ولو ظل الأسلوب القرآني على الغيبة لما تحقق هذا المعنى البلاغي.
«نرفع، نشاء» من قوله تعالى: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ (3).
قرأ القراء العشرة عدا «يعقوب» «نرفع، نشاء» بنون العظمة فيهما (4).
على الالتفات من الغيبة الى التكلم، لأن سياق الآية في قوله تعالى: ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ يقتضي الغيبة فيقال: «يرفع درجات من يشاء» أي الله تعالى، ولكن التفت الى التكلم، على أنه إخبار من الله تعالى عن نفسه بأن مقاليد جميع الأمور بيده، فهو الذي يعز من يشاء، وهو الذي بيده الخير وهو على كل شيء قدير، ولو ظل الأسلوب القرآني على الغيبة لما تحقق هذا المعنى.
«ونفضل» من قوله تعالى: وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ
(1) سورة يونس آية 5.
(2)
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3 ص 103.
وحجة القراءات لابن زنجلة ص 328.
(3)
سورة يوسف آية 76.
(4)
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3 ص 128.
فِي الْأُكُلِ (1).
قرأ «نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم، وأبو جعفر، ويعقوب» «ونفضل» بنون الغيبة (2).
على الالتفات من الغيبة الى التكلم، لأن سياق الآية من قبل في قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها (3).
يقتضي الغيبة فيقال: «ويفضل» أي الله تعالى، ولكن التفت الى التكلم على أنه إخبار من الله تعالى عن نفسه بأنه هو وحده الذي رفع السموات بغير عمد، وهو الذي سخر الشمس والقمر كلّ يجري لأجل مسمى، وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا، وأنه هو الذي خلق جنات معروشات وغير معروشات، وفضل بعضها على بعض في الأكل في حالة أنها تسقى بماء واحد.
ولو ظل الأسلوب القرآني على الغيبة لما تحقق هذا المعنى البلاغي.
«ينبت» من قوله تعالى: يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ (4).
قرأ «شعبة» «ننبت» بنون العظمة (5).
على الالتفات من الغيبة الى التكلم، لأن سياق الآية من قبل في قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ (6).
يقتضي الغيبة فيقال: «ينبت» أي الله تعالى، ولكن التفت الى التكلم، على أنه إخبار من الله تعالى عن نفسه بأنه هو الذين أنزل الماء من السماء، ليشرب منه الخلائق، ويكون سببا في حياة بني الانسان،
والأشجار، بل حياة سائر المخلوقات، وصدق اللَّه حيث قال: وَجَعَلْنا «مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ (7) ولو ظل الأسلوب القرآني على الغيبة لما تحقق هذا المعنى البلاغي.
(1) سورة الرعد آية 4.
(2)
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3 ص 131.
(3)
سورة الرعد آية 2.
(4)
سورة النحل آية 11.
(5)
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3 ص 141.
(6)
سورة النحل آية 10.
(7)
سورة الأنبياء آية 30.
«ولنجزين» من قوله تعالى: وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ (1).
قرأ «ابن كثير، وعاصم، وأبو جعفر، وابن عامر بخلف عنه» «ولنجزين» بنون العظمة (2).
على الالتفات من الغيبة الى التكلم، لأن سياق الآية من قبل في قوله تعالى: ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ يقتضي الغيبة فيقال: «وليجزين» أي اللَّه تعالى، ولكن التفت الى التكلم على أنه إخبار من اللَّه تعالى عن نفسه بأنه سيجزي الذين يصبون على أداء الأوامر التي أمرهم اللَّه بها، وعلى اجتناب النواهي التي نهاهم اللَّه عنها، والذين يصبرون على ما يصيبهم في دنياهم بالثواب يوم القيامة. ولو ظل الأسلوب القرآني على الغيبة لما تحقق هذا المعنى البلاغي.
«ان يخسف، أو يرسل، أن يعيدكم، فيرسل، فيغرقكم» من قوله تعالى: أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا. أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ (3).
قرأ «ابن كثير، وأبو عمرو» بنون العظمة في الأفعال الخمسة (4).
على الالتفات من الغيبة الى التكلم، لأن سياق الآية من قبل في قوله تعالى: وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ (5) يقتضي الغيبة فيقال: «أن يخسف» الخ أي اللَّه تعالى، ولكن التفت الى التكلم على أنه إخبار من اللَّه تعالى عن نفسه بتحذير الذين لا يلجئون الى اللَّه تعالى الا في وقت الشدائد فقط، ويقول لهم: هذا المسلك لا يرضى عنه اللَّه تعالى لأنه منهج وطريق المنافقين، أما المؤمنون فهم الذين يفزعون الى اللَّه تعالى
(1) سورة النحل آية 96.
(2)
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3 ص 146.
(3)
سورة الاسراء آية 68 - 69.
(4)
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3 ص 154.
(5)
سورة الاسراء آية 67.
ويلجئون اليه في جميع الأحوال، ولو ظل الأسلوب القرآني على الغيبة لما تحقق هذا المعنى البلاغي.
«يحشرهم» من قوله تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ (1).
قرأ «نافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وشعبة، وحمزة، والكسائي، وخلف العاشر» «نحشرهم» بنون العظمة (2).
على الالتفات من الغيبة الى التكلم، لأن سياق الآية من قبل في قوله تعالى: كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلًا (3).
يقتضي الغيبة فيقال: «يحشرهم» أي اللَّه تعالى، ولكن التفت الى التكلم، على أنه إخبار من اللَّه تعالى عن نفسه بأنه يوم القيامة سيحشر المشركين والآلهة التي كانوا يعبدونها من دونه في الدنيا، ويقيم عليهم جميعا الحجة ويقول للآلهة موبخا لهم: أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء
أم هم ضلوا السبيل الخ وبعد اقامة الحجة على الجميع يعاقبهم على ما صنعوا في الدنيا بالنار وبئس القرار.
ولو ظل الأسلوب القرآني على الغيبة لما تحقق هذا المعنى البلاغي.
«ويقول» من قوله تعالى: وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (4).
قرأ «ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو جعفر، ويعقوب» ، «ونقول» بنون العظمة (5).
على الالتفات من الغيبة الى التكلم، لأن السياق في قوله تعالى:
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (6).
(1) سورة الفرقان آية 17.
(2)
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3 ص 216.
(3)
سورة الفرقان آية 16.
(4)
سورة العنكبوت آية 55.
(5)
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3 ص 239.
(6)
سورة العنكبوت آية 52.
يقتضي الغيبة فيقال «ويقول» أي اللَّه تعالى، ولكن التفت الى التكلم على أنه إخبار من اللَّه تعالى عن نفسه بأنه يوم القيامة سيقول للكفار:
ذوقوا ما كنتم تعملون، أي ذوقوا جزاء كفركم وعملكم الباطل في الدنيا.
ولو ظل الأسلوب القرآني على الغيبة لما تحقق هذا المعنى البلاغي.
«ليذيقهم» من قوله تعالى: لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا (1).
قرأ «روح، وقنبل بخلف عنه» «لنذيقهم» بنون العظمة (2).
على الالتفات من الغيبة الى التكلم، لأن السياق من قبل في قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ (3).
يقتضي الغيبة فيقال: «ليذيقهم» أي اللَّه تعالى، ولكن التفت الى التكلم، على أنه إخبار من اللَّه تعالى عن نفسه بأنه سيذيق العصاة العذاب بسبب عصيانهم لعلهم يرجعون.
ولو ظل الأسلوب القرآني على الغيبة لما تحقق هذا المعنى البلاغي.
«نقيّض» من قوله تعالى: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً (4).
قرأ القراء العشرة عدا «يعقوب» «نقيض» بنون العظمة (5).
على الالتفات من الغيبة الى التكلم، لأن السياق في قوله تعالى:
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ يقتضي الغيبة فيقال: «يقيض» أي الرحمن، ولكن التفت الى التكلم، على أنه إخبار من اللَّه تعالى عن نفسه بأن من يعرض عن ذكر الرحمن يقيض له شيطانا فهو له قرين لا يفارقه.
(1) سورة الروم آية 41.
(2)
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3 ص 242.
والمهذب في القراءات العشر ج 2 ص 131.
(3)
سورة الروم آية 40.
(4)
سورة الزخرف آية 36.
(5)
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3 ص 294.
والمهذب في القراءات العشر ج 2 ص 219.
ولو ظل الأسلوب القرآني على الغيبة لما تحقق هذا المعنى البلاغي.
«وليوفيهم» من قوله تعالى: وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (1).
قرأ «نافع، وابن عامر، بخلف عن هشام، وحمزة، والكسائي، وأبو جعفر، وخلف العاشر» «ولنوفيهم» بنون العظمة (2).
على الالتفات من الغيبة الى التكلم، لأن السياق من قبل في قوله
تعالى: وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ (3).
يقتضي الغيبة فيقال: «وليوفيهم» أي اللَّه تعالى، ولكن التفت الى التكلم، على أنه اخبار من اللَّه تعالى عن نفسه بأنه سيكافئ كل انسان على عمله ولو كان مثقال ذرة، ولا يظلم أحدا، لأنه من صفاته سبحانه وتعالى العدل.
ولو ظل الأسلوب القرآني على الغيبة لما تحقق هذا المعنى البلاغي.
«نقول» من قوله تعالى: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ (4).
قرأ القراء العشرة عدا «نافع، وشعبة» «نقول» بنون العظمة (5).
على الالتفات من الغيبة الى التكلم لأن السياق من قبل في قوله تعالى: الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (6) يقتضي الغيبة فيقال: «يقول» أي اللَّه تعالى، ولكن التفت الى التكلم، على أنه إخبار من اللَّه تعالى عن نفسه بأنه يوم القيامة سينادي جهنم ويقول لها: هل امتلأت؟ فتجيبه بقولها: هل من مزيد؟
ولو ظل الأسلوب القرآني على الغيبة لما تحقق هذا المعنى البلاغي.
(1) سورة الأحقاف آية 19.
(2)
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3 ص 304.
والكشف عن وجوه القراءات العشر ج 2 ص 272.
(3)
سورة الأحقاف آية 17.
(4)
سورة ق آية 30.
(5)
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3 ص 311.
(6)
سورة ق آية 26.
«يجمعكم» من قوله تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ. يَوْمُ التَّغابُنِ (1).
قرأ «يعقوب» «نجمعكم» بنون العظمة (2).
على الالتفات من الغيبة الى التكلم، لأن السياق من قبل في قوله تعالى: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3).
يقتضي الغيبة فيقال «يجمعكم» أي اللَّه تعالى، ولكن التفت الى التكلم، على أنه إخبار من اللَّه تعالى عن نفسه، بأنه يوم القيامة سيجمع الخلائق جميعا ويوفي كلا على عمله، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره. ولو ظل الأسلوب القرآني على الغيبة لما تحقق المعنى البلاغي.
«يسلكه» من قوله تعالى: وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (4).
قرأ «نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وأبو جعفر» «نسلكه» بنون العظمة (5).
على الالتفات من الغيبة الى التكلم، لأن السياق في قوله تعالى:
وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يقتضي الغيبة فيقال «يسلكه» أي ربه، ولكن التفت الى التكلم، على أنه إخبار من اللَّه تعالى عن نفسه، بأن من يعرض عن «القرآن» أو عن «العبادة» أو عن «الموعظة» أو عن جميع ذلك يدخله عذابا صعدا، أي شاقا صعبا.
ولو ظل الأسلوب القرآني على الغيبة لما تحقق هذا المعنى البلاغي.
(1) سورة التغابن آية 9.
(2)
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3 ص 336.
والمهذب في القراءات العشر ج 2 ص 29.
(3)
سورة التغابن آية 8.
(4)
سورة الجن آية 17.
(5)
انظر: النشر في القراءات العشر ج 3 ص 345.
والمهذب في القراءات العشر ج 2 ص 308.