الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ قِيلَ مَا سِيمَاهُمْ قَالَ سِيمَاهُمْ التَّحْلِيقُ أَوْ قَالَ التَّسْبِيدُ
بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} وَأَنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ
ــ
والتسليم مثل نجد وما بعده و {التراقي} جمع الترقوة وهي العظم بين ثغرة النحر و {العاتق} أي لا ترفع إلى الله تعالى إذا أعمالهم منافية لذلك و {الرمية} بكسر الميم وبتشديد التحتانية فعيلة بمعنى المرمية أي المرمي عليها و {الفوق} بضم الفاء موضع الوتر من السهم والطريق الأول ما عاد على فوقه أي مضى ولم يرجع و {السيما} بكسر المهملة مقصورا وممدودا العلامة و {التحليق} إزالة الشعر فإن قلت يلزم من وجود العلامة وجود ذي العلامة فكل محلوق الرأس منهم لكنه خلاف الإجماع قلت كان في عهد الصحابة رضوان الله عليهم لا يحلقون رؤوسهم إلا في النسك أو الحاجة ونحوها وأما هؤلاء فقد جعلوا الحلق شعارهم لجميع أعيانهم في جميع أزمانهم ويحتمل أن يراد به حلق الراس واللحية وجميع شعورهم وأن يراد الإفراط في القتل أو في مخالفة الدين و {التسبيد} بالمهملة والموحدة استئصال الشعر. فإن قلت مر في باب علامات النبوة أن آيتهم أي علامتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة قلت لا منافاة في اجتماع العلامتين أو هؤلاء طائفة أخرى. فإن قلت تقدم في كتاب استتابة المرتدين في حقهم و {يتمارى} أي يشك في الفوقة هل علق بها شيء من الدم فإيمانهم مشكوك فيه وهنا قال يمرقون من الدين ثم لا يعودون أبدا لأن السهم لا يعود إلى فوقه بنفسه قط قلت يحتمل أن يراد بهم الخوارج على الإمام وبهؤلاء الخارجون عن الإيمان وعلى الأول الدين هو طاعة الإمام وعلى الثاني هو الإسلام. قال المهلب: يمكن أن يكون هذا الحديث في قوم قد عرفهم صلى الله عليه وسلم بالوحي أنهم يموتون قبل التوبة وقد خرجوا ببدعتهم وسوء تأويلهم إلى الكفر وربما لا يؤدي إليه، {باب قول الله عز وجل ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} والقسط مصدر يستوي فيه المفرد والمثنى والجمع أي الموازين العادلات، فإن قلت ثمة ميزان واحد توزن به الحسنات والسيئات قلت جمع باعتبار العباد وأنواع الموزونات و {ليوم القيامة} أي في يومها وقال الزجاج: أي نضع الموازين ذوات القسط قال أهل السنة الميزان جسم محسوس
وَقَوْلَهُمْ يُوزَنُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْقُسْطَاسُ الْعَدْلُ بِالرُّومِيَّةِ وَيُقَالُ الْقِسْطُ مَصْدَرُ الْمُقْسِطِ وَهُوَ الْعَادِلُ وَأَمَّا الْقَاسِطُ فَهُوَ الْجَائِرُ
7108 -
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى
ــ
ذو لسان وكفتين والله تعالى يجعل الأعمال والأقوال كالأعيان موزونة أو توزن صحفها وقيل هو ميزان كميزان الشعر وفائدته إظهار العدل والمبالغة في الإنصاف والإلزام قطعا لأعذار العبد، قوله {مجاهد} هو ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة المكي المفسر قال في قوله تعالى {وزنوا بالقسطاس المستقيم} {القسطاس} أي بضم القاف وكسرها العدل بلغة أهل الروم. فإن قلت {إنا أنزلناه قرآنا عربيا} يمنع ذلك قلت وضع العرب فيها وافق لغتهم أي هو من باب توافق الوضعين وللأصوليين في أمثاله مباحث. قوله {القسط} بالكسر مصدر المقسط. فإن قلت مصدره الإقساط لا القسط قلت المراد المصدر المحذوف الزوائد نظرا إلى أصله فهو مصدر مصدره إذ لإخفاء أن المصدر الجاري على فعله هو الإقساط والمقسط هو العادل قال تعالى {إن الله يحب المقسطين} و {القاسط} هو الظالم قال تعالى {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا} فإن قلت المزيد لا بد أن يكون من جنس المزيد عليه قلت إما أن يكون المقسط من القسط بالكسر وإما أن يكون من القسط بالفتح الذي هو بمعنى الجور والهمزة للسلب والإزالة. قوله {أحمد بن إشكاب} بكسر الهمزة وبفتحها وسكون المعجمة وبالكاف وبالموحدة غير منصرف وقيل هو منصرف الصفار الكوفي ثم المصري و {محمد بن فضيل} مصغر الفضل الضبي بالمعجمة والموحدة و {عمارة} بضم المهملة وخفة الميم وبالراء ابن القعقاع بفتح القافين وتسكين المهملة الأولى الضبي أيضا و {أبو زرعة} بضم الزاي وإسكان الراء وبالمهملة هرم بفتح الهاء وكسر الراء البجلي وبالموحدة والجيم المفتوحتين والأربعة كلهم كوفيون. قوله {كلمتان} أي كلامان وتطلق الكلمة عليه ما يقال كلمة الشهادة و {الحبيبتان} المحبوبتان بمعنى المفعول لا بمعنى الفاعل والمراد محبوبية قائلها ومحبة الله تعالى للعبد إرادة إيصال الخير له والتكريم. فإن قلت فعيل بمعنى المفعول لا سيما إذا كان موصوفه مذكورا معه يستوي فيه المذكر والمؤنث فما وجه لحوق
الرَّحْمَنِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ
ــ
علامة التأنيث قلت التسوية بينهما جائزة لا واجبة أو وجوبها في المفرد لا في المثنى أو أنثها لمناسبة الخفيفة والثقيلة لأنها بمعنى الفاعلة لا المفعولة أو هذه التاء هي لنقل اللفظ من الوصفية إلى الإسمية وقد يقال هي فيما لم يقع بعد بقول خذ ذبيحتك للشاة التي لم تذبح وإذا وقع عليها الفعل فهي ذبيح. فإن قلت لم خصص لفظ الرحمن من بين سائر الأسماء الحسنى قلت لأن المقصود من الحديث بيان سعة رحمة الله تعالى على عبده حيث يجازى على العمل القليل بالثواب الكثير وفيه فضيلة عظيمة للكلمتين تقدم في آخر كتاب الدعوات أن من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر والمقصود من ذكر الخفة والثقل بيان قلة العمل وكثرة الثواب، فإن قلت قد نهى صلى الله عليه وسلم عن السجع قلت ذلك فيما كان كسجع الكهان في كونه متكلفا أو متضمنا لباطل، قوله {سبحان} مصدر لازم النصب بإضمار الفعل وهو علم للتسبيح والعلم على نوعين علم جنسي وعلم شخصي ثم أنه تارة يكون للعين وأخرى للمعنى فهذا من العلم الجنسي الذي للمعنى. فإن قلت لفظ سبحان الله واجب الإضافة فكيف الجمع بين الإضافة والعلمية قلت ينكر ثم يضاف، فإن قلت ما معنى التسبيح قلت التنزيه يعني أنزه الله تنزيها مما لا يليق به تعالى. فإن قلت {وبحمده} معطوف فما المعطوف عليه قلت الواو للحال أي وأسبحه متلبسا بحمدي له من أجل توفيقه لي للتسبيح ونحوه أو لعطف الجملة على الجملة أي أسبح وألتبس بحمده فإن قلت فإن قلت ما الحمد قلت له تعريفان والمختار أنه هو الثناء على الجميل الاختياري على وجه التعظيم واعلم أن لله تعالى صفات عدمية مثل أنه لا شريك له ولا جهة له وسائر التنزيهات وتسمى بصفات الجلال وصفات وجودية مثل أنه لا شريك له ولا جهة له وسائر التنزيهات وتسمى بصفات الإكرام اقتباسا من قوله تعالى {ذو الجلال والإكرام} فالتسبيح إشارة إلى الأولى والتحميد إلى الثانية وأطلق اللفظين يعني ترك التقييد المتعلق يشعر بالعموم فكأنه قال أنزهه عن جميع النقائص وأحمده بجميع الكمالات. والنظم الطبيعي يقتضي إثبات التخلية أولا عن النقائص ثم التحلية ثانيا بالكمال فلهذا قدم التسبيح على التحميد وفيه نكتة أخرى وهي أنه ذكر أولا لفظ الله الذي هو اسم للذات الجامعة لجميع الصفات العليا والسماء الحسنى ثم وصفه بالعظيم الذي هو شامل لسلب ما لا يليق به وإثبات ما يليق إذ العظمة المطلقة الكاملة مستلزمة لعدم الشريك والتجسيم ونحوه وللعلم بكل المعلومات والقدرة بكل
المقدورات إلى غير ذلك وإلا لم يكن عظيما مطلقا وأما تكرار التسبيح فللإشعار بتنزيهه على الإطلاق وبأن التسبيح ليس إلا ملتبسا بالحمد ليعلم أن الكمال له نفيا وإثباتا معا جميعا أو لأن الاعتناء بشأن التنزيه أكثر من الاعتناء بالتحميد لكثرة المخالفين فيه قال تعالى {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم به مشركون} ولهذا ورد في القرآن بعبارات مختلفة جاء بلفظ المصدر {سبحان الذي أسرى بعبده} وبالماضي {سبح لله ما في السموات} وبالمضارع {يسبح لله} وبالأمر {سبح اسم ربك الأعلى} أو لأن التنزيهات مما تدركه عقولنا بخلاف كمالاته فإنها قاصرة عن إدراك حقيقتها كما قال بعض المتكلمين وفي الجملة هذا الكلام من جوامع الكلم وفيه امتثال لقوله تعالى {فسبح بحمد ربك} وتأويل له ولما كان ذلك مندوبا إليه عند أواخر المجالس جعل البخاري رحمه الله تعالى كتابه كمجلس علم فختم به. فإن قلت تقدم في أول كتاب التوحيد عند بيان ترتيب الأبواب أن الختم بمباحث كلام الله تعالى لأنه مدار الوحي وبه ثبتت الشرائع ولهذا افتتح ببدء الوحي والانتهاء إلى ما منه الابتداء قلت نعم الختم بها وذكر هذا الباب هنا ليس مقصودا بالذات بل هو لإرادة أن يكون آخر كلامه تسبيحا وتحميدا كما أنه ذكر حديث النية في أوله إرادة لبيان إخلاصه فيه وفيه الإشعار بما كان مؤلفه في حالتيه أولا وآخرا وظاهرا وباطنا تقبل الله منه مجازيا له عن الإسلام والمسلمين خيرا ثم خيرا ثم خيرا. ونحن أيضا نختم الكلام في هذا الشرح المبارك بسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.
فرغ مؤلفه الإمام العلامة شمس الدين محمد بن يوسف بن علي بن محمد بن سعيد الكرماني تقبل الله منه من تأليفه في شوال سنة خمس وسبعين وسبعمائة شكر الله له سعيه ورحمه.
----------------------------------------
وقد كان ختام هذا الطبع، ونهاية هذا الصنع، على نفقة ملتزمة حضرة عبد الرحمن افندي محمد بمطبعته البهية المصرية في اليوم السابع من ذي الحجة من سنة ست وخمسين وثلاثمائة وألف، من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
خاتمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله واهب الإيمان، المتفضل بالإحسان، والصلاة والسلام على رسوله ونبيه «محمد» الذي بعثه رحمة للعالمين، وأرسله بشيرًا للمؤمنين، ونذيرًا للكافرين، وخصه ببدائع الحكم، وجوامع الكلم، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه البررة الصادقين، وعلى من سار سيرهم، وانتهج طريقهم إلى يوم الدين.
وبعد فقد تم بعون الله تعالى، وجميل توفيقه طبع صحيح أبي عبد الله البخاري، بشرح إمامة الأمة وشيخ الأئمة: شمس الدين محمد بن يوسف بن علي بن محمد بن سعيد «الكرماني» وهو من أجل الشروح المعتمدة، بل يعتبر أصلا لجميعها، وليس منهم إلا من ينقل عنه ويعتمد عليه.
وقد ظل هذا السفر مخزونا في دور الكتب حقبة من الزمن، حتى أذن الله تعالى بظهوره واجتلاء نوره، وها هو ذا كالعروس المجلية، يزينه جمال الطبع، وجودة الورق، ودقة التصحيح، وقد أضحى كقول القائل:
تزين معانيه ألفاظه
…
وألفاظه زائنات المعاني
ولقد كانت سائر نسخه الموجودة بدار الكتب الملكية، ومكتبة الأتراك بالأزهر الشريف عظيمة الأخطاء، كثيرة التصحيف، لعبت بها أيدي البلي، وجمعت مع رداءة الخط: سوء النقل، وقلة العناية بالضبط مما اضطرنا للتوقف في مواطن كثيرة، وكلفنا مجهودًا ليس بالقليل.
على أن ذلك لم يحل دون قيامنا بما فرض علينا - خصوصًا في مثل هذا الكتاب - من الدقة المتناهية، والعناية الكبرى.
فقد راجعنا الكثير من المواضع المتوقف فيها على كتب عدة لشراح آخرين، ووفقنا بين الاختلافات الموجودة بالنسخ التي بأيدينا، حيث جاءت هذه النسخة كأنها تأليف جديد مستقل بذاته.
لذا يحق لنا - والحالة هذه - أن ننبه على أن حق الطبع والنقل على نسختنا هذه محفوظ لنا، وكل من تجرأ عليه من المنافسين والحاسدين يعاقب قانونا وذلك لما تكبدناه من جهد ووقت ومال، ولما عانيناه من دقة في الطبع وعناية في التصحيح.
وما أبرئ نفسي فالإنسان أبدًا محل النسيان، ومصدر الخطأ، والعصمة لله تعالى، وهو وحده الذي تبرأ من الخطل والزلل.
وقد بذلنا نهاية الجهد، وغاية الوسع في تصحيح أحاديث البخاري على النسخة اليونينية المعتمدة فجاءت بحمد الله تعالى على أتم وجه، وأكمل وضع.
ولم نكن نقصد من ذلك المنفعة المادية فحسب، بل كان كل مقصدنا الأجر ممن عنده جميل الأجر وحسن الثواب
محمد محمد عبد اللطيف