المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌هل يمدح الإسلام الفقر

قال تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ}

(سورة سبأ آية 38)

إن مقياس الرجال في الإسلام إيمان وخلق.

فمن تمتع بهما فلا يضرُّه أن يملك الدنيا. ولا يَنقصُ من قدره كفاف العيش.

الفقر الشريف:

عرفنا ميزان الرجال في الإسلام.

ف‌

‌هل يمدح الإسلام الفقر

؟

القارئ لبعض النصوص الكريمة يمكن أن يفهم هذا.

وأعداء الإسلام يصورون هذا الدين مُخَدِّراً للفقراء ليصبروا على ذل الفقر.

ونحن نظلم هذا عندما نخطئ فهمه.

ص: 25

إن الإسلام لم يخاصم الدنيا ولم يصدَّ الناسَ عنها كل ما في الأمر أنه لم يأمر المسلمين بحب الدنيا اكتفاء بما في طبيعتهم البشرية من حبها.

أنه لم يأمر الآباء بحب الأبناء اكتفاء بما في فطرة الأب من حب أولاده.

والإسلام يحرص على الاعتدال في طلب الدنيا وفي طلب الآخرة.

قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}

(سورة القصص آية 77)

* * *

ص: 26

وعلينا أن نفهم الفقر الذي امتدحه الإسلام.

إنه - طبعاً - ليس الفقر الناشئ عن الكسل وترك العمل الجاد.... لا.

* إنه فقر ناشئ عن الجهاد في سبيل الله.

إن المشركين جرَّدوا المهاجرين من كل شيء لكي يسمحوا لهم بالهجرة مع النبي صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}

(سورة البقرة آية 274)

هذا نوع من الفقر الذي يحترمه الإسلام والذي

ص: 27

تعنيه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي امتدحت الفقر.

* * *

* ومثل هذا النوع - في التكريم - فقر سببه الوقوف مع الحق.

إن كلمة الحق مرة.

وكم جرَّتْ على أصحابها المتاعبَ ولكنَّها ضريبةُ الإيمان وأمانة الفتوى نوع من كلمة الحق.

* ومن ذلك فقر سببه العفاف عن المحرمات وتحري لقمة العيش الحلال.

كأني بامرأة فقيرة تقول لزوجها (عند خروجه للبحث عن لقمة العيش)

يا فلان.... تحرَّ لقمة العيش الحلال. فنحن نصبر على الجوع ولا نصبر على حرِّ النار.

* * *

ص: 28

فخلف من بعدهم خلف تقاعسوا عن الحياة باسم الدين ورضوا بالهوان باسم التوكل على الله

* إن الجنديَّ المجاهد متوكل على الله

* والزارع المجد متوكل على الله

* والطالب الساهر في المذاكرة متوكل على الله

* والتاجر الصدوق متوكل على الله

فأيُّ تعارضٍ بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله.

أن التوكل على الله قوة للنفس تدفعها للأنتاج قال تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}

(سورة آل عمران آية 159)

وحديث النبي صلى الله عليه وسلم عن التوكل صورة من الحركة الدائمة وليس متّكأً للأحلام.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو توكلتم

ص: 29

على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير.

تغدوا خماصاً.... وتروح بطاناً

فالطير تغدوا وتروح في طلب الرزق.

وهل يطلب من الطير غير ذلك؟

هذا هو التوكل الصحيح

* * *

ومن الطريف أن أحد العلماء لقي رجلاً في طريقه للحج وليس معه زاد

قال له الشيخ: كيف تسافر بلا زاد؟

قال الرجل: أنا متوكل على الله.

قال الشيخ: أتسافر وحدك أم مع القافلة؟

قال الرجل: مع القافلة.

قال الشيخ: بل أنت متوكل على القافلة.

* * *

ص: 30