الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع: التوبة
أولَا: معنى التوبة لغة واصطلاحاً
…
المبحث السابع: التوبة
إن الذنوب والمعاصي لا يسلم أحد منها إلا أن يكون نبياً يعصمه الله عز وجل.
إلا أن الله تبارك وتعالى كما جعل اللقاحات الواقية من الذنوب جعل أيضاً الأدوية الناجعة للشفاء من المرض لمن وقع فيه وهي التوبة، فمن أذنب وعصى فلا يعني ذلك هلاكه، بل عليه أن يعلم أن له رباً كما يأخذ بالذنب ويعاقب به، فإنه يغفر الذنب ويقبل التوبة عن عباده ويتجاوز عن السيئات، بل من كرمه أنه يبدلها حسنات.
قال تعالى {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} الفرقان: 70.
وقد فتح الله تبارك وتعالى باباً للتوبة لا يغلق إلى أن تطلع الشمس من مغربها كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم. 1
وقد كان سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم يقول: “والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة”. 2
ومن لم يتب إلى الله من ذنوبه فهو الظالم لنفسه كما قال تعالى {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} الحجرات49. وهو معرض لسائر الشرور المترتبة على الذنوب.
والله عز وجل قد ربط الفلاح بالتوبة النصوح فقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} التحريم: 8.
1 سيأتي ذكره ص 119.
2 أخرجه. خ. في الدعوات، ب- استغفار النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم والليلة (11/104) .
وقال تعالى {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} النور: 31.
والتوبة وظيفة العمر بمعنى أن الإنسان يجب عليه عند كل معصية توبة، وعند كل تقصير توبة حتى يمحو الله عنه خطيئته، ويكفر عنه سيئته، ويضمن بذلك إن شاء الله رحمة الله ومن لم يلازم التوبة لازمه الذنب، ومن لازمه الذنب أهلكه، وذلك أن بني آدم كما روي “كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون”. 1
وعلى المسلم أن يحذر من التسويف في التوبة بأن يقول سأتوب إذا كبرت “فإن سوف جند من جند إبليس”2، يغرر به الإنسان ويؤمله مع أن الموت والأجل مغيبان عن الإنسان {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوت} لقمان 34.
فعلى المسلم أن يتجنب الذنوب كلها صغيرها وكبيرها فإنها أشأم شيء عليه، وأشر أمر يبتلى به، ولا نجاة له من شرها وبلائها إلا أن يرجع إلى ربه بالتوبة الصادقة، ويسأله غفران ذنبه والتجاوز عن سيئاته، وربنا تبارك وتعالى كريم غفور رحيم، يغفر الذنب العظيم، قال تعالى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} الزمر39.
وعلى المسلم أن يعلم أن للطاعة لذة وحلاوة، وللعودة إلى الله تعالى لذة وحلاوة لا تعادلها لذة المعصية ولا حلاوتها، مع ما فيها من الأجر العظيم، فإن كثيراً من الناس يظن أنه يجد لذة وحلاوة في المعصية التي يفعلها، وحقيقة الحال
1 رواه أنس رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام. أخرجه. ت. القيامة (4/659)، وقال: حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث علي بن مسعدة، وأخرجه. جه. في الزهد (2/1420) ، وحم (3/198) ، والحاكم (4/244)، وقال: صحيح الإسناد، وقال الذهبي: بل فيه لين.
2 رواه الخطيب عن أبي جلدة في اقتضاء العلم العمل ص226.
أنها لذة فيها تنغيص ونشوة كاذبة كنشوة السكران، ومتعاطي المخدرات، إن كان فيهما نشوة وهي عما قليل تنقشع ويعقبها في القلب حسرة، وفي الوجه ظلمة، وفي النفس ذلة ومهانة، هي كافية في بيان قبح المعصية ومن وراء ذلك بعد عن الرحمن، وتسلط للشيطان وعذاب أليم في الدنيا والآخرة إن لم يتب إلى الله عز وجل، ويغفر الله له ذنبه.
فعلى المسلم أن يعزم على توبة صادقة يبتدئها من ساعته، فكم من إنسان نام وما أصبح إلا في الآخرة وكم من إنسان أصبح ولم يأته الليل إلا وهو ملاقي ربه ومعاين جزاء ذنبه.
وللمسلم العاقل عبرة في حوادث كثيرة يسمعها، وأمور كثيرة يعلمها وأناس كثيرين حيل بينهم وبين ما يشتهون يعرفهم اخترمهم هادم اللذات ومفرق الجماعات وأوقفهم من غير رأي منهم ولا مشورة على أعمالهم صغيرها وكبيرها، وعاينوا تفريطهم وتقصيرهم فعضوا لذلك أصابع الندم ولا ينفع الندم قال تعالى {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} . الكهف 49.
لهذا على المسلم أن يلازم التوبة والإنابة إلى الله ليسلم من شرور الذنوب وبلائها، وسنبين في النقاط التالية ما يتعلق بالتوبة من مسائل:
أولاً: معنى التوبة لغة واصطلاحاً:
التوبة في اللغة: الرجوع عن المعصية 1.
أما في الشرع: فالعلماء متفقون على أنها: الإنابة إلى الله والأوبة إلى طاعته مما يكره من معصيته.
1 انظر: القاموس المحيط (ص:79) ، لسان العرب (1/454)، المعجم الوسيط (ص:90) .