المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثالثا: شروط التوبة: - المباحث العقدية المتعلقة بالكبائر ومرتكبها في الدنيا

[سعود بن عبد العزيز الخلف]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ثالثا: شروط التوبة:

‌ثالثا: شروط التوبة:

التوبة الصحيحة هي التي يتوفر فيها ثلاثة شروط عامة 1.

أولها: الندم:

وهو الأسف على وقوع الفعل منه وكرهه بعدما فعله 2.

وحقيقته أن المذنب يدرك أن ما فعله، أو فرط فيه مما لا يجوز له أن يقع منه، فيتحسر على ذلك ويندم أن كان فعل ذلك، ويتمنى أنه لو لم يفعل ذلك، أما إذا لم يندم فذلك دليل على رضاه به وإصراره عليه وهذا ذنب آخر عليه أن يتوب منه، فإن الندم شرط لصحة التوبة، وقد ورد في الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “الندم توبة” 3.

قال السفاريني: “ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم “الندم توبة”، يعني أن أعظم أركانها الندم 4، وهو كقوله عليه الصلاة والسلام “الحج عرفة”.

قال في الزواجر: “ولا بد في الندم أن يكون من حيث المعصية وقبحها وخوف عقابها” 5.

وقال المناوي: “وإنما كان الندم أعظم أركانها، لأن الندم شيء متعلق بالقلب، والجوارح تبع له، فإذا ندم القلب، انقطع عن المعاصي، فرجعت برجوعه الجوارح.

1 انظر: في شروط التوبة مدارج السالكين (1/202) .

2 انظر: المعجم الوسيط (ص:912) .

3 أخرجه حم (1/376) ، جه، كتاب الزهد (2/1420) ، والحاكم في المستدرك (4/243) وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته (2/1150) .

4 انظر: الذخائر لشرح منظومة الكبائر (3/1116) رسالة ماجستير.

5 الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/390) .

ص: 120

ونقل عن الغزالي قوله: أن الندم لتعظيم الله وخوف عقابه، مما يبعث على التوبة النصوح، فإذا ذكر مقدمات التوبة الثلاث، وهي قبح الذنوب وشدة عقوبة الله، وأليم غضبه، وضعف العبد، وقلة حيلته، يندم ويحمله الندم على ترك اختيار الذنب، وتبقى ندامته بقلبه في المستقبل، فتحمله على الابتهال والتضرع، ويجزم بعدم العودة إليه، وبذلك تتم شروط التوبة” 1.

ثانيها: الإقلاع عن الذنب:

الإقلاع عن الذنب والتوقف عن إتيانه هو أظهر معاني التوبة ولا تتضح ولا تصح إلا بالإقلاع عن الذنب أما التوبة مع الإقامة على الذنب والاستمرار فيه فهي كما قال المنذري: هذه توبة الكذابين2.

ومما يدل على وجوب الإقلاع عن الذنب، وأن عدم الإقلاع عن الذنب فيه خطورة عظيمة على دين المسلم ما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه وإن زاد زادت حتى يعلو قلبه ذاك الرين الذي ذكر الله عز وجل في القرآن {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} 3.

فالمصر على الذنب والمقيم عليه إذا لم يكن له توبة صحيحة فيخشى عليه أن يطبع على قلبه فتتعسر عليه ـ نسأل الله العافية ـ، التوبة ويستمر في الانحراف والعصيان حتى يهلك على ذلك.

ثالثها: العزم على أن لا يعود:

هذا من دلالة صحة التوبة وصدقها أن يعزم المذنب على ألا يعود في

1 فيض القدير (6/298) .

2 نقل ذلك عنه الهيثمي في الزواجر (2/389) .

3 أخرجه حم (2/297) و. ت. في التفسير باب: سورة المطففين (5/434) ، وقال حديث حسن صحيح.

ص: 121

ذلك الذنب الذي أذنبه وتاب منه.

رابعها: أن يؤدي الحق إلى أصحابه:

إذا كان الذنب فيه مظلمة لآدمي فإن توبته منه أن يؤدي ذلك الحق لصاحبه أو يتحلله منه، كما قال عليه الصلاة والسلام: “من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه”1.

وكذلك حديث عبد الله بن أنيس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: “يحشر الناس يوم القيامة عراة غرلاً بهماً، قال: قلنا وما بهما؟ قال: ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان، ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق حتى أقصه منه حتى اللطمة، قال: قلنا: كيف وإنا إنما نأتي الله عز وجل عراة غرلاً بهما، قال: بالحسنات والسيآت” 2.

فتدل هذه الأدلة على أن من كان ذنبه فيه اعتداء على أحد من الناس فإن عليه أن يتحلله، فإذا كان مالاً أو نحوه رده إليه، وإن كان عرضاً فيتحلله منه ويطلب مسامحته في الدنيا، وإلا فإن القصاص باق في حقه، وذلك يدل على خطورة الذنوب المتعلقة بحقوق الآدميين.

واختلف العلماء فيما لو كانت المظلمة قدحاً بغيبة أو نميمة هل يشترط في

1 أخرجه. خ. في كتاب المظالم باب: من كانت له مظلمة عند الرجل، انظره مع الفتح (5/121) ، حم (2/506) .

2 أخرجه حم (3/65) ؛ والحاكم في المستدرك (2/438) وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

ص: 122