المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثالثا: النصوص التي ورد فيها قوله عليه الصلاة والسلام “ليس منا - المباحث العقدية المتعلقة بالكبائر ومرتكبها في الدنيا

[سعود بن عبد العزيز الخلف]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ثالثا: النصوص التي ورد فيها قوله عليه الصلاة والسلام “ليس منا

هو الكفر العملي، الذي لا يخرج من الملة1، أو كفراً دون كفر. وهذا أرجح الأقوال في ذلك، وهو الذي عليه كثير من العلماء. 2

1 احترزنا بقولنا (الذي لا يخرج من الملة) ، لأن من الكفر العملي ما يخرج من الملة، كبعض نواقض الإسلام، كالاستهزاء بالله، أو رسوله، أو دينه، وكذلك الصلاة عند كثير من السلف، وكذلك بعض مباني الإسلام الأخرى عند بعض العلماء.

قال ابن القيم رحمه الله: ((الكفر نوعان: كفر عمل، وكفر جحود وعناد، فكفر الجحود أن يكفر بما علم أن الرسول عليه الصلاة والسلام جاء به من عند الله جحوداً أو عناداً – من أسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه.

وهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه، وأما كفر العمل فينقسم إلى ما يضاد الإيمان وإلى ما لايضاده، فالسجود للصنم، والاستهانة بالمصحف، وقتل النبي وسبه يضاد الإيمان. وأما الحكم بغير ما أنزل الله وترك الصلاة فهو من الكفر العملي قطعاً، ولا يمكن أن ينفي عنه اسم الكفر بعد أن أطلقه الله ورسوله عليه، فالحاكم بغير ما أنزل الله كافر، وتارك الصلاة كافر بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هو كفر عمل لا كفر اعتقاد، ومن الممتنع أن يسمي الله سبحانه الحاكم بغير ما أنزل الله كافراً، ويسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم تارك الصلاة كافراً، ولا يطلق عليهما اسم الكفر)) .كتاب الصلاة. ضمن مجموعة الحديث النجدية، ص515.

2 انظر: الإيمان لأبي عبيد ص93، تعظيم قدر الصلاة للمروزي (2/517-529) ، فتح الباري (1/83) ، مجموع الفتاوى (7/350-355) ، مدارج السالكين (1/336) ، التمهيد لابن عبد البر (4/236) ، شرح الطحاوية ص363.

ص: 93

‌ثالثاً: النصوص التي ورد فيها قوله عليه الصلاة والسلام “ليس منا

”:

وردت نصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم يصف فيها مرتكب بعض الذنوب: بأنه ليس منه، ومن هذه النصوص:

حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم “ ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية ” 3.

3 أخرجه. خ- الجنائز ب. ليس منا من شق الجيوب، انظر فتح الباري (3/163) ، م. الإيمان ب. تحريم ضرب الخدود (1/99) .

ص: 93

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:”من حمل علينا السلام فليس منا، ومن غشنا فليس منا” 1.

فهذه النصوص ونحوها للعلماء رحمهم الله أقوال في معناها.

القول الأول: قول من يرى أنها خرجت مخرج التغليظ 2.

القول الثاني: أن المعنى: ليس مثلنا، واستنكر هذا عبد الرحمن بن مهدي والإمام أحمد وغيرهم، وقد قيل للإمام أحمد: إن قوماً قالوا: من غشنا فليس مثلنا، فأنكره وقال:“هذا تفسير مسعر، وعبد الكريم بن أبي أُمية، وكلام المرجئة، وقال: بلغ عبد الرحمن بن مهدي فأنكره، وقال: لو أن رجلاً عمل بكل حسنة أكان يكون مثل النبي صلى الله عليه وسلم؟! ” 3.

واستنكر هذا القول أبو عبيد وقال:“فإني لا أراه، من أجل أنه إذا جعل من فعل ذلك ليس مثل النبي صلى الله عليه وسلم لزمه أن يصير من يفعل ذلك مثل النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فلا فرق بين الفاعل والتارك، وليس للنبي صلى الله عليه وسلم عديل ولا مثل من فاعل ذلك ولا تاركه 4.

القول الثالث: أنه ليس على ديننا الكامل، أي أنه خرج من فرع من فروع الدين، إن كان معه أصله، حكى هذا القول ابن العربي 5.

القول الرابع: أن المراد من ذلك أن من فعل شيئاً من تلك الأفعال فقد تعرض لأن يهجر، ويعرض عنه فلا يختلط بجماعة السنة تأديباً له على استصحابه حالة الجاهلية التي قبحها الإسلام، وهو قول ابن المنير حكاه ابن حجر رحمه الله.

1 أخرجه م، الإيمان، ب قول النبي صلى الله عليه وسلم "من غشنا فليس منا"(1/99) .

2 حكى هذا القول أبو القاسم عبيد بن سلام في الإيمان ص88، وذكره القاضي الباقلاني في التمهيد ص422، وسبق بيان بطلان مثل هذا القول ص 87.

3 السنة للخلال (3/576) .

4 الإيمان لأبي عبيد ض93.

5 انظر فتح الباري (3/164) .

ص: 94

القول الخامس: معنى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بريء من فاعل ذلك، فيكون كأنه توعده بأنه لا يدخل في شفاعته مثلاً، وهذا تفسير ابن حجر حملاً لحديث “ليس منا” على حديث “إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بريئ من الصالقة والحالقة والشاقة” 1.

القول السادس: أن المراد به المستحل للفعل من غير تأويل فإنه يكفر 2.

القول السابع: أن معناه: ليس من أهل الإيمان المستحقين للثواب بلا عقاب، ولهم المولاة المطلقة والمحبة المطلقة وإنما هو بارتكابه لذلك الفعل نقص إيمانه وصار ممن يستحق العقوبة.

قال شيخ الإسلام وهذا: كما يقول من استأجر قوماً ليعملوا عملاً، فعمل بعضهم بعض الوقت، فعند التوفية يصلح أن يقال: هذا ليس منا، فلا يستحق الأجر الكامل، وإن استحق بعضه 3.

القول الثامن: أن هذا من أحاديث الوعيد التي يجب أن نؤمن بما ورد فيها وتمركما جاءت ولا يتكلم في تأويلها حتى يكون ذلك أبلغ في الزجر، وهذا مروي عن الزهري: قال سفيان قال رجل للزهري: يا أبا بكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “ليس منا من لطم الخدود” وما أشبه من الحديث؟ قال سفيان فأطرق الزهري ساعة ثم رفع رأسه فقال:“من الله عز وجل العلم وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم” 4.

1 أخرجه. خ. الجنائز. ب. ما ينهى عن الحلق عند المصيبة، انظر فتح الباري (3/165) .

2 انظر شرح النووي على مسلم (2/108) التمهيد للباقلاني ص422، فتح الباري (3/164) .

3 الفتاوى (19/294) ، وانظر (7/524) .

4 أخرجه الخلال في السنة (3/579) .

ص: 95

وعلى هذا القول الإمام أحمد، فقد روى الخلال عنه أنه سئل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم “من غشنا فليس منا

” قال:“على التأكيد والتشديد، ولا أكفر إلا بترك الصلاة” 1.

قال ابن حجر: والأولى عند كثير من السلف إطلاق لفظ الخبر من غير تعرض لتأويله ليكون أبلغ في الزجر2.

القول التاسع: أن معناها أنه ليس من المطيعين لنا، ولا من المقتدين بنا، ولا من المحافظين على شرائعنا. وقال بهذا أبو عبيد3.

وفسره عبد الرحمن بن مهدي كما عند الخلال بأن معنى “ليس منا” بأنه يكون مثل الجاهلية وعملهم لأن هذه الأعمال ليست من فعل أهل الإسلام إنما هي فعل الجاهلية 4.

فهذه الأقوال فيها تقارب في بيان معنى الحديث، والمستنكر فيها القول الأول والثاني، ما عداهما فإن معناه وفحواه متقارب جداً، والواجب في ذلك إبطال المعنى الفاسد وهو التكفير، أو الخروج من الدين، ثم إثبات اللفظ أو ما يدل عليه والتشديد فيه، ليكون ذلك أبلغ في زجر الفاعل عن الفعل، ونهيه عنه، فإن من علم من المسلمين أن هذا الفعل على غير هديه صلى الله عليه وسلم، وليس على سبيل طاعته، وأهل ولايته، بل هو على سبيل العصاة المنحرفين عن هديه وشريعته، تيقن أن الفعل محرم، وأن صاحبه معرض للعقوبة، التي يستحقها المخالف لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث حذر الله من معصية رسوله ومخالفة أمره، والله أعلم.

1 السنة للخلال (3/579) ، وانظر مسائل الإيمان للقاضي أبي يعلى ص317.

2 فتح الباري (13/24) .

3 الإيمان لأبي عبيد ص92.

4 السنة للخلال (3/578) .

ص: 96