الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هزيمة نور الدين بن جوسلين ثم أسر جوسلين كان جوسلين من أعظم فرسان الفرنج، قد جمع بين الشجاعة وجودة الرأي، وكان نور الدين قد عزم على قصد بلاده، فجمع جوسلين الفرنج، فأكثر، وسار نحو نور الدين، والتقوا، فانهزم المسلمون، وقتل وأسر منهم جمع كثير، وكان من جملة من أسر، السلاح دار، ومعه سلاح نور الدين، فأرسله جوسلين إلى مسعود بن قليج أرسلان، صاحب قونية، وأقسرا، وقال: هذا سلاح زوج ابنتك، وسآتيك بعده بما هو أعظم منه، فعظم ذلك على نور الدين، وهجر الملاذ، وفكر في أمر جوسلين، وجمع التركمان وبذل لهم الوعود إن ظفروا به، إما بإمساك أو بقتل، فاتفق أن جوسلين طلع إلى الصيد، فكبسه التركمان وأمسكوه، فبذل لهم مالاً فأجابوه إلى إطلاقه، فسار بعض التركمان وأعلم أبا بكر ابن الداية نائب نور الدين بحلب، فأرسل عسكراً كبسوا التركمان الذين عندهم جوسلين، وأحضروه إلى نور الدين أسيراً. وكان أسر جوسلين من أعظم الفتوح، وأصيبت النصرانية كافة بأسره، ولما أسر سار نور الدين إلى بلاد جوسلين وقلاعه، فملكها، وهي تل باشر، وعين تاب، وذلوك، وعزاز، وتل خالد، وقورس، والرواندان، وبرج الرصاص، وحصن الباره، وكفر سود، وكفر لاثا، ومرعش، ونهر الجوز، وغير ذلك. في مدة يسيرة. وكان نور الدين كلما فتح منه موضعاً حصنه بما يحتاج إليه من الرجال والذخائر.
ثم دخلت سنة سبع وأربعين وخمسمائة من الكامل في هذه السنة سار عبد المؤمن بن علي إلى بجاية وملكها، وملك جميع ممالك بني حماد، وأخذها من صاحبها يحيى بن العزيز بن حماد، آخر ملوك بني حماد، وكان يحيى المذكور مولعاً بالصيد واللهو، لا ينظر في شيء من أمور مملكته، ولما هزم عبد المؤمن عسكر يحيى، هرب يحيى وتحصن بقلعة قسطنطينية من بلاد بجاية، ثم نزل يحيى إلى عبد المؤمن بالأمان فأمنه، وأرسله إلى بلاد المغرب، وأقام بها، وأجرى عبد المؤمن عليه شيئاً كثيراً. وقد ذكر في تاريخ القيروان: أن مسير عبد المؤمن وملكة تونس وإفريقية إنما كان في سنة أربع وخمسين وخمسمائة.
وفاة السلطان مسعود
بن محمد بن ملكشاه وملك ملكشاه ومحمد، ابني محمود:
وفي هذه السنة، وقيل في أواخر سنة ست وأربعين، في أول رجب، توفي السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه بهمدان، ومولده سنة اثنتين وخمسمائة، في ذي القعدة، ومات معه سعادة البيت السلجوقي، فلم يقم لهم بعده راية يعتد بها، وكان حسن الأخلاق، كثير المزاح والانبساط مع الناس، كريماً، عفيفاً عن أموال الرعايا.
ولما مات عهد بالملك
إلى ابن أخيه ملكشاه بن محمود، فقعد في السلطنة وخطب له، وكان المتغلب على المملكة أميراً يقال له خاص بك، وأصله صبي تركماني اتصل بخدمة السلطان مسعود، فتقدم على سائر أمرائه، ثم إن خاص بك المذكور، قبض على السلطان ملكشاه بن محمود وسجنه، وأرسل إلى أخيه محمد ابن محمود وهو بخورستان، فأحضره وتولى السلطنة، وجلس على السرير، وكان قصد خاص بك، أن يمسكه ويخطب لنفسه بالسلطنة، فبدره السلطان محمد في ثاني يوم وصوله، فقتل خاص بك وقتل معه زنكي الجاندار، وألقى برأسيهما، فتفرق أصحابهما.
فتح دلوك في هذه السنة جمعت الفرنج وساروا إلى نور الدين، وهو محاصر دلوك، فرحل عنها وقاتلهم أشد قتال الناس، وانهزمت الفرنج، وقتل وأسر كثير منهم، ثم عاد نور الدين إلى دلوك فملكها ومما مدح به في ذلك:
أعدت بعصرك هذا الجديد
…
فتوح النبي وأعصارها
وفي تل باشر باشرتهم
…
بزحف تسور أسوارها
وإن دالكتهم دلوك فقد
…
سددت فصدقت أخبارها
ذكر ابتداء ظهور الملوك الغورية وانقراض دولة آل سبكتكتين: أول من اشتهر من الملوك الغورية، أولاد الحسين. وأولهم محمد بن الحسين، وكان قد صاهر بهرام شاه بن مسعود، صاحب غزنة، من آل سبكتكين، وسار محمد بن الحسين المذكور إلى غزنة، تظهر الطاعة لبهرام شاه، ويبطن الغدر، فأمسكه بهرام شاه وقتله. فتولى بعده في ملك الغورية أخوه سودي بن الحسين، وسار إلى غزنة طالباً بثأر أخيه، وجرى القتال بينه وبين بهرام شاه، فظفر بهرام شاه بسودي وقتله أيضاً، وانهزم عسكره.
ثم ملك بعدهما أخوهما علاء الدين الحسين بن الحسين، وسار إلى غزنة، فانهزم عنها صاحبها بهرام شاه، واستولى علاء الدين الحسين على غزنة، وأقام فيها أخاه سيف الدين سام بن الحسين، وعاد علاء الدين الحسين بن الحسين إلى الغور فكاتب أهل غزنة بهرام شاه، فسار إليهم واقتتل مع سيف الدين الغوري، فانتصر بهرام شاه وظفر بسيف الدين سام فقتله، واستقر بهرام شاه في ملك غزنة. ثم توفي بهرام شاه وملك بعده ابنه خسروشاه، وتجهز علاء الدين الحسين ملك الغورية وسار إلى غزنة، في سنة خمسين وخمسمائة، فلما قرب منها فارقها صاحبها خسروشاه بن بهرام شاه، وسار إلى لهاوور وملك علاء الدين الحسين بن الحسين غزنة ونهبها ثلاثة أيام، وتلقب علاء الدين بالسلطان المعظم، وحمل الجتر على عادة السلاطين السلجوقية.
وأقام الحسين على ذلك مدة، واستعمل على غزنة ابني أخبه، وهما غياث الدين محمد بن سام، وأخوه شهاب الدين محمد بن سام. ثم جرى بينهما وبين عمهما علاء
الدين الحسين حرب، انتصر فيه على عمهما وأسراه، ولما أسراه أطلقاه وأجلساه على التخت، ووقفا في خدمته، واستمر عمهما في السلطنة، وزوج غياث الدين بابنته، وجعله ولي عهده، وبقي كذلك إلى أن مات علاء الدين الحسين بن الحسين، في سنة ست وخمسين وخمسمائة، على ما نذكره.
وملك بعده غياث الدين محمد بن سام بن الحسين، وخطب لنفسه في الغور وغزنة بالملك، ثم استولى الغز على غزنة، وملكوها منه مدة خمس عشرة سنة ثم أرسل غياث الدين أخاه شهاب الدين إلى غزنة، فسار إليها وهزم الغز، وقتل منهم خلقاً كثيراً، واستولى على غزنة وما جاورها من البلاد، مثل كرمان وشنوران وماه السند، وقصد لهاوور، وبها يومئذ خسرو شاه بن بهرام شاه السبكتكيني، فملكها شهاب الدين في سنة تسع وسبعين وخمسمائة، بعد حصار، وأعطى خسروشاه الأمان، وحلف له، فحضر خسروشاه عند شهاب الدين بن سام المذكور، فأكرمه شهاب الدين، وأقام خسروشاه على ذلك شهرين، ولما بلغ غياث الدين بن سام ذلك، أرسل إلى أخيه شهاب الدين يطلب منه خسروشاه، فأمره شهاب الدين بالتوجه، فقال خسروشاه: أنا ما أعرف أخاك ولا سلمت نفسي إلا إليك، فطيب شهاب الدين خاطره، وأرسله وأرسل أيضاً ابن خسروشاه مع أبيه إلى غياث الدين، وأرسل معهما عسكراً يحفظونهما، فلما وصلوا إلى الغور، لم يجتمع بهما غياث الدين، بل أمر بهما فرفعا إلى بعض. القلاع، وكان آخر العهد بهما، وخسروشاه المذكور هو ابن بهرام شاه بن مسعود بن إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين، وهو آخر ملوك آل سبكتكين.
وكان ابتداء دولتهم سنة ست وستين وثلاثمائة، وملكوا مائتي سنة وثلاث عشرة سنة تقريباً، فيكون انقراض دولتهم في سنة ثمان وسبعين وخمسمائة. وقدمنا ذلك لتتصل أخبارهم، وكان ملوكهم من أحسن الملوك سيرة، وقيل إن خسروشاه توفي في الملك، وملك بعده ابنه ملكشاه على ما نشير إليه في مواضعه، إن شاء الله تعالى. ولما استقر ملك الغورية بلهاوور، واتسعت مملكتهم وكثرت عساكرهم، كتب غياث الدين إلى أخيه شهاب الدين بإقامة الخطبة له بالسلطنة، وتلقب بألقاب منها: معين الإسلام. قسيم أمير المؤمنين.
ولما استقر ذلك، سار شهاب الدين إلى أخيه غياث الدين، واجتمعا وسار إلى خراسان، وقصدا مدينة هراة وحصراها، وتسلمها غياث الدين بالأمان. ثم سار ومعه شهاب الدين في عساكرهما إلى بوشنج، فملكها ثم عاد إلى باذغيس، وكالين، وبيوار، فملكها.
ثم رجع غياث الدين إلى بلدة فيروزكوه، ورجع أخوه شهاب الدين إلى غزنة، ولما استقر شهاب الدين بغزنة، قصد بلاد الهند وفتح مدينة آجر. ثم عاد إلى غزنة، ثم قصد الهند، فذلل صعابها، وتيسر له فتح الكثير من بلادهم ودوخ ملوكهم، وبلغ منهم ما لم يبلغ أحد من ملوك المسلمين، ولما كثر فتوحه في الهند، اجتمعت الهنود مع ملوكهم في خلق كثير، والتقوا مع شهاب الدين، وجرى بينهم قتال عظيم، فانهزم المسلمون وجرح