الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان الخامس والعشرون من رمضان، وثب عليه نفر من الخرسانية الذين كانوا في خدمته، فقتلوه وهو يريد القيلولة، وكان من أعقاب مرض قد برئ منه، ودفن بظاهر أصفهان بشهرستان، ولما وصل خبر قتل الراشد إلى بغداد، جلسوا لعزائه يوماً واحداً.
ذكر غير ذلك:
في هذه السنة ملك حسام الدين تمرتاش بن أيلغازي صاحب ماردين، قلعة الهتاخ من ديار بكر، أخذها من بعض بني مروان الذين كانوا ملوك ديار بكر جميعها وهو آخر من بقي منهم.
وفيها قتل السلطان مسعود البقش، شحنة بغداد.
وفيها جاءت زلزلة عظيمة بالشام والعراق وغيرهما من البلاد فخربت كثيراً هلك تحت الهدم عالم كثير.
ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة.
الحرب بين السلطان سنجر وخوارزم شاه في هذه السنة في المحرم، شار سنجر بجموعه إلى خوارزم شاه أطسز بن محمد بن أنوش تكين، وقد تقدم ذكر ابتداء أمر محمد بن أنوش تكين في سنة تسعين وأربعمائة. ووصل سنجر إلى خوارزم، وخرج خوارزم شاه لقتاله، واقتتلوا، فانهزم أطسز خوارزم شاه، واستولى سنجر على خوارزم وأقام بها من يحفظها، وعاد إلى مرو في جمادى الآخرة من هذه السنة، وبعد أن عاد سنجر إلى بلاده، عاد أطسز إلى خوارزم واستولى عليها.
قتل محمود صاحب دمشق في هذه السنة في شوال قتل شهاب الدين محمود بن توري بن طغتكين صاحب دمشق، قتله غيلة على فراشه ثلاثة من خواص غلمانه وأقرب الناس منه، كانوا ينامون عنده، فقتلوه وخرجوا من القلعة وهربوا فنجا أحدهم وأخذ الاثنان وصلبا، واستدعى معين الدين أتز أخاه جمال الدين محمد بن توري، وكان صاحب بعلبك فحضر إلى دمشق وملكها.
ذكر ملك زنكي بعلبك في هذه السنة في ذي القعدة، سار عماد الدين زنكي إلى بعلبك، ووصل إليها في العشرين من ذي الحجة وحصرها ونصب عليها أربعة عشر منجنيقاً فطلب أهلها الأمان فأمنهم، وسلموا إليه المدينة، واستمر الحصار على القلعة حتى طلبوا الأمان أيضاً فأمنهم وسلموا إليه القلعة، فلما نزلوا منها وملكها، غدر بهم وأمر بهم فصلبوا عن آخرهم، فاستقبح الناس ذلك واستعظموه، وحذره الناس، وكانت بعلبك لمعين الدين أتز، أعطاه إياها جمال الدين محمد لما ملك دمشق، وكان أتز قد تزوج بأم جمال الدين محمد صاحب دمشق، وكان له جارية يحبها، فأخرجها أتز إلى بعلبك. فلما ملك زنكي بعلبك أخذ الجارية المذكورة
وتزوجها في حلب، وبقيت مع زنكي حتى قتل على قلعة جعبر، فأرسلها ابنه نور الدين محمود بن زنكي إلى أتز وهي كانت أعظم الأسباب في المودة بين نور الدين وأتز.
ذكر غير ذلك في هذه السنة توالت الزلازل بالشام، وخربت كثيراً من البلاد لا سيما حلب. فإن أهلها فارقوا بيوتهم، وخرجوا إلى الصحراء. ودامت من رابع صفر إلى تاسع عشر.
ثم دخلت سنة أربع وثلاثين وخمسمائة.
في هذه السنة سار عماد الدين زنكي إلى دمشق وحصرها، وزحف عليها، وبذل لصاحبها جمال الدين محمد بعلبك وحمص، فلم يأمنوا إليه بسبب غدره بأهل بعلبك، وكان نزوله على داريا في ثالث عشر ربيع الأول، واستمر منازلاً لدمشق، فمرض في تلك المدة جمال الدين محمد بن توري صاحب دمشق ومات، في ثامن شعبان.
فطمع زنكي حينئذ في ملك دمشق وزحف إليها واشتد القتال فلم ينل غرضاً. ولما مات جمال الدين محمد، أقام معين الدين أتز في الملك، ولده مجير الدين أتق بن محمد بن توري بن طغتكين، واستمر أتز يدبر الدولة، فلم يظهر لموت جمال الدين محمد أثر.
ثم رحل زنكي ونزل بعذرا من المرج في سادس شوال وأحرق عدة من قرى المرج ورحل عائداً إلى بلاده.
وفي هذه السنة ملك زنكي شهر زور وأخذها من صاحبها قبجق بن ألب أرسلان شاه التركماني، وبقي في طاعة زنكي، ومن جملة عسكره وفيها قتل المقرب جوهر من كبراء عسكر سنجر، وكان قد عظم في الدولة، وكان من جملة إقطاع المقرب المذكور الري. قتله الباطنية، ووقفوا له في زي النساء؛ واستغثن به، فوقف يسمع كلامهم فقتلوه.
وفيها توفي هبة الله بن الحسين بن يوسف المعروف بالبديع الإسطرلابي، وكانت له اليد الطولى في عمل الإسطرلاب والآلات الفلكية، وله شعر جيد؛ وأكثره في الهزل.
ثم دخلت سنة خمس وثلاثين وخمسمائة. في هذه السنة وصل رسول السلطان سنجر ومعه بردة النبي صلى الله عليه وسلم والقضيب، وكانا أخذا من المسترشد، فأعادهما الآن إلى المقتفي.
وفي هذه السنة ملك الإسماعيلية حصن مصياف بالشام، وكان واليه مملوكاً لبني منقذ صاحب شيزر فاحتال عليه الإسماعيلية ومكروا به حتى صعدوا إليه وقتلوه وملكوا الحصن.
وفيها توفي الفتح بن محمد بن عبيد الله بن خاقان، قتيلاً في فندق بمراكش، وكان فاضلاً في الأدب، وألف عدة كتب منها: قلائد العقيان، ذكر فيه عدة من الفضلاء وأشعارهم، ولقد أجاد فيه.
ثم دخلت سنة ست وثلاثين وخمسمائة. في هذه السنة في المحرم، وقيل في صفر كان المصاف العظيم بين الترك الكفار من الخطا وبين السلطان سنجر. فإن خوارزم شاه أطسز بن محمد لما هزمه سنجر وقتل ولد أطسز، عظم ذلك عليه، وكاتب الخطا وأطمعهم
في ملك ما وراء النهر فساروا في جمع عظيم، وسار إليهم السلطان سنجر في جمع عظيم، والتقوا بما وراء النهر، فانهزم عسكر سنجر، وقتل منهم خلق عظيم، وأسرت امرأة سنجر، ولما تمت الهزيمة على المسلمين، سار خوارزم شاه أطسز إلى خراسان، ونهب أموال سنجر، ومن بلادها شيئاً كثيراً، واستقرت دولة الخطا والترك الكفار بما وراء النهر.
ثم دخلت سنة سبع وثلاثين وخمسمائة. في هذه السنة بعث عماد الدين زنكي جيشاً ففتحوا قلعة أشب، وكانت من أعظم حصون الأكراد الهكارية وأمنعها، ولما ملكها زنكي أمر بإخرابها وبناء القلعة المعروفة بالعمادية عوضاً عنها، وكانت العمادية حصنا عظيماً خراباً، فلما عمره عماد الدين زنكي سمي العمادية نسبه إليه.
وفيها سارت الفرنج في البحر من صقلية إلى طرابلس الغرب، فحصروها ثم عادوا عنها. وفيها توفي محمد بن الدانشمند صاحب ملطية والثغر، واستولى على بلاده الملك مسعود بن قليج أرسلان السلجوقي صاحب قونية.
ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة في هذه السنة كان الصلح بين السلطان مسعود وبين عماد الدين زنكي. وفيها سار زنكي بعساكره إلى ديار بكر، ففتح منها طنزة واستعرد، وحيزان وحصن الروق، وحصن قطليس وحصن باتاسا وحصن ذي القرنين، وأخذ من بلد ماردين مما هو بيد الفرنج، جملين والموزر وتل موزر من حصون شنحتان.
وفيها سار السلطان سنجر بعسكره إلى خوارزم، وحصر أطسز بها، فبذل خوارزم شاه أطسز الطاعة، فأجابه سنجر إلى ذلك واصطلحا، وعاد سنجر إلى مرو.
وفيها ملك زنكي عانة من أعمال الفرات.
وفيها قتل داود ابن السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه، قتله جماعة اغتالوه ولم يعرفوا.
وفيها توفي أبو القاسم محمود بن عمر النحوي الزمخشري، ولد في رجب سنة سبع وستين وأربعمائة. وهو من زمخشر، قرية من قرى خوارزم. كان إماماً في العلوم، صنف المفصل في النحو والكشاف في التفسير، وجهر القول فيه بالاعتزال، وافتتحه بقوله: الحمد لله الذي خلق القرآن منجماً. ثم أصلحه أصحابه فكتبوا: الحمد لله الذي أنزل القرآن. وله غير ذلك من المصنفات، فمنها: كتاب الفائق في غريب الحديث. وقدم الزمخشري بغداد وناظر بها، ثم حج وجاور بمكة سينين كثيرة، فسمي لذلك جار الله. وكان حنفي الفروع، معتزلي الأصول، وللزمخشري نظم حسن، فمنه من جملة أبيات:
فإنا اقتصرنا بالذين تضايقت
…
عيونهم والله يجزي من اقتصر
مليح ولكن عنده كل جفوة
…
ولم أر في الدنيا صفاءً بلا كدر
ومن شعره يرثي شيخه أبا مضر منصوراً:
وقائلة ما هذه الدرر التي
…
تساقط من عينيك سمطين سمطين
فقلت لها الدر الذي كان قد حشا
…
أبو مضر أذني تساقط من عيني
ثم دخلت سنة تسع وثلاثين وخمسمائة في هذه السنة فتح عماد الدين زنكي الرها من الفرنج بالسيف بعد حصار ثمانية وعشرين يوماً. ثم تسلم مدينة سروج وسائر الأماكن التي كانت بيد الفرنج شرقي الفرات، وأما البيرة فنزل علمها وحاصرها، ثم رحل عنها بسبب قتل نائبه بالموصل وهو نصير الدين جقر. وسبب قتله: أنه كان عند زنكي، ألب أرسلان ابن السلطان محمود بن محمد السنجوقي، وكان زنكي يقول: إن البلاد التي بيدي إنما هي لهذا الملك. ألب أرسلان المذكور، وأنا أتابكه، ولهذا أسمى أتابك زنكي، وكان ألب أرسلان المذكور بالموصل، وجقر يقوم بوظائف خدمته، فحسن بعض المناحيس لألب أرسلان المذكور قتل جقر وأخذ البلاد من عماد الدين زنكي، فلما دخل جقر إلى ألب أرسلان على عادته، وثب عليه من عند ألب أرسلان فقتلوه، فاجتمعت كبراء دولة زنكي وأمسكوا ألب أرسلان ولم يطعه أحد. ولما بلغ زنكي ذلك وهو محاصر للبيرة، عظم عليه قتل جقر، وخشي من الفتن، فرحل عن البيرة لذلك.
وخشي الفرنج الذين بها من معاودة الحصار، وعلموا بضعفهم عن عماد الدين فراسلوا نجم الدين صاحب ماردين وسلموا البيرة إليه وصارت للمسلمين.
وفيها خرج أسطول الفرنج من صقلية إلى ساحل إفريقية، وملكوا مدينة برسك، وقتلوا أهلها، وسبوا الحريم.
وفيها توفي تاشفين بن علي بن يوسف بن تاشفين صاحب المغرب، وولي بعده أخوه إسحاق ابن علي، وضعف أمر الملثمين وقوي عبد المؤمن، وقد تقدم ذكر ذلك في سنة أربع عشرة وخمسمائة.
ثم دخلت سنة أربعين وخمسمائة. فيها هرب علي بن دبيس بن صدقة من السلطان مسعود، وكان قد أراد حبسه في قلعة تكريت، فهرب إلى الحلة واستولى عليهما، وكثر جمعه وقويت شوكته.
وفيها اعتقل الخليفة المقتفي أخاه أبا طالب، وضيق عليه، وكذلك احتاط على غيره من أقاربه.
وفيها ملك الفرنج شنترين وتاجر وماردة وأشبونة وسائر المعاقل المجاورة لها من بلاد الأندلس.
وفيهما توفي مجاهد الدين بهروز، وحكم في العراق نيفاً وثلاثين سنة وكان بهروز خصياً أبيض.
وفيها توفي الشيخ أبو منصور، مرهوب بن أحمد الجواليقي اللغوي ومولده في ذي الحجة سنة خمس وستين وأربعمائة، أخذ اللغة عن أبي زكريا التبريزي، وكان يؤم بالخليفة المقتفي، وكان طويل الصمت كثير التحقيق، لا يقول الشيء إلا بعد فكر كثير. وكان يقول إذا سئل لا أدري، وأخذ العلم عنه جماعة منهم تاج الدين أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي، ومحب الدين أبو البقا، وعبد الوهاب بن سكينه.
وفيها توفي أبو بكر يحيى بن عبد الرحمن بن بقي الأندلسي القرطبي الشاعر المشهور صاحب الموشحات البديعة، ومن شعره ما أورده في قلائد العقيان: