الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خاف من ذلك وكاتب الإمبراطور ملك الفرنج في أن يقدم إلى عكا ليشغل سر أخيه المعظم عما هو فيه، ووعد الإمبراطور بأن يعطيه القدس، فسار الإمبراطور إلى عكا، فبلغ المعظم ذلك، فكاتب أخاه الأشرف واستعطفه.
وفي هذه السنة انتزع الأتابك طغريل، الشغر وبكاس من الملك الصالح أحمد ابن. الملك الظاهر، وعوضه عنها بعينتاب والراوندان.
وفيها سار الحاجب حسام الدين علي، نائب الملك الأشرف بخلاط، بعساكر الملك الأشرف إلى بلاد جلال الدين، واستولى على خوى وسلماس ونقجوان.
ذكر وفاة الملك المعظم صاحب دمشق في هذه السنة في ذي القعدة، توفي الملك المعظم عيسى ابن الملك العادل أيي بكر بن أيوب بقلعة دمشق، بالدوسنطاريا، وعمره تسع وأربعون سنة، وكانت مدة ملكه دمشق تسع سنين وشهوراً وكان شجاعاً، وكان عسكره في غاية التجمل، وكان يجامل أخاه الملك الكامل ويخطب له ببلاده، ولا يذكر اسمه معه، وكان الملك المعظم قليل التكلف جداً، في غالب الأوقات لا يركب بالسناجق السلطانية، وكان يركب وعلى رأسه كلوته صفراء، بلا شاش، ويتخرق الأسواق من غير أن يطرق بين يديه كما جرت عادة الملوك، ولما كثر مثل هذا منه، صار، الإنسان إذا فعل أمراً لا يتكلف له، يقال قد فعله بالمعظمي، وكان عالماً فاضلاً في الفقه والنحو وكان شيخه في النحو تاج الدين زيد بن الحسن الكندي، وفي الفقه جمال الدين الحصيري، وكان حنفياً متعصباً لمذهبه، وخالف جميع أهل بيته فإنهم كانوا شافعية، ولما توفي الملك المعظم ترتب في مملكته وأعمالها بعده ولده الملك الناصر صلاح الدين داود، وقام بتدبير مملكته مملوك والده وأستاذ داره الأمير عز الدين أيبك المعظمي، وكان لأيبك المذكور صرخد.
ذكر وفاة ملك المغرب
وأخبار الذين تملكوا بعده
وفي هذه السنة خلع العادل عبد الله بن يعقوب، المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن، وقد تقدم ذكر ولايته في سنة عشرين وستمائة، بعد خلع عبد الواحد وقتله. وفي أيام العادل عبد الله المذكور، كانت الوقعة بين المسلمين والفرنج بالأندلس على طليطلة، انهزمت فيها المسلمون هزيمة قبيحة، وهذه الوقعة هي التي هدت دعائم الإسلام بالأندلس، ولما خلع عبد الله العادل المذكور، حبس ثم خنق، ونهب المصموديون قصره بمراكش، واستباحوا حرمه.
ثم ملك بعده يحيى بن محمد الناصر بن يعقوب المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن، ويحيى يومئذ ما خط عذاره، ولما تمت بيعة يحيى وصل الخبر أنه قد قام بإشبيلية إدريس بن يعقوب المنصور، وهو أخو العادل عبد الله، وتلقب إدريس بالمأمون، وجميعهم كانوا يتلقبون بأمير المؤمنين، وتعقد البيعة لهم بالخلافة، ولما استقر أمر إدريس المأمون المذكور في إشبيلية،
ثارت جماعة من أهل مراكش، وانضم إليهم العرب ووثبوا على يحيى بن محمد الناصر بمراكش، فهرب يحيى إلى الجبل، ثم اتصل بعرب المعقلي فغدروا به وقتلوه، وخطب للمأمون إدريس في مراكش، واستقر أمره في الخلافة بالبرين، بر الأندلس وبر العدوة.
ثم خرج على المأمون إدريس المذكور بشرق الأندلس، المتوكل بن هود، واستولى على الأندلس، ففارق إدريس الأندلس وسار من إشبيلية وعبر البحر ووصل إلى مراكش، وخرجت الأندلس حينئذ عن ملك بني عبد المؤمن، ولما استقر المأمون إدريس في ملك مراكش تتبع الخارجين على من تقدمه من الخلفاء، فقتلهم عن آخرهم، وسفك دماء كثيرة، حتى سموه لذلك حجاج المغرب، وكان المأمون إدريس المذكور فصيحاً عالماً بالأصول والفروع، ناظماً ناثراً، أمر بإسقاط اسم مهديهم ابن تومرت من الخطبة على المنابر، وعمل في ذلك رسالة طويلة، أفصح فيها بتكذيب مهديهم المذكور، وضلاله، ثم ثار على إدريس المذكور أخوه، بسبتة، فسار إدريس من مراكش إليه وحصره بسبتة، ثم بلغ إدريس وهو محاصر سبتة أن بعض أولاد محمد الناصر بن يعقوب المنصور قد دخل إلى مراكش، فرحل إدريس عن سبتة وسار إلى مراكش فمات في الطريق، بين سبتة ومراكش.
ولما مات المأمون إدريس، ملك بعده ابنه عبد الواحد بن المأمون إدريس، وتلقب المذكور بالرشيد، ثم توفي الرشيد عبد الواحد بن المأمون إدريس بن يعقوب المنصور ابن يوسف بن عبد المؤمن غريقاً في صهريج بستان له، بحضرة مراكش، في سنة أربعين وستمائة، وكان الرشيد عبد الواحد المذكور حسن السياسة، وكان أبوه إدريس قد أبطل اسم مهديهم من الخطبة، فأعاده عبد الواحد المذكور، وقمع العرب، إلا أنه تخلى للذاته لما استقر أمره، ولم يخطب للرشيد عبد الواحد المذكور بإفريقية، ولا بالمغرب الأوسط.
ولما مات الرشيد عبد الواحد المذكور، ملك بعده أخوه علي بن إدريس، وتلقب بالمعتضد أمير المؤمنين، وكان أسود اللون، وكان مدحوضاً في حياة والده، وسجنه في بعض الأوقات، وقدم عليه أخاه الصغير عبد الواحد المذكور، واستمر المعتضد علي بن إدريس المذكور حتى قتل وهو محاصر قلعة بالقرب من تلمسان، في صفر من سنة ست وأربعين وستمائة.
ثم ملك بعد المعتضد الأسود المذكور، أبو حفص عمر بن أبي إبراهيم بن يوسف، في شهر ربيع الآخر من سنة ست وأربعين وستمائة، وتلقب بالمرتضي، وفي الحادي والعشرين من المحرم سنة خمس وستين وستمائة، دخل الواثق أبو العلا إدريس المعروف بأبي دبوس مراكش، وهرب المرتضي إلى أزمور من نواحي مراكش فقبض عليه عامله بها، وبعث إلى الواثق بذلك، فأمره الواثق بقتله، فقتله في العشر الأخير من شهر ربيع الآخر من سنة خمس وستين وستمائة، بموضع يقال له كتامة، بعده عن مراكش ثلاثة أيام. وأقام الواثق أبو دبوس ثلاث سنين وقتل في
الحروب التي كانت بينه وبين بني مرين ملوك تلمسان، وانقرضت دولة بني عبد المؤمن، وكان قتل الواثق أبي دبوس المذكور في المحرم سنة ثمان وستين وستمائة بموضع بينه وبين مراكش مسيرة ثلاثة أيام في جهتها الشمالية، واستولى بنو مرين على ملكهم، وقد حصل الاختلاف في نسب أبي دبوس فإني وجدت في بعض الكتب المؤلفة في هذا الفن، أن أبا دبوس، هو ابن إدريس المأمون، ثم وجدت نسبه في وفيات الأعيان أنه هو نفسه اسمه إدريس بن عبد الله بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
ثم دخلت سنة خمس وعشرين وستمائة في هذه السنة أرسل الملك الكامل صاحب مصر، يطلب من ابن أخيه الملك الناصر داود ابن الملك المعظم صاحب دمشق، حصن الشوبك، فلم يعطه الملك الناصر ذلك، ولا أجابه إليه، فسار الملك الكامل من مصر في هذه السنة في رمضان إلى الشام، ونزل على تل العجول بظاهر غزة، وولى على نابلس والقدس وغيرهما من بلاد ابن أخيه الملك الناصر داود المذكور، صاحب دمشق حينئذ، وكان صحبة الملك الكامل الملك المظفر محمود ابن السلطان الملك المنصور صاحب حماة، وهو موعود من الملك الكامل أنه ينتزع حماة من أخيه الناصر قليج أرسلان ابن الملك المنصور، ويسلمها إليه، ولما قصد الملك الكامل انتزاع بلاد الملك الناصر ابن المعظم صاحب دمشق، استنجد الناصر داود بعمه الملك الأشرف، وأرسل إليه وهو ببلاده الشرقية، فقدم الملك الأشرف إلى دمشق ودخل هو والناصر داود إلى قلعة دمشق راكبين، قال القاضي جمال الدين بن واصل: كنت إذ ذاك حاضراً بدمشق، ورأيت الملك الأشرف راكباً مع ابن أخيه، وعلى رأس الملك الأشرف شاش علم كبير، ووسطه مشدود بمنديل، وكان وصول الأشرف إلى دمشق في العشر الأخير من رمضان من هذه السنة، ووصل إلى خدمته بدمشق الملك المجاهد شركوه، فإنه كان من المنتمين إلى الملك الأشرف، ثم وقع الاتفاق أن يسير الناصر داود وشيركوه مع الملك الأشرف إلى نابلس، فيقيم الناصر داود بنابلس، ويتوجه الملك الأشرف إلى أخيه الكامل إلى غزة شافعاً في ابن أخيهما الناصر داود، ففعلوا ذلك، ولما وصل الملك الأشرف إلى أخيه الكامل، وقع اتفاقهما في الباطن على أخذ دمشق من ابن أخيهما الناصر داود، وتعويضه عنها بحران والرها والرقة من بلاد الملك الأشرف، وأن تستقر دمشق للملك الأشرف، ويكون له إلى عقبة أفيق وما عدا ذلك من بلاد دمشق، يكون للملك الكامل، وأن ينتزع حماة من الملك الناصر قليج أرسلان، ويعطي الملك المظفر محمود ابن الملك المنصور، وأن ينتزع سلمية من المظفر محمود، وكانت إقطاعه، لما كان مقيماً بمصر عند الملك الكامل، ويعطي لشيركوه صاحب حمص، وخرجت السنة والأشرف عند