المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر مسير السلطان الملك الناصر يوسف صاحب الشام إلى الديار المصرية - المختصر في أخبار البشر - جـ ٣

[أبو الفداء]

فهرس الكتاب

- ‌وقتلهم وحصر الفرنج دمشق:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌وبين عماد الدين زنكي:

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث

- ‌وأسر الخليفة وقتله:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌وهو حادي ثلاثينهم

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌ومقتله:

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث

- ‌وحال مملكة بني باديس

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث:

- ‌وولاية الظافر:

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث:

- ‌بن محمد بن ملكشاه وملك ملكشاه ومحمد، ابني محمود:

- ‌وهزيمة السلطان سنجر منهم، وأسره:

- ‌وأخبار بني منقذ أصحاب شيزر إلى أن ملك نور الدين شيزر:

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث:

- ‌وما كان منه إلى أن قتل

- ‌خلافة المستنجد

- ‌حرسها الله تعالى:

- ‌وقتل شاور

- ‌وفاة المستنجدخلافة المستضيء

- ‌وهو ثالث ثلاثينهم:

- ‌ذكر وفاة المستضيءخلافة الإمام الناصر

- ‌وهو رابع ثلاثينهم:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌خلافة الظاهر

- ‌خلافة المستنصر

- ‌وأخبار الذين تملكوا بعده

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌صاحب اليمن ابن الملك الكامل ابن الملك العادل بن أيوب:

- ‌نائب الملك الأشرف بخلاط وقتله:

- ‌الاستيلاء على حماةذكر استيلاء الملك المظفر محمود ابن الملك المنصور محمد على حماة:

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌ذكر استيلاء الملك العزيز محمد بن الظاهر صاحب حلب على شيزر

- ‌غير ذلك من الحوادث:

- ‌ملك بلاد الروم:

- ‌ووفاته، وما يتعلق بذلك:

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌والقبض على أخيه الملك العادل صاحب مصر، وملك الملك الصالح أيوب ديار

- ‌وغيرها

- ‌وهي والدة الملك العزيز:

- ‌المستعصم بالله

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث

- ‌على القصب واستيلاء الصالح أيوب على بعلبك:

- ‌ونزول الملك الصالح أشمون طناخ:

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌ذكر مسير السلطان الملك الناصر يوسف صاحب الشام إلى الديار المصرية

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌صاحب الشام ابن الملك العزيز:

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث

- ‌وانقراض الدولة العباسية:

- ‌الدولة الإسلامية بعد بني العباسذكر الوقعة بين المغيث صاحب الكرك وعسكر مصر

- ‌ذكر وفاة الناصر داود

- ‌ذكر وفاة الصاحبة غازية خاتونوالدة الملك المنصور صاحب حماة:

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث

- ‌ذكر وفاة بدر الدين صاحب الموصل

- ‌منازلة الملك الناصر يوسف صاحب الشام والكرك

- ‌ذكر سلطنة قطز

- ‌ذكر مولد الملك المظفر محمودبن الملك المنصور صاحب حماة:

- ‌ذكر قصد هولاكو الشام

- ‌ذكر ما كان من الملك الناصر عند قصد التتر حلب

- ‌ذكر استيلاء التتر على حلب وعلى الشام جميعهومسير الملك الناصر عن دمشق، ووصول عساكره إلى مصر، وانفراد الملك الناصر

- ‌ذكر غير ذلك من أحوال حماةوأحوال الملك الناصر بعد أخذ حلب:

- ‌ذكر استيلاء التتر على قلعة حلبوالمتجددات بالشام:

- ‌ذكر استيلاء التتر على ميافارقينوقتل الملك الكامل صاحبها:

- ‌ذكر اتصال الملك الناصر بالتترواستيلائهم على عجلون وغيرها من قلاع الشام:

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌ذكر هزيمة التتر وقتل كتبغا

- ‌ذكر عود الملك المظفر قطز إلى جهة الديار المصريةمقتله:

- ‌ذكر سلطنة بيبرس البندقداري المذكور

- ‌ذكر إعادة عمارة قلعة دمشق

- ‌ذكر سلطنة الحلبي بدمشق

- ‌ذكر قبض عسكر حلب على الملك السعيدابن صاحب الموصل وعود التتر إلى الشام:

- ‌ذكر كسرة التتر على حمص

- ‌ذكر القبض على سنجر الحلبيالملقب بالملك المجاهد

- ‌ذكر خروج البرليعن طاعة الملك الظاهر بيبرس واستيلائه على حلب:

- ‌ذكر مقتل الملك الناصر يوسف

- ‌ذكر مبايعة شخص بالخلافة وإثبات نسبه

- ‌ذكر مسير الملك الظاهر إلى الشام

- ‌ذكر حضور الملك المغيث صاحب الكركوقتله واستيلاء الملك الظاهر بيبرس على الكرك:

- ‌ذكر الإغارة على عكا وغيرها

- ‌ذكر القبض على من يذكر

- ‌ذكر وفاة الأشرف صاحب حمص

الفصل: ‌ذكر مسير السلطان الملك الناصر يوسف صاحب الشام إلى الديار المصرية

فلما وصل إلى غزة، اندفع من كان بها من جهة الناصر بين يديه.

ذكر تخريب دمياط وفي هذه السنة، اتفق آراء أكابر الدولة، وهدموا سور دمياط، في العشر الأخير من شعبان هذه السنة، لما حصل للمسلمين عليها من الشدة مرة بعد أخرى، وبنوا مدينة بالقرب منها في البر، وسموها المنشية، وأسوار دمياط التي هدمت من عمارة المتوكل الخليفة العباسي.

ذكر القبض على الناصر داود وفي هذه السنة مستهل شعبان، قبض الناصر يوسف، صاحب دمشق وحلب، علي الناصر داود، الذي كان صاحب الكرك، وبعث به إلى حمص، فاعتقل بها، وذلك لأشياء بلغت الناصر يوسف عن المذكور، خاف منها.

مسير الملك الناصر يوسف إلى الديار المصرية

‌ذكر مسير السلطان الملك الناصر يوسف صاحب الشام إلى الديار المصرية

وكسرته:

وفي هذه السنة سار الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن الملك العزيز، بعساكره من دمشق، وصحبته من ملوك أهل بيته، الصالح إسماعيل بن العادل بن أيوب، والأشرف موسى صاحب حمص، وهو حينئذ صاحب تل باشر والرحبة وتدمر والمعظم توران شاه ابن السلطان صلاح الدين، وأخو المعظم المذكور نصرة الدين، والأمجد حسن، والظاهر شاذي ابنا الناصر داود ابن الملك المعظم عيسى ابن العادل ابن أيوب، وتقي الدين عباس ابن الملك العادل بن أيوب، ومقدم الجيش شمس الدين لؤلؤ الأرمني، وإليه تدبير المملكة، فرحلوا من دمشق يوم الأحد منتصف رمضان من هذه السنة، ولما بلغ المصريين ذلك، اهتموا لقتاله ودفعه، وبرزوا إلى السائح وتركوا الأشرف المسمى بالسلطان بقلعة الجبل، وأفرج أيبك التركماني حينئذ عن ولدي الصالح إسماعيل، وهما المنصور إبراهيم، والملك السعيد عبد الملك، ابنا الصالح إسماعيل، وكانا معتقلين من حين استيلاء الملك الصالح أيوب على بعلبك، وخلع عليهما ليتوهم الناصر يوسف صاحب دمشق، من أبيهما الصالح إسماعيل، والتقى العسكران المصري والشامي بالقرب من العباسة، في يوم الخميس عاشر ذي العقدة من هذه السنة، فكانت الكسرة أولاً على عسكر مصر، فخامر جماعة من المماليك الترك العزيزية، على الملك الناصر صاحب دمشق، وثبت المعز أيبك التركماني في جماعة قليلة من البحرية، فانضاف جماعة من العزيزية مماليك والد الملك الناصر إلى أيبك التركماني، ولما انكسر المصريون وتبعتهم العساكر الشامية، ولم يشكوا في النصر، بقي الملك الناصر تحت السناجق السلطانية مع جماعة يسيرة من المتعممين لا يتحرك من موضعه، فحمل المعز التركماني بمن معه عليه، فولى الملك الناصر

ص: 184

منهزماً طالباً جهة الشام، ثم حمل أيبك التركماني المذكور على طلب شمس الدين لؤلؤ، فهزمهم وأخذ شمس الدين لؤلؤ أسيراً، فضربت عنقه بين يديه، وكذلك أسر الأمير ضياء الدين القيمري، فضربت عنقه، وأسر يومئذ الملك الصالح إسماعيل، والأشرف صاحب حمص، والمعظم توران شاه بن صلاح الدين بن أيوب، وأخوه نصرة الدين، ووصل عسكر الملك الناصر في إثر المنهزمين إلى العباسة، وضربوا بها دهليز الملك الناصر، وهم لا يشكون أن الهزيمة تمت على المصريين، فلما بلغهم هروب الملك الناصر، اختلفت آراؤهم، فمنهم من أشار بالدخول إلى القاهرة وتملكها، ولو فعلوه لما كان بقي مع أيبك التركماني من يقاتلهم به، وكان هرب، فإن غالب المصريين المنهزمين وصلوا إلى الصعيد، ومنهم من أشار بالرجوع إلى الشام، وكان معهم تاج الملوك ابن المعظم، وهو مجروح، وكانت الواقعة يوم الخميس، ووصل المنهزمون من المصريين إلى القاهرة في غد الوقعة نهار الجمعة، فلم يشك أهل مصر في ملك الملك الناصر ديار مصر، وخطب له في الجمعة المذكورة بقلعة الجبل، وبمصر، وأما القاهرة فلم يقم فيها في ذلك النهار خطبة لأحد، ثم وردت إليهم البشرى بانتصار البحرية، ودخل أيبك التركماني والبحرية إلى القاهرة يوم السبت ثاني عشر ذي القعدة، ومعه الصالح إسماعيل تحت الاحتياط، وغيره من المعتقلين، فحبسوا بقلعة الجبل، وعقيب ذلك أخرج أيبك التركماني أمين الدولة، وزير الصالح إسماعيل، وأستاذ داره يغمور، وكانا معتقلين من حين استيلاء الصالح أيوب على بعلبك، فشنقهما على باب قلعة الجبل رابع عشر ذي القعدة، وفي ليلة الأحد السابع والعشرين من ذي القعدة، هجم جماعة على الملك الصالح عماد الدين إسماعيل ابن الملك العادل بن أيوب، وهو يمص قصب سكر، وأخرجوه إلى ظاهر قلعة الجبل من جهة القرافة، فقتلوه ودفن هناك، وعمره قريب من خمسين سنة، وكانت أمه رومية من خطايا الملك العادل.

وفي هذه السنة بعد هزيمة الملك الناصر صاحب الشام، سار فارس الدين أقطاي بثلاثة آلاف فارس إلى غزة، فاستولى عليها ثم عاد إلى الديار المصرية.

ذكر قتل صاحب اليمن

وفي هذه السنة، وثب على الملك المنصور عمر صاحب اليمن، جماعة من مماليكه فقتلوه، وهو عمر بن علي بن رسول، وكان والده علي بن رسول، أستاذ دار الملك المسعود ابن السلطان الملك الكامل، فلما سار الملك المسعود قاصداً الشام ومات بمكة على ما تقدم ذكره، استناب أستاذ داره علي بن رسول المذكور باليمن، فاستقر نائباً بها لبني أيوب، وكان لعلي المذكور إخوة، فأحضروا إلى مصر وأخذوا رهائن خوفاً من تغلب علي بن رسول على اليمن، واستمر المذكور نائباً باليمن حتى مات، قبل سنة ثلاثين

ص: 185

وستمائة، واستولى على اليمن بعده ولده عمر بن علي لمذكور، على ما كان عليه أبوه من النيابة، فأرسل من مصر أعمامه ليعزلوه ويكونوا نواباً موضعه، فلما وصلوا إلى اليمن، قبض عمر المذكور عليهم واعتقلهم، واستقل عمر المذكور بملك اليمن يومئذ، وتلقب بالملك المنصور، واستكثر من المماليك الترك، فقتلوه في هذه السنة أعني سنة ثمان وأربعين وستمائة.

واستقر بعده في ملك اليمن ابنه يوسف بن عمر، وتلقب بالملك المظفر، وصفا له ملك اليمن، وطالت أيام مملكته على ما سنعلمه إن شاء الله تعالى.

ثم دخلت سنة تسع وأربعين وستمائة.

فيها توفي الصاحب محي الدين بن مطروح، وكان متقدماً عند الملك الصالح أيوب، كان يتولى له لما كان الصالح بالشرق ينظر الجيش، ثم استعمله على دمشق، ثم عزله وولى ابن يغمور، وكان ابن مطروح المذكور فاضلاً في النثر والنظم، فمن شعره: عانقته فسكرت من طيب الشذا غصن رطيب بالنسيم قد اغتذا

نشوان ما شرب المدام وإنما

أضحى بخمر رضابه متنبذا

جاء العذول يلومني من بعدما

أخذ الغرام علي فيه مأخذا

لا أرعوي لا أنثني لا أنتهي

عن حبه فليهذ فيه من هذى

إن عشت عشت على الغرام وإن أمت

وجداً به وصبابة يا حبذا

وفيها جهز الملك الناصر يوسف صاحب الشام عسكراً إلى غزة، وخرج المصريون إلى السائح، وأقاموا كذلك حتى خرجت هذه السنة.

وفيها توفي علم الدين قيصر بن أبي القاسم بن عبد الغني بن مسافر، الفقيه الحنفي المقرئ المعروف بتعاسيف، وكان إماماً في العلوم الرياضية، اشتغل بالديار المصرية والشام، ثم سار إلى الموصل، وقرأ على الشيخ كمال الدين موسى بن يونس علم الموسيقى، ثم عاد إلى الشام وتوفي بدمشق في شهر رجب من السنة المذكورة، ومولده سنة أربع وسبعين وخمسمائة بأصفون، من شرقي صعيد مصر.

ثم دخلت سنة خمسين وستمائة ولم يقع لنا فيها ما يصلح أن يؤرخ.

ثم دخلت سنة إحدى وخمسين وستمائة فيها استقر الصلح بين الملك الناصر يوسف صاحب الشام، وبين البحرية بمصر، على أن يكون للمصريين إلى نهر الأردن، وللملك الناصر ما وراء ذلك، وكان نجم الدين البادراي رسول الخليفة، هو الذي حضر من جهة الخليفة، وأصلح بينهم على ذلك، ورجع كل منهم إلى مقره.

وفيها قطع أيبك التركماني خبر حسام الدين بن أبي علي الهذباني، فطلب دستوراً، فأعطيه، وسار إلى الشام، فاستخدمه الملك الناصر يوسف بدمشق.

ذكر أحوال الناصر صاحب الكرك

وفيها أفرج الملك الناصر يوسف، عن الملك الناصر داود ابن المعظم، الذي كان صاحب

ص: 186

الكرك، وكان قد اعتقله بقلعة حمص، وذلك بشفاعة الخليفة المستعصم فيه، فأفرج عنه وأمره أن لا يسكن في بلاده، فرحل الناصر داود المذكور إلى جهة بغداد، فلم يمكنوه من الوصول إليها وطلب وديعته الجوهر، فمنعوه إياها، وكتب الملك الناصر يوسف إلى ملوك الأطراف أنهم لا يأووه ولا يميروه، فبقي الناصر داود في جهات عانة والحديثة، وضاقت به الأحوال وبمن معه، وانضم إليه جماعة من غزيه، فبقوا يرحلون وينزلون جميعاً، ثم لما قوي عليهم الحر، ولم يبق بالبرية عشب، قصدوا أزوار الفرات يقاسون بن الليل وهواجر النهار، وكان معه أولاده، وكان لولده الظاهر شافي، فهد، فكان يتصيد في النهار ما يزيد على عشرة غزلان، وكان يمضي للملك الناصر داود وأصحابه أياماً لا يطعمون غير لحوم الغزلان، واتفق أن الأشرف صاحب تل باشر وتدمر والرحبة يومئذ، أرسل إلى الناصر داود مركبين موسقين دقيقاً وشعيراً، فأرسل صاحب دمشق وتهدده على ذلك، ثم إن ناصر داود قصد مكاناً للشرابي واستجار به، فرتب له الشرابي شيئاً دون كفايته، وأذن له في النزول بالأنبار، وبينها وبين بغداد ثلاثة أيام، والناصر في داود مع ذلك يتضرع إلى الخليفة المستعصم فلا يجيب ضراعته، ويطلب وديعته فلا يرد لهفته ولا يجيبه إلا بالمماطلة، والمطاولة، وكانت مدة مقامه متنقلاً في الصحاري مع غزيه، قريب ثلاثة أشهر، ثم بعد ذلك أرسل الخليفة وشفع فيه عند الملك الناصر، فأذن له في العود إلى دمشق، ورتب له مائة ألف درهم على بحيرة فامية وغيرها، فلم يتحصل من ذلك إلا دون ثلاثين ألف درهم.

وفي هذه السنة وصلت الأخبار من مكة بأن ناراً ظهرت من عدن وبعض جبالها، بحيث كانت تظهر في الليل، ويرتفع منها في النهار دخان عظيم.

ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين وستمائة.

ذكر دولة الحفصيين ملوك تونس وإنما ذكرناها في هذه السنة، لأنها كالمتوسطة لمدة ملكهم، وهو ما نقلناه من الشيخ الفاضل ركن الدين بن قوبع التونسي قال: والحفصيون، أولهم أبو حفص عمر بن يحيى الهنتاتي، وهنتاتة - بتائين مثناتين من فوقهما - قبيلة من المصامدة، ويزعمون أنهم قرشيون من بني عدي بن كعب، رهط عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان أبو حفص المذكور، من أكبر أصحاب ابن تومرت، بعد عبد المؤمن، وتولى عبد الواحد بن أبي حفص إفريقية نيابة عن بني عبد المؤمن، في سنة ثلاث وستمائة، ومات سلخ ذي الحجة، سنة ثمان عشرة وستمائة، فتولى أبو العلاء من بني عبد المؤمن، ثم توفي، فعادت إفريقية إلى ولاية الحفصيين، وتولى منهم عبد الله بن عبد الواحد بن أبي حفص في سنة ثلاث وعشرين وستمائة.

ولما تولى، ولى أخاه أبا زكريا يحيى قابس، وأخاه أبا إبراهيم إسحاق بلاد

ص: 187

الجريد، ثم خرج على عبد الله وهو على قابس، أصحابه، ورجموه وطردوه وولوا موضعه أخاه أبا زكريا بن عبد الواحد، سنة اثنتين وستين، فنقم بنو عبد المؤمن على أبي زكريا ذلك، فأسقط أبو زكريا اسم عبد المؤمن من الخطبة، وبقي اسم المهدي، وخلع طاعة بني عبد المؤمن، وتملك إفريقية، وخطب لنفسه بالأمير المرتضى واتسعت مملكته وفتح تلمسان والغرب الأوسط وبلاد الجريد، والزاب، وبقي كذلك حتى توفي على بونة، سنة سبع وأربعين وستمائة.

وأنشأ في تونس بنايات عظيمة شامخة، وكان عالماً بالأدب، وخلف أربعة بنين وهم: أبو عبد الله محمد، وأبو إسحاق إبراهيم، وأبو حفص عمر، وأبو بكر وكنيته أبو يحيى، وخلف أخوين وهما: أبو إبراهيم إسحاق، ومحمد اللحياني، ابني عبد الواحد بن أبي حفص. وكان محمد اللحياني المذكور صالحاً، منقطعاً يتبرك به، ثم تولى بعده ابنه أبو عبد الله محمد بن أبي زكريا، ثم سعى عمه أبو إبراهيم في خلعه فخلع، وبايع لأخيه محمد اللحياني الزاهد على كره منه لذلك، فجمع أبو عبد الله محمد المخلوع أصحابه، في يوم خلعه، وشد على عميه فقهرهما وقتلهما، واستقر في ملكه، وتلقب وخطب لنفسه بالمستنصر بالله، أمير المؤمنين أبي عبد الله محمد ابن الأمراء الراشدين.

وفي أيامه، في سنة ثمان وستين وستمائة، وصل الفرنسيس إلى إفريقية بجموع الفرنج، وأشرفت إفريقية على الذهاب، فقصمه الله، ومات الفرنسيس، وتفرقت تلك الجموع. وفي أيامه خافه أخوه أبو إسحاق إبراهيم بن أبي زكريا، فهرب ثم أقام بتلمسان، وبقي المستنصر المذكور كذلك حتى توفي ليلة حادي عشر ذي الحجة سنة خمس وسبعين وستمائة.

فملك ابنه يحيى بن محمد بن أبي زكريا، وتلقب بالواثق بالله أمير المؤمنين، وكان ضعيف الرأي، فتحرك عليه عمه أبو إسحاق إبراهيم الذي هرب وأقام بتلمسان، وغلب على الواثق، فخلع نفسه، واستقر أبو إسحاق إبراهيم في المملكة في ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وستمائة، وخطب لنفسه بالأمير المجاهد، وترك زي الحفصيين وأقام على زي زناتة، وعكف على الشرب، وفرق المملكة على أولاده، فوثبت أولاده على الواثق المخلوع وذبحوه، وذبحوا معه ولديه الفضل والطيب، ابن يحيى الواثق المذكور، وسلم للواثق ابن صغير تلقب أبا عصيدة، لأنهم يصنعون للنفساء عصيدة، فيها أدوية، ويهدى، منها للجيران، وعلمت أم الصبي ذلك، فلقب ولدها بأبي عصيدة، ثم ظهر إنسان ادعى أنه الفضل بن الواثق الذي ذبح مع ابنه، واجتمعت عليه الناس، وقصد أبا إسحاق إبراهيم وقهره، فهرب أبو إسحاق إلى بجاية، وبها ابنه أبو فارس عبد العزيز بن إبراهيم، فترك أبو فارس أباه ببجاية وسار بأخويه وجمعه إلى الداعي بتونس، والتقى الجمعان، فانهزم عسكر بجاية، وقتل أبو فارس وثلاثة من إخوته وأنجاله، أخ اسمه يحيى بن إبراهيم، وعمه أبو حفص عمر بن أبي زكريا.

ولما هزم الداعي عسكر

ص: 188

بجاية وقتل المذكورين، أرسل إلى بجاية من قتل أبا إسحاق إبراهيم، وجاء برأسه، ثم تحدث الناس بدعوة الداعي، واجتمعت العرب على عمر بن أبي زكريا بعد هروبه من المعركة، وقوي أمره، وقصد الداعي ثانياً بتونس وقهره، واستتر الداعي في دور بعض التجار بتونس، ثم أحضر واعترف بنسبه، وضربت عنقه. فكان الداعي المذكور من أهل بجاية، واسمه أحمد بن مرزوق بن أبي عمار، وكان أبوه يتجر إلى بلاد السودان، وكان الداعي المذكور محارفاً قصيفاً، وسار إلى ديار مصر ونزل بدار الحديث الكاملية، ثم عاد إلى المغرب، فلما مر على طرابلس كان هناك شخص أسود يسمى نصيراً، كان خصيصاً بالواثق المخلوع، قد هرب لما جرى للواثق ما جرى، وكان في أحمد الداعي بعض الشبه من الفضل بن الواثق، فدبر مع نصير المذكور الأمر، فشهد له أنه الفضل بن الواثق، فاجتمعت عليه العرب، وكان منه ما ذكرناه حتى قتل، وكان الداعي يخطب له بالخليفة الإمام المنصور بالله، القائم بحق الله، أمير المؤمنين، ابن أمير المؤمنين أبي العباس الفضل.

ولما استقر أبو حفص عمر في المملكة وقتل الداعي، تلقب بالمستنصر بالله أمير المؤمنين، وهو المستنصر الثاني، ولما استقر في المملكة سار ابن أخيه يحيى ابن إبراهيم بن أبي زكريا الذي سلم من المعركة إلى بجاية، وملكها وتلقب بالمنتخب لإحياء دين الله، أمير المؤمنين، واستمر المستنصر الثاني أبو حفص عمر ابن أبي زكريا في مملكته حتى توفي، وفي أوائل المحرم سنة خمس وتسعين وستمائة، ولما اشتد مرضه بايع لابن له صغير، فاجتمعت الفقهاء وقالوا له: أنت صائر إلى الله، وتولية مثل هذا لا يحل فأبطل بيعته، وأخرج ولد الواثق المخلوع، الذي كان صغيراً وسلم من الذبح، الملقب بأبي عصيدة، وبويع صبيحة موت أبي حفص عمر الملقب بالمستنصر. وكان اسم أبي عصيدة المذكور، أبا عبد الله محمد، وتلقب أبو عصيدة بالمستنصر، أيضاً، وهو المستنصر الثالث، وتوفي في أيامه صاحب بجاية المنتخب، يحيى بن إبراهيم بن أبي زكريا، وملك بعده بجاية ابنه خالد بن يحيى، وبقي أبو عصيدة لذلك حتى توفي سنة تسع وسبعمائة.

فملك بعده شخص من الحفصيين يقال له أبو بكر بن عبد الرحمن بن أبي بكر

ابن أبي زكريا بن عبد الواحد بن أبي حفص، صاحب ابن تومرت، وأقام في الملك ثمانية عشر يوماً، ثم وصل خالد بن المنتخب صاحب بجاية، ودخل تونس، وقتل أبا بكر المذكور في سنة تسع وسبعمائة. ولما جرى ذلك، كان زكريا اللحياني بمصر، فسار مع عسكر السلطان الملك الناصر، خلد الله ملكه، إلى طرابلس الغرب، وبايعه العرب، وسار إلى تونس فخلع خالد بن المنتخب وحبس، ثم قتل قصاصاً بأبي بكر ابن عبد الرحمن المقدم الذكر، واستقر اللحياني في ملك إفريقية، وهو ابن يحيى زكريا بن أحمد بن محمد الزاهد اللحياني بن عبد الواحد بن أبي

ص: 189

حفص، صاحب ابن تومرت.

ثم تحرك على اللحياني أخو خالد، وهو أبو بكر بن يحيى المنتخب، فهرب اللحياني إلى ديار مصر وأقام بالإسكندرية، وملك أبو بكر المذكور تونس وما معها، خلا طرابلس والمهدية، فإنه بعد هروب اللحياني، بايع ابنه محمد بن اللحياني لنفسه، واقتتل مع أبي بكر، فهزمه أبو بكر، واستقر محمد بن اللحياني بالمهدية، وله معها طرابلس، وكان استيلاء أبي بكر وهروب اللحياني إلى ديار مصر، في سنة تسع وعشرة وسبعمائة. وأقام اللحياني في الإسكندرية، ثم وردت عليه مكاتبات من تونس في ذي القعدة سنة إحدى وعشرين وسبعمائة إلى الإسكندرية، يذكرون فيها أن أبا بكر متملك تونس المذكور، قد هرب وترك البلاد، وأن الناس قد اجتمعوا على طاعة اللحياني وبايعوا نائبه، وهو محمد بن أبي بكر، من الحفصيين، وهو صهر زكريا اللحياني المذكور، وهم في انتظار وصول اللحياني إلى مملكته، أقول وقد بقيت مملكة إفريقية، فهرب منها لضعفها بسبب استيلاء العرب عليها.

ذكر مقتل أقطاي في هذه السنة اغتال الملك المعز أيبك التركماني المستولى على مصر، خوشداشه أقطاي الجمدار، وأوقف له في بعض دهاليز الدور التي بقلعة الجبل ثلاثة مماليك، وهم قطز، وبهادر، وسنجر الغتمي، فلما مر بهم فارس الدين أقطاي ضربوه بسيوفهم فقتلوه، ولما علمت البحرية بذلك هربوا من ديار مصر إلى الشام، وكان الفارس أقطاي يمنع أيبك من الاستقلال بالسلطنة، وكان الاسم للملك الأشرف موسى بن يوسف بن يوسف ابن الملك الكامل محمد ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب.

فلما قتل أقطاي استقل المعز التركماني بالسلطنة، وأبطل الأشرف موسى المذكور منها بالكلية، وبعث به إلى عماته القطبيات، وموسى المذكور آخر من خطب له من بيت أيوب بالسلطنة في مصر، وكان انقضاء دولتهم من الديار المصرية في هذه السنة على ما شرحناه، ووصلت البحرية إلى الملك الناصر يوسف صاحب الشام، وأطمعوه في ملك مصر، فرحل من دمشق بعسكر ونزل عمقاً من الغور، وأرسل إلى غزة عسكراً فنزلوا بها، وبرز المعز أيبك صاحب مصر إلى العباسة، وخرجت السنة وهم على ذلك.

وفيها قدمت ملكة خاتون بنت كيقباذ ملك بلاد الروم إلى زوجها الملك الناصر يوسف صاحب الشام.

وفيها ولي الملك المنصور صاحب حماة، قضاء حماة للقاضي شمس الدين إبراهيم بن هبة الله بن البارزي، بعد عزل القاضي المحيي حمزة بن محمد.

ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين وستمائة فيها عزمت العزيزية المقيمون مع المعز أيبك على القبض عليه، وعلم بذلك، واستعد لهم، فهربوا من مخيمهم على العباسة على حمية، واحتيط على وطاقاتهم جميعها.

وفي هذه السنة مشى نجم الدين الباذراي في الصلح بين المصريين والشاميين، واتفق الحال أن

ص: 190