المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر غير ذلك: - المختصر في أخبار البشر - جـ ٣

[أبو الفداء]

فهرس الكتاب

- ‌وقتلهم وحصر الفرنج دمشق:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌وبين عماد الدين زنكي:

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث

- ‌وأسر الخليفة وقتله:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌وهو حادي ثلاثينهم

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌ومقتله:

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث

- ‌وحال مملكة بني باديس

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث:

- ‌وولاية الظافر:

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث:

- ‌بن محمد بن ملكشاه وملك ملكشاه ومحمد، ابني محمود:

- ‌وهزيمة السلطان سنجر منهم، وأسره:

- ‌وأخبار بني منقذ أصحاب شيزر إلى أن ملك نور الدين شيزر:

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث:

- ‌وما كان منه إلى أن قتل

- ‌خلافة المستنجد

- ‌حرسها الله تعالى:

- ‌وقتل شاور

- ‌وفاة المستنجدخلافة المستضيء

- ‌وهو ثالث ثلاثينهم:

- ‌ذكر وفاة المستضيءخلافة الإمام الناصر

- ‌وهو رابع ثلاثينهم:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌خلافة الظاهر

- ‌خلافة المستنصر

- ‌وأخبار الذين تملكوا بعده

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌صاحب اليمن ابن الملك الكامل ابن الملك العادل بن أيوب:

- ‌نائب الملك الأشرف بخلاط وقتله:

- ‌الاستيلاء على حماةذكر استيلاء الملك المظفر محمود ابن الملك المنصور محمد على حماة:

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌ذكر استيلاء الملك العزيز محمد بن الظاهر صاحب حلب على شيزر

- ‌غير ذلك من الحوادث:

- ‌ملك بلاد الروم:

- ‌ووفاته، وما يتعلق بذلك:

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌والقبض على أخيه الملك العادل صاحب مصر، وملك الملك الصالح أيوب ديار

- ‌وغيرها

- ‌وهي والدة الملك العزيز:

- ‌المستعصم بالله

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث

- ‌على القصب واستيلاء الصالح أيوب على بعلبك:

- ‌ونزول الملك الصالح أشمون طناخ:

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌ذكر مسير السلطان الملك الناصر يوسف صاحب الشام إلى الديار المصرية

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌صاحب الشام ابن الملك العزيز:

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث

- ‌وانقراض الدولة العباسية:

- ‌الدولة الإسلامية بعد بني العباسذكر الوقعة بين المغيث صاحب الكرك وعسكر مصر

- ‌ذكر وفاة الناصر داود

- ‌ذكر وفاة الصاحبة غازية خاتونوالدة الملك المنصور صاحب حماة:

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث

- ‌ذكر وفاة بدر الدين صاحب الموصل

- ‌منازلة الملك الناصر يوسف صاحب الشام والكرك

- ‌ذكر سلطنة قطز

- ‌ذكر مولد الملك المظفر محمودبن الملك المنصور صاحب حماة:

- ‌ذكر قصد هولاكو الشام

- ‌ذكر ما كان من الملك الناصر عند قصد التتر حلب

- ‌ذكر استيلاء التتر على حلب وعلى الشام جميعهومسير الملك الناصر عن دمشق، ووصول عساكره إلى مصر، وانفراد الملك الناصر

- ‌ذكر غير ذلك من أحوال حماةوأحوال الملك الناصر بعد أخذ حلب:

- ‌ذكر استيلاء التتر على قلعة حلبوالمتجددات بالشام:

- ‌ذكر استيلاء التتر على ميافارقينوقتل الملك الكامل صاحبها:

- ‌ذكر اتصال الملك الناصر بالتترواستيلائهم على عجلون وغيرها من قلاع الشام:

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌ذكر هزيمة التتر وقتل كتبغا

- ‌ذكر عود الملك المظفر قطز إلى جهة الديار المصريةمقتله:

- ‌ذكر سلطنة بيبرس البندقداري المذكور

- ‌ذكر إعادة عمارة قلعة دمشق

- ‌ذكر سلطنة الحلبي بدمشق

- ‌ذكر قبض عسكر حلب على الملك السعيدابن صاحب الموصل وعود التتر إلى الشام:

- ‌ذكر كسرة التتر على حمص

- ‌ذكر القبض على سنجر الحلبيالملقب بالملك المجاهد

- ‌ذكر خروج البرليعن طاعة الملك الظاهر بيبرس واستيلائه على حلب:

- ‌ذكر مقتل الملك الناصر يوسف

- ‌ذكر مبايعة شخص بالخلافة وإثبات نسبه

- ‌ذكر مسير الملك الظاهر إلى الشام

- ‌ذكر حضور الملك المغيث صاحب الكركوقتله واستيلاء الملك الظاهر بيبرس على الكرك:

- ‌ذكر الإغارة على عكا وغيرها

- ‌ذكر القبض على من يذكر

- ‌ذكر وفاة الأشرف صاحب حمص

الفصل: ‌ذكر غير ذلك:

والنحو والحديث، واللغة، وله تصانيف مشهورة، وكان كاتباً مفلقاً.

وفيها توفي المجد المطرز النحوي الخوارزمي، وكان إماماً في النحو، وله فيه تصانيف حسنة.

ثم دخلت سنة سبع وستمائة فيها عاد السلطان الملك العادل من البلاد الشرقية إلى دمشق، وفيها قصدت الكرج خلاط، وحصروا الملك الأوحد بن الملك العادل بها، واتفق أن ملك الكرج شرب وسكر، فحسن له السكر أنه تقدم إلى خلاط في عشرين فارساً، فخرجت إليه المسلمون، فتقنطر وأخذ أسيراً وحمل إلى الملك الأوحد، فرد على الملك الأوحد عدة قلاع، وبذل إطلاق خمسة آلاف أسير ومائة ألف في ينار، وعقد الهدنة مع المسلمين ثلاثين سنة، وشرط أن يزوج ابنته بالملك الأوحد، فتسلم ذلك منه وأقام وتحالفا وأطلق.

ذكر وفاة نور الدين صاحب الموصل في هذه السنة توفي نور الدين أرسلان شاه بن عز الدين مسعود بن مودود بن عماد الدين زنكي بن أقسنقر صاحب الموصل، في آخر رجب، وكان مرضه قد طال، وملك الموصل سبع عشرة سنة وأحد عشر شهراً. ولما اشتد مرضه انحدر إلى العين القيارة ليستحم بها، وعاد إلى الموصل في سبارة، فتوفي في الطريق ليلاً، وكان أسمر حسن الوجه، قد أسرع إليه الشيب، وكان شديد الهيبة على أصحابه، وكان عنده قلة صبر في أموره.

واستقر في ملكه بعده ولده الملك القاهر عز الدين مسعود بن أرسلان شاه بن مسعود، وكان عمر القاهر عشر سنين، وقام بتدبير مملكته بدر الدين لؤلؤ، وكان لؤلؤ مملوك والده أرسلان شاه وأستاذ داره، وهذا لؤلؤ هو الذي ملك الموصل على ما سنذكره إن شاء الله تعالى، وكان لأرسلان شاه ولد آخر أصغر من القاهر، اسمه عماد الدين زنكي، ملكه أبوه قلعتي العقر وشوش، وهما بالقرب من الموصل.

‌ذكر غير ذلك:

وفي هذه السنة وردت رسل الخليفة الناصر لدين الله إلى ملوك الأطراف، أن يشربوا له كأس الفتوة، ويلبسوا له سراويلها، وأن ينتسبوا إليه في رمي البندق، ويجعلوه قدوتهم فيه.

وفيها سار الملك العادل بعد وصوله إلى دمشق، ومقامه، إلى الديار المصرية، وأقام بدار الوزارة. وفيها توفي فخر الدين جهاركس، مقدم الصلاحية وكبيرهم.

ذكر وفاة الملك الأوحد صاحب خلاط في هذه السنة توفي الملك الأوحد أيوب ابن الملك العادل، فسار أخوه الملك الأشرف وملك خلاط، واستقل بملكها، مضافاً إلى ما بيده من البلاد الشرقية، فعظم شأنه، ولقب شاهرمن.

وفي هذه السنة قتل غياث الدين كيخسرو صاحب بلاد الروم، قتله ملك الأشكري،

ص: 113

وملك بعده ابنه كيكاؤوس بن كيخسرو بن قليج أرسلان حسبما تقدم ذكره، في سنة ثمان وثمانين وخمسمائة.

ثم دخلت سنة ثمان وستمائة في هذه السنة قبض الملك المعظم عيسى بن الملك العادل، على عز الدين أسامة صاحب قلعتي كوكب وعجلون، بأمر أبيه الملك العادل، وحبسه في الكرك إلى أن مات بها، وحاصر القلعتين المذكورتين وتسلمهما من غلمان أسامة، وأمر الملك العادل بتخريب كوكب وتعفية أثرها، فخربت وبقيت خراباً، وأبقى عجلون، وانقرضت الصلاحية بهذا. وملك الملك المعظم بلاد جهاركس، وهي بانياس وما معها، لأخيه شقيقه الملك العزيز عماد الدين عثمان ابن الملك العادل، وأعطى صرخد مملوكه عز الدين أيبك المعظمي.

وفي هذه السنة عاد الملك العادل إلى الشام، وأعطى ولده الملك المظفر غازي الرها مع ميافارقين. وفيها أرسل الملك الظاهر، القاضي بهاء الدين بن شداد إلى الملك العادل، فاستعطف خاطره وخطب ابنته ضيفة خاتون، ابنة الملك العادل، فزوجها من الملك الظاهر، وزال ما كان بينهما من الأحن.

وفيها أظهر الكيا جلال الدين حسن، صاحب الألموت، وهو من ولد بن الصباح، شعائر الإسلام، وكتب به إلى جميع قلاع الإسماعيلية بالعجم والشام، فأقيمت فيها شعائر الإسلام.

وفيها توفي أبو حامد محمد بن يونس بن منعة، الفقيه الشافعي، بمدينة الموصل، وكان إماماً فاضلاً، وكان حسن الأخلاق. وفيها توفي القاضي السعيد، المعروف بابن سنا الملك، وهو هبة الله بن جعفر بن سنا الملك السعدي، الشاعر المشهور، المصري، أحد الفضلاء الرؤساء صاحب النظم الفائق، وكان كثير التنعم، وافر السعاده، محظوظاً من الدنيا، مدح توران شاه أخا السلطان صلاح الدين بقصيدة مطلعها:

تقنعت لكن بالحبيب المعمم

وفارقت لكن كل عيش مذمم

فهجن بعض الفضلاء هذا المطلع وعابوه، ومن شعره أيضاً:

لا الغصن يحكيك ولا الجوذر

حسنك مما كثروا أكثر

يا باسماً أهدى لنا ثغرة

عقداً ولكن كله جوهر

قال لي اللاحي أما تستمع

فقلت للاحي أما تبصر

ثم دخلت سنة تسع وستمائة في هذه السنة في المحرم، عقد الملك الظاهر على ضيفة خاتون بنت الملك العادل، وكان المهر خمسين ألف في ينار، وتوجهت من دمشق في المحرم إلى حلب، فاحتفل الملك الظاهر لملتقاها، وقدم لها أشياء كثيرة نفيسة.

وفيها عمر الملك العادل قلعة الطور، وجمع لها الصناع من البلاد، والعسكر حتى تمت.

وفي هذه السنة سار طغريل شاه بن قليج أرسلان صاحب أرزن الروم، وحاصر ابن أخيه سلطان الروم كيكاؤوس بسيواس، فاستنجد كيكاؤوس بالأشرف بن الملك العادل، فخاف عمه طغريل

ص: 114

ورحل عنه، وكان لكيكاؤوس أخ اسمه كيقباذ، فلما جرى ما ذكرناه، سار كيقباذ واستولى على أنكورية من بلاد أخيه كيكاؤوس، فسار كيكاؤوس وحصره وفتح أنكورية وقبض على أخيه كيقباذ وحبسه، وقبض على أمرائه وحلق لحاهم ورؤوسهم، وأركب كل واحد منهم فرساً، وأركب قدامه وخلفه قحبتين، وبيد كل منهما معلاق تصفعه به، وبين يدي كل واحد منهم مناد ينادي: هذا جزاء من خان سلطانهم.

ثم دخلت سنة عشر وستمائة في هذه السنة ظفر عز الدين كيكاؤوس كيخسرو صاحب بلاد الروم بعمه طغريل شاه، فأخذ بلاده وقتله، وذبح أكثر أمرائه وقصد قتل أخيه علاء الدين كيقباذ، فشفع فيه بعض أصحابه، فعفا عنه. وفيها في رمضان توفي بحلب فارس الدين ميمون القصري، وهو آخر من بقي من كبراء الأمراء الصلاحية، وهو منسوب إلى قصر الخلفاء بمصر، كان قد أخذه السلطان صلاح الدين من هناك.

وفيها ولد للملك الظاهر من ضيفة خاتون بنت الملك العادل، ولده الملك العزيز غياث الدين محمد وفي هذه السنة قتل أيدغمش مملوك البهلوان، وكان قد غلب على المملكة، وهي همذان والجبال، قتله خشداش له، من البهلوانية، اسمه منكلي، وكان أيدغمش قد هرب منه والتجأ إلى الخليفة في سنة ثمان وستمائة، ورجع أيدغمش في هذه السنة إلى جهة همذان، فقتل واستقل منكلي بالملك.

وفي هذه السنة في شعبان، توفي ملك المغرب محمد الناصر بن يعقوب المنصور بن يوسف ابن عبد المؤمن، وكانت مدة مملكته نحو ست عشرة سنة، وكان أشقر أسيل الخد، دائم الإطراق، كثير الصمت، للثغة كانت في لسانه، وقد تقدم ذكر ولايته في سنة خمس وتسعين وخمسمائة. ولما مات محمد الناصر المذكور، ملك بعده ولده يوسف، وتلقب بالمستنصر أمير المؤمنين بن محمد الناصر بن يعقوب المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن، وكنيته أبو يعقوب.

وفيها، وقيل في السنة التي قبلها، توفي علي بن محمد بن علي، المعروف بابن خروف النحوي الأندلسي الإشبيلي، شرح كتاب سيبويه شرحاً جيداً، وشرح الجمل للزجاجي.

وفيها توفي عيسى بن عبد العزيز المجزولي، بمراكش، وكان إماماً في النحو، صنف مقدمته الجزولية، وسماها القانون، أتى فيها بالعجائب، واعتنى بها جماعة من الفضلاء، وأكثر النحاة يعترفون بقصور إفهامهم عن إدراك مراده منها، فإنها كلها رموز وإشارات، قدم الجزولي المذكور إلى ديار مصر، على ابن بري النحوي، ثم عاد إلى الغرب، والجزولي - بضم الجيم - منسوب إلى جزولة، وهي بطن من البربر، ويقال لها كزولة أيضاً، وشرح مقدمته في مجلد كبير أتى فيه بغرائب وفوائد.

ثم دخلت سنة إحدى عشر وستمائة في هذه السنة توفي دلدرم بن ياررق، صاحب تل باشر، وولي تل باشر بعده ابنه فتح الدين. وفيها توفي الشيخ علي بن أبي بكر الهروي وله التربة المعروفة شمالي حلب، وكان عارفاً بأنواع الحيل والشعبذة والسيماوية، تقدم عند الملك الظاهر غازي صاحب حلب،

ص: 115

وله أشعار كثيرة، وتغرب في البلاد، ودار غالب المعمورة.

وفيها أسرت التركمان ملك الأشكري، وهو قاتل غياث الدين كيخسرو، فحمل إلى ابنه كيكاؤوس بن كيخسرو، فأراد قتله، فبذل له في نفسه أموالاً عظيمة، وسلم إلى كيكاؤوس قلاعاً وبلاد لم يملكها المسلمون قط.

وفيها عافى الملك العادل من الشام إلى مصر. وفيها توفي الدكز عبد السلام بن عبد الوهاب ابن عبد القادر الجبلي ببغداد، ولي عدة ولايات، وكان يتهم بمذهب الفلاسفة، اعتقل قبل موته، وأظهرت كتبه وفيها الكفريات، مثل مخاطبة زحل وغيره بالإلهية، وأحرقت، ثم شفع فيه أبوه، فأفرج عنه وعاد إلى أعماله.

وفيها توفي في شوال عبد العزيز بن محمود بن الأخضر، وله سبع وثمانون سنة، وهو من فضلاء المحدثين.

ثم دخلت سنة اثنتي عشر وستمائة.

ذكر استيلاء الملك المسعود ابن الملك الكامل ابن الملك العادل على اليمن قد تقدم ذكر استيلاء سليمان بن سعد الدين شاهنشاه بن تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب، في سنة تسع وتسعين وخمسمائة على اليمن، وأنه ملأها ظلماً وجوراً، وأنه أطرح زوجته التي ملكته، فلما جاءت هذه السنة، بعث الملك الكامل ابن الملك العادل، ابنه الملك المسعود يوسف، المعروف بأقسيس، إلى اليمن، ومعه جيش، فاستولى الملك المسعود على اليمن، وظفر بسليمان المذكور صاحب اليمن، وبحث به معتقلاً إلى مصر، فأجرى له الملك الكامل ما يقوم به، ولم يزل سليمان المذكور مقيماً بالقاهرة إلى سنة سبع وأربعين وستمائة، فخرج إلى المنصورة غازياً، فقتل شهيداً.

وفي هذه السن توفي الأمير علي بن الإمام الناصر، ووجد عليه الخليفة وجداً عظيماً، وأكثر الشعراء من المراثي فيه. وفي هذه السنة تجمعت العساكر من بغداد وغيرها، وقصدوا منكلي صاحب همذان وأصفهان والري وما بينهما من البلاد، فانهزم وفتل في ساوه، وتولى موضعه أغلمش، أحد المماليك البهلوانية أيضاً. وفيها في شعبان ملك خوارزم شاه علاء الدين محمد بن تكش مدينة غزنة وأعمالها، وأخذها من يلدز مملوك شهاب الدين الغوري، فهرب يلدز إلى لهاوور من الهند، واستولى عليها، ثم سار يلدز عن لهاوور واستولى على بعض بلاد الهند الداخلة تحت حكم قطب الدين أيبك، خشداش يلدز المذكور، فجرى بينه وبين عسكر قطب الدين أيبك مصاف، فقتل فيه يلدز، وكان يلدز حسن السيرة في الرعية، كثير الإحسان إليهم.

وفيها توفي الوجيه المبارك بن أبي الأزهر سعيد بن الدهان، النحوي لضرير، وكان فاضلاً قرأ على ابن الأنباري وغيره، وكان حنبلياً، فصار حنفياً، ثم صار شافعياً، فقال فيه أبو البركات يزيد التكريتي:

ألا مبلغ عني الوجيه رسالة

وإن كان لا تجدي إليه الرسائل

ص: 116

تمذهبت للنعمان بعد ابن حنبل

وفارقته إذ أعوزتك المآكل

وما اخترت رأي الشافعي تديناً

ولكنما تهوى الذي هو حاصل

وعما قليل أنت لا شك صائر

إلى مالك فافطن بما أنا قائل

ثم دخلت سنة ثلاث عشرة وستمائة: ذكر وفاة الملك الظاهر غازي ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب حلب ولما كانت صبيحة يوم السبت، وهو الخامس والعشرون من جمادى الأولى، من هذه السنة، ابتدأ بالملك الظاهر المذكور حمى حادة، ولما اشتد مرضه، أحضر القضاة والأكابر، وكتب نسخة يمين أن يكون الملك بعده لولده الصغير، الملك العزيز، ثم بعده لولده الكبير، الملك الصالح صلاح الدين أحمد بن غازي، وبعدهما لابن عمهما الملك المنصور محمد بن العزيز عثمان ابن السلطان صلاح الدين. وحلف الأمراء والأكابر على ذلك، وجعل الحكم في الأموال والقلاع إلى شهاب الدين ظغريل الخادم، وأعذق به جميع أمور الدولة، وفي الثالث عشر من جمادى الآخرة، أقطع الملك الظافر خضر، المعروف بالمستمر، كفر سودا، وأخرج من حلب في ليلته بالتوكيل، وأخرج علم الدين قيصر، مملوك الملك الظاهر إلى حارم نائباً. وفي خامس عشر جمادى الآخرة اشتد مرض الملك الظاهر، ومنع الناس الدخول إليه، وتوفي في ليلة الثلاثاء العشرين من جمادى الآخرة، وكان مولده بمصر في نصف رمضان، سنة ثمان وستين وخمسمائة، فكان عمره أربعاً وأربعين سنة وشهوراً، وكانت مدة ملكه لحلب من حين وهبها له أبوه، إحدى وثلاثين سنة. وكان فيه بطش وإقدام على سفك الدماء، ثم أقصر عنه، وهو الذي جمع شمل البيت الناصري الصلاحي، وكان ذكياً فطناً، وترتب الملك العزيز في المملكة، ورجع الأمور كلها إلى شهاب الدين طغريل الخادم، فدبر الأمور، وأحسن السياسة، وكان عمر الملك العزيز لما قرر في المملكة سنتين وأشهراً، وعمر أخيه الملك الصالح نحو اثنتي عشر سنة.

وفي هذه السنة توفي تاج الدين زيد بن الحسين بن زيد الكندي. وكان إماماً في النحو واللغة، وله الإسناد العالي في الحديث، وكان ذا فنون كثيرة في أنواع العلم، وهو بغدادي المولد والمنشأ، وانتقل وأقام بدمشق.

ثم دخلت سنة أربع عشرة وستمائة والسلطان الملك العادل بالديار المصرية، وقد اجتمعت الفرنج من داخل البحر، ووصلوا إلى عكا في جمع عظيم، ولما بلغ الملك العادل ذلك خرج بعساكر مصر وسار حتى نزل على نابلس، فسارت الفرنج إليه، ولم يكن معه من العساكر ما يقدر به على مقاتلتهم، فاندفع قدامهم إلى عقبة أفيق، فأغاروا على بلاد المسلمين، ووصلت غارتهم إلى نوى من بلد السواد، ونهبوا ما بين بيسان ونابلس، وبثوا سراياهم فقتلوا وغنموا من

ص: 117

المسلمين ما يفوت الحصر، وعادوا إلى مرج عكا، وكان قوة هذا النهب ما بين منتصف رمضان وعيد الفطر من هذه السنة، وأقام الملك العادل بمرج الصفر، وسارت الفرنج وحصروا حصن الطور، وهو الذي بناه الملك العادل على ما تقدم ذكره، ثم رحلوا عنه وانقضت السنة، والفرنج بجموعهم في عكا.

ذكر غير ذلك في هذه السنة سار خوارزم شاه علاء الدين حمد بن تكش إلى بلاد الجبل وغيرها فملكها، فمنها ساوه، وقزوين، وزنجان، وأبهر، وهمذان، وأصفهان، وقم، وقاشان. ودخل أزبك بن البهلوان صاحب أذربيجان وآران في طاعة خوارزم شاه؛ وخطب له ببلاده. ثم عزم خوارزم شاه على المسير إلى بغداد للاستيلاء عليها، وقدم بعض العسكر بين يديه، وسار خوارزم شاه في إثرهم عن همذان يومين أو ثلاثة فسقط عليهم من الثلج مالم يسمع بمثله، فهلكت دوابهم، وخاف من حركة التتر على بلاده، فولى على البلاد التي استولى عليها وعاد إلى خراسان، وقطع خطبة الخليفة الإمام الناصر في بلاد خراسان في سنة خمس عشرة وستمائة، وكذلك قطعت خطبة الخليفة من بلاد ما وراء النهر، وبقيت خوارزم وسمرقند وهراة لم يقطع الخطبة منها، فإن أهل هذه البلاد كانوا لا يلتزمون بمثل هذا، بل يخطبون لمن يختارون ويفعلون نحو ذلك.

ثم دخلت سنة خمس عشرة وستمائة والملك العادل بمرج الصفر، وجموع الفرنج بمرج عكا، ثم ساروا منها إلى الديار المصرية ونزلوا على دمياط، وسار الملك الكامل ابن الملك العادل من مصر ونزل قبالتهم واستمر الحال كذلك أربعة أشهر، وأرسل الملك العادل العساكر التي عنده إلى عند ابنه الملك الكامل، فوصلت إليه أولاً فأولاً، ولما اجتمعت العساكر عند الملك الكامل، أخذ في قتال الفرنج، ودفعهم عن دمياط.

ذكر وفاة الملك القاهر صاحب الموصل في هذه السنة توفي الملك القاهر عز الدين مسعود بن أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن عماد الدين زنكي بن أقسنقر، صاحب الموصل، وكانت وفاته لثلاث بقين من ربيع الأول، وكانت مدة ملكه سبع سنين وتسعة أشهر، وانقرض بموته ملك البيت الأتابكي، وخلف ولدين، أكبرهما اسمه أرسلان شاه، وكان عمره حينئذ نحو عشر سنين، فأوصى بالملك له، وأن يقوم بتدبير مملكته بدر الدين لؤلؤ، فنصب بدر الدين لؤلؤ في المملكة، وجعل. الخطبة والسكة باسمه، وقام لؤلؤ بتدبر المملكة أحسن قيام.

ص: 118

ذكر قصد كيكاؤوس بن كيخسرو صاحب بلاد الروم حلب ولما مات الملك الظاهر صاحب حلب وأجلس ابنه العزيز في المملكة، وكان طفلاً، طمع صاحب بلاد الروم كيكاؤوس في الاستيلاء على حلب، فاستدعى الملك الأفضل صاحب سميساط، واتفق معه كيكاؤوس أن يفتح حلب وبلادها، ويسلمها إلى الملك الأفضل، ثم يفتح البلاد الشرقية التي بيد الملك الأشرف ابن الملك العادل، ويتسلمها كيكاؤوس، وتحالفا على ذلك.

وسار كيكاؤوس إلى جهة حلب معه الملك الأفضل، روصلا إلى رعبان، واستولى عليها كيكاؤوس، وسلمها إلى الملك الأفضل، فمالت إليه قلوب أهل البلاد لذلك، ثم سار إلى تل باشر وبها ابن دلدرم، ففتحها ولم يسلمها إلى الملك الأفضل، وأخذها كيكاؤوس لنفسه، فنفر خاطر الملك الأفضل وخواطر أهل البلاد بسبب ذلك، ووصل الملك الأشرف ابن الملك العادل إلى حلب لدفع كيكاؤوس عن البلاد، ووصل إليه بها الأمير مانع بن حديثه أمير العرب في جمع عظيم، وكان قد سار كيكاؤوس إلى منبج وتسلمها بنفسه أيضاً، وسار الملك الأشرف بالجموع التي معه ونزل وادي بزاعا واتقع بعض عسكره مع مقدمة عسكر كيكاؤوس، فانهزمت مقدمة عسكر كيكاؤوس، وأخذ من عسكر كيكاؤوس عدة أسرى فأرسلوا إلى حلب، ودقت البشائر لها، ولما بلغ ذلك كيكاؤوس وهو بمنبج ولى منهزماً مرعوباً، وتبعه الملك الأشرف يتخطف أطراف عسكره، ثم حاصر الأشرف تل باشر واسترجعها، كذلك استرجع رعبان وغيرها، وتوجه الملك الأفضل إلى سميساط ولم يتحرك بعدها في طلب ملك إلى أن مات سنة اثنتين وعشرين وستمائة على وما سنذكره إن شاء الله تعالى، وعاد الملك الأشرف إلى حلب وقد بلغه وفاة أبيه.

ذكر وفاة السلطان الملك العادل أبي بكر بن أيوب كان الملك العادل نازلاً بمرج الصفر، وقد أرسل العساكر إلى ولده الملك الكامل بالديار المصرية، ثم رحل للملك العادل من مرج الصفر إلى عالقين، وهي عند عقبة أقبق، فنزل بها ومرض واشتد مرضه، ثم توفي هناك إلى رحمة الله تعالى سابع جمادى الآخرة، من هذه السنة، أعني سنة خمس عشرة وستمائة، وكان مولده سنة أربعين وخمسمائة، وكان عمره خمساً وسبعين سنة، وكانت مدة ملكه لدمشق ثلاثاً وعشرين سنة، وكانت مدة ملكه لمصر نحو تسع عشرة سنة، وكان الملك العادل رحمه الله تعالى، حازماً متيقظاً، غزير العقل، سديد الآراء، ذا مكر وخديعة، وصبوراً حليماً لسمع ما يكره، ويغضي عنه، وأتته السعادة واتسع ملكه، وكثرت أولاده، ورأى فيهم ما يحب، ولم ير أحد من الملوك الذين اشتهرت أخبارهم، في أولاده، من الملك والظفر ما رآه الملك العادل في أولاده، ولقد أجاد شرف الدين بن عنين في قصيدته التي مدح بها الملك العادل التي مطلعها:

ص: 119

ماذا على طيف الأحبة لو سرى

وعليهم لو سامحوني بالكرى

ومنها:

العادل الملك الذي أسماؤه

في كل ناحية تشرف منبرا

ما في أبي بكر لمعتقد الهدى

شك يريب بأنه خير الورى

بين الملوك الغابرين وبينه

في الفضل ما بين الثريا والثرى

نسخت خلائقه الحميدة ما أتى

في الكتب عن كسرى الملوك وقيصرا

ومنها في وصف أولاده:

لا تسمعن حديث ملك غيره

يروى فكل الصيد في جوف الفرا

وله الملوك بكل أرض منهم

ملك يجر إلى الأعادي عسكرا

من كل وضاح الجبين تخاله

بدراً فإن شهد الوغى فغضنفرا

وخلف الملك العادل ستة عشر ولداً ذكراً غير البنات، ولما توفي الملك العادل لم يكن عنده أحد من أولاده حاضراً، فحضر إليه ابنه الملك المعظم عيسى، وكان بنابلس بعد وفاته، وكتم موته وأخذه ميتاً في محفة وعاد به إلى دمشق، واحتوى الملك المعظم على جميع ما كان مع أبيه من الجواهر والسلاح والخيول وغير ذلك. ولما وصل دمشق، حلف جميع الناس له، وأظهر موت أبيه، وجلس للعزاء وكتب إلى الملوك من أخوته وغيرهم يخبرهم بموته، وكان في خزانة الملك العادل لما توفي سبع ألف دينار عيناً، ولما بلغ الملك الكامل موت أبيه وهو في قتال الفرنج، عظم عليه ذلك جداً، واختلفت العسكر عليه، فتأخر عن منزلته، وطمعت الفرنج ونهبت بعض أثقال المسلمين، وكان في العسكر عماد الدين أحمد بن سيف الدين علي ابن أحمد المشطوب، وكان مقدماً عظيماً في الأكراد الهكارية، فعزم على خلع الملك الكامل من السلطنة، وحصل في العسكر اختلاف كثير، حتى عزم الملك الكامل على مفارقة البلاد واللحوق باليمن، وبلغ الملك المعظم عيسى ابن الملك العادل ذلك، فرحل من الشام، ووصل إلى أخيه الملك الكامل، وأخرج عماد الدين بن المشطوب ونفاه من العسكر إلى الشام، فانتظم أمر السلطان الملك الكامل، وقوى مضايقة الفرنج لدمياط، وضعف أهلها بسبب ما ذكرناه من الفتنة التي حصلت في عسكر الملك الكامل، من ابن المشطوب.

ذكر استيلاء عماد الدين زنكي بن أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن عماد الدين زنكي أقسنفر على بعض القلاع المضافة إلى مملكة الموصل قد تقدم في سنة سبع وستمائة أن أرسلان شاه عند وفاته، جعل مملكة الموصل لولده

ص: 120

القاهر مسعود، وأعطى ولده الأصغر عماد الدين زنكي المذكور قلعتي العقر وشوش، فلما مات أخوه القاهر، وأجلس ولده أرسلان شاه بن القاهر في المملكة، وكان به قروح، وأمراض، تحرك عمه عماد الدين زنكي بن أرسلان شاه وقصد العمادية واستولى عليها، ثم استولى على قلاع الهكارية والروران، فاستنجد بدر الدين لؤلؤ المستولي على ملك الموصل وتدبير أرسلان شاه، بالملك الأشرف ابن الملك العادل، ودخل في طاعته، فأنجده الملك الأشرف بعسكر، وساروا إلى زنكي بن أرسلان شاه فهزموه، وكان زنكي المذكور من وجا ببنت مظفر الدين كوكبوري صاحب أربل، وأم البنت ربيعة خاتون بنت أيوب، أخت السلطان الملك العادل، زوجة مظفر الدين، فكان مظفر الدين لا يترك ممكناً في نجدة صهره زنكي المذكور، ويبالغ في عداوة بدر الدين لؤلؤ لأجل صهره.

وفي هذه السنة توفي علي بن نصر بن هرون النحوي الحلي، الملقب بالحجة، قرأ على ابن الخشاب وغيره. وفيها توفي محمد، وقيل أحمد بن محمد ابن محمد العميدي، الفقيه الحنفي، السمرقندي، الملقب ركن الدين، كان إماماً في فن الخلاف، خصوصاً الحسب، وله فيه طريقة مشهورة، وصنف الإرشاد، واعتنى بشرح طريقته جماعة، منهم القاضي شمس الدين أحمد بن خليل بن سعادة الشافعي الجويني، قاضي دمشق. وبدر الدين المراغي المعروف بالطويل، واشتغل على العميدي خلق كثير، وانتفعوا به، منهم نظام الدين أحمد بن محمود بن أحمد الحنفي المعروف بالحصيري، ونظام الدين الحصيري المذكور، قتله التتر بنيسابور عند أول خروجهم في سنة ست عشرة وستمائة، ولم يقع لنا هذه النسبة، أعني العميدي إلى ماذا.

ثم دخلت سنة ست عشرة وستمائة والملك الأشرف مقيم بظاهر حلب يدبر أمر جندها وإقطاعاتها، والملك الكامل بمصر في مقابلة الفرنج، وهم محدقون محاصرون لثغر دمياط، وكتب الملك الكامل متواصلة إلى إخوته في طلب النجدة.

ذكر وفاة نور الدين صاحب الموصل

وفي هذه السنة توفي نور الدين أرسلان شاه ابن الملك القاهر مسعود بن أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن عماد الدين زنكي بن أقسنقر، وكان لا يزال مريضاً، فأقام بدر الدين لؤلؤ في الملك بعده، أخاه ناصر الدين محمود ابن الملك القاهر، وكان عمره يومئذ نحو ثلاث سنين، وهو آخر من خطب له من بيت أتابك، بالسلطنة، وكان أبو القاهر آخر من كان له استقلال بالملك منهم، ثم إن هذا الصبي مات بعد مدة، واستقل بدر الدين لؤلؤ بالملك، وأتته السعادة، وطالت مدة ملكه إلى أن توفي بالموصل، بعد أخذ التتر بغداد، على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.

ص: 121

ذكر وفاه صاحب سنجار وقد تقدم ذكر ولايته في سنة أربع وتسعين وخمسمائة. وفي هذه السنة توفي قطب الدين محمد ابن عماد الدين زنكي بن مودود بن عماد الدين زنكي بن أقسنقر صاحب سنجار، فملك سنجار بعده ولده عماد الدين شاهنشاه بن محمد، وكان قطب الدين حسن السيرة في رعيته، وبقي عماد الدين شاهنشاه في الملك شهوراً، ثم وثب عليه أخوه محمود بن محمد فذبحه وملك سنجار، وهذا محمود هو آخر من ملك سنجار من البيت الأتابكي.

ذكر تخريب القدس وفي هذه السنة أرسل الملك المعظم عيسى بن الملك العادل صاحب دمشق الحجارين، والنقابين إلى القدس، فخرب سواره، وكانت قد حصنت إلى الغاية، فانتقل منه عالم عظيم، وكان سبب ذلك أن الملك المعظم لما رأى قوة الفرنج تغلبهم على دمياط خشي أن يقصدوا القدس، فلا يقدر على منعهم، فخربه لذلك.

ذكر استيلاء الفرنج على دمياط ولم تزل الفرنج يضايقون دمياط حتى هجموها في هذه السنة عاشر رمضان، وقتلوا وأسروا من بها، وجعلوا الجامع كنيسة، واشتد طمع الفرنج في الديار المصرية، وحين أخذت دمياط ابتنى الملك الكامل مدينة وسماها المنصورة، عند مفترق البحرين الآخذ أحدهما إلى دمياط والآخر إلى أشمون طناخ، ونزل فيها بعساكره.

ذكر ظهور التتر وفي هذه السنة كان ظهور التتر، وقتلهم في المسلمين، ولم ينكب المسلمون بأعظم مما نكبوا في هذه السنة، فمن ذلك ما كان من تمكن الفرنج بملكهم دمياط، وقتلهم أهلها، وأسرهم. ومنه المصيبة الكبرى، وهو ظهور التتر وتملكهم في المدة القريبة أكثر بلاد الإسلام، وسفك دمائهم، وسبي حريمهم وذراريهم، ولم تفجع المسلمون مذ ظهر دين الإسلام بمثل هذه الفجيعة.

وفي هذه السنة خرجوا على علاء الدين محمد خوارزم شاه بن تكش، وعبروا نهر جيحون، ومعهم ملكهم جنكزخان، لعنه الله تعالى، فاستولوا على بخارى رابع ذي الحجة من هذه السنة بالأمان، وعصت عليهم القلعة فحاصروها وملكوها، وقتلوا كل من بها. ثم قتلوا أهل البلد عن آخرهم. من تاريخ ظهور التتر تأليف محمد بن أحمد بن علي المنشي النسوي كاتب إنشاء جلال الدين قال: إن مملكة الصين مملكة متسعة، دورها ستة أشهر، وقد انقسمت من قديم الزمان ستة أجزاء، كل جزء منها مسيرة شهر، يتولى أمره

ص: 122

خان، وهو الملك بلغتهم، نيابة عن خانهم الأعظم، وكان خانهم الكبير الذي عاصر خوارزم شاه محمد بن تكش، يقال له الطون خان، وقد توارث الخانية كابراً عن كابر، بل كافراً عن كافر، ومن عادة خانهم الأعظم الإقامة بطوغاج، وهي واسطة الصين، وكان من زمرتهم في عصر المذكور شخص يسمى دوشي خان، وهو أحد الخانات المتولي أحد الأجزاء الستة، وكان مزوجاً بعمة جنكزخان اللعين، وقبيلة جنكزخان اللعين هي المعروفة بقبيلة التمرجي، سكان البراري، ومشتاهم موضع يسمى أرغون، وهم المشهورون بين التتر بالشر والغدر، ولم تر ملوك الصين إرخاء عنانهم لطغيانهم، فاتفق أن دوشي خان زوج عمة جنكزخان مات، فحضر جنكزخان إلى عمته زائراً ومعزياً، وكان الخانان المجاوران لعمل دوشي خان المذكور، يقال لأحدهما كشلوخان، وللآخر فلان خان، فكانا يليان ما يتاخم عمل دوشي خان المذكور المتوفي من الجهتين، فأرسلت امرأة دوشي خان إلى كشليخان، والخان الآخر، تنعي إليهما زوجهما دوشي خان، وأنه لم يخلف ولداً، وأنه كان حسن الجوار لهما، وأن ابن أخيها جنكزخان إن أقيم مقامه يحذو حذو المتوفي في معاضدتهما، فأجابها الخانان المذكوران إلى ذلك، وتولى جنكزخان ما كان لدوشي خان المتوفي من الأمور، بمعاضدة الخانين المذكورين، فلما أنهي الأمر إلى الخان الأعظم، الطون خان، أنكر تولية جنكزخان واستحقره، وأنكر على الخانين اللذين فعلا ذلك، فلما جرى ذلك خلعوا طاعة الطون خان، وانضم إليهم كل من هو من عشائرهم، ثم اقتتلوا مع الطون خان، فولى منهزماً، وتمكنوا من بلاده، ثم أرسل الطون خان وطلب منهم الصلح، وأن يبقوه على بعض البلاد، فأجابوه إلى ذلك وبقي جنكزخان والخانان الآخران مشتركين في الأمر، فاتفق موت الخان الواحد، واستقل بالأمر جنكزخان وكشلوخان، ثم مات كشلوخان، وقام ابنه ولقب بكشلوخان أيضاً، مقامه، فاستضعف جنكزخان جانب كشلوخان بن كشلوخان لصغره وحداثة سنه، وأخل بالقواعد التي كانت مقررة بينه وبين أبيه، فانفرد كشلوخان عن جنكزخان وفارقه لذلك، ووقع بينهما الحرب، فجرد جنكزخان جيشاً مع ولده دوشي خان بن جنكزخان، فسار دوشي خان واقتتل مع كشلوخان، فانتصر دوشي خان وانهزم كشلوخان وتبعه دوشي خان وقتله، وعاد إلى جنكزخان برأسه، فانفرد جنكزخان بالمملكة.

ثم إن جنكزخان راسل خوارزم شاه محمد بن تكش في الصلح، فلم ينتظم، فجمع جنكزخان عساكره والتقى مع خوارزم شاه محمد، فانهزم خوارزم شاه فاستولى جنكزخان على بلاد ما وراء النهر، ثم تبع خوارزم شاه محمداً، وهو هارب بين يديه، حتى دخل بحر طبرستان، ثم استولى جنكزخان على البلاد، ثم كان من خوارزم شاه ومن جنكزخان ما سنذكره إن شاء الله تعالى.

ص: 123

ذكر توجه الملك المظفر محمود ابن صاحب حماة إلى مصر وموت والدته في هذه السنة حلف الملك المنصور، صاحب حماة، الناس، لولده الملك المظفر محمود، وجعله ولي عهده، وجرد معه عسكراً، والطواشي مرشد المنصوري، نجدة إلى الملك الكامل بديار مصر، فسار إليه، ولما وصل إلى الملك الكامل أكرمه وأنزله في ميمنة عسكره، وهي منزلة أبيه وجده في الأيام الناصرية الصلاحية. وبعد توجه الملك المظفر ماتت والدته ملكة خاتون، بنت الملك العادل، قال القاضي جمال الدين، مؤلف مفرج الكروب: وحضرت العزاء وعمري اثنتا عشرة سنة، ورأيت الملك المنصور وهو لابس الحداد على زوجته المذكورة، وهو ثوب أزرق وعمامة زرقاء، وأنشدته الشعراء المراثي، فمن ذلك قصيدة قالها حسام الدين خشترين، وهو جندي كردي، مطلعها.

الطرف في لجة، والقلب في سعر

له دخان زفير طار بالشرر

ومنها في لبس الملك المنصور الحداد عليها:

ما كنت أعلم أن الشمس قد غربت

حتى رأيت الدجى ملقى على القمر

لو كان من مات يفدى قبلها لفدى

أم المظفر آلاف من البشر

ذكر وفاة كيكاؤوس وملك أخيه كيقباذ في هذه السنة توفي الملك الغالب عز الدين كيكاؤوس بن كيخسرو بن قليج أرسلان بن مسعود ابن قليج أرسلان صاحب بلاد الروم، وقد تقدم ذكر ولايته في سنة سبع وستمائة، وكان قد تعلق به مرض السل، واشتد مرضه ومات. فملك بعده أخوه كيقباذ بن كيخسرو، وكان كيقباذ محبوساً، قد حبسه أخوه كيكاؤوس، فأخرجه لجند وملكوه.

ذكر غير ذلك وفي هذه السنة توفي أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري، الضرير النحوي الحاسب اللغوي، وكان حنبلياً، صحب ابن الخشاب النحوي وغيره. وفيها توفي أبو الحسن علي بن القاسم بن علي بن الحسن الدمشقي، الحافظ بن الحافظ بن الحافظ، المعروف بابن عساكر، وكان قد قصد خراسان وسمع بها الحديث، فأكثر وعاد إلى بغداد، وكان قد وقع على القفل الذي هو فيه، في الطريق، حرامية، وجرحوا ابن عساكر المذكور، ووصل على تلك الحال إلى بغداد، وبقي بها حتى توفي في هذه السنة في جمادى الأولى، رحمه الله.

ثم دخلت سنة سبع عشرة وستمائة والفرنج متملكون على دمياط،

ص: 124

والسلطان الملك الكامل مستقر في المنصورة مرابط للجهاد، والملك الأشرف في حران. وكان الملك الأشرف قد أقطع عماد الدين أحمد بن سيف الدين علي بن أحمد المشطوب، رأس عين، فخرج على الملك الأشرف، وجمع ابن المشطوب المذكور جمعاً، وحسن لصاحب سنجار محمود بن قطب الدين، الخروج عن طاعة الأشرف أيضاً، فخرج بدر الدين لؤلؤ من الموصل، وحصر ابن المشطوب بتل أعفر، وأخذه بالأمان.

ثم قبض عليه وأعلم الملك الأشرف بذلك، فسر به غاية السرور، واستمر عماد الدين أحمد بن سيف الدين بن المشطوب في الحبس. ثم سار الملك الأشرف من حران واستولى على في نيسر، وقصد سنجار، فأتته رسل صاحبها محمود بن قطب الدين، يسأل أن يعطى الرقة عوض سنجار، ليسلم سنجار إلى الملك الأشرف، فأجاب الملك الأشرف إلى ذلك وتسلم سنجار في مستهل جمادى الأولى، وسلم إليه الرقة.

وهذا كان من سعادة الملك الأشرف، فإن أباه الملك العادل نازل سنجار في جموع عظيمة، وطال عليها مقامه، فلم يملكها، وملكها ابنه الملك الأشرف بأهون سعي، وبعد أن فرغ الملك الأشرفي من سنجار، سار إلى الموصل ووصل إليها في تاسع عشر جمادى الأولى، وكان يوم وصوله إليها يوماً مشهوداً. وكتب إلى مظفر الدين صاحب إربل يأمره أن يعيد صهره عماد الدين زنكي بن أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن عماد الدين زنكي، على بدر الدين لؤلؤ القلاع التي استولى عليها، فأعادها جميعها، وترك في يده منها العمادية، واستقر الصلح بين الملك الأشرف وبين مظفر الدين كوكبوري صاحب إربل، وعماد الدين زنكي بن أرسلان شاه صاحب العقر، وشوش والعمادية. وكذلك استقر الصلح بينهم وبين صاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ.

ولما استقر ذلك رحل الملك الأشرف عن الموصل ثاني شهر رمضان من هذه السنة، وعاد إلى سنجار، وسلم بدر الدين لؤلؤ قلعة تلعفر إلى الملك الأشرف، ونقل الملك الأشرف ابن المشطوب من حبس الموصل وحطه مقيداً في جب بمدينة حران حتى مات، سنة تسع عشرة وستمائة، ولقي بغيه وخروجه مرة بعد أخرى.

ذكر وفاة الملك المنصور صاحب حماة

وفي هذه السنة توفي الملك المنصور محمد ابن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب صاحب حماة، بقلعة حماة، في ذي القعدة، وكانت مدة مرضه إحدى وعشرين يوماً، بحمى حادة وورم دماغه. وكان شجاعاً عالماً يحب العلماء، ورد إليه منهم جماعة كثيرة، مثل الشيخ سيف الدين علي الآمدي، وكان في خدمة الملك المنصور قريب مائتي متعمم من النحاة والفقهاء والمشتغلين بغير ذلك، وصنف الملك المنصور عدة مصنفات، مثل: المضمار في التاريخ، وطبقات الشعراء. وكان معتنياً بعمارة بلده، والنظر في مصالحه،

ص: 125

وهو الذي بنى الجسر الذي هو بظاهر حماة خارج باب حمص، واستقر له بعد وفاة والده من البلاد: حماة والمعرة وسلمية ومنبج وقلعة نجم، ولما فتح بارين وكانت بيد إبراهيم بن المقدم، ألزمه عمه السلطان الملك العادل أن يردها عليه، فأجاب إلى تسليم منبج وقلعة نجم عوضاً عنها، وهما خير من بارين بكثير، واختار ذلك لقرب بارين من بلده، وجرت له حروب مع الفرنج، وانتصر فيها، وكان ينظم الشعر.

ذكر استيلاء الملك الناصر ابن الملك المنصور على حماة ولما توفي الملك المنصور، كان ولده الملك المظفر المعهود إليه بالسلطنة، عند خاله الملك الكامل لديار مصر، في مقابلة الفرنج، وكان ولده الآخر الملك الناصر صلاح الدين قليج أرسلان، عند خاله الآخر الملك المعظم صاحب في دمشق، وهو في الساحل في الجهاد، وقد فتح قيسارية وهدمها، وسار إلى عثليث ونازلها، وكان الوزير بحماة زين الدينا بن فريج، فاتفق هو والكبراء على استدعاء الملك الناصر، لعلمهم بلين عريكته، وشدة بأس الملك المظفر، فأرسلوا إلى الملك الناصر وهو مع الملك المعظم كما ذكرنا، فمنعه الملك المعظم من التوجه إلا بتقرير مال عليه، يحمله إلى الملك المعظم في كل سنة، قيل أن مبلغه أربعمائة ألف درهم، فلما جاب الملك الناصر إلى ذلك، وحلف عليه، أطلقه الملك المعظم، فقدم الملك الناصر إلى حماة واجتمع بالوزير زين الدين بن فريج، والجماعة الذين كاتبوه، فاستحلفوه على ما أرادوا وأصعدوه إلى القلعة، ثم ركب من القلعة بالسناجق السلطانية، وكان عمره إذ ذاك سبع عشرة سنة، لأن مولده سنة ستمائة.

ولما استقر الملك الناصر في ملك حماة، وبلغ أخاه الملك المظفر ذلك، استأذن الملك الكامل في المضي إلى حماة، ظناً منه أنه إذا وصل إليها يسلمونها إليه بحكم الأيمان التي كانت له في أعناقهم، فأعطاه الملك الكامل الدستور، وسار الملك المظفر حتى وصل إلى الغور، فوجد خاله الملك المعظم صاحب دمشق هناك، فأخبره أن أخاه الملك الناصر قد ملك حماة، ويخشى عليه أنه إن وصل إليه يعتقله، فسار الملك المظفر إلى دمشق وأقام بداره المعروفة بالزنجيلي، وكتب الملك المعظم والملك المظفر إلى أكابر حماة في تسليمها إلى الملك المظفر، فلم يحصل منهم إجابة، فعاد الملك المظفر إلى مصر وأقام في خدمة الملك الكامل، وأقطعه إقطاعاً بمصر إلى أن كان ما سنذكره إن شاء الله تعالى.

ذكر استيلاء الملك المظفر شهاب الدين غازي ابن الملك العادل على خلاط وميافارقين كان قد استقر بيد الملك المظفر المذكور، الرها وسروج، وكانت ميافارقين وخلاط بيد

ص: 126

الملك الأشرف، ولم يكن للملك الأشرف ولد، فجعل أخاه الملك المظفر غازي ولي عهده، وأعطاه ميافارقين وخلاط وبلادها، وهي إقليم عظيم يضاهي ديار مصر، وأخذ الملك الأشرف منه الرها وسروج.

وفي هذه السنة توفي بالموصل الشيخ صدر الدين محمد بن عمر بن حمويه، شيخ الشيوخ بمصر والشام، وكان فقيهاً فاضلاً من بيت كبير بخراسان، وخلف أربعة بنين عرفوا بأولاد الشيخ، تقدموا عند السلطان الملك الكامل، وسنذكر بعض أخبارهم في موضعها إن شاء الله تعالى، وكان الشيخ صدر الدين المذكور، قد توجه رسولاً إلى بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، فمات هناك.

ذكر مسير التتر إلى خوارزم شاه وانهزامه وموته

لما ملك التتر سمرقند، أرسل جنكزخان، لعنه الله، عشرين ألف فارس في أثر خوارزم شاه محمد بن تكش، وهذه الطائفة يسميها التتر المغربة، لأنها سارت نحو غرب خراسان، فوصلوا إلى موضع يقال له بنح آو وعبروا هناك نهر جيحون وصاروا مع خوارزم شاه في بر واحد، فلم يشعر خوارزم شاه وعسكره إلا والتتر معه، فتفرق عسكره وذهبوا أيدي سبا، ورحل خوارزم شاه علاء الدين محمد بن تكش لا يلوى على شيء في نفر من خواصه، ووصل إلى نيسابور والتتر في إثره، فلما قربوا منه رحل خوارزم شاه إلى مازندران. والتتر في إثره لا يلتفتون إلى شيء من البلاد، ولا إلى غير ذلك، بل قصدهم إدراك خوارزم شاه. وسار من مازندران إلى مرسى من بحر طبرستان تعرف باسكون، وله هناك قلعة في البحر، فعبر هو وأصحابه إليها، فوقف التتر على ساحل البحر وأيسوا من اللحاق بخوارزم شاه.

ولما استقر خوارزم شاه بهذه القلعة، توفي فيها، وهو علاء الدين محمد بن علاء الدين تكش ابن أرسلان بن أطسز بن محمد بن أنوشتكين غرشه، وكانت مدة ملكه إحدى وعشرين سنة وشهوراً، واتسع ملكه وغم محله، ملك من حد العراق إلى تركستان، وملك بلاد غزنة وبعض الهند، وملك سجستان وكرمان وطبرستان وجرجان وبلاد الجبال وخراسان وبعض فارس، وكان فاضلاً عالماً بالفقه والأصول وغيرهما، وكان صبوراً على التعب وإدمان السير، وسنذكر شيئاً من أخباره عند ذكر مقتل ولده جلال الدين.

ولما أيس التتر من إدراك خوارزم شاه عادوا إلى مازندران، ففتحوها وقتلوا أهلها، ثم ساروا إلى الري وهمذان ففعلوا كذلك من الفتك والسبي، ثم ملكوا مراغة، في صفر سنة ثمان عشرة وستمائة، ثم ساروا إلى حران واستولوا عليها، ونازلوا خوارزم، وقاتلهم أهلها مدة أشد قتال، ثم فتحوها، وكان لها سد في نهر جيحون ففتحوه، وركب خوارزم الماء فغرقها، وفعلوا في هذه البلاد جميعها من قتل أهلها وسبي ذراريهم وقتل العلماء والصلحاء والزهاد والعباد، وتخريب الجوامع، وتحريق

ص: 127

المصاحف، ما لم يسمع بمثله في تاريخ قبل الإسلام، ولا بعده، فإن واقعة بخت نصر مع بني إسرائيل لا تنسب إلى بعض ما فعله هؤلاء، فإن كل واحدة من المدن التي أخربوها أعظم من القدس بكثير، وكل أمة قتلوهم من المسلمين أضعاف بني إسرائيل الذين قتلهم بخت نصر.

ولما فرغ التتر من خراسان عادوا إلى ملكهم، فجهز جيشاً كثيفاً إلى غزنة، وبها جلال الدين منكبرني بن علاء الدين محمد خوارزم شاه المذكور مالكاً لها، وقد اجتمع إليه جمع كثير من عسكر أبيه، قيل كانوا ستين ألف مقاتل، وكان الجيش الذي سار إليهم من التتر اثني عشر ألفاً، فالتقوا مع جلال الذين واقتتلوا قتالاً شديداً، وأنزل الله نصره على المسلمين، وانهزمت التتر، وتبعهم المسلمون يقتلونهم كيف شاؤوا.

ثم أرسل جنكزخان لعنه الله عسكراً أكثر من أول مع بعض أولاده، ووصلوا إلى كابل، وتصافف معهم المسلمون، فانهزم التتر ثانياً وقتل المسلمون فيهم وغنموا شيئاً كثيراً، وكان في عسكر جلال الدين أمير كبير مقدام، هو الذي كسر التتر على الحقيقة، يقال له بغراق، وقع بينه وبين أمير كبير يقال له ملكخان، وهو صاحب هراة، وله نسب إلى خوارزم شاه، فتنة بسبب المكسب، قتل فيها أخو بغراق، فغضب بغراق وفارق جلال الدين وسار إلى الهند، وتبعه ثلاثون ألف فارس، ولحقه جلال الدين منكبرني واستعطفه، فلم يرجع، فضعف عسكر جلال الدين بسبب ذلك، ثم وصل جنكزخان اللعين بنفسه في جيوشه، وقد ضعف جلال الدين بما نقص من جيوشه بسبب بغراق، فلم يكن له بجنكزخان قدرة، فترك جلال الدين البلاد وسار إلى الهند، وتبعه جنكزخان حتى أدركه على ماء عظيم، وهو نهرالسند، ولم يلحق جلال الدين ومن معه أن يعبروا النهر، فاضطروا إلى القتال، وجرى بينهم وبين جنكزخان قتال عظيم لم يسمع بمثله، وصبر الفريقان، ثم تأخر كل منهما عن صاحبه، فعبر جلال الدين ذلك النهر إلى جهة الهند، وعاد جنكزخان فاستولى على غزنة وقتلوا أهلها ونهبوا أموالهم.

وكان قد سار من التتر فرقة عظيمة إلى جهة القفجاق واقتتلوا معهم، فهزمهم التتر واستولوا على مدينة القفجاق العظمى، وتسمى سوادق، وكذلك فعلوا بقوم يقال لهم اللكزي، بلادهم قرب دربند شروان، ثم سار التتر إلى الروس، وانضم إلى الروس القفجاق، وجرى بينهم وبين التتر قتال عظيم انتصر فيه التتر عليهم، وشردوهم قتلاً وهرباً في البلاد.

وفيها في شوال توفي رضي الدين المؤيد بن محمد بن علي الطوسي الأصل النيسابوري الدار، المحدث، وكان أعلى المتأخرين إسناداً، سمع كتاب مسلم من الفقيه أبي عبد الله محمد بن الفضل القراوي، وكان القراوي فاضلاً قرأ الأصول على إمام الحرمين، وسمع القراوي المذكور صحيح مسلم على عبد الغافر الفارسي، وكان عبد الغافر إماماً في الحديث، صنف شرح مسلم وغيره، وتوفي محمد بن الفضل

ص: 128

القراوي سنة ثلاثين وخمسمائة، وتوفي عبد الغافر في سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وكانت ولادة رضي الدين المؤيد المذكور في سنة أربع وعشرين وخمسمائة، ظناً.

ثم دخلت سنة ثمان عشرة وستمائة: ذكر عود دمياط إلى المسلمين وفي هذه السنة قوي طمع الفرنج المتملكين دمياط في ملك الديار المصرية، وتقدموا عن دمياط إلى جهة مصر، ووصلوا إلى المنصورة، واشتد القتال بين الفريقين براً وبحراً، وكتب السلطان الملك الكامل متواترة إلى إخوته وأهل بيته يستحثهم على إنجاده، فسار الملك المعظم عيسى ابن الملك العادل صاحب دمشق إلى أخيه الملك الأشرف، وهو ببلاده الشرقية، واستنجده وطلب منه المسير إلى أخيهما الملك الكامل، فجمع الملك الأشرف عساكره واستصحب عسكر حلب، وكذلك استصحب معه الملك الناصر قليج أرسلان ابن الملك المنصور صاحب حماة، وكان الملك الناصر خائفاً من السلطان، الملك الكامل، أن ينتزع حماة منه ويسلمها إلى أخيه الملك المظفر، فحلف الملك الأشرف للملك الناصر صاحب حماة أنه ما يمكن أخاه السلطان الملك الكامل من التعرض إليه، فسار معه بعسكر حماة، وكذلك سار صحبة الملك الأشرف كل من صاحب بعلبك الملك الأمجد، بهرام شاه بن فرخشاه بن شاهنشاه ابن أيوب، وصاحب حمص الملك المجاهد شيركوه بن محمد بن شيركوه بن شاذي، وسار الملك المعظم عيسى بعسكر دمشق، ووصلوا إلى الملك الكامل وهو في قتال الفرنج على المنصورة، فركب والتقى أخويه ومن في صحبتهما من الملوك، وأكرمهم، وقويت نفوس المسلمين، وضعفت نفس الفرنج بما شاهدوه من كثرة عساكر الإسلام وتحملهم، واشتد القتال بين الفريقين، ورسل الملك كامل وأخويه مترددة إلى الفرنج في الصلح، وبذل المسلمون لهم تسليم القدس وعسقلان وطبرية واللاذقية وجبلة، وجميع ما فتحه السلطان صلاح الدين من الساحل، مما عدا الكرك والشوبك، على أن يجيبوا إلى الصلح ويسلموا دمياط إلى المسلمين، فلم يرض الفرنج بذلك، وطلبوا ثلاثمائة ألف دينار، عوضاً عن تخريب أسوار القدس، فإن الملك المعظم عيسى خربها كما تقدم ذكره، وقالوا لا بد من تسليم الكرك والشوبك.

وبينما الأمر متردد في الصلح، والفرنج ممتنعون من الصلح، إذ عبر جماعة من عسكر المسلمين في بحر المحلة، إلى الأرض التي عليها الفرنج من بر دمياط، ففجروا فجرة عظيمة من النيل، وكان ذلك في قوة زيادته، والفرنج لا خبرة لهم بأمر النيل، فركب الماء تلك الأرض وصار حائلاً بين الفرنج وبين دمياط، وانقطع عنهم الميرة والمدد، فهلكوا جوعاً، وبعثوا يطلبون الأمان، على أن ينزلوا عن جميع ما بذله المسلمون لهم ويسلموا دمياط ويعقدوا مدة للصلح، وكان فيهم

ص: 129

عدة ملوك كبار، نحو عشرين ملكاً، فاختلفت الآراء بين يدي السلطان الملك الكامل في أمرهم، فبعضهم قال: لا نعطيهم أماناً، ونأخذهم ونتسلم بهم ما بقي بأيديهم من الساحل، مثل عكا وغيرها، ثم اتفقت آراؤهم على إجابتهم إلى الأمان، لطول مدة البيكار، وتضجر العساكر لأنهم كان لهم ثلاث سنين وشهور في القتال معهم، فأجابهم الملك الكامل إلى ذلك، وطلب الفرنج رهينة من الملك الكامل، فبعث ابنه الملك الصالح أيوب، وعمره يومئذ خمس عشرة سنة إلى الفرنج رهينة، وحضر من الفرنج رهينة على ذلك ملك عكا، ونائب البابا صاحب رومية الكبرى، وكندريس، وغيرهم من الملوك، وكان ذلك سابع رجب من هذه السنة.

واستحضر الملك الكامل ملوك الفرنج المذكورين، وجلس لهم مجلساً عظيماً، ووقف بين يديه الملوك من إخوته وأهل بيته جميعهم، وسلمت دمياط إلى المسلمين تاسع عشر رجب من هذه السنة، وقد حصنها الفرنج إلى غاية ما يكون، وولاها السلطان الملك الكامل، الأمير شجاع الدين جلدك التقوي، وهو من مماليك الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب، وهنت الشعراء الملك الكامل بهذا الفتح العظيم، ثم سار السلطان الملك الكامل ودخل دمياط ومعه إخوته وأهل بيته، وكان يوماً مشهوداً، ثم توجه إلى القاهرة وأذن للملوك في الرجوع إلى بلادهم، فتوجه الملك الأشرف إلى الشرق، وانتزع الرقة من محمود، وقيل اسمه عمر بن قطب الدين محمد بن عماد الدين زنكي بن مودود بن عماد الدين زنكي بن أقسنقر، ولقي بغيه على أخيه، فإنا ذكرنا كيف وثب على أخيه وقتله وأخذ سنجار، ثم أقام الملك الأشرف بالرقة، وورد إليه، الملك الناصر صاحب حماة فأقام عنده مدة، ثم عاد إلى بلده.

ذكر وفاة صاحب آمد وفي هذه السنة توفي الملك الصالح ناصر الدين محمود بن محمد بن قرا أرسلان بن داود بن سقمان بن أرتق صاحب آمد وحصن كيفا بالقولنج، وقام في الملك بعده ولده الملك المسعود، وهو الذي انتزع منه الملك الكامل آمد، وكان الملك الصالح المذكور قبيح السيرة، وقد أورد ابن الأثير وفاته في سنة تسع عشرة.

ذكر غير ذلك من الحوادث في هذه السنة في جمادى الآخرة، خنق قتادة بن إرديس العلوي الحسني أمير مكة وعمره نحو تسعين سنة، وكانت ولايته قد اتسعت إلى نواحي اليمن، وكان حسن السيرة في مبتدأ أمره، ثم أساء السيرة وجدد المظالم والمكوس، وصورة ما جرى له أن قتادة كان مريضاً، فأرسل عسكراً مع أخيه ومع ابنه الحسن بن قتادة للاستيلاء على مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذها من صاحبها، فوثب الحسن بن قتادة في أثناء الطريق

ص: 130

على عمه فقتله، وعاد إلى أبيه قتادة بمكة فخنقه، وكان له أخ نائباً، بقلعة ينبع، عن أبيه، فأرسل إليه الحسن فحضر إلى مكة فقتله أيضاً، وارتكب الحسن أمراً عظيماً، قتل عمه وأباه وأخاه في أيام يسيرة، واستقر في ملك مكة، وقيل إن قتادة كان يقول الشعر، وطولب أن يحضر إلى أمير الحاج العراقي فامتنع، وعوتب من بغداد، فأجاب بأبيات شعر منها:

ولي كف ضرغام أصول ببطشها

وأشري بها بين الورى وأبيع

تظل ملوك الأرض تلثم ظهرها

وفي بطنها للمجد بين ربيع

أأجعلها تحت الرحى ثم أبتغي

خلاصاً لها، إني إذاً لرقيع

وما أنا إلا المسك في كل بلدة

يضوع، وأما عندكم فيضيع

وفيها توفي جلال الدين الحسن صاحب الألموت ومقدم الإسماعيلية، وولي بعده ابنه علاء الدين محمد.

ثم دخلت سنة تسع عشرة وستمائة وفي هذه السنة استقل بدر الدين لؤلؤ بملك الموصل، وتوفي الطفل الذي كان قد نصبه في المملكة، وهو ناصر الدين محمود ابن الملك القاهر مسعود بن نور الدين أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنكي بن أقسنقر، وسمى لؤلؤ نفسه الملك الرحيم، وكان قد اعتضد بالملك الأشرف ابن الملك العادل، فدافع عنه ونصره، وقلع لؤلؤ البيت الأتابكي بالكلية، واستمر مالكاً للموصل نيفاً وأربعين سنة، سوى ما تقدم له من الاستيلاء والتحكم في أيام أستاذه نور الدين أرسلان شاه، وابنه الملك القاهر مسعود.

وفي هذه السنة سار الملك الأشرف إلى خدمة أخيه الملك الكامل، وأقام عنده بمصر منزهاً إلى أن خرجت هذه السنة.

وفي هذه السنة فوض الأتابك طغريل الخادم مدير مملكة حلب، إلى الملك الصالح أحمد بن الظاهر آمر الشغر وبكاس، فسار الملك الصالح من حلب واستولى عليهما، وأضاف إليه الروج ومعرة ومصرين.

وفي هذه السنة قصد الملك المعظم عيسى صاحب دمشق حماة، لأن الملك الناصر صاحب حماة كان قد التزم له بمال يحمله إليه إذا ملك حماة، فلم يف له، فقصد الملك المعظم حماة ونزل بقيرين، وغلقت أبواب حماة، فقصدها الملك المعظم وجرى بينهم قتال قليل، ثم ارتحل الملك المعظم إلى سلمية فاستولى على حواصلها، وولي عليها، ثم توجه إلى المعرة فاستولى عليها وأقام فيها والياً من جهته، وقرر أمورها، ثم عاد إلى سلمية فأقام بها حتى خرجت هذه السنة على قصد منازلة حماة.

وفي هذه السنة حج من اليمن الملك المسعود يوسف، الملقب أطسز، وهو اسم تركي، والعامة تسميه أقسيس، وكان قد استولى على اليمن سنة اثنتي عشرة وستمائة، وقبض على سليمان شاه بن شاهنشاه بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب، وحج في هذه السنة، فلما وقف الملك المسعود في هذه السنة بعرفة، وتقدمت

ص: 131

أعلام الخليفة الإمام الناصر لترفع على الجبل، تقدم الملك المسعود بعساكره ومنع من ذلك، وأمر بتقديم أعلام أبيه السلطان الملك الكامل على أعلام الخليفة، فلم يقدر أصحاب الخليفة على منعه من ذلك، ثم عاد الملك المسعود إلى اليمن، وبلغ ذلك الخليفة، فعظم عليه، وأرسل يشكو إلى الملك الكامل، فاعتذر عن ذلك فقبل عذره، وأقام الملك المسعود في اليمن مدة يسيرة ثم عاد إلى مكة ليستولي عليها، فقاتله الحسن بن قتادة، فانتصر الملك المسعود وانهزم الحسن بن قتادة، واستقرت مكة في ملك الملك المسعود، وولي عليها، وذلك في ربيع الأول من سنة عشرين وستمائة، ثم عاد إلى اليمن.

وفيها توفي الشيخ يونس بن يوسف بن مساعد شيخ الفقراء المعروفة باليونسية، وكان رجلاً صالحاً وله كرامات، وكانت وفاته بقرية القنبة من أعمال دارا، وقد ناهز تسعين سنة، وقبره مشهور هناك.

ثم دخلت سنة عشرين وستمائة والأشرف بديار مصر عند أخيه الملك الكامل، وأخوهما الملك المعظم بسلمية مستول عليها، وعلى المعرة، عازم على حصار حماة، وبلغ الملك الأشرف ما فعله أخوه المعظم بصاحب حماة، فعظم عليه ذلك، واتفق مع أخيه الكامل على الإنكار على الملك المعظم، وترحيله، فأرسل إليه الملك الكامل ناصح الدين الفارسي، فوصل إلى الملك المعظم وهو بسلمية وقال له: السلطان يأمرك بالرحيل فقال: السمع والطاعة، وكانت أطماعه قد قويت على الاستيلاء على حماة، فرحل مغضباً على أخويه الكامل والأشرف، ورجعت المعرة وسلمية للناصر، وكان الملك المظفر محمود ابن الملك المنصور محمد بن تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب، مقيماً عند الملك الكامل بالديار المصرية كما تقدم ذكره، وكان الملك الكامل يؤثر تمليكه حماة، لكن الملك الأشرف غير مجيب إلى ذلك لانتماء الناصر الملك صاحب حماه إليه، وجرى بين الكامل والأشرف في ذلك مراجعات كثيرة، آخرها أنهما اتفقا على نزع سلمية من يد الناصر قليج أرسلان وتسليمها إلى أخيه الملك المظفر، فتسلمها الملك المظفر وأرسل إليها وهو بمصر نائباً من جهته، حسام الدين أبا علي بن محمد بن علي الهذباني، واستقر بيد الملك الناصر حماة والمعرة وبعرين،، ثم سار الأشرف من مصر واصطحب معه خلعة وسناجق سلطانية من أخيه الملك الكامل، للملك العزيز صاحب حلب، وعمره يومئذ عشر سنين، ووصل الأشرف بذلك إلى حلب، وأركب الملك العزيز في دست السلطنة، وفي هذه السنة لما وصل الملك الأشرف بالخلعة المذكورة إلى حلب، اتفق مع الملك الأشرف كبراء الدولة الحلبية على تخريب قلعة اللاذقية، فأرسلوا عسكراً وهدموها إلى الأرض.

ذكر أحوال غياث الدين أخي جلال الدين ابني خوارزم شاه محمد كان لجلال الدين منكبرني أخ يقال له غياث الدين تيزشاه، وكان قد ملك غياث الدين

ص: 132

المذكور كرمان، فلما توجه جلال الدين منكبرني إلى الهند كما تقدم ذكره في سنة سبع عشرة، تغلب غياث الدين على الري وأصفهان وهمذان وغير ذلك من عراق العجم، وهي البلاد المعروفة ببلاد الجبل، فخرج على غياث الدين خاله يعيان طابسي، وكان أكبر أمرائه وأقربهم إليه فاقتتل مع غياث الدين يعيان طابسي ومن معه، وأقام غياث الدين في بلاده مؤيداً منصور.

ذكر حادثة غريبة

كان أهل مملكة الكرج قد مات ملكهم، ولم يبق من بيت الملك غير امرأة، فملكوها، وطلبوا لها رجلاً يتزوجها ويقوم بالملك، ويكون من أهل بيت المملكة، فلم يجدوا فيهم أحداً يصلح لذلك، وكان صاحب أرزن الروم، مغيث الدين طغريل شاه بن قليج أرسلان السلجوقي، من بيت كبير مشهور، فأرسل يخطب الملكة لولده ليتزوجها، فامتنعوا من إجابته، إلا أن يتنصر، فأمر ولده فتنصر وسار إلى الكرج وتزوج ملكتهم وكانت هذه الملكة تهوى مملوكاً لها، ويعلم ابن طغريل شاه بذلك، وتكامن، فدخل يوماً إلى البيت فوجد المملوك نائماً معها في الفراش فلم يصبر المذكور على ذلك، فأنكر عليها، فأخذته زوجته واعتقلته في بعض القلاع، ثم أحضرت رجلين كانا قد وصفا لها بحسن الصورة، فتزوجت أحدهما ثم فارقته، وأحضرت إنساناً من كنجة، مسلماً وهويته وسألته أن يتنصر لتتزوج به، فلم يجب إلى ذلك، وترددت الرسل بينهما في ذلك مدة، فلم يجبها إلى التنصر.

ذكر وفاة ملك الغرب في هذه السنة توفي يوسف المستنصر ملك الغرب، ابن محمد الناصر بن يعقوب المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن، وقد تقدم ذكر ولايته في سنة عشر وستمائة، وكان يوسف المذكور منهمكاً في اللذات، فدخل الوهن على الدولة بسبب ذلك، ولم يخلف يوسف المذكور ولداً، فاجتمع كبراء الدولة وأقاموا عم أبيه لكبر سنه، وهو عبد الواحد بن يوسف بن عبد المؤمن، ولقبوه المستضيء، وكان عبد الواحد المذكور قد صار فقيراً بمراكش، وقاسى الدهر، فلما تولى اشتغل باللذات والتنعم في المآكل والملابس من غير أن يشرب خمراً، ثم خلع عبد الواحد المذكور بعد تسعة أشهر من ولايته وقتل، وملك بعده ابن أخيه عبد الله، وتلقب بالعادل، وهو عبد الله بن يعقوب المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن.

ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وستمائة في هذه السنة وصل التتر إلى قرب تبريز، وأرسلوا إلى صاحبها أزبك بن البهلوان يقولون له: إن كنت في طاعتنا فأرسل من عندك من الخوارزمية إلينا، فأوقع أزبك بمن عنده من الخوارزمية، وقتل بعضهم، وأسر الباقين وأرسلهم إلى التتر مع تقدمة عظيمة، فكفوا عن

ص: 133

بلاد أزبك وعادوا إلى بلاد خراسان.

وفيها استولى غياث الدين تيزشاه أخو جلال الدين بن خوارزم شاه على غالب مملكة فارس، وكان صاحب فارس يقال له الأتابك سعد بن دكلا، وأقام غياث الدين بشيراز، وهي كرسي مملكة فارس، ولم يبق مع الأتابك سعد من فارس غير الحصون المنيعة، ثم اصطلح غياث مع الأتابك سعد، على أن يكون لسعد بعض بلاد فارس، ولغياث الدين الباقي.

ذكر عصيان المظفر غازي ابن الملك العادل على أخيه الملك الأشرف كان الملك الأشرف قد أنعم على أخيه الملك المظفر غازي بخلاط، وهي مملكة عظيمة، وهي إقليم أرمينية، وكان قد حصل بين الملك المعظم عيسى صاحب دمشق، وبين أخويه الكامل والأشرف وحشة، بسبب ترحيله عن حماة، كما قدمنا ذكره. فأرسل المعظم وحسن لأخيه المظفر غازي صاحب خلاط العصيان على أخيه الملك الأشرف. فأجاب الملك المظفر إلى ذلك وخالف أخاه الملك الأشرف، وكان قد اتفق مع المعظم والمظفر غازي صاحب إربل مظفر الدين كوكبوري بن زين الدين علي كجك، وكان بدر الدين لؤلؤ منتمياً إلى الملك الأشرف، فسار مظفر الدين صاحب إربل وحصر الموصل عشرة أيام، وكان نزوله على الموصل ثالث شهر جمادى الآخرة من هذه السنة، ليشغل الملك الأشرف عن قصد أخيه بخلاط، ثم رحل مظفر الدين عن الموصل لحصانتها، فلم يلتفت الملك الأشرف إلى محاصر الموصل وسار إلى خلاط، وحصر أخاه شهاب الدين غازي، فسلمت إليه مدينة خلاط، وانحصر أخوه غازي بقلعتها إلى الليل، فنزل من القلعة إلى أخيه الملك الأشرف واعتذر إليه، فقبل عذره وعفا عنه وأقره على ميافارقين، وارتجع باقي البلاد منه، وكان استيلاء الملك الأشرف على خلاط وأخذها من أخيه في جمادى الآخرة من هذه السنة.

ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين وستمائة: ذكر وصول جلال الدين من الهند إلى البلاد

قد تقدم في سنة سبع عشرة وستمائة ذكر هروب جلال الدين من غزنة، لما قصده جنكزخان، وأنه دخل بلاد الهند، فلما كانت هذه السنة، قدم من الهند إلى كرمان ثم إلى أصفهان واستولى عليها وعلى باقي عراق العجم، ثم سار إلى فارس وانتزعها من أخيه غياث الدين تيزشاه بن محمد، وأعادها إلى صاحبها أتابك سعد بن دكلا صاحب بلاد فارس، وصار أتابك سعد المذكور، وغياث الدين تيزشاه أخو جلال الدين، تحت حكم جلال الدين وفي طاعته، ثم استولى جلال الدين على خورستان، وكاتب الخليفة الإمام الناصر.

ثم سار جلال الدين حتى قارب بغداد ووصل إلى يعقوبا، وخاف أهل بغداد منه واستعدوا للحصار، ونهبت الخوارزمية البلاد، وامتلأت أيديهم من الغنائم، وقوي أمر جلال الدين وجميع عسكره

ص: 134

الخوارزمية، ثم سار إلى قريب إربل، فصالحه صاحبها مظفر الدين ودخل في طاعته، ثم سار جلال الدين إلى أذربيجان وكرسي مملكتها تبريز، فاستولى على تبريز، وهرب صاحب أذربيجان، وهو مظفر الدين أزبك بن البهلوان بن الدكز، وكان أزبك المذكور قد قوي أمره لما قتل طغريل آخر الملوك السلجوقية ببلاد العجم، فاستقل أزبك المذكور في المملكة، وكان أزبك المذكور لا يزال مشغولاً بشرب الخمر، وليس له التفات إلى تدبير المملكة، فلما استولى جلال الدين على تبريز، هرب أزبك إلى كنجة، وهي من بلاد آران، قرب بردعة، ومتاخمة لبلاد الكرج، واستقل السلطان جلال الدين بملك أذربيجان، وكثرت عساكره واستفحل أمره، ثم جرى بين جلال الدين وبين الكرج قتال شديد، انهزم فيه الكرج، وتبعهم الخوارزمية يقتلونهم كيف شاؤوا، واتفق أنه ثبت على قاضي تبريز وقوع الطلاق من أزبك بن البهلوان بن الدكز، على زوجته بنت السلطان طغريل آخر الملوك السلجوقية، المقدم ذكره، فتزوج جلال الدين ببنت طغريل المذكور، وأرسل جيشاً إلى مدينة كنجة ففتحوها، فهرب مظفر الدين أزبك بن محمد البهلوان من كنجة إلى قلعة هناك، ثم هلك وتلاشى أمره.

ذكر وفاة الملك الأفضل نور الدين علي ابن السلطان صلاح الدين يوسف في هذه السنة توفي الملك الأفضل المذكور، وليس بيده غير سميساط فقط، وكان موته فجأة، وعمره سبع وخمسون سنة، وكان الملك الأفضل فاضلاً حسن السيرة، وتجمع فيه الفضائل والأخلاق الحسنة، وكان مع ذلك قليل الحظ، وله الأشعار الحسنة، فمنها يعرض إلى سوء حظه قوله:

يا من يسود شعره بخضابه

لعساه من أهل الشبيبة يحصل

ها فاختضب بسواد حظي مرة

ولك الأمان بأنه لا ينصل

ولما أخذت منه دمشق، كتب إلى بعض أصحابه كتاباً منه: أما أصحابنا لدمشق فلا علم لي بأحد منهم. وسبب ذلك:

أي صديق سألت عنه ففي

الذل وتحت الخمول في الوطن

وأي ضد سألت حالته

سمعت ما لا تحبه أذني

ذكر وفاة الإمام الناصر وفي أول شوال من هذه السنة، توفي الخليفة الناصر لدين الله، وكانت مدة خلافته نحو سبع وأربعين سنة، وعمي في آخر عمره، وكان موته بالدوسنطاريا، وهو الإمام الناصر لدين الله، أبو العباس أحمد، بن المستضيء حسن بن المستنجد يوسف بن المقتفي محمد بن

ص: 135