الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر غير ذلك
وفي هذه السنة وقع الحرب بين صاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ، وبين الملك الناصر صاحب حلب، فأرسل إليه الملك الناصر عسكراً، والتقوا مع المواصلة بظاهر نصيبين، فانهزمت المواصلة هزيمة قبيحة، واستولى الحلبيون على أثقال لؤلؤ صاحب الموصل وخيمه، وتسلم الحلبيون نصيبين وأخذوها من صاحب الموصل، ثم ساروا إلى دارا فنازلوها وتسلموها وخربوها بعد حصار ثلاثة أشهر، ثم تسلموا قرقيسيا وعادوا إلى حلب.
ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وستمائة.
ذكر هزيمة الفرنج وأسر ملكهم لما أقام الفرنج قبالة المسلمين بالمنصورة، فنيت أزوادهم وانقطع عنهم المدد من دمياط، فإن المسلمين قطعوا الطريق الواصل من دمياط إليهم، فلم يبق لهم صبراً على المقام، فرحلوا ليلة الأربعاء، لثلاث مضين من المحرم، متوجهين إلى دمياط، وركب المسلمون أكتافهم، ولما استقر صباح الأربعاء خالطهم المسلمون وبذلوا فيهم السيف، فلم يسلم منهم إلا القليل، وبلغت عدة القتلى من الفرنج ثلاثين ألفا على ما قيل، وانحاز ريد إفرنس ومن معه من الملوك إلى بلد هناك، وطلبوا الأمان، فأمنهم الطواشي محسن الصالحي، ثم احتيط عليهم وأحضروا إلى المنصورة، وقيد ريد إفرنس، وجعل في الدار التي كان ينزلها كاتب الإنشاء، فخر الدين بن لقمان، ووكل به الطواشي صبيح المعظمي، ولما جرى ذلك رحل، الملك المعظم بالعساكر من المنصورة ونزل بفار سكور، ونصب بها برج خشب للملك المعظم.
ذكر مقتل الملك المعظم وفي هذه السنة يوم الاثنين، لليلة بقيت من المحرم، قتل الملك المعظم توران شاه ابن الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل ناصر الدين محمد ابن الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب، وسبب ذلك: أن المذكور، أطرح جانب أمراء أبيه ومماليكه، وكل منهم بلغه عنه من التهديد والوعيد ما نفر قلبه منه، واعتمد على بطانته الذين وصلوا معه من حصن كيفا، وكانوا أطرافاً أراذل، فاجتمعت البحرية على قتله بعد نزوله بفارسكور، وهجموا عليه بالسيوف، وكان أول من ضربه ركن الدين بيبرس، الذي صار سلطاناً فيما بعد، على ما سنذكره إن شاء الله تعالى، فهرب الملك المعظم منهم إلى البرج الخشب الذي نصب له بفارسكور على ما تقدم ذكره، فأطلقوا في البرج النار، فخرج الملك المعظم من البرج هارباً، طالباً البحر ليركب في حراقته، فحالوا بينه وبينها بالنشاب، فطرح نفسه في البحر، فأدركوه وأتموا قتله في نهار الإثنين المذكور، وكانت مدة إقامته في المملكة من حين وصوله إلى الديار المصرية، شهرين
وأياماً.
ولما جرى ذلك، اجتمعت الأمراء واتفقوا على أن يقيموا شجرة الدر زوجة الملك الصالح في المملكة، وأن يكون عز الدين أيبك الجاشنكير الصالحي، المعروف بالتركماني، أتابك العسكر، وحلفوا على ذلك، وخطب لشجرة الدر على المنابر، وضربت السكة باسمها، وكان نقش السكة المستعصمية الصالحية، ملكة المسلمين، والدة الملك المنصور خليل، وكانت شجرة الدر قد ولدت من الملك الصالح ولداً ومات صغيراً، وكان اسمه خليل، فسميت والدة خليل، وكانت صورة علامتها على المناشير والتواقيع، والدة خليل، ولما استقر ذلك، وقع الحديث مع ريد إفرنس في تسليم دمياط بالإفراج عنه، فتقدم ريد إفرنس إلى من بها من نوابه في تسليمها، فسلموها، وصعد إليها العلم السلطاني يوم الجمعة، لثلاث مضين من صفر من هذه السنة، أعني سنة ثمان وأربعين وستمائة، وأطلق ريد إفرنس، فركب في البحر بمن سلم معه نهار السبت، غد الجمعة المذكورة وأقلعوا إلى عكا، ووردت البشرى بهذا الفتح العظيم إلى سائر الأقطار، وفي واقعة ريد إفرنس المذكورة، يقول جمال الدين يحيى بن مطروح أبياتاً منها:
قل للفرنسيس إذا جئته
…
مقال صدق عن قؤول نصيح
أتيت مصراً تبتغي ملكها
…
تحسب أن الزمر يا طبل ريح
وكل أصحابك أوردتهم
…
بحصن تدبيرك بطن الضريح
خمسون ألفاً لا يرى منهم
…
غير قتيل أو أسير جريح
وقل لهم إن أضمروا عودة
…
لأخذ ثار أو لقصد صحيح
دار ابن لقمان على حالها
…
والقيد باقي والطواشي صبيح
ثم عادت العساكر ودخلت القاهرة يوم الخميس، تاسع صفر من الشهر المذكور، وأرسل المصريون رسولاً إلى الأمراء الذين بدمشق، في موافقتهم على ذلك، فلم يجيبوا إليه وكان الملك السعيد ابن الملك العزيز عثمان ابن الملك العادل صاحب الصبيبة، قد سلمها إلى الملك الصالح أيوب، فلما جرى ذلك، قصد قلعة الصبيبة، فسلمت إليه، وكان من الملك السعيد ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
ذكر ملك الملك المغيث الكرك كان الملك المغيث فتح الدين عمر ابن الملك العادل أبي بكر ابن الملك الكامل محمد ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، قد أرسله الملك المعظم توران شاه، لما وصل إلى الديار المصرية، إلى الشوبك، واعتقله بها، وكان النائب على الكرك والشوبك بدر الدين الصوابي الصالحي، فلما جرى ما ذكرناه من قتل الملك المعظم، وما استقر عليه الحال، بادر بدر الدين الصوابي المذكور، فأفرج عن المغيث وملكه القلعتين، الكرك والشوبك، وقام
في خدمته أتم قيام.
ذكر استيلاء الملك الناصر صاحب حلب على دمشق ولما جرى ما ذكرناه، ولم يجب أمراء دمشق إلى ذلك، كاتب الأمراء القيميرية الذين بها الملك الناصر يوسف صاحب حلب، ابن الملك العزيز محمد ابن الملك الظاهر غازي ابن السلطان الملك الناصر صلاح الدين، فسار إليهم وملك دمشق ودخلها في يوم السبت، لثمان مضين من ربيع الآخر من هذه السنة، ولما استقر الناصر المذكور في ملك دمشق، خلع على جمال الدين بن يغمور، وعلى الأمراء القيمرية به، وأحسن اليهم، واعتقل جماعة من الأمراء مماليك الملك الصالح، وعصت عليه بعلبك وعجلون وشميميس مدة مديدة، ثم سلمت جميعها إليه، ولما ورد الخبر بذلك إلى مصر قبضوا على من عندهم من القيمرية، وعلى كل من اتهم بالميل إلى الحلبيين.
ذكر سلطنة أيبك التركماني ثم إن كبراء الدولة اتفقوا على إقامة عز الدين أيبك الجاشنكير الصالحي في السلطنة، لأنه إذا استقر أمر المملكة في امرأة، على ما هو عليه الحال، تفسد الأمور، فأقاموا أيبك المذكور، وركب بالسناجق السلطانية، وحملت الغاشية بين يديه يوم السبت آخر ربيع الآخر من هذه السنة، ولقب الملك المعز، وأبطلت السكة والخطبة التي كانت باسم شجرة الدر.
ذكر عقد السلطنة للملك الأشرف موسى بن يوسف صاحب اليمن، المعروف باقسيس:
ابن الملك الكامل محمد، ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، ثم اجتمعت الأمراء واتفقوا على أنه لا بد من إقامة شخص من بني أيوب في السلطنة، واجتمعوا على إقامة موسى المذكور، ولقبوه الملك الأشرف، وأن يكون أيبك التركماني أتابكه، وأجلس الأشرف موسى المذكور في دست السلطنة، وحضرت الأمراء في خدمته يوم السبت، لخمس مضين من جمادى الأولى من هذه السنة، وكان بغزة حينئذ جماعة من عسكر مصر مقدمهم خاص ترك، فسار إليهم عسكر دمشق، فاندفعوا من غزة إلى الصالحية بالسائح، واتفقوا على طاعة المغيث صاحب الكرك، وخطبوا له بالصالحية يوم الجمعة، لأربع مضين من جمادى الآخرة من هذه السنة، ولما جرى ذلك، اتفق كبراء الدولة بمصر، ونادوا بالقاهرة ومصر، أن البلاد للخليفة المستعصم، ثم جددت الأيمان للملك الأشرف موسى بالسلطنة، ولأيبك التركماني بالأتابكية، وفي يوم الأحد لخمس مضين من رجب، رحل فارس الدين أقطاي الصالحي الجمدار، متوجهاً إلى جهة غزة، ومعه تقدير ألفي فارس، وكان أقطاي المذكور، مقدم البحرية،