المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ووفاته، وما يتعلق بذلك: - المختصر في أخبار البشر - جـ ٣

[أبو الفداء]

فهرس الكتاب

- ‌وقتلهم وحصر الفرنج دمشق:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌وبين عماد الدين زنكي:

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث

- ‌وأسر الخليفة وقتله:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌وهو حادي ثلاثينهم

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌ومقتله:

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث

- ‌وحال مملكة بني باديس

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث:

- ‌وولاية الظافر:

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث:

- ‌بن محمد بن ملكشاه وملك ملكشاه ومحمد، ابني محمود:

- ‌وهزيمة السلطان سنجر منهم، وأسره:

- ‌وأخبار بني منقذ أصحاب شيزر إلى أن ملك نور الدين شيزر:

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث:

- ‌وما كان منه إلى أن قتل

- ‌خلافة المستنجد

- ‌حرسها الله تعالى:

- ‌وقتل شاور

- ‌وفاة المستنجدخلافة المستضيء

- ‌وهو ثالث ثلاثينهم:

- ‌ذكر وفاة المستضيءخلافة الإمام الناصر

- ‌وهو رابع ثلاثينهم:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌خلافة الظاهر

- ‌خلافة المستنصر

- ‌وأخبار الذين تملكوا بعده

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌صاحب اليمن ابن الملك الكامل ابن الملك العادل بن أيوب:

- ‌نائب الملك الأشرف بخلاط وقتله:

- ‌الاستيلاء على حماةذكر استيلاء الملك المظفر محمود ابن الملك المنصور محمد على حماة:

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌ذكر استيلاء الملك العزيز محمد بن الظاهر صاحب حلب على شيزر

- ‌غير ذلك من الحوادث:

- ‌ملك بلاد الروم:

- ‌ووفاته، وما يتعلق بذلك:

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌والقبض على أخيه الملك العادل صاحب مصر، وملك الملك الصالح أيوب ديار

- ‌وغيرها

- ‌وهي والدة الملك العزيز:

- ‌المستعصم بالله

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث

- ‌على القصب واستيلاء الصالح أيوب على بعلبك:

- ‌ونزول الملك الصالح أشمون طناخ:

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌ذكر مسير السلطان الملك الناصر يوسف صاحب الشام إلى الديار المصرية

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌صاحب الشام ابن الملك العزيز:

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث

- ‌وانقراض الدولة العباسية:

- ‌الدولة الإسلامية بعد بني العباسذكر الوقعة بين المغيث صاحب الكرك وعسكر مصر

- ‌ذكر وفاة الناصر داود

- ‌ذكر وفاة الصاحبة غازية خاتونوالدة الملك المنصور صاحب حماة:

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث

- ‌ذكر وفاة بدر الدين صاحب الموصل

- ‌منازلة الملك الناصر يوسف صاحب الشام والكرك

- ‌ذكر سلطنة قطز

- ‌ذكر مولد الملك المظفر محمودبن الملك المنصور صاحب حماة:

- ‌ذكر قصد هولاكو الشام

- ‌ذكر ما كان من الملك الناصر عند قصد التتر حلب

- ‌ذكر استيلاء التتر على حلب وعلى الشام جميعهومسير الملك الناصر عن دمشق، ووصول عساكره إلى مصر، وانفراد الملك الناصر

- ‌ذكر غير ذلك من أحوال حماةوأحوال الملك الناصر بعد أخذ حلب:

- ‌ذكر استيلاء التتر على قلعة حلبوالمتجددات بالشام:

- ‌ذكر استيلاء التتر على ميافارقينوقتل الملك الكامل صاحبها:

- ‌ذكر اتصال الملك الناصر بالتترواستيلائهم على عجلون وغيرها من قلاع الشام:

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌ذكر هزيمة التتر وقتل كتبغا

- ‌ذكر عود الملك المظفر قطز إلى جهة الديار المصريةمقتله:

- ‌ذكر سلطنة بيبرس البندقداري المذكور

- ‌ذكر إعادة عمارة قلعة دمشق

- ‌ذكر سلطنة الحلبي بدمشق

- ‌ذكر قبض عسكر حلب على الملك السعيدابن صاحب الموصل وعود التتر إلى الشام:

- ‌ذكر كسرة التتر على حمص

- ‌ذكر القبض على سنجر الحلبيالملقب بالملك المجاهد

- ‌ذكر خروج البرليعن طاعة الملك الظاهر بيبرس واستيلائه على حلب:

- ‌ذكر مقتل الملك الناصر يوسف

- ‌ذكر مبايعة شخص بالخلافة وإثبات نسبه

- ‌ذكر مسير الملك الظاهر إلى الشام

- ‌ذكر حضور الملك المغيث صاحب الكركوقتله واستيلاء الملك الظاهر بيبرس على الكرك:

- ‌ذكر الإغارة على عكا وغيرها

- ‌ذكر القبض على من يذكر

- ‌ذكر وفاة الأشرف صاحب حمص

الفصل: ‌ووفاته، وما يتعلق بذلك:

وشهوراً، وعمره نحو ستين سنة، وكان مفرط السخاء يطلق الأموال الجليلة النفيسة، وكان ميمون النقيبة، لم تنهزم له راية، وكان سعيداً، ويتفق له أشياء خارقة للعقل، وكان حسن العقيدة، وبنى بدمشق قصوراً ومنتزهات حسنة، وكان منهمكاً في اللذات وسماع الأغاني فلما مرض أقلع عن ذلك، وأقبل على الاستغفار إلى أن توفي، ودفن في تربته بجانب الجامع، ولم يخلف من الأولاد إلا بنتاً واحدة، توجها الملك الجواد يونس بن مودود ابن الملك العادل.

وكان سبب الوحشة بينه وبين أخيه الملك الكامل بعد ما كان بينهما من المصافات، أن الملك الأشرف لم يبق بيده غير دمشق وبلادها وكانت لا تفي بما يحتاجه وما يبذله وقت أخيه الملك الكامل إلى دمشق، وأيضاً لما فتح الملك الكامل آمد وبلادها لم يزده منها شيئاً، وأيضاً بلغه أن الملك الكامل يريد أن ينفرد بمصر والشام، وينتزع دمشق منه، فتغير بسبب ذلك، ولما استقر الملك الصالح إسماعيل في ملك دمشق، كتب إلى الملوك من أهله إلى كيخسرو صاحب بلاد الروم في اتفاقهم معه على أخيه الملك الكامل، فوافقوه على ذلك إلا الملك المظفر صاحب حماة، وأرسل الملك المظفر رسولاً إلى الملك الكامل يعرفه انتماءه إليه، أنه إنما وافق الملك الأشرف خوفاً منه، فقبل الملك الكامل عذره، وتحقق صدق ولائه ووعده بانتزاع سلمية من صاحب حمص وتسليمها إليه.

ذكر مسير السلطان الملك الكامل إلى دمشق واستيلائه عليها

‌ووفاته، وما يتعلق بذلك:

لما بلغ الملك الكامل وفاة أخيه الملك الأشرف، سار إلى دمشق ومعه الناصر داود صاحب الكرك، وهو لا يشك أن الملك الكامل يسلم إليه دمشق، لما كان قد تقرر بينهما، وأما الملك الصالح إسماعيل، فإنه استعد للحصار، ووصل إليه نجدة الحلبيين وصاحب حمص، ونازل الملك الكامل دمشق، وأخرج الملك الصالح إسماعيل النفاطين، فأحرق العقيبة جميعها وما بها من خانات وأسواق، وفي مدة حصار، وصل من عند صاحب حمص رجالة يزيدون على خمسين راجلاً، نجدة للصالح إسماعيل، وظفر بهم الملك الكامل، فشنقهم بين البساتين عن آخرهم، وحال نزول الملك الكامل على دمشق أرسل توقيعاً للملك المظفر صاحب حماة بسلمية، فتسلمها الملك المظفر واستقرت نوابه بها، وكان نزول الملك الكامل على دمشق في جمادى الأولى من هذه السنة، في قوة الشتاء.

ثم سلم الملك الصالح إسماعيل دمشق إلى أخيه الملك الكامل، وتعرض عنها بعلبك والبقاع، مضافاً إلى بصرى، وكان قد ورد من الخليفة المستنصر محي الدين يوسف ابن الشيخ جمال الدين ابن الجوزي، رسولاً للتوفيق بين الملوك، فتسلم الملك الكامل دمشق لإحدى عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى، وكان الملك الكامل شديد الحنق على شيركوه صاحب حمص،

ص: 160

فأمر العسكر فبرزوا لقصد حمص، وأرسل إلى صاحب حماة وأمره بالمسير إليها، فبرز الملك المظفر من حماة ونزل على الرستن، واشتد خوف شيركوه صاحب حمص، وتخضع للملك الكامل، وأرسل إليه نساءه، ودخلن على الملك الكامل، فلم يلتفت إلى ذلك، ثم بعد استقرار الملك الكامل، في دمشق، لم يلبث غير أيام حتى مرض واشتد مرضه، وكان سببه، أنه لما دخل قلعة دمشق أصابه زكام، فدخل الحمام وسكب عليه ماء شديد الحرارة، فاندفعت النزلة إلى معدته وتورمت منها، وحصل له حمى، ونهاه الأطباء عن القيء، وخوفوه منه فلم يقبل، وتقيأ فمات لوقته، وعمره نحو ستين سنة، وكانت وفاته لتسع بقين من رجب من هذه السنة، أعني سنة خمس وثلاثين وستمائة، وكان بين موته وموت أخيه الملك الأشرف نحو ستة أشهر، وكانت مدة ملكه لمصر من حين مات أبوه عشرين سنة، وكان بها نائباً قبل ذلك قريباً من عشرين سنة، فحكم في مصر نائباً وملكاً نحو أربعين سنة، وأشبه حاله حال معاوية بن أبي سفيان، فإنه حكم في الشام نائباً نحو عشرين، وملكاً نحو عشرين.

وكان الملك الكامل ملكاً جليلاً مهيباً حازماً، حسن التدبير، أمنت الطرق في أيامه، وكان يباشر تدبير المملكة بنفسه، واستوزر في أول ملكه وزير أبيه صفي الدين بن شكر، فلما مات ابن شكر لم يستوزر أحداً بعده، وكان يخرج الملك الكامل بنفسه فينظر في أمور الجسور عند زيادة النيل، وإصلاحها، فعمرت في أيامه ديار مصر أتم العمارة، وكان محباً للعلماء ومجالستهم، وكانت عنده مسائل غريبة في الفقه والنحو يمتحن بها الفضلاء، إذا حضروا في خدمته، وكان كثير السماع للأحاديث النبوية، تقدم عنده بسببها الشيخ عمر بن دحية، وبنى له دار الحديث بين القصرين، في الجانب الغربي، وكانت سوق الآداب والعلوم عنده نافقة رحمه الله تعالى، وكان أولاد الشيخ صدر الدين بن حمويه من أكابر دولته، وهم الأمير فخر الدين ابن الشيخ، وإخوته عماد الدين، وكمال الدين، ومعين الدين، أولاد الشيخ المذكور، وكل من أولاد الشيخ المذكور حاز فضيلتي السيف والقلم، فكان يباشر التدريس، ويتقدم على الجيش، ولما مات السلطان الملك الكامل بدمشق، كان معه بها الملك الناصر داود صاحب الكرك فاتفق آراء الأمراء على تحليف العسكر للملك العادل أبي بكر بن الملك الكامل، وهو حينئذ نائب أبيه بمصر، فحلف له جميع العسكر، وأقاموا في دمشق الملك الجواد يونس بن مودود ابن الملك العادل أبو بكر ابن أيوب، نائباً عن الملك العادل أبي بكر ابن الملك الكامل، وتقدمت الأمراء إلى الملك الناصر داود بالرحيل عن دمشق، وهددوه إن أقام، فرحل الملك الناصر داود إلى الكرك، وتفرقت العساكر، فسار أكثرهم إلى مصر، وتأخر مع الجواد يونس بعض العسكر، ومقدمهم عماد الدين ابن الشيخ، وبقي يباشر الأمور مع الملك الجواد، ولما بلغ شيركوه صاحب

ص: 161

حمص وفاة الملك الكامل فرح فرحاً عظيماً، وأتاه فرج ما كان يطمع نفسه به، وأظهر سروراً عظيماً، ولعب بالكرة على خلاف العادة، وهو في عشر السبعين، وأما الملك المظفر صاحب حماة، فإنه حزن لذلك حزناً عظيماً ورحل من الرستن وعاد إلى حماة وأقام فيها للعزاء، وأرسل صاحب حمص وارتجع سلمية من نواب الملك المظفر وقطع القناة الواصلة من سلمية إلى حماة، فيبست بساتينها، ثم عزم على قطع النهر العاصي عن حماة، فسد مخرجه من بحيرة قدس التي بظاهر حمص، فبطلت نواعير حماة والطواحين، وذهب ماء العاصي في أودية بجوانب البحيرة، ثم لما لم يجد له الماء مسلكاً عاد فهدم ما عمله صاحب حمص، وجرى كما كان أولاً، وكذلك كان قد حصل لصاحب حلب ولعسكرها، الخوف من الملك الكامل، فلما بلغهم موته أمنوا من ذلك.

ذكر استيلاء الحلبيين على المعرة وحصارهم حماة ولما بلغ الحلبيين موت الكامل، اتفقت آراؤهم على أخذ المعرة، ثم أخذ حماة من الملك المظفر صاحب حماة لموافقته الملك الكامل على قصدهم، ووصل عسكر حلب إلى المعرة وانتزعوها من يد الملك المظفر صاحب حماة، وحاصروا قلعتها، وخرجت المعرة حينئذ عن ملك الملك المظفر صاحب حماة، ثم سار عسكر حلب ومقدمهم المعظم توران شاه بن صلاح الدين إلى حماة، بعد استيلائهم على المعرة، ونازلوا حماة وبها صاحبها الملك المظفر، ونهب العسكر الحلبي بلاد حماة، واستمر الحصار على حماة حتى خرجت هذه السنة.

ذكر غير ذلك من الحوادث في هذه السنة، عقد لسلطان الروم غياث الدين كيخسرو بن كيقباذ بن كيخسرو، العقد على غازية خاتون بنت الملك العزيز محمد، صاحب حلب وهي صغيرة حينئذ، وتولى القبول عن ملك بلاد الروم قاضي دوقات، ثم عقد للملك الناصر يوسف ابن الملك العزيز صاحب حلب، العقد على أخت كيخسرو، وهي ملكة خاتون بنت كيقباذ بن كيخسرو بن قليج أرسلان، وأم ملكة خاتون المذكورة، بنت الملك العادل أبي بكر بن أيوب، وكان قد زوجها الملك المعظم عيسى صاحب دمشق، بكيقباذ المذكور، وخطب لغياث الدين كيخسرو بحلب.

وفيها خرجت الخوارزمية عن طاعة الملك الصالح أيوب بعد موت أبيه الملك الكامل، ونهبوا البلاد.

وفيها سار لؤلؤ صاحب الموصل وحاصر الملك الصالح أيوب ابن الملك الكامل بسنجار، فأرسل الملك الصالح واسترضى الخوارزمية وبذل لهم حران والرها، فعادوا إلى طاعته، واتقع مع بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، فانهزم لؤلؤ وعسكره هزيمة قبيحة، وغنم عسكر الملك الصالح منهم شيئاً كثيراً.

وفي هذه السنة جرى بين الملك الناصر داوود صاحب الكرك، وبين الملك الجواد يونس، المتولي على

ص: 162

دمشق، مصاف، بين جينين ونابلس، انتصر فيه الملك الجواد يونس، وانهزم الملك الناصر داود هزيمة قبيحة، وقوى الملك الجواد بسبب هذه الوقعة وتمكن من دمشق، ونهب عسكر الملك الناس وأثقاله.

وفي أواخر هذه السنة ولد والدي الملك الأفضل نور الدين علي ابن الملك المظفر صاحب حماة.

ثم دخلت سنة ست وثلاثين وستمائة.

في هذه السنة رحل عسكر حلب المحاصرة لحماة بعد مولد الملك الأفضل، وكان قد طالت مدة حصارهم لحماة، وضجروا فتقدمت إليهم ضيفة خاتون صاحبة حلب بنت الملك العادل بالرحيل عنها، فرحلوا، وضاق الأمر على الملك المظفر في هذا الحصار، وأنفق فيه أموالاً كثيرة، واستمرت المعرة في يد الحلبيين، وسلمية في يد صاحب حمص، ولم يبق بيد الملك المظفر غير حماة وبعرين، ولما جرى ذلك خاف الملك المظفر أن تخرج بعرين بسبب قلعتها، فتقدم بهدمها، فهدمت إلى الأرض في هذه السنة.

ذكر استيلاء الملك الصالح أيوب على دمشق وفي هذه السنة في جمادى الآخرة، استولى الملك الصالح أيوب ابن السلطان لملك الكامل على دمشق وأعمالها، بتسليم الملك الجواد يونس، وأخذ العوض كنها سنجار والرقة وعانة، وكان سبب ذلك أن الملك العادل ابن الملك الكامل صاحب مصر، لما علم باستيلاء الملك الجواد على دمشق، أرسل إليه عماد الدين ابن الشيخ لينتزع دمشق منه، وأن يعوض عنها إقطاعاً بمصر، فمال الجواد يونس إلى تسليمها إلى الملك الصالح حسبما ذكرناه، وجهز على عماد الدين ابن الشيخ من وقف له بقصة، فلما أخذها عماد الدين منه ضربه ذلك الرجل بسكين فقتله، ولما وصل الملك الصالح أيوب إلى دمشق، وصل معه الملك المظفر صاحب حماة معاضداً له، وكان قد لاقاه إلى أثناء الطريق، واستقر الملك الصالح أيوب المذكور في ملك دمشق، وسار الجواد يونس إلى البلاد الشرقية المذكورة، فتسلمها، ولما استقر ملك الملك الصالح بدمشق، وردت عليه كتب المصريين يستدعونه إلى مصر ليملكها، وسأله الملك المظفر صاحب حماة في منازلة حمص وأخذها من شيركوه، فبرز إلى الثنية، وكان قد نازلت الخوارزمية وصاحب حماة، حمص، فأرسل شيركوه مالاً كثيراً وفرقه في الخوارزمية، فرحلوا عنه إلى البلاد الشرقية، ورحل صاحب حماة إلى حماة، ثم كر الملك الصالح عائداً إلى دمشق، طالباً مصر، وسار من دمشق إلى خربة اللصوص، وعيد بها عيد رمضان، ووصل إليه بعض عساكر مصر مقفزين، ولما خرج الملك الصالح من دمشق، جعل نائبه فيها ولده الملك المغيث فتح الدين عمر ابن الملك الصالح، وشرع الملك الصالح يكاتب عمه الصالح إسماعيل صاحب بعلبك، ويستدعيه إليه، وعمه إسماعيل المذكور، يتحجج ويعتذر عن الحضور،

ص: 163

ويظهر له أنه معه، وهو يعمل في الباطن على ملك دمشق وأخذها من الصالح أيوب، وكان قد سافر الملك الناصر صاحب الكرك إلى مصر واتفق مع الملك العادل أبي بكر ابن الملك الكامل على قتال الملك الصالح أيوب.

ووصل أيضاً في هذه السنة محي الدين ابن الجوزي رسولاً من الخليفة ليصلح بين الأخوين العادل صاحب مصر، والصالح أيوب المستولي على دمشق، وهذا محي الدين هو الذي حضر ليصلح بين الكامل والأشرف، فاتفق أنه مات في حضوره في سنة أربع وثلاثين وخمس وثلاثين أربعة من السلاطين العظماء، وهم الملك الكامل صاحب مصر، وأخوه الأشرف صاحب دمشق، والعزيز صاحب حلب، وكيقباذ صاحب بلاد الروم. فقال في ذلك ابن المسجف أحد شعراء دمشق:

يا إمام الهدى أبا جعفر المن

صور يا من له الفخار الأثيل

ما جرى من رسولك الآن محي الدين

في هذه البلاد قليل

جاء والأرض بالسلاطين تزهى

وغدا والديار منهم طلول

أقفر الروم والشآم ومصر

أفهذا مغسل أم رسول

ثم دخلت سنة سبع وثلاثين وستمائة في هذه السنة في صفر سار الملك الصالح إسماعيل صاحب بعلبك، ومعه شيركوه صاحب حمص، بجموعهما، وهجموا دمشق، وحصروا القلعة، وتسلمها الصالح إسماعيل، وقبض على المغيث فتح الدين عمر ابن الملك الصالح أيوب. وكان الملك الصالح أيوب بنابلس لقصد الاستيلاء على ديار مصر، وكان قد بلغه سعي عمه إسماعيل في الباطن. وكان للصالح أيوب طبيب يثق به يقال له الحكيم سعد الدين الدمشقي، فأرسله الصالح أيوب إلى بعلبك، ومعه قفص من حمام نابلس: ليطلعه بأخبار الصلح صاحب بعلبك وحال وصول الحكيم المذكور، علم به صاحب بعلبك، فاستحضره وأكرمه وسرق الحمام التي لنابلس، وجعل موضعها حمام بعلبك، ولم يشعر الطبيب المذكور بذلك، فصار الطبيب المذكور يكتب أن عمك إسماعيل قد جمع، وهو في نية قصد دمشق، ويطبق فيقعد الطير ببعلبك، فيأخذ الصالح إسماعيل البطاقة ويزور على الحكيم، أن عمك إسماعيل قد جمع ليعاضدك، وهو واصل إليك ويسرجه على حمام نابلس، فيعتمد الصالح أيوب على بطاقة الحكيم ويترك ما يرد إليه من غيره من الأخبار.

واتفق أيضاً أن الملك المظفر صاحب حماة، علم بسعي الصالح إسماعيل صاحب بعلبك في أخذ دمشق، مع خلوها ممن يحفظها، فجهز نائبه سيف الدين علي بن أبي علي، ومعه جماعة من عسكر حماة وغيرهم، وجهز معه من السلاح والمال شيئاً كثيراً، ليصل إلى دمشق ويحفظها لصاحبها، وأظهر الملك المظفر وابن أبي علي أنهما قد اختصما، وأن ابن أبي

ص: 164