الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خاطره منهم، وتقدم إليهم بالانتزاح عن دمشق، فساروا إلى غزة، وانضموا إلى الملك المغيث فتح الدين عمر ابن الملك العادل أبي بكر ابن الملك الكامل، وانزعج أهل مصر لقدوم البحرية إلى غزة، وبرزوا إلى العباسة، ووصل من البحرية جماعة مقفزين إلى القاهرة، منهم عز الدين الأثرم، فأكرموهم وأفرجوا عن أملاك الأثرم. ولما فارق البحرية الناصر صاحب الشام، أرسل عسكراً في إثرهم، فكبس البحرية ذلك العسكر ونالوا منه، ثم إن عسكر الناصر بعد الكبسة، كسروا البحرية، فانهزموا إلى البلقاء وإلى زعز، ملتجين إلى الملك المغيث صاحب الكرك، فأنفق فيهم المغيث أموالاً جليلة، وأطمعوه في ملك مصر، فجهزهم بما احتاجوه، وسارت البحرية إلى جهة مصر، وخرجت عساكر مصر لقتالهم، والتقى المصريون مع البحرية وعسكر المغيث بكرة السبت، منتصف ذي القعدة من هذه السنة، فانهزم عسكر المغيث والبحرية، وفيهم بيبرس البند قداري، المسمى بعد ذلك بالملك الظاهر، إلى جهة الكرك.
ذكر غير ذلك من الحوادث
في هذه السنة وصل من الخليفة المستعصم، الخلعة والطوق والتقليد، إلى الملك الناصر يوسف ابن الملك العزيز. وفيها استجار الناصر داود بنجم الدين الباذراي، في أن يتوجه صحبته إلى بغداد، فأخذه صحبته، وتوصل الناصر يوسف صاحب دمشق إلى منعه عن ذلك، فلم يتهيأ له، وسار الناصر داود مع الباذراي إلى قرقيسيا، فأخره الباذراي ليشاور عليه، فأقام الناصر داود في قرقيسيا ينتظر الإذن بالقدوم إلى بغداد فلم يؤذن له، وطال مقامه، فسافر إلى البرية وقصد تيه بني إسرائيل، وأقام مع عرب تلك البلاد.
وفي هذه السنة أو التي قبلها، ظهرت نار بالحرة، عند مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان لها بالليل ضوء عظيم، يظهر من مسافة بعيدة جداً، ولعلها النار التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم من علامات الساعة، فقال " نار تظهر بالحجاز تضيء منها أعناق الإبل ببصرى " ثم اتفق أن الخدام بحرم النبي صلى الله عليه وسلم، وقع منهم في بعض الليالي تفريط، فاشتعلت النار في المسجد الشريف، واحترقت سقوفه، ومنبر النبي صلى الله عليه وسلم، وتألم الناس لذلك.
ثم دخلت سنة ست وخمسين وستمائة.
ذكر استيلاء التتر على بغداد
وانقراض الدولة العباسية:
في أول هذه السنة قصد هولاكو ملك التتر بغداد وملكها، في العشرين من المحرم، وقتل الخليفة المستعصم بالله، وسبب ذلك أن وزير الخليفة مؤيد الدين ابن العلقمي، كان رافضياً، وكان أهل الكرخ أيضاً روافض، فجرت فتنة بين السنية والشيعة ببغداد، على جاري عادتهم، فأمر أبو بكر ابن الخليفة، وركن الدين الدوادار، العسكر، فنهبوا الكرخ وهتكوا النساء، وركبوا منهن الفواحش، فعظم ذلك على الوزير ابن العلقمي، وكاتب التتر وأطمعهم في ملك بغداد،
وكان عسكر بغداد يبلغ مائة ألف فارس، فقطعهم المستعصم ليحمل إلى التتر متحصل إقطاعاتهم، وصار عسكر بغداد دون عشرين ألف فارس، وأرسل ابن العلقمي إلى التتر أخاه، يستدعيهم، فساروا قاصدين بغداد في جحفل عظيم، وخرج عسكر الخليفة لقتالهم، ومقدمه ركن الدين الدوادار، والتقوا على مرحلتين من بغداد، واقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزم عسكر الخليفة، ودخل بعضهم بغداد، وسار بعضهم إلى جهة الشام، ونزل هولاكو على بغداد من الجانب الشرقي ونزل باجو، وهو مقدم كبير، في الجانب الغربي، على قرية، قبالة دار الخلافة، وخرج مؤيد الدين الوزير ابن العلقمي إلى هولاكو فتوثق منه لنفسه، وعاد إلى الخليفة المستعصم وقال إن هولاكو يبقيك في الخلافة كما فعل بسلطان الروم، ويريد أن يزوج ابنته من ابنك أبي بكر، وحسن له الخروج إلى هولاكو، فخرج إليه المستعصم في جمع من أكابر أصحابه، فأنزل في خيمة، ثم استدعى الوزير الفقهاء والأماثل فاجتمع هناك جميع سادات بغداد والمدرسون، وكان منهم محي الدين ابن الجوزي وأولاده، وكذلك بقي يخرج إلى التتر طائفة بعد طائفة، فلما تكاملوا، قتلهم التتر عن آخرهم، ثم مدوا الجسر، وعدى باجو ومن معه، وبذلوا السيف في بغداد، وهجموا دار الخلافة، وقتلوا كل من كان فيها من الأشراف، ولم يسلم إلا من كان صغيراً، فأخذ أسيراً، ودام القتل والنهب في بغداد نحو أربعين يوماً، ثم نودي بالأمان. وأما الخليفة فإنهم قتلوه، ولم يقع الاطلاع على كيفية قتله، فقيل خنق، وقيل وضع في عدل ورفسوه حتى مات، وقيل غرق في دجلة، والله أعلم بحقيقة ذلك. وكان هذا المستعصم، وهو عبد الله أبو أحمد بن المستنصر أبي جعفر، منصور بن محمد الطاهر ابن الإمام الناصر أحمد. وقد تقدم ذكر باقي نسبه عند ذكر وفاة الإمام الناصر. كان ضعيف الرأي، قد غلب عليه أمراء دولته لسوء تدبيره، تولى الخلافة بعد موت أبيه المستنصر، في سنة أربعين وستمائة، وكانت مدة خلافته نحو ست عشرة سنة تقريباً، وهو آخر الخلفاء العباسيين، وكان ابتداء دولتهم في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وهي السنة التي بويع فيها السفاح بالخلافة، وقتل فيها مروان الحمّار، آخر خلفاء بني أمية، وكانت مدة ملكهم خمس مائة سنة، وأربعاً وعشرين سنة تقريباً، وعدة خلفائهم، سبعة وثلاثون خليفة، حكى القاضي جمال الدين ابن واصل قال: لقد أخبرني من أثق به، أنه وقف على كتاب عتيق، فيه ما صورته أن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، بلغ بعض خلفاء بني أمية عنه، أنه يقول: إن الخلافة تصير إلى ولده، فأمر الأموي بعلي بن عبد الله، فحمل على جمل وطيف به وضرب، وكان يقال عند ضربه: هذا جزاء من يفتري ويقول: إن الخلافة تكون في ولده. فكان علي بن عبد الله المذكور رحمه الله، يقول: أي والله لتكونن الخلافة في ولدي، لا تزال فيهم حتى يأتيهم العلج من خراسان فينتزعها منهم، فوقع