المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌14 - ينوي انتظار الصلاة ولا يؤذي - المساجد

[سعيد بن وهف القحطاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأول: مفهوم المساجد:

- ‌المسجد لغة:

- ‌المسجد في الاصطلاح الشرعي:

- ‌ الجامع:

- ‌المبحث الثاني: فضل المساجد وشرفها:

- ‌المبحث الثالث: أفضل المساجد: المساجد الثلاثة:

- ‌المبحث الرابع: مسجد قباء أفضل المساجد بعد المساجد الثلاثة

- ‌المبحث الخامس: فضل بناء المساجد وعمارتها، جاء فيه نصوص كثيرة تدل على العناية بها

- ‌المبحث السادس: فضل المشي إلى المساجد:

- ‌1 - شديد الحب للمساجد في ظل الله يوم القيامة

- ‌2 - المشي إلى المساجد تُرفع به الدرجات، وتُحطّ الخطايا

- ‌3 - يكتب له المشي إلى بيته كما كتب له المشي إلى الصلاة

- ‌4 - المشي إلى المسجد تُمحى به الخطايا

- ‌5 - المشي إلى المساجد بعد إسباغ الوضوء تُغفر به الذنوب

- ‌6 - إعداد الله تعالى الضيافة في الجنة لمن غدا إلى المسجد

- ‌7 - من ذهب إلى صلاة الجماعة في المسجد فسُبق بها

- ‌8 - من تطهّر وخرج إلى صلاة الجماعة في المسجد

- ‌9ـ أجر من خرج إلى صلاة الجماعة في المسجد متطهراً

- ‌10 - الخارج إلى صلاة الجماعة في المسجد ضامن على الله تعالى

- ‌11 - اختصام الملأ الأعلى في المشي على الأقدام إلى صلاة الجماعة

- ‌12 - المشي إلى صلاة الجماعة في المسجد من أسباب السعادة

- ‌13 - المشي إلى المساجد من أسباب تكفير الخطايا

- ‌14 - إكرام الله تعالى لزائر المسجد

- ‌15 - فرح الله تعالى بمشي عبده إلى المسجد متوضياً

- ‌16 - النور التّامّ يوم القيامة لمن مشى في الظلم إلى المساجد

- ‌المبحث السابع: آداب المشي إلى المساجد:

- ‌1 - يتوضأ في بيته ويسبغ الوضوء

- ‌2 - يبتعد عن الروائح الكريهة

- ‌3ـ يأخذ زينته ويتجمّل

- ‌4 - يدعو دعاء الخروج ويخرج بنية الصلاة

- ‌5 - لا يشبك بين أصابعه في طريقه إلى المسجد ولا في صلاته

- ‌6 - يمشي وعليه السكينة والوقار

- ‌7 - ينظر في نعليه قبل دخول المسجد

- ‌8 - يقدم رجله اليمنى عند دخول المسجد

- ‌9ـ يسلّم إذا دخل المسجد على من فيه بصوت يسمعه من حوله

- ‌10 - يصلي تحية المسجد

- ‌11 - إذا خلع نعليه داخل المسجد وضعهما بين رجليه

- ‌12 - يختار الجلوس في الصف الأول على يمين الإمام إن تيسّر

- ‌13 - يجلس مستقبلاً القبلة

- ‌14 - ينوي انتظار الصلاة ولا يؤذي

- ‌19 - الأمر بإمساك نصال السلاح في المساجد والأسواق

- ‌20 - صلاة النساء في المساجد جاءت في الأحاديث الصحيحة

- ‌21 - الاحتباء في المسجد قبل صلاة الجمعة والإمام يخطب

- ‌22 - المنبر: مرقاة الخطيب سمي منبراً

- ‌23 - الإخلاص عند إتيان المسجد، ليفوز بالثواب العظيم

- ‌24 - يحذر من هجر المسجد الذي يليه إلا لعذر

- ‌25 - يحذر من تخطي رقاب الناس

- ‌26 - لا يُفرّق بين اثنين

- ‌27 - لا يمر بين يدي المصلي وسترته

- ‌28 - لا يتخذ مكاناً خاصاً لا يصلي إلا فيه

- ‌29 - لا يقيم أحداً من مكانه ليجلس فيه

- ‌30 - يُنْصتُ للخطبة يوم الجمعة

- ‌31 - لا يشغل الوقت بين الأذان والإقامة بالكلام

- ‌32 - لا يحجز مكاناً بسجادة ونحوها، لا يوم الجمعة ولا غيره

- ‌33 - لا يجلس الجنب والحائض في المسجد

- ‌المبحث التاسع: المواضع المنهي عن الصلاة فيها:

- ‌المبحث العاشر: حلقات العلم في المساجد من أعظم القربات

الفصل: ‌14 - ينوي انتظار الصلاة ولا يؤذي

تعالى؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لكل شيء سيداً، وإن سيد المجالس قبالة القبلة)) (1).

‌14 - ينوي انتظار الصلاة ولا يؤذي

؛ فإنه في صلاة ما انتظر الصلاة، وتصلي عليه الملائكة، قبل الصلاة وبعدها مادام في مصلاه؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاه ينتظر الصلاة، وتقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه

)). وفي لفظ لمسلم: ((والملائكة يصلون على أحدكم مادام في مجلسه الذي صلى فيه، يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يُؤذِ، ما لم يُحدث)) (2).

15 -

إذا أقيمت الصلاة فلا يصلي إلا المكتوبة؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أقيمت الصلاة فلا

(1) الطبراني في الأوسط [مجمع البحرين، 5/ 278، برقم 3062]، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 8/ 59:((رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن)).

(2)

متفق عليه: البخاري، برقم 647، ومسلم، برقم 649، وتقدم تخريجه في فضل صلاة الجماعة.

ص: 49

صلاة إلا المكتوبة)) (1).

16 -

يقدم رجله اليسرى عند الخروج من المسجد بعكس دخوله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله: في طهوره، وترجله، وتنعُّله (2). وكان ابن عمر رضي الله عنهما يبدأ برجله اليمنى فإذا خرج بدأ برجله اليسرى (3). وقال أنس رضي الله عنه:((من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى)) (4). ويقول: ((بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم إني أسألك من فضلك] (5)[اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم])) (6).

(1) مسلم، برقم 710، وتقدم تخريجه في صلاة التطوع.

(2)

البخاري، كتاب الصلاة، باب التيمن في دخول المسجد وغيره، برقم 426.

(3)

البخاري معلقاً مجزوماً به، كتاب الصلاة، باب التيمن في دخول المسجد وغيره، قبل الحديث 426.

(4)

الحاكم، وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، 1/ 118.

(5)

مسلم، برقم 113، وأبو داود، برقم 465، وتقدم تخريجه في دعاء دخول المسجد.

(6)

ابن ماجه، كتاب المساجد، والجماعات، برقم 773، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 1/ 129.

ص: 50

المبحث الثامن: أحكام المساجد:

1 -

تنظيف المساجد، وتطييبها، وصيانتها؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت:((أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور (1) وأن تنظف، وتطيب)) (2).

وعن سمرة رضي الله عنه أنه كتب إلى ابنه: ((أما بعد، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا بالمساجد أن نصنعها في دورنا، ونصلح صنعتها، ونطهرها)) (3).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أسودَ أو امرأة سوداء كان يقمُّ المسجد (4) فمات ولم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم بموته، فذكره ذات يوم، فقال:((ما فعل ذلك الإنسان))؟ قالوا: مات يا رسول

(1) بناء المساجد في الدور: قال سفيان: يعني في القبائل، جامع الأصول لابن الأثير 11/ 208.

(2)

أحمد في المسند، 6/ 279، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب اتخاذ المساجد في الدور، برقم 455، والترمذي، كتاب الجمعة، باب ما ذكر في تطييب المساجد، برقم 594، وابن ماجه، كتاب المساجد والجماعات، برقم 758، 759، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 92.

(3)

أبو داود، كتاب الصلاة، باب اتخاذ المساجد في الدور، برقم 456، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 92.

(4)

قَمُّ المسجد: هو كنسه. الترغيب والترهيب للمنذري، 1/ 268.

ص: 51

الله، قال:((أفلا آذنتموني))؟ فقالوا: إنه كان كذا وكذا قصته، قال: فحقروا شأنه، قال:((دلّوني على قبره)) أو قال: ((على قبرها)) فأتى قبرها فصلى عليها، [ثم قال:((إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله عز وجل ينوِّرها لهم بصلاتي عليهم)) (1)]. وعن أنس رضي الله عنه قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه، مه (2)؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزرموه (3) دعوه)) فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له:((إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة، وقراءة القرآن)) أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأمر رجلاً

(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الصلاة، باب كنس المسجد والتقاط الخرق، والأذى، والعيدان، برقم 458، وكتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر بعدما يدفن، برقم 1337، ومسلم كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر، برقم 956، وما بين المعقوفين من رواية مسلم.

(2)

مَهْ مَهْ: معناه اكفف، وهي كلمة زجر قيل: أصلها ما هذا؟ ثم حذف تخفيفاً، وتقال مكررة ومفردة. انظر: نيل الأوطار للشوكاني، 1/ 82.

(3)

لا تزرموه: أي لا تقطعوا عليه بوله. شرح السنة للبغوي، 2/ 401.

ص: 52

من القوم فجاء بدلوٍ من ماءٍ فشنَّه (1) عليه)) (2).

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((البزاق في المسجد خطيئة، وكفَّارتها دفنه)). وفي لفظ لمسلم: ((التفل في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها)) (3).

وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((عُرضت عليّ أعمال أمتي: حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها، الأذى يُماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة (4) تكون في المسجد ولا تدفن)) (5). قال الإمام النووي رحمه

(1) شنَّه عليه: أي صبه عليه. المرجع السابق، 2/ 401.

(2)

متفق عليه: البخاري، كتاب الوضوء، بابٌ: صب الماء على البول في المسجد، برقم 221، ومسلم واللفظ له، كتاب الطهارة، باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد، وأن الأرض تطهر بالماء من غير حاجة إلى حفرها، برقم 285.

(3)

متفق عليه: البخاري، كتاب الصلاة، باب كفارة البزاق في المسجد، برقم 415، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن البصاق في المسجد، في الصلاة وغيرها، والنهي عن بصاق المصلي بين يديه وعن يمينه، برقم 552.

(4)

النخاعة: البزقة التي تخرج من أصل الفم مما يلي أصل النخاع. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، باب النون مع الخاء، 5/ 33.

(5)

مسلم، كتاب المساجد، باب النهي عن البصاق في المسجد، برقم 553.

ص: 53

الله: ((هذا ظاهر أن هذا القبح أو الذم لا يختص بصاحب النخاعة بل يدخل فيه هو، وكل من رآها ولا يزيلها بدفن أو حكٍّ، ونحوه)) (1).

2 -

يبتعد المسلم عن الروائح الخبيثة إذا ذهب إلى المسجد؛ لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلْنا، أو ليعتزلْ مسجدَنا، وليقعدْ في بيته)). وفي لفظ لمسلم: ((فإن الملائكة تتأذَّى مما يتأذَّى منه بنو آدم)) (2).

وخطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس في آخر حياته، وقال:((إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين، هذا البصل والثوم، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأُخرج، فمن أكلهما فليمتهما طبخاً)) (3).

(1) شرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 45.

(2)

متفق عليه: البخاري، برقم 855، ومسلم، برقم 564، وتقدم تخريجه في مكروهات الصلاة.

(3)

مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم 566.

ص: 54

3 -

المساجد يجب أن تقام الجماعة فيها، ولا يجوز للرجال فعلها إلا في المسجد، والأدلة على ذلك هي البراهين الدالة على وجوب صلاة الجماعة، وأنها فرض عين (1) ولكن إذا لم يتيسر مسجد أو كان المسجد بعيداً لا يُسمع الأذان منه أو كان الجماعة في سفر، فإن الجماعة تجب على من يستطيع أن يجدها، وعليهم أن يصلوا في مكان طاهر؛ لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((أُعطيت خمساً لم يُعطهنّ أحد قبلي: نُصرت بالرعب مسيرة شهر، وجُعِلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ، وأحلت لي الغنائم ولم تُحلّ لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة وبُعثتُ إلى الناس عامة)) (2). قال الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى -: ((من تأمل السنة حق التّأمُّل تبين له أن فعلها في المساجد فرض على الأعيان، إلا

(1) تقدمت الأدلة على ذلك في حكم صلاة الجماعة.

(2)

متفق عليه: البخاري، كتاب التيمم، بابٌ: حدثنا عبد الله بن يوسف، برقم 335، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب المساجد ومواضع الصلاة برقم521.

ص: 55

لعارض يجوز معه ترك الجمعة والجماعة، فترك حضور المسجد لغير عذر كترك أصل الجماعة لغير عذر، وبهذا تتفق جميع الأحاديث والآثار

فالذي ندينُ الله به أنه لا يجوز لأحد التخلف عن الجماعة في المسجد إلا من عذر، والله أعلم بالصواب)) (1).

4 -

تحريم اتخاذ القبور مساجد، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) (2)؛ولحديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهم قالا: ((لَمّا نزل (3) برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق (4) يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها (5) كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: ((لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور

(1) كتاب الصلاة، لابن القيم، ص89.

(2)

متفق عليه: البخاري، كتاب الصلاة، بابٌ: حدثنا أبو اليمان، برقم 436، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور برقم530.

(3)

نزل: أي نزل ملك الموت برسول الله صلى الله عليه وسلم.

(4)

طفق: جعل.

(5)

اغتم: أي تغطَّى بها. انظر: المصباح المنير للفيومي، 454.

ص: 56

أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا)) (1).

وعن جُندب رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: ((إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل؛ فإن الله تعالى قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت مُتخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك)) (2).

وعن عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهن ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير، فَذَكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((إنَّ أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً، وصوَّروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق

(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الصلاة، بابٌ: حدثنا أبو اليمان، برقم 436، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، برقم 531.

(2)

مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، برقم 532.

ص: 57

عند الله عز وجل يوم القيامة)) (1).

5 -

دخول الكافر المسجد عند الحاجة بدون ضرر أو أذى؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلاً قِبَلَ نجدٍ فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال:((أطلقوه)) فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله (2). وهذا يدل على جواز دخول المشرك المسجد إذا كان له فيه حاجة، أما المسجد الحرام فلا (3). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد

(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الصلاة، باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد، برقم 427، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، برقم 528.

(2)

متفق عليه: البخاري واللفظ له، كتاب الصلاة، باب الاغتسال إذا أسلم وربط الأسير أيضاً في المسجد، برقم 462، وباب دخول المشرك المسجد، برقم 469، ومسلم، كتاب الجهاد، باب ربط الأسير وحبسه وجواز المن عليه، برقم 1764.

(3)

انظر: سبل السلام للصنعاني، 2/ 185.

ص: 58

الله ابن باز رحمه الله يقول: ((وهذا فيه شاهد على جواز ربط الكافر في المسجد، ويدل على جواز دخول الكافر المدينة المنورة، فليست كمكة عند الحاجة، وفيه دليل على جواز دخول الكافر المسجد للحاجة، فإذا جاز دخوله مسجد المدينة فالمساجد الأخرى من باب أولى ما عدا مكة)) (1).

6 -

جواز إنشاد الشعر الحكيم النافع في المسجد؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه مرّ بحسان رضي الله عنه وهو ينشد الشعر في المسجد، فلحظ إليه (2) فقال: قد كنت أنشدُ وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أنشدك الله أسمعت رسول الله يقول: ((أجب عني اللهم أيِّده بروح القدس)) (3) قال: اللهم نعم (4).

(1) سمعته من سماحته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 265.

(2)

لحظ إليه: نظر إليه وكأن حسان فهم منه نظر الإنكار. سبل السلام، 2/ 187.

(3)

روح القدس: جبريل عليه السلام.

(4)

متفق عليه: البخاري، كتاب الصلاة، باب الشعر في المسجد، برقم 453، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه، برقم 2485.

ص: 59

وفي هذا الحديث دلالة على جواز إنشاد الأشعار التي تدعو إلى الخير في المسجد؛ لما في ذلك من الأثر العظيم في النفوس، وتشجيع أهل الحق، أما ما جاء من أحاديث النهي عن تناشد الأشعار في المسجد، فالنهي محمول على تناشد أشعار الجاهلية، وأهل البطالة، فالمأذون فيه ما سلم من ذلك، وقيل: المأذون فيه: مشروط بأن لا يكون ذلك مما يشغل مَن في المسجد (1).

7 -

تحريم السؤال عن الضالة في المسجد؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سمع رجلاً ينشد ضالة (2) في المسجد فليقل: لا ردّها الله عليك؛ فإن المساجد لم تُبنَ لهذا)) (3). وعن بريدة رضي الله عنه أن رجلاً نشد في المسجد فقال: من دعا (4) إلى الجمل الأحمر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا

(1) انظر: سبل السلام للصنعاني، 2/ 187.

(2)

ينشُدُ: من نشدت إذا طلبت، ومنه قوله:((نشد)) شرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 58.

(3)

مسلم، كتاب المساجد، باب النهي عن نشد الضالة في المسجد وما يقوله من سمع الناشد، برقم 568.

(4)

من دعا إلى الجمل الأحمر: أي من وجد ضالتي وهو الجمل الأحمر فدعاني إليه. انظر: جامع الأصول لابن الأثير، 11/ 204.

ص: 60

وجدتَ إنما بُنيت المساجد لِمَا بُنيت له)) (1).

دلّ هذان الحديثان على النهي عن نشد الضالة في المسجد، ويلحق به ما في معناه: من البيع والشراء، والإجارة، ونحوها من العقود، وكراهة رفع الصوت في المسجد، والدعاء عليه: عقوبة له على مخالفته وعصيانه، وينبغي لسامعه أن يقول: لا وجدت فإن المساجد لم تبن لهذا، أو يقول: لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له (2).والضالة: الضائعة، ونشدها طلبها والسؤال عنها (3).

8 -

تحريم البيع والشراء في المساجد؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع (4) في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد

(1) مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن نشد الضالة في المسجد وما يقوله من سمع الناشد، برقم 569.

(2)

انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 58 - 59.

(3)

انظر: جامع الأصول، لابن الأثير، 11/ 203.

(4)

يبتاع: أي يشتري. سبل السلام للصنعاني، 2/ 189.

ص: 61

فيه ضالة فقولوا: لا ردّ الله عليك)) (1).

والحديث يدل على تحريم البيع والشراء في المسجد، وأنه ينبغي لمن رأى ذلك أن يقول لكل من البائع والمشتري: لا أربح الله تجارتك، جهراً للفاعل (2) هذا فيه تعزير بالدعاء، والعلة في قوله فيما سلف:((فإن المساجد لم تبن لذلك)).

9 -

لا تقام الحدود في المساجد ولا يستقاد فيها؛ لحديث حكيم بن حزام رضي الله عنه أنه قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستقاد في المسجد، وأن تنشد فيه الأشعار، وأن تقام فيه الحدود)) (3).

(1) الترمذي، بلفظه، كتاب البيوع، باب النهي عن البيع في المسجد، برقم 1321، والنسائي في عمل اليوم والليلة، برقم 176، وابن السني في عمل اليوم والليلة برقم 154، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 2/ 56، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/ 34، وفي إرواء الغليل، برقم 1495.

(2)

انظر: سبل السلام للصنعاني، 2/ 189.

(3)

أبو داود، كتاب الحدود، باب في إقامة الحد في المسجد، برقم 4490، بلفظه، وأحمد في المسند، 3/ 34، والحاكم في المستدرك، 4/ 378، والدارقطني في السنن،

3/ 86، برقم 14، والبيهقي في السنن الكبرى، 8/ 328، وعزاه ابن حجر في التلخيص الحبير إلى ابن السكن، وضعف إسناده الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام، وقال في التلخيص الحبير، 4/ 78:((لا بأس بإسناده))، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 3/ 850.

ص: 62

والحديث يدلّ على تحريم إقامة الحدود في المساجد، وعلى تحريم الاستقادة فيها (1)، أما الأشعار التي لا تجوز في المساجد فهي أشعار الجاهلية، وأهل المعاصي، بخلاف الأشعار التي تدعو إلى الفضيلة فلا بأس بها. وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز

رحمه الله يقول: ((الحديث وإن كان ضعيفاً لكن معناه تشهد له الأدلة الأخرى؛ فإن إقامة الحدود في المساجد قد تلوثها عند الضرب أو القطع، فيحصل تلويث المسجد بالبول أو غيره)) (2).

10 -

النوم والأكل والسكن وبقاء المريض في المسجد؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((أصيب سعد يوم الخندق فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) خيمة في المسجد ليعوده من

(1) انظر: سبل السلام للصنعاني، 2/ 191.

(2)

سمعته من سماحته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 269.

(3)

فضرب عليه خيمة: أي نصب عليه خيمة. سبل السلام للصنعاني، 2/ 193.

ص: 63

قريب)) (1). وهذا يدل على جواز النوم في المسجد، وبقاء المريض فيه، ونصب الخيمة (2). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول:((لا بأس من اتخاذ خيمة، أو خيام في المسجد، سواء كانت للاعتكاف، أو لرجل له شأن، ليزار، أو للسكن لمن لم يكن له سكن)) (3).

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان ينام وهو شاب أعزب لا أهل له في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم (4). وعن عائشة رضي الله عنها أن وليدة سوداء كان لها خباء في المسجد، فكانت تأتيني فتحدث عندي، قالت: فلا تجلس عندي مجلساً إلا قالت:

(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الصلاة، باب الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم، برقم 463، ومسلم، كتاب الجهاد، باب جواز قتال من نقض العهد وجواز إنزال أهل الحصن على حكم حاكم عدل أهل للحكم، برقم 1769.

(2)

انظر: سبل السلام للصنعاني،2/ 193.

(3)

سمعته من سماحته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 270.

(4)

البخاري، كتاب الصلاة، باب نوم الرجال في المسجد، برقم 440، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما برقم 2479.

ص: 64

ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا (1) ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني (2)

وفي هذا دليل على إباحة المبيت، والمقيل في المسجد، لمن ليس له مسكن من المسلمين، رجلاً كان أو امرأة عند أمن الفتنة (3). وكان أصحاب الصفة يسكنون في المسجد؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:((رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجل عليه رداءٌ، إما إزار وإما كساء قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده كراهية أن تُرى عورته)) (4).

وعن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي رضي الله عنه قال: ((كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الخبز واللحم)) (5).

11 -

اللعب المباح في المسجد: ما أذن فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً على

(1) يوم الوشاح له قصة عجيبة، انظرها في صحيح البخاري، برقم 439، 3835.

(2)

البخاري، كتاب الصلاة، باب نوم المرأة في المسجد، برقم 439، وفيه قصة عجيبة!.

(3)

انظر: سبل السلام، 2/ 196.

(4)

البخاري، كتاب الصلاة، باب نوم الرجال في المسجد، برقم 442.

(5)

ابن ماجه، كتاب الأطعمة، باب الأكل في المسجد، برقم 3300، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/ 230.

ص: 65

باب حجرتي والحبشة يلعبون في المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه، أنظر إلى لعبهم)). وفي لفظ:((كان الحبشة يلعبون بحرابهم فيسترني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنظر، فما زلت أنظر حتى كنت أنا أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن تسمع اللهو)) (1). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما الحبشة يلعبون عند النبي صلى الله عليه وسلم[وفي رواية: في المسجد] دخل عمر فأهوى إلى الحصباء فحصبهم بها، فقال:((دعهم يا عمر)) (2). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((واللعب بالحراب ليس لعباً مجرداً، بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب، والاستعداد للعدو)) (3).

(1) متفق عليه: البخاري واللفظ له، كتاب الصلاة، باب أصحاب الحراب في المسجد، برقم 454، وكتاب النكاح، باب حسن المعاشرة مع الأهل، برقم 5190، وكتاب العيدين، باب الحراب والدرق يوم العيد، برقم 950، وكتاب النكاح، باب نظر المرأة إلى الجيش ونحوهم، برقم 5236، ومسلم، كتاب صلاة العيدين، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد، برقم 892.

(2)

متفق عليه: البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب اللهو بالحراب ونحوها، برقم 2901، ومسلم، كتاب صلاة العيدين، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه، برقم 893.

(3)

فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 1/ 549.

ص: 66

وقال رحمه الله: ((واستدل به على جواز اللعب بالسلاح على طريق التواثب للتدريب على الحرب والتنشيط عليه)) (1).

وأما نظر عائشة رضي الله عنها إلى الحبشة، وهم يلعبون وهي أجنبية ففيه دلالة على جواز نظر المرأة إلى جملة الناس من دون تفصيل لأفرادهم، كما تنظرهم إذا خرجت للصلاة في المسجد، وعند الملاقاة في الطرقات (2). وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: ((هذا الحديث يدل على أن نظر النساء في الجملة لا حرج فيه، كما ينظرن الرجال في الأسفار والمساجد، فالنظر العام للماشين والمصلين، واللاعبين لا يضر؛ لأنه في الغالب لا يكون مع الشهوة

)) (3).

12 -

تشييد المساجد، وزخرفتها، والاقتصاد في بنائها،

(1) المرجع السابق، 2/ 445.

(2)

انظر: سبل السلام للصنعاني، 2/ 195.

(3)

سمعته منه أثناء تقريره على بلوغ المرام لابن حجر، الحديث رقم 271.

ص: 67

جاء في النهي عن تشييد المساجد وزخرفتها آثار وأحاديث، وجاء في الأمر بالاقتصاد في بنائها أحاديث أخر، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس (1) في المساجد)). ولفظ النسائي: ((من أشراط الساعة أن يتباهى الناس في المساجد)) (2).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أمرت بتشييد (3) المساجد)) (4).

قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((لتزخْرِفُنَّها كما زخرفت اليهود

(1) يتباهى الناس: يتفاخرون في بناء المساجد: بالنقش والكثرة. انظر: جامع الأصول لابن الأثير، 11/ 210، ونيل الأوطار للشوكاني، 1/ 695.

(2)

أبو داود، كتاب الصلاة، باب في بناء المساجد، برقم 449، وابن ماجه، كتاب المساجد والجماعات، باب تشييد المساجد، برقم 739، والنسائي، كتاب المساجد، باب المباهاة في المساجد، برقم 689، وأحمد، 3/ 45، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 1/ 148، وصحيح سنن أبي داود، 1/ 91.

(3)

تشييد: المراد بالتشييد رفع البناء وتطويله. انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 2/ 517، وشرح السنة للبغوي، 2/ 349.

(4)

أبو داود، كتاب الصلاة، باب في بناء المساجد، برقم 448، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 90.

ص: 68

والنصارى (1)) (2).

وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: ((كان سقف المسجد من جريد النخل)) (3)، وأمر عمر رضي الله عنه ببناء المسجد، وقال:((أكِنَّ الناس من المطر، وإياك أن تُحَمِّر، أو تُصفِّر، فتفتن الناس)) (4). وكأنَّ عمر رضي الله عنه فهم ذلك من رد النبي صلى الله عليه وسلم الخميصة إلى أبي جهم من أجل الأعلام التي فيها، وقال:((إنها ألهتني عن صلاتي)) (5). قال ابن حجر رحمه الله: ((ويحتمل أن يكون عند عمر من ذلك علم)) (6). وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: ((يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا

(1) الزخرفة: النقوش، وتذهيب الحيطان وتمويهها بالذهب. جامع الأصول، 11/ 209.

(2)

البخاري، كتاب الصلاة، باب بنيان المساجد، معلقاً قبل الحديث رقم 446، ووصله أبو داود، برقم 448.

(3)

البخاري موقوفاً معلقاً، كتاب الصلاة، باب بنيان المسجد، قبل الحديث رقم 446، قال الحافظ ابن حجر وهو طرف من حديثه في ليلة القدر، وقد وصله المؤلف في الاعتكاف. انظر: فتح الباري، لابن حجر، 1/ 539.

(4)

البخاري، كتاب الصلاة، باب بنيان المسجد [في ترجمة الباب]،قبل الحديث رقم 446.

(5)

البخاري، برقم 373، ومسلم، برقم 556، وتقدم تخريجه في مكروهات الصلاة.

(6)

فتح الباري، لابن حجر، 1/ 339.

ص: 69

قليلاً)) (1).

وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: ((زخرفة المساجد وعدم الصلاة فيها من المصائب)) (2).

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن المسجد كان على عهد رسول الله مبنيّاً باللبن، وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئاً، وزاد فيه عمر وبناه على بنياه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: باللَّبِن والجريد، وأعاد عمده خشباً، ثم غيره عثمان، فزاد فيه زيادة كثيرة، وبنى جداره بالحجار المنقوشة والقصة (3)، وجعل عمده من حجارة منقوشة، وسقفه بالساج (4)) (5).

(1) البخاري، كتاب الصلاة، باب بنيان المساجد، [في ترجمة الباب] قبل الحديث رقم 446. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، 1/ 539: ((وهذا التعليق رويناه موصولاً في مسند أبي يعلى، وصحيح ابن خزيمة، من طريق أبي قلابة، أن أنساً قال: ((سمعته يقول: ((يأتي على أمتي زمان يتباهون في المساجد، ثم لا يعمرونها إلا قليلاً)).

(2)

سمعته منه أثناء تقريره على صحيح البخاري، قبل الحديث رقم 446.

(3)

القصة: الجص بلغة أهل الحجاز. جامع الأصول لابن الأثير، 11/ 186.

(4)

الساج: نوع من الخشب معروف يؤتى به من الهند. فتح الباري، لابن حجر، 1/ 540.

(5)

البخاري، كتاب الصلاة، باب بنيان المسجد، برقم 446.

ص: 70

وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول: ((فعل عثمان رضي الله عنه يدل على تحسين المسجد بالحجارة المنقوشة، والأخشاب الطيبة، والقصة يعني صبغ الجدار لا بأس بذلك، وإن كان حياة السلف أولى وأفضل، لكن إذا حسَّن الناس مساكنهم، ونفروا من البنايات القديمة، وصار ترك المسجد على حالته القديمة قد ينفرهم من الصلاة والاجتماع في المساجد، فلا بأس أن يفعل مثل ما فعل عثمان رضي الله عنه للترغيب في المساجد، أما للمفاخرة فلا، ويكره أن يكتب في المسجد فالأولى أن يكون سادة)) (1).

13 -

الكلام في المسجد لا بأس به إذا كان مباحاً؛ لحديث جابر بن سمرة رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان لا يقوم من مصلاّه الذي صلى فيه الصبح أو الغداة حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس قام، وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسّم)) (2). ولفظ

(1) سمعته من سماحته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 274.

(2)

مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل الجلوس في مصلاه بعد صلاة الصبح، برقم 670.

ص: 71

أحمد: ((شهدت النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرة في المسجد، وأصحابه يتذاكرون الشعر وأشياء من أمر الجاهلية، فربما تبسم معهم)) (1). قال النووي رحمه الله: ((فيه جواز الضحك والتبسّم)) (2).وقال القرطبي رحمه الله: ((يمكن أن يقال: إنهم في ذلك الوقت كانوا يتكلمون؛ لأن الكلام فيه جائز غير ممنوع، إذ لم يرد في ذلك منع، وغاية ما هنالك أن الإقبال في ذلك الوقت على ذكر الله تعالى أفضل وأولى، ولا يلزم من ذلك أن يكون الكلام مطلوب الترك في ذلك الوقت، والله تعالى أعلم)) (3). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وأما الكلام الذي يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في المسجد فحسن، وأما المحرَّم فهو في المسجد أشد تحريماً، وكذلك المكروه، ويكره فيه فضول المباح)) (4).

(1) أحمد بلفظه 5/ 91، والترمذي بنحوه، في كتاب الأدب، باب ما جاء في إنشاد الشعر، برقم 2850، وقال:((حديث حسن صحيح))، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 3/ 137 [طبعة مكتبة المعارف].

(2)

شرح النووي على صحيح مسلم،5/ 177.

(3)

المفهم لِمَا أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 2/ 296.

(4)

مجموع فتاوى شيخ الإسلام، ابن تيمية، 22/ 200، 262.

ص: 72

14 -

رفع الأصوات في المساجد ممنوع؛ لأنه يشوِّش على المصلين، ولو بقراءة القرآن؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقرآن، فكشف الستر وقال:((ألا إن كلكم مناج ربَّه، فلا يؤذينَّ بعضكم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعضٍ في القراءة)) أو قال: ((في الصلاة)) (1).

وعن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: ((كنت قائماً في المسجد فحصبني (2) رجل، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب، فقال: اذهب فأتني بهذين، فجئته بهما، فقال: من أنتما؟ أو من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (3).

(1) أبو داود، كتاب التطوع، باب رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل، برقم 1332، وصححه الألباني في صحيح أبي داود،1/ 147،ورواه أحمد بنحوه في المسند،2/ 67، عن ابن عمر رضي الله عنهما وصححه أحمد شاكر في شرحه للمسند، برقم 928، و5349.

(2)

فحصبني: حصبته: إذا رميته بالحصباء، وهي الحصى الصغار. جامع الأصول لابن الأثير، 11/ 205.

(3)

البخاري، كتاب الصلاة، باب رفع الصوت في المسجد، برقم 470.

ص: 73

وعن كعب بن مالك رضي الله عنه أنه تقاضى ابنَ أبي حدرد ديناً كان له عليه في المسجد، فارتفعت أصواتهما، حتى سمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته، فخرج إليهما حتى كشف سِجفَ حجرته (1) فنادى:((يا كعب))، قال: لبيك يا رسول الله، قال:((ضع من دينك هذا)) وأومأ إليه: أي الشطر، قال كعب: قد فعلت يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((قم فاقضه)) (2)،قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وفي الحديث جواز رفع الصوت في المسجد، وهو كذلك ما لم يفحش

والمنقول عن مالك منعه في المسجد مطلقاً، وعنه التفرقة بين رفع الصوت بالعلم والخير، وما لا بد منه فيجوز، وبين رفعه باللغط ونحوه فلا)) (3). ونقل الحافظ ابن حجر رحمه الله عن المهلب قوله:((لو كان رفع الصوت في المسجد لا يجوز لما تركهما النبي صلى الله عليه وسلم، ولبيَّن لهما ذلك)) قال ابن حجر: ((قلت: ولمن

(1) سِجْف حجرته: الستر، وقيل: أحد طرفي الستر المفرج. فتح الباري، لابن حجر، 1/ 552.

(2)

البخاري، كتاب الصلاة، باب التقاضي والملازمة في المسجد، برقم 457.

(3)

فتح الباري، 1/ 552.

ص: 74

منع أن يقول: لعله تقدم نهيه عن ذلك، فاكتفى به، واقتصر على التوصل بالطريق المؤدية إلى ترك ذلك بالصلح المقتضي لترك المخاصمة، الموجبة لرفع الصوت)) (1)، وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن

عبد الله ابن باز رحمه الله يقول: ((وهذا فيه جواز طلب قضاء الدين في المسجد، كأن يقول: أعطني ديني، وهذا ليس كالبيع، [أو] يقول: اقضني ديني جزاك الله خيراً)) (2)، وسمعته يقول عن كلام النبي صلى الله عليه وسلم لكعب وابن أبي حدرد: ((هذا من باب الإصلاح، والصواب أنهما إذا اتفقا على تعجيل الدين والوضع منه فلا بأس

)) (3).

15 -

الصلاة بين السواري في المسجد، لا بأس بها للمنفرد، والإمام، أما المأمومون فتكره صلاتهم بينها عند السعة؛ لأن السواري تقطع الصفوف، ولا تكره عند ضيق المسجد، وقد جاء في ذلك حديث أنس بن مالك

(1) فتح الباري، 1/ 552.

(2)

سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 457.

(3)

سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 2418.

ص: 75

- رضي الله عنه، فعن عبد الحميد بن محمود قال: كنت مع أنس بن مالك أصلي، قال: فألقونا بين السواري، قال: فتأخر أنس، فلما صلينا قال: إنَّا كُنَّا نتقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (1). وعن معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه قال: كنا نُنْهى عن الصلاة بين السواري ونطرد عنها طرداً)) (2).

أما جواز ذلك للإمام والمنفرد؛ فلحديث ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة صلى بين الساريتين)) (3).

16 -

التّحلُّق في المسجد قبل صلاة الجمعة، جاء فيه حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما:((أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة، وعن الشراء والبيع في المسجد)). ولفظ الترمذي: ((نهى عن تناشد الأشعار في

(1) أبو داود، كتاب الصلاة، باب الصفوف بين السواري، برقم 673، والترمذي، برقم 229، والنسائي، 2/ 94، وأحمد، 3/ 131، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 1/ 218، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 149.

(2)

ابن ماجه، برقم 1002، والحاكم وصححه 1/ 218، وقال الألباني في صحيح ابن ماجه، 1/ 298:((حسن صحيح)).

(3)

متفق عليه: البخاري، كتاب الصلاة، باب الصلاة بين السواري في غير جماعة، برقم 504، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب دخول الكعبة، برقم 1329.

ص: 76

المسجد، وعن البيع والشراء فيه، وأن يتحلَّق الناس فيه يوم الجمعة قبل الصلاة)) (1). والتحلق، والحِلَق: جمع حَلْقة: الجماعة من الناس، فنهاهم أن يجلسوا متحلقين حلقة واحدة أو أكثر، حتى ولو كان ذلك لمذاكرة العلم؛ لأنه ربما قطع الصفوف مع كونهم مأمورين بالتبكير يوم الجمعة، والتراصّ في الصفوف: الأول، فالأول، والتحلق قبل الصلاة يوهم غفلتهم عن الأمر الذي ندبوا إليه، فإذا فرغ من صلاة الجمعة فلا حرج ولا كراهة (2). وقد كان شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن

(1) النسائي، كتاب المساجد، باب النهي عن البيع والشراء في المسجد وعن التحلق قبل صلاة الجمعة، برقم: 714، وأبو داود، كتاب الجمعة، باب التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة، برقم 1079، والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في كراهة البيع والشراء، وإنشاد الضالة والشعر في المسجد، برقم 322، وابن ماجه، كتاب المساجد والجماعات، باب ما جاء في الحلق يوم الجمعة قبل الصلاة والاحتباء والإمام يخطب، برقم 1133.

وحسنه الألباني في صحيح سنن النسائي، 1/ 154، وفي صحيح سنن أبي داود،

1/ 221، وصحيح سنن الترمذي، 1/ 103، وصحيح سنن ابن ماجه، 1/ 186، وحسنه الأرنؤوط في حاشيته على جامع الأصول لابن الأثير، 11/ 204.

(2)

انظر: تحفة الأحوذي للمباركفوري، 2/ 272، وشرح السندي على سنن ابن ماجه، 2/ 29.

ص: 77

باز رحمه الله يعمل بهذا الحديث فيوقف الحلقات يوم الجمعة ابتداء من صلاة الفجر إلى الفراغ من صلاة الجمعة، ثم يكون هناك حلقة بعد صلاة الجمعة في بيته.

17 -

الانتقال عند النعاس في المسجد إلى مكان آخر؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا نعس أحدكم وهو في المسجد فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره)) (1). ولفظ الترمذي: ((إذا نعس أحدكم يوم الجمعة، فليتحول عن مجلسه ذلك)). ولفظ أحمد: ((إذا نعس أحدكم في مجلسه يوم الجمعة فليتحول إلى غيره)). وفي لفظ لأحمد: ((إذا نعس أحدكم في المسجد يوم الجمعة فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره)). وفي لفظ: ((إذا نعس أحدكم في مجلسه يوم الجمعة فليتحول

(1) أبو داود بلفظه، كتاب الصلاة، باب الرجل ينعس والإمام يخطب، برقم 1119، والترمذي، كتاب الجمعة، باب فيمن نعس يوم الجمعة أنه يتحول من مجلسه، وقال:((حسن صحيح))، برقم 526، وأحمد في المسند، 2/ 22، 32، 135، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 208، وحسنه الأرنؤوط في حاشيته على جامع الأصول لابن الأثير، 11/ 206، قلت: وقد صرح محمد بن إسحاق بالسماع في رواية أحمد، 2/ 135.

ص: 78

منه إلى غيره)).

وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: ((وظاهر الأوامر الوجوب)) (1).

والحكمة من الانتقال أن الحركة تذهب النعاس، ويحتمل أن الحكمة فيه: انتقاله من المكان الذي أصابته فيه الغفلة بنومه، وإن كان النائم لا حرج عليه، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم في قصة نومهم عن صلاة الصبح بالانتقال من المكان الذي ناموا فيه، وأيضاً من جلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة، والنعاس في الصلاة من الشيطان، فربما كان الأمر بالتحول لإذهاب ما هو منسوب إلى الشيطان من حيث غفلة الجالس في المسجد عن الذكر، أو سماع الخطبة، أو ما فيه منفعة (2).

وقوله: ((إذا نعس أحدكم يوم الجمعة)) لم يرد بذلك

(1) سمعته أثناء تقريره على سنن الترمذي، الحديث رقم 526.

(2)

نيل الأوطار للشوكاني، 2/ 524، وتحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي، للمباركفوري، 3/ 64، وعون المعبود، 3/ 469.

ص: 79

جميع اليوم بل المراد به إذا كان في المسجد ينتظر صلاة الجمعة، وسواء فيه حال الخطبة أو قبلها، لكن حال الخطبة أكثر. وقوله:((يوم الجمعة)) يحتمل أنه خرج مخرج الأغلب؛ لطول مكث الناس في المسجد؛ للتبكير إلى صلاة الجمعة؛ ولسماع الخطبة، وأن المراد انتظار الصلاة في المسجد في الجمعة وغيرها، كما في لفظ أبي داود في الباب:((إذا نعس أحدكم وهو في المسجد فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره))، فيكون ذكر يوم الجمعة من التنصيص على بعض أفراد العام، ويحتمل أن المراد يوم الجمعة فقط؛ للاعتناء بسماع الخطبة)) (1).

18 -

الصلاة في الكنيسة وإزالتها واتخاذ مكانها مسجد؛ لحديث طلق بن علي رضي الله عنه قال: خرجنا وفداً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، وصلينا معه، وأخبرناه أن بأرضنا بيعة (2) لنا فاستوهبناه من فضل طهوره، فدعا فتوضأ،

(1) انظر: نيل الأوطار للشوكاني، 2/ 524.

(2)

البيعَة: قيل: صومعة الراهب، وقيل: كنيسة النصارى، ورجح ابن حجر في فتح الباري أن القول الثاني هو المعتمد، 1/ 531.

ص: 80

وتمضمض، ثم صبه في إداوةٍ (1)، وأمرنا فقال:((اخرجوا فإذا أتيتم أرضكم فاكسروا بيعتكم، وانضحوا مكانها بهذا الماء، واتخذوها مسجداً)) قلنا: إن البلد بعيدٌ والحر شديد، والماء ينشف، فقال:((مدوه من الماء؛ فإنه لا يزيده إلا طيباً))، فخرجنا حتى قدمنا فكسرنا بيعتنا، ثم نضحنا مكانها، واتخذناها مسجداً فنادينا فيه بالأذان، قال: والراهب رجل من طيئ، فلما سمع الأذان قال: دعوة حقٍّ، ثم استقبل تلعةً (2) من تلاعنا فلم نره بعد)) (3).

وقال عمر لبعض عظماء النصارى: ((إنا لا ندخل كنائسكم من أجل التماثيل التي فيها الصور)) (4). ((وكان

(1) إداوة: الإناء الصغير.

(2)

تلعة: قيل مجرى أعلى الأرض إلى بطون الأودية، وقيل: هو ما ارتفع من الأرض وما انهبط منها. فهو إذن من الأضداد. جامع الأصول لابن الأثير، 11/ 210.

(3)

النسائي، كتاب المساجد، باب اتخاذ البيع مساجد، برقم 701، وصحح الألباني إسناده في صحيح النسائي، 1/ 151.

(4)

البخاري، كتاب الصلاة، باب الصلاة في البيعة، قبل الحديث رقم 434، وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، 1/ 531:((وصله عبد الرزاق)).

ص: 81