الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإمام النووي رحمه الله: ((فيه جواز الصلاة في جميع المواضع إلا ما استثناه الشرع من الصلاة: في المقابر، وغيرها من المواضع التي فيها النجاسة: كالمزبلة، والمجزرة، وكذا ما نُهِيَ عنه لمعنى آخر: فمن ذلك أعطان الإبل،
…
ومنه قارعة الطريق، والحمام، وغيرها؛ لحديث ورد فيها)) (1).
أما
الجامع:
فهو نعت للمسجد، سمّي بذلك؛ لأنه يجمع أهله؛ ولأنه علامة للاجتماع، فيقال: المسجد الجامع، ويجوز:((مسجد الجامع)) بالإضافة، بمعنى: مسجد اليوم الجامع (2)، ويقال للمسجد الذي تُصلَّى فيه الجمعة، وإن كان صغيراً؛ لأنه يجمع الناس في وقت معلوم.
المبحث الثاني: فضل المساجد وشرفها:
لأهميّة المساجد، ومكانتها وفضلها، ذكرها الله عز وجل في كتابه في
(1) شرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 5.
(2)
انظر: لسان العرب، لابن منظور، فصل الجيم، باب العين،8/ 55.
ثمانية عشر موضعاً (1).
ولمكانتها العالية وعظم منزلتها عند الله تعالى أضافها إلى نفسه إضافة تشريف وتكريم؛ فإن المضاف إلى الله عز وجل نوعان:
النوع الأول: صفات لا تقوم بأنفسها: كالعلم، والقدرة، والكلام، والسمع، والبصر، فهذه إضافة صفة إلى الموصوف بها، فعلمه، وكلامه، وقدرته، وحياته، ووجهه، ويده، صفاتٌ له لا يشبهه فيها أحد من خلقه، وهي تليق به عز وجل.
والنوع الثاني: إضافة أعيان منفصلة عنه، كالبيت، والناقة، والعبد، والرسول، والروح، فهذه إضافة مخلوق إلى خالقه، لكنها إضافة تقتضي تخصيصاً وتشريفاً يتميز بها المضاف عن غيره (2).
(1) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، لمحمد فؤاد عبد الباقي، ص345.
(2)
انظر: شرح العقيدة الطحاوية، ص442، والكواشف الجلية عن معاني الواسطية للسلمان، 242.
والله عز وجل أضاف المساجد إلى نفسه إضافة تشريف، وفضل، كقوله تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ الله أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} (1). وكقوله عز وجل: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ الله مَنْ آمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ} (2). وقوله سبحانه وتعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لله فَلا تَدْعُوا مَعَ الله أَحَدًا} (3). مع أن جميع البقاع وما فيها ملك لله عز وجل، فهو خالق كل شيء ومالكه، ولكن المساجد لها ميزة وشرف؛ لأنها تختص بكثير من العبادات، والطاعات، والقربات، فليست المساجد لأحد سوى الله، كما أن العبادة التي كلف الله بها عباده لا يجوز أن تصرف لأحد سواه (4). ومن هذه الإضافة ما أضافه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله إضافة تشريف بقوله صلى الله عليه وسلم: ((وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله،
(1) سورة البقرة، الآية:114.
(2)
سورة التوبة، الآية:18.
(3)
سورة الجن، الآية:18.
(4)
انظر: فصول ومسائل تتعلق بالمساجد، للدكتور العلامة، عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، ص5، والأثر التربوي للمسجد، للدكتور العلامة صالح بن غانم السدلان، ص4،والمشروع والممنوع في المسجد، للشيخ محمد بن علي العرفج، ص6.
ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده)) (1).
ومما يدل على فضل المساجد، ومكانتها قول الله تعالى:{وَلَوْلا دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ الله كَثِيرًا} (2). فالجهاد شُرع لإعلاء كلمة الله، والمساجد هي أفضل البقاع التي تُرْفَع فيها كلمة التوحيد، وتُؤَدَّى فيها أعظم الفرائض بعد الشهادتين، ولهذا كان الدفاع عنها واجباً على المسلمين، فقوله تعالى:{وَلَوْلا دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ} قال الإمام ابن جرير رحمه الله: ((أولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنه لولا دفاعه الناس بعضهم ببعض، لهدم ما ذكر، من دفعه تعالى ذكره بعضهم ببعض، وكفه المشركين بالمسلمين عن ذلك، ومنه كفه ببعضهم التظالم:
(1) مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، برقم 2699.
(2)
سورة الحج، الآية:40.
كالسلطان الذي كف به رعيته عن التظالم بينهم، ومنه كفُّه لمن أجاز شهادته بينهم بعضهم عن الذهاب بحق من له قبله حق، ونحو ذلك
…
)) (1). وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: ((أي لولا أنه يدفع بقوم عن قوم، ويكفّ شرور أناس عن غيرهم بما يخلقه ويقدره من الأسباب، لفسدت الأرض، ولأهلك القوي الضعيف)) (2). وقال الإمام البغوي رحمه الله: ((ومعنى الآية ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض بالجهاد، وإقامة الحدود، لهدم في شريعة كل نبي مكان صلاتهم، لهدم في زمن موسى الكنائس، وفي زمن عيسى البيع والصوامع، وفي زمن محمد صلى الله عليه وسلم المساجد)) (3).
وقيل: الضمير في قوله تعالى: {يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ الله كَثِيرًا} عائد إلى المساجد؛ لأنها أقرب المذكورات، قال الإمام ابن جرير رحمه الله: ((وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من
(1) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 647.
(2)
تفسير القرآن العظيم، ص901.
(3)
تفسير البغوي، 3/ 290.
قال: معنى ذلك: لهدِّمت صوامع الرهبان، وبيع النصارى، وصلوات اليهود وهي كنائسهم، ومساجد المسلمين التي يذكر فيها اسم الله كثيراً)) (1).
ومن دافع عن المساجد ونصر دين الله نصره الله تعالى، كما قال عز وجل:{وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (2). ثم بيَّن الله عز وجل صفات ناصريه (3)، فقال:{الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلله عَاقِبَةُ الأُمُورِ} (4).
ولعظم فضل المساجد جعل الله عز وجل من أقبح القبائح، وأعظم الظلم المنع من عمارتها، فقال عز وجل: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ الله أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي
خَرَابِهَا} (5). ولا شك أن الله عز وجل نسخ جميع الشرائع
(1) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 650، وانظر: تفسير ابن كثير، ص901.
(2)
سورة الحج، الآية:40.
(3)
تفسير البغوي، 3/ 289.
(4)
سورة الحج، الآية:41.
(5)
سورة البقرة، الآية:114.
السابقة كلها بالإسلام، فبعد هذا النسخ يتعين منع عمارة الكنائس، والصوامع، والبيع، وجميع المعابد، ويجب إظهار هذه المساجد ورفعها، والعناية بها، لقوله عز وجل (1):
{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} (2) والله المستعان (3).
وفضل المساجد ثبت فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أَحَبُّ البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها)) (4).
قال الإمام النووي رحمه الله: ((أحبّ البلاد إلى الله مساجدها))؛ لأنها بيوت الطاعات، وأساسها على التقوى، ((وأبغض البلاد إلى الله أسواقها))؛ لأنها محل الغش، والخداع، والربا، والأيمان الكاذبة، وإخلاف الوعد،
(1) انظر: فصول ومسائل تتعلق بالمساجد، للعلامة عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، ص6.
(2)
سورة النور، الآية:36.
(3)
انظر تفسير ابن كثير، ص109.
(4)
مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل الجلوس في المصلى بعد الصبح وفضل المساجد، برقم 671.