الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[القسم الأول الدراسة الاستشراق والتنصير مدى العلاقة بين ظاهرتين]
[المدخل]
القسم الأول: الدراسة
الاستشراق والتنصير
مدى العلاقة بين ظاهرتين
المدخل: اعتنت الدراسات العربية حول الاستشراق والمستشرقين بالبحث عن البواعث أو الأهداف التي حدت بهم إلى دراسة علوم المسلمين، لا سيما التراث الإسلامي مع انطلاقة الاستشراق، ثم المجتمع المسلم الحديث الذي شهد تطورات وتغييرات دعت إلى دراسته والتركيز عليه.
ويقرر كثير من الباحثين الذين درسوا أهداف الاستشراق أن الهدف الديني يقف على قمة هذه البواعث، ذلك أن العلاقة بين الغرب والإسلام قائمة على " صراع " ديني ظهر واضحا أثناء الحروب الصليبية التي امتدت قرنين من الزمان من سنة 489 - 691 هـ، 1095 - 1291 م، هذا مع الأخذ في الحسبان الرأي القائل أن هذه الحروب لما تنته، ولن تنتهي مصداقا لقول الباري عز وجل {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة: 120] (1) .
والمعلوم أن المستشرقين ليسوا جميعا ممن ينتمون إلى النصرانية دينا،
(1) الآية 120 من سورة البقرة.
ففيهم المستشرقون اليهود الذين خدموا اليهودية من خلال دراساتهم الاستشراقية، كما أن فيهم الملحدين الذين خدموا الإلحاد من خلال اهتمامهم بالمنطقة العربية والإسلامية، ومحاولاتهم نشر الإلحاد في هذه البقاع بديلا عن الإسلام.
ويمكن أن يدخل هؤلاء جميعا تحت الهدف الديني، إذا ما توسعنا في هذا المصطلح. ثم العلمانية التي تعد كذلك دينا أو اعتقادا إذا أردنا الدقة. وهناك انتساب واضح إلى العلمانية عند فئة من المستشرقين، (1) كما أن هناك انتسابا صريحا للصهيونية عند فئة أخرى من المستشرقين، (2) مما يعني أن هناك انتسابا صريحا للتنصير عند فئة ثالثة من المستشرقين. وهذا يؤيد أن النظرة إلى الاستشراق التنصيري لا تحتاج إلى شيء من التعسف
(1) يترجم نجيب العقيقي لميشيل أماري على أنه " صورة حية للاستشراق العلماني ". انظر: نجيب العقيقي: المستشرقون - ط 4 - 3 مج - القاهرة: دار المعارف، (1980 م) - 1: 219 - 221.
(2)
يؤكد محمد بن عبود في: " الاستشراق والنخبة العربية " على أن بعض المستشرقين اليهود قد أعلنوا انتماءهم الصهيوني بصراحة مثلما فعل " برنارد لويس " ويؤيد " مازن المطبقاني " هذا الزعم بدلائل تؤكده. انظر: الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي، دراسة تطبيقية على كتابات برنارد لويس - الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، 1416 هـ - 1995 م - ص 72 - 73.
أو تلمس البراهين لتأييد وجود منصرين مستشرقين، ذلك أن فئة منهم لم تتورع عن قبول اللقب الديني، أو الرتبة الدينية " الأب " أو " الأسقف " أو " البطريرك " أو " المطران " سابقا للاسم الأصلي، كما سيتبين عند سرد نماذج من المستشرقين المنصرين.
ومن الأهداف الفرعية للهدف الديني الرئيسي للاستشراق الهدف التنصيري (1) إذ وجد جمع من المستشرقين هدفوا من دراستهم للشرق إلى تعميق فكرة التنصير في هذا المجتمع، وحاولوا بطريقتهم العلمية تحقيق مفهوم التنصير، مع ما تعرض له هذا المفهوم من تحوير، لا سيما عندما يكون موجها لمجتمع متدين كالمجتمع المسلم، وبما يحمله المفهوم من حماية النصارى من الإسلام، والحد من انتشاره بين النصارى وفي مواطنهم، ومن ثم الحد من انتشاره بين غير النصارى في مواطنهم أيضا. يمكن أن يكون من الأهداف الدينية التنصيرية السعي إلى توحيد الكنيستين الشرقية والغربية، الأمر الذي يستدعي وجود الاستشراق والإفادة منه في هذا الشأن (2) .
(1) سيكون مصطلح " التنصير " هو المستخدم هنا بديلا لمصطلح " التبشير "، وكلما ورد المصطلح الأخير في هذا البحث فإنما يرد في نص مقتبس.
(2)
مازن بن صلاح مطبقاني: الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي - مرجع سابق - ص 29.