الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فئات المستشرقين المنصرين]
فئات المستشرقين المنصرين: وللبعد عن التعميم فإننا نعلم من دراسة سير المستشرقين وأنشطتهم العلمية، لا سيما المتأخرون منهم، أنهم ليسوا بالضرورة جميعا من المنصرين، ولم يكونوا بالضرورة متعاطفين جميعا مع الحملات التنصيرية، وإن كان من هؤلاء المستثنين من قد سعوا إلى تحقيق الأهداف الأخرى للاستشراق، كالأهداف الاستعمارية والسياسية والتجارية الاقتصادية والعلمية التي وصفها بعض الدارسين العرب بالغايات النزيهة، ذلك أنها رمت إلى العلم بالشيء، دون إبطان أي هدف آخر. وهذا قد يبدو واضحا عند استعراض سير كثير من المستشرقين، ولا سيما المستشرقون الألمان، في غالبيتهم، وتتبع أنشطتهم الاستشراقية التي اتسمت بالعلمية أكثر من أنشطة المستشرقين الآخرين، بل إن هذا المنحى في النظرة يمكن أن يعين على التعرف على المستشرقين الأكثر تعاونا مع التنصير، لا سيما عند النظر إلى الخلفية الطائفية للمستشرق كالكاثوليكي والبروتستانتي والأرثوذوكسي، فنجد أن المستشرقين الفرنسيين، وهم كاثوليك في الغالب، أكثر التصاقا بالتنصير من غيرهم، وبالتالي فهم أكثر من غيرهم جناية على المجتمع العربي الإسلامي بإسهاماتهم المتعددة في مواجهة المجتمع المسلم، ويمكن
التوسع في هذا الافتراض بالدراسة المستقلة. (1) .
- وهناك فئة من المستشرقين تعاطفت مع التنصير وأعانته إعانة غير مباشرة بتوفير المعلومة المطلوبة والتحليل المراد حول ثقافة من الثقافات أو مجتمع من المجتمعات، فهذه الفئة ليست من المنصرين الذين مارسوا التنصير عمليا، ولكنهم يعدون من المنصرين عندما يتبين أنهم باستشراقهم قد خدموا التنصير، على الرغم من أن إسهاماتهم في مؤازرة التنصير ليست بذلك الوضوح الذي نراه عند بعض المستشرقين الذين خدموا هيئات استخبارية حكومية بالدراسة الموجهة والتقارير المقصورة على ما يخدم هذه الهيئات، مما لا نعلم عنه إلا القليل، عندما تطورت هذه الدراسات أو التقارير إلى كتب، أو تحولت إلى مقالات في دوريات علمية، أي إذا ما تحولت هذه الأعمال السرية إلى " معرفة عامة " بنشرها بأي وسيلة من
(1) بدا صلاح الدين المنجد أكثر من كتبوا عن الاستشراق تعاطفا مع الاستشراق الألماني وتبرئته من التبعيات غير العلمية التي ألصقت بالمستشرقين من جنسيات أخرى، وظهر منه ذلك في عدد من الأعمال التي ركز فيها على الاستشراق الألماني، منها: المستشرقون الألمان، تراجمهم وما أسهموا به في الدراسات العربية - بيروت: دار الكتاب الجديد، 1982 م - 192 ص، ومنها: المنتقى من دراسات المستشرقين، وكذلك " الاستشراق الألماني في ماضيه ومستقبله " - الهلال، مج 82، ع 11 (10 / 1394 هـ - 11 1974 م) - ص 22 - 27.
وسائل النشر (1) .
- وهناك فئة من المستشرقين ممن بدأوا حياتهم مستشرقين، يركزون على الدراسات الاستشراقية ويواصلون جهودهم فيها، ويرحلون من أجل الوصول إلى المعلومة التي تعينهم على الوصول إلى النتائج التي يرمون إليها، ثم استهواهم التنصير، فانصرفوا إليه على حساب الاستشراق حتى اشتهروا منصرين أكثر من شهرتهم مستشرقين، رغم أن لهم إنتاجا علميا يضعهم في مصاف المستشرقين، فهم هنا يعدون منصرين مستشرقين، لا مستشرقين منصرين، أي أن التنصير قد غلب على مسارهم أكثر من غلبة الاستشراق عليه، ولكنهم مع هذا لا يخرجون من دائرة الاستشراق إلى دائرة التنصير الخالص مثل أولئك المنصرين غير المستشرقين، ومن أبرز أقطاب هذه الفئة المنصر المستشرق الأمريكي صموئيل زويمر.
(1) من أمثلة ذلك القريبة المتداولة والمنقولة إلى اللغة العربية ما صدر من كتاب عن الأصولية في العالم العربي لرتشارد هرير ديكميجيان، وعنوانه باللغة الإنجليزية ISLAM IN REVOLUTION: FUNDAMENTALISM IN THE ARAb WORID وطبعته جامعة ساراكيوس سنة 1985 م، ونقله إلى العربية وعلق عليه عبد الوارث سعيد، وطبعته دار الوفاء بالمنصورة بجمهورية مصر العربية، طبعة ثالثة سنة 1412 هـ 1992 م، وظهر في 308 صفحة. ويذكر المؤلف في تمهيد للكتاب، (ص 13) ، أن أصله ظهر على شكل تقرير لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية.
- وقد تكون هناك فئة من المنصرين بدأت خطوات في طريق التنصير، ورحلت إلى حيث تقوم بمهمتها التنصيرية الصريحة الواضحة الخالصة دون اهتمام مباشر بالمعلومة أو الدراسة، سوى ما هو مطلوب من المنصر معرفته عن البيئة التي يزمع العمل بها قبل الشروع في العمل بها، ولكنها، بعد ذلك، انخرطت في التعرف على هذه المجتمعات التي تسعى إلى تنصيرها، فانصرفت إلى دراسة مقومات هذا المجتمع أو ذاك دراسة علمية تعتمد على المصادر العلمية التي كتبت عن هذه المجتمعات أو تلك، وتوسعت في ذلك حتى نسيت مهمتها الرئيسة.
ومع هذا بقيت متعاطفة مع التنصير بصور شتى من صور التعاطف، فهؤلاء على عكس أولئك أضحوا مستشرقين منصرين، أي أن توجههم للاستشراق قد غلب على توجههم للتنصير، فعرفوا مستشرقين أكثر من معرفتهم منصرين.
- وهناك فئة من المستشرقين كان الدافع لاشتغالها بالاستشراق دينيا تنصيريا، ثم تبين لها عدم جدوى هذا المنحى، وعدم سلامة الأهداف والغايات، فانسلت من هذا الدافع، وانصرفت إلى الدراسات الاستشراقية العلمية البعيدة عن هذه الغايات، وآلت على نفسها الابتعاد عن هذا المنحى، دون أن تثير أي انتباه علني، وإن تحدثت عنه أحاديث خاصة مع الموثوق من الأقران، في مجالس خاصة وفي مناسبات خاصة.
- ومع أن بعض المستشرقين قد خدم الإلحاد؛ لأنه نشأ في بيئة إلحادية وتبنى الإلحاد، إلا أن بعضا آخر ممن نشأوا في هذه البيئة الإلحادية لم يتأثروا بها، بل بقوا على انتمائهم الديني، وسعوا إلى نشره بالتنصير في ذلك المجتمع الإلحادي من وجهين من وجوه التنصير:
الوجه الأول: أنهم عملوا على حماية " إخوانهم في العقيدة " من الإلحاد، وأكدوا على بقائهم على عقيدتهم، وهذا أمر له ما يبرره لدى هؤلاء وغيرهم، إذ إن البقاء على النصرانية، على ما دخل عليها، خير عندهم من الانتقال إلى الإلحاد، رغم أن ملة الكفر في النهاية عندنا واحدة.
والوجه الثاني: أن فئة من المستشرقين الذين نشأوا في بيئة إلحادية وبقوا على معتقدهم قد تبنوا نشر النصرانية بين المسلمين الذين عاشوا تحت مظلة الإلحاد، مثل مناطق المسلمين التي كانت تخضع للحكم الشيوعي في الاتحاد السوفييتي سابقا، وهذا يعني عدم اقتصار المنصرين على تلك البيئات التي نشط فيها التنصير من حيث التمويل والتخطيط والإمكانات البشرية والمادية، كالمجتمعات الغربية في أوروبا الغربية وأمريكا (1) .
(1) ألكسندر بينيغسن وشانتال لوميرييه كيلكجاي: المسلمون المنسيون في الاتحاد السوفييتي - ترجمة: عبد القادر ضللي - بيروت: دار الفكر المعاصر، 1409 هـ - 1989 م - ص 26.