الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السبب الثامن: اعتناؤها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
لا ريب أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أصل أصيل من أصول الإسلام القويم، وركن ركين من أركان المعتقد الصحيح، معتقد أهل السنة والجماعة، ولقد اهتم الأئمة به أيما اهتمام، ووضعوه في عقائدهم ومؤلفاتهم إعلاماً بأهميته، وإيذاناً بأحقيته، لأنه سياج الدين به تحفظ الشريعة، وعليه مدار الكثير من الثواب، وهو من أهم مزايا الأمة، إذ هو سبب أكيد لخيريتها، وسر عظيم لبقائها وديمومتها، وعلامة لإيمانها، ودليل على قوتها، وهو المهم الذي ابتعث الله سبحانه له النبيين أجمعين، ولو طوى بساطه، وأُهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وعمت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد.
وعليه: فلقد كان لأئمة الدعوة رحمهم الله مزيد عناية، وعظيم رعاية، لهذا الأصل، فاهتموا به توضيحاً وبياناً، وطبقوه عملياً وواقعاً حيوياً في المجتمع.
بيد أنهم راعوا في أمرهم ونهيهم، القواعد المرعية، والمصالح الشرعية؛ فلم يجعلوا الأمر على عواهنه، دون تقيد بالحكمة المعتبرة، والوسطية المنضبطة، بل راعوا في ذلك مراتب الأمر بالمعروف، ومراتب النهي عن المنكر، والتزموا بشروطها من وجود العلم والحلم والرفق، وإزالة المنكر دون حصول لأي مفسدة أو منكر أعظم منه، وأن يكون منكراً معلوماً متفقاً عليه، وأن يكون علناً ظاهراً وغيرها من الشروط التي تجدها مبثوثة في كتبهم ورسائلهم ومصنفاتهم رحمهم الله وردوا على المشاغبين، والناكصين، الذين لا هم لهم ولا دأب، إلا تصيد العثرات، وتتبع الزلات، ردوداً واضحة علمية، قائدها الدليل، ورائدها الحقيقة، من إنكارهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعل ذلك ضرباً من ضروب الفساد، والإقحام للدين في غير مكانه وأساسه، وبينوا خطورة القاعدين، الذين شغلتهم مصالحهم ودنياهم وأموالهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، زاعمين أن الزمن زمان ضلال وإغواء وخروج عن الحق، فوضحوا أن الأمر ليس كذلك، بل لا بد من البيان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إظهاراً لشعيرة الملة، وبياناً لدعامة الحق، وأن السكوت عن الحق بتلكم الشبهة مرض عضال
مؤدي إلى الهلاك للأمة جمعاء في الدنيا، وإلى العذاب الشديد في الآخرة، بل إلى اللعن والمقت والغضب من الرب سبحانه وتعالى كما قال عن بني إسرائيل:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78-79] .
وقوله صلى الله عليه وسلم: «أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر فيكم الخبث» [متفق عليه] .
والله عز وجل قد أوقع العذاب على أُناس صالحين، لكنهم كاتمين للحق، تاركين للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال سبحانه وتعالى:{وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 164-165] .
إن منهج هذه الدعوة منهج رباني يسير وراء الأدلة، ويتبع الحق والهدى، فلذا كان لزاماً وواجباً أن نسير عليه اتباعاً للحق وسيراً على نهج الصدق، والأمة اليوم غشتها من الغواشي ما يُجب على علمائها ودعاتها، توضيح معالم المنهج القويم بالحكمة واللين والأدلة الواضحة، حتى تذهب عن أبصار الخلق الغشاوة، وتلين قلوبهم وأفئدتهم إلى ينبوع الإيمان وبر الأمان، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21] .