المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السبب الثالث: اهتمامها بالعلم الشرعي تحصيلا وتأصيلا وتفريعا: - المستطاب في أسباب نجاح دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

[عبد الرحمن بن يوسف الرحمة]

الفصل: ‌السبب الثالث: اهتمامها بالعلم الشرعي تحصيلا وتأصيلا وتفريعا:

‌السبب الثالث: اهتمامها بالعلم الشرعي تحصيلاً وتأصيلاً وتفريعاً:

إن مما لا شك فيه، ولا ريب يعتريه، أن العلم الشرعي شرف وفضيلة ونور، وأن الجهل شر وبلاء ورذيلة وظلمة.

والعلم طريق موصل إلى الفضائل والمنازل العالية، وهو سلم الوصول للخيرات، ويعد في نظر من ذاق حلاوته، وعلم فضله ومنزلته؛ أعذب الموارد، وأفضل المصادر، به تبنى الأمجاد وعليه تقوم الحضارات، ولقد حث الإسلام القويم على تعلمه ورغب فيه أشد الترغيب، وجعل سلوك سبيله طريقاً إلى دخول الجنان، والبعد عن النيران، كما صح ذلك من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من سلك طريقاً يَلْتمسُ به علماً، سهَّل الله لَهُ به طريقاً إلى الجنة» [رواه مسلم] .

ص: 34

فمن هنا كان لِزاماً على دعوة سلفية متبعة للكتاب والسنة مثل الدعوة السلفية الإصلاحية، أن تهتم بالعلم الشرعي لكي تكوّن قاعدة علمية راسخة، تزيد في بناء الأمة لبنات صادقات؛ همها الدعوة إلى الله، ورائدها الصدق، وحاديها الإخلاص والمتابعة، وهذا الذي رأيناه جلياً واضحاً في أمور هذه الدعوة من العناية التامة بالعلم في كل أطوارها وأدوارها، وما ذهب جيل من العلماء إلا وتبعه آخرون يدعون إلى كتاب الله أهل العمى، ويبصرونهم بنور الهدى، مواطن ومزالق الردى، ينفون عن دين الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وهم سلسلة منتظمة الأركان، قوية الترابط والتماسك.

ص: 35

وغنيٌّ عن القول هاهنا أن كتاب الله فيه من الآيات الكريمات اللاتي تحث وترغب في العلم وتبين فضله وعظيم منزلته؛ كقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، قول الحق جلّ في علاه:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]، وقوله عز وجل:{أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الرعد: 19]، وقوله سبحانه:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]، وقوله جل وعلا:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114] .

ص: 36

وكذلك السنة النبوية حفلت بالنصوص الكريمة الشريفة المرغبة في العلم، الحاثة عليه، المبينة لمنزلته ومكانته كما جاء في الصحيحين من حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يُرد الله به خيراً يفقهه في الدين» ، وقوله عليه الصلاة والسلام:«العلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر» [أخرجه الترمذي] .

وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله وملائكته ليصلون على معلم الناس الخير» ، وقوله صلى الله عليه وسلم:«يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين» .

ومن المعلوم بداهة وقطعاً أن الجهل سبب من أعظم الأسباب الموجبة لانتشار البدع والضلالات، وما نراه اليوم من انحرافات عقدية، وخروج عن جادة السلف، وانخداع بمذاهب منحرفة، وطرق مبتدعة، تزين الألفاظ، وتزخرف الكلمات، وتنمق العبارات إنما منشأه ومرده إلى الجهل بمقاصد الشريعة، وأسسها الرفيعة.

ص: 37

فلا بد والحالة هذه أن يكون الاهتمام بالعلم واجب شرعي وفرض أكيد، على كل من تسنم غارب الدعوة إلى الله وأراد لدعوته المضي والاستمرار اتباعاً لأمر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108] .

والضلال لا يحصل إلا بتصدر الجهال، وذهاب العلم والعلماء؛ كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث مالك عن الزهري عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ولكنه يقبضه بقبض العلماء، فإذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالًا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» .

ص: 38

ثم بعد هذا البيان، يجد الناظر بميزان الاعتدال والإنصاف، في حقيقة هذه الدعوة الإصلاحية، اهتمامها الكبير بالعلم الشرعي، وتثبيت معالمه في الوجدان، والحض عليه، وتسهيل سبله، وإقامة الدروس الفقهية، وتشييد الحلقات العلمية، والحرص البالغ الأكيد على تعليم عامة الناس أصول الدين وأركانه، وواجباته وفرائضه وما هذه الكتب التي تعتبر لسان مقال الدعوة في إيضاحها وبيانها للعلم كالأصول الثلاثة وكشف الشبهات والقواعد الأربع في العقيدة والتوحيد وآداب المشي إلى الصلاة في الفقه ولوازمه إلا شواهد حق، ومنارات صدق، في عناية علماء الدعوة بمثل هذه التأصيلات العلمية، التي بها الخير العميم والنفع العظيم، وثمة شاهد آخر، وهي الرسائل العلمية والفتاوى المحررة القائمة على تفريع المسائل، وسلوك منهاج الدلائل، وبيان الأحكم والنوازل بعبارات علمية وجمل فقهية، وكشف عن مواطن الريب والشك، وإخراج للناس من التيه والضياع إلى مناهل صافية المشرب عذبة المورد، كل ذلك من نشر العلم والاهتمام به أشد الاهتمام.

ص: 39

وقصارى القول: إن هذه الدعوة السلفية الإصلاحية دعوة علمية قائمة على تعظيم العلم الشرعي وتأسيسه في القلوب، وتأصيله في النفوس؛ لأنها أدركت وأيقنت أن صلاح الأمة لن يكون إلا باتباع منهج سلفها الصالح في كل صغيرة وكبيرة، ودقيقة وجليلة، وخاصة في العلم والعمل والمنهج والسلوك.

ص: 40