الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السبب السادس: انتسابها إلى الإسلام والسنة وتركها للألقاب والسمات الأخرى:
لعل هذا السبب يعدّ من أهم الأسباب التي تميزت بها هذه الدعوة، وهو سبب رئيس من أسباب نجاحها وانتشارها، فهي دعوة متسمة بالإسلام الكامل حريصة على اتباعه، والانضواء تحت لوائه ورايته؛ وليس لها سمة سوى الإسلام، ولا رسم سوى القرآن والسنة، وهذا أصل الدين الحنيف والملة الحنفية التي دعا إليها الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ومن بعده من أنبياء الله ورسله إلى خاتمهم نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 161] .
وقوله سبحانه: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران: 67] وجعل الله سبحانه هذا الشعار والانتساب ملّة متبعة، وهدياً مقتفياً، قال تعالى:{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 123] .
وقوله عز وجل: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج: 78] .
فهذه النسبة هي التي تجمع ولا تفرق، وتوحد ولا تشتت وهي لحمة الإسلام وسداه، مصدره وينبوعه.
وأما غيرها من النسب المنكودة، والأهواء المحمودة عند أربابها وأصحابها، لشعارات باطلة طاف بالشر طائفها، ونجم بالضر ناجمها، ما هي إلا كالميازيب تجمع الماء كدراً، وتفرقه هدراً، وكم لها من مضار وأضرار، وغواشي ودواهي، لقي المسلمون منها الويلات، وهي من أعظم المصائب والنكبات فالإسلام كله جادة مستقيمة، واضحة المعالم، بيّنة الدلائل، فلنلزم ذلك، ولنكن عاضين عليه بالنواجذ، سائرين على الأمر العتيق، والدرب الأول، منتسبين إليه في الشعار والرمز لنكن من المفلحين، وإيانا ثم إيانا من الانتساب إلى غير الإسلام والسنة؛ فوالله إنها لسبل الفتنة تزينت لخطابها، وتبرجت لأصحابها، والله العاصم.
ومن هنا يُعلم بطلان نسبة الوهابية إلى هذه الدعوة وجعلها فرقة خارجة عن الدين، وأنها ذات تعاليم وأُطر وأسس مارقة من الإسلام، فما هذه الصيحات إلا نفخات في رماد، وصيحات في واد، لأن هذه الدعوة أُسسها ومنطلقاتها قائمة على أمور الإسلام ودعائمه وأركانه، وما ذلك إلا لاتباعها المحض، وسيرها الخالص، على منهاج النبوة في الدعة إلى الله والعلم والعمل، ولما رأى أعداءها ظهور أرمها، شرقت حلوقهم، وغصت قلوبهم، حسداً وظلماً وعدواناً فرموها بالتهم جزافاً، عن قوس واحدة، وتعاضدوا في ذلك، وإخوانهم من أعوان الشياطين وأضرابهم يمدونهم في الغي ولا يقصرون.
وإنه لمن النكت اللطيفة، والفوائد المنفية، في هذا الباب، أن ذمهم للدعوة ونسبتها إلى الوهابية صار حمداً، وعاد تشيينهم تزييناً، حينما نسبوها إلى أفضل نسبة، وأحسن سمة، نسبة إلى الوهاب - سبحانه في علاه - وهذه شريعة ربانية محكمة قديمة قدم الصراع بين الحق والباطل، فلا يعزبن عن البال؛ ما فعله كفار قريش مع النبي صلى الله عليه وسلم حينما لقبوه بلقب مذمم ثم صاروا يكيلون السباب والشتام كيل السندرة لذلك اللقب، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم المحمود المنزه عن جميع سبابهم وشتامهم ومعائبهم ونقائصهم لأن ذمهم وعيبهم واقع على مذمم، ومحمد النبي صلى الله عليه وسلم منزه عن تلك الألقاب والشتائم، فتأمل في ذلك، واعلم أن الحق في الأعمال والغايات، سيجد بلا شك ولا ريب، نصرةً وتأييداً من أهله وأصحابه، ومن الله فوق ذلك كله سبحانه وتعالى أعظم النصر والتأييد، والمعونة والتسديد.
أ / اتلك الألقاب والنسب التي صارت شعاراً لبعض الدعوات ودثاراً لكثير من الجماعات، فهي نسب وألقاب خارجة عن اسم الإسلام الصافي، وعن رسم السنة النبوية الصحيحة، فأثمر ذلك أن الولاء والبراء لديها أصبح معقوداً على بوتقة حزبها وربقة شعارها، وحقيقة رمزها، وتلك هي المصيبة الكبرى، والطامة العظمى، حينما تتحول عقيدة مهمة من عقائد المسلمين مثل عقيدة الولاء والبراء، إلى سوق تنفق فيه الشعارات والنسب والألقاب، وتعقد على أساسها الصفقات دون رجوع إلى أصل متين، ورأي سديد، وأخوة إيمانية.
فإذا تقرر هذا وعُلم، رأيت مدى التعلق باسم شرعي لدى أئمة هذه الدعوة المباركة فالاسم عندهم هو (اسم المسلم وما في كفته من أسماء المدح؛ مثل المؤمن، المتقي، الصالح
…
هي أسماء المدح، وفي مقابلها ما علَّق عليه الذم، مثل الكافر، المنافق، الفاسق
…
وعلى هذين المتقابلين مدار الجزاء؛ ثواباً وعقاباً.
وعليه؛ فإن ما دون ذلك من ألقاب أُحدثت في الشرع بالأمس، هي نظيرة الألقاب التي أُحدثت اليوم، وكلها في المنع من بابه واحدة في رسمها واسمها:
فلا يسوغ للمسلم أن يتلقب بأنه: قدري، أو خارجي، أو مرجئ، أو أشعري أو ماتريدي، أو معتزلي.
كما أنه لا يسوغ له أن يضيف اليوم: إخواني، صوفي، تبليغي
…
وهكذا فالمنع من جهتين: أنه لقب لم يُرِدْ به الشرع أو لما فيه من مخالفات لنصوص الشرع في المادة والرسم.
وعليه؛ فلا يجوز إحداث واختراع شعارات وألقاب، لم يرد بها الشارع، فإنها (تكون في البداية كلمة، وفي النهاية مذهب ونحلة) ! فلا تغتر!
وإن زخرفه أهل الأهواء؛ والله أعلم) [راجع حكم الانتماء إلى الفرق والأحزاب والجماعات الإسلامية (ص108) ] .
فهذه الدعوة اسمها الإسلام والسنة، وشعارها ودثارها الألقاب الشرعية، ورمزها الإيمان والتقوى وحقيقتها التوحيد الصافي والعقيدة الصحيحة، ومردها العلم والفقه الشرعي، ومصدرها الكتاب والسنة {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور: 35] .