المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السبب العاشر: التزامها بربانية الإسلام: - المستطاب في أسباب نجاح دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

[عبد الرحمن بن يوسف الرحمة]

الفصل: ‌السبب العاشر: التزامها بربانية الإسلام:

‌السبب العاشر: التزامها بربانية الإسلام:

إن الإسلام دين الله لا يقبل سواه، ولا ينظر لعداه؛ {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19] . {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85] .

ولذا كان لزاماً الديانة بهذا الدين حكماً وأمراً {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] .

والمقصد والمنتهى من الدين هو الله {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم: 42] .

والطموح والاجتهاد والبذل والتعب والتضحية إنما هو لنيل رضوان الله تعالى {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: 84]، {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح: 29] ، {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الحشر: 8] .

هذه هي الربانية المطلوب من المسلمين امتثالها والعمل بمقتضاها، إذ هي الدين حكماً وأمراً ومقصداً وطموحاً وغاية.

ص: 69

ولقد فهم أئمة الدعوة رحمهم الله فهماً مبنياً على اليقين الجازم، والصدق اللازم، المتغلغل إلى سويداء القلوب والنفوس حقيقة الربانية فالتزموا بها في دعوتهم وعلمهم وعملهم، فكان لدعوتهم الأثر المبارك؛ وإن مما قرره أئمة الدعوة في ذلك؛ أنَّ الربانية ليست حديثاً يفترى، أو فتوناً يتردد، لقد أوضحوا وبينوا أنها ربانية في الوسيلة والغاية، كما قال الله تعالى:{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: 79] .

ص: 70

ووضحوا أن هذه الربانية تربية للناس على الدين الحق والعمل الصالح والتزكية الإيمانية، ليس لها طقوس خاصة أو أعمال مخصوصة، تتعلق بصفتها أو رمزها دون شعار الإسلام بل هي العبادة الجامعة لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، كما قال تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21] .

وبينوا أن الربانية موافقة للفطرة البشرية {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: 30]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«كل مولود يولد على الفطرة» [متفق عليه] .

وجعلوا لها ضوابط محددة، وقواعد واضحة المعالم وأسس ساروا عليها:

(أ) توحيد مصدر التلقي؛ لأن ذلك عصمة من الضلال وأمانٌ من الزيغ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي» [أخرجه الحاكم] .

ص: 71

(ب) تصفية مصدر التلقي مما شابه فعكر روائه، وخالطه فشوه جماله، من أحاديث موضوعة، وتفسيرات موهومة، وقواعد باطلة، وآراء مجردة كاذبة.

(ت) التلقي للتنفيذ والتطبيق والعمل بالعلم {يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2-3] .

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "كنا نتعلم العشر آيات لا نتجاوزهن حتى نعمل بها"[أخرجه ابن جرير في تفسيره بسند صحيح] .

ولله درّ القائل:

معذب قبل عباد الوثن

وعالمٌ بعمله لم يعملن

(ث) أن يكون المربي عالماً ربانياً قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ} [المائدة: 44]، وقوله تعالى:{لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة: 63] .

ص: 72

وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينزع العلم انتزاعاً ولكن بموت العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» [متفق عليه] .

(ج) التدرج في الربانية، قال تعالى:{وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: 79]، وفسر ابن عباس رضي الله عنهما ذلك بقوله:"حكماء علماء"[البخاري معلقاً والخطيب بسند صحيح] .

والحكمة والعلم يقتضيا وضع الشيء في موضعه، ولذلك ورد عند البخاري في (كتاب العلم) باب العلم قبل القول والعمل: بأن الرباني هو الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره.

(ح) ربط المُربّي بالله ورسوله وليس بالأشخاص أو الشيوخ أو الأحزاب والشعارات أو الجماعات، ليكون تلقي خطاب الشرع سليماً؛ فيثمر عملاً مستقيماً، ليعظم الرب تبارك وتعالى، ويتبع النبي الأميّ صلى الله عليه وسلم.

ص: 73

هذه هي التربية الربانية أساساً وقواعد وضوابط عند أئمة الدعوة الذين استقوها صافية المنبع، عذبة المورد من وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم القائمة على التعليم والتربية والتزكية {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164] [راجع الجماعات الإسلامية في ضوء الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة (ص432) .] .

ص: 75