الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأسباب المفصلة
السبب الأول: دعوتها إلى التوحيد واهتمامها به:
إن الدعوة السلفية الإصلاحية دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهّاب رحمه الله اعتنت بالتوحيد وجعلته محور أمرها، ومرتكز دعوتها، ونقطة انطلاقتها لأن التوحيد، أساس الملة، وأصل الدين، وقاعدة الإسلام، فمن أجله أُرسلت الرسل، وأُنزلت الكتب، وجُردت السيوف، ومن أجله حصل الولاء والبراء، والمنع والعطاء، والحب والعداء، ومن أجله انقسم الناس إلى مؤمن ومشرك، شقي وسعيد؛ ولأن التوحيد هي القضية الكبرى التي عُنِيَ بها المرسلون والأنبياء، قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] وقال جلّ ذكره: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25] .
والتوحيد هو الغاية العظمى من خلق الله للخلق {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] وهو أول مأمور به في القرآن الكريم {يا أيها النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21] وهو فاتحة القرآن الكريم وخاتمته {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} {مَلِكِ النَّاسِ} {إِلَهِ النَّاسِ} [الناس: 1-3] وهو البداية لدعوة إمام الموحدين، وسيد المرسلين، وإمام الدعوة الصادقين محمد رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال:«يا قوم قولوا لا إله إلا الله تُفلحوا» والتوحيد هو النهاية الحميدة، والعاقبة السعيدة، لمن سار عليه علمًا وعملًا وتعليمًا، اعتقادًا وسلوكًا، سبيلًا وسنة، منهجًا وحياة ومماتًا {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162-163] . وقال صلى الله عليه وسلم: «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله» ، وقال صلّى
الله عليه وسلّم: «من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة» .
أخي القارئ الكريم: فإذا فُهِمَ هذا الأصل العظيم، وتقرر في القلوب وقبلته النفوس، عُلِمَ مدى أهمية العناية بالتوحيد والدعوة إليه، ومن هنا كانت عناية دعوة الإمام رحمه الله بالتوحيد وبُعدها عن الشرك والتنديد، وتحذيرها أشد التحذير من كل ما يخل بذلكم الأصل العظيم.
لقد جاءت هذه الدعوة في زمن اشتدت فيه غربة الإسلام وارتكست فيه الأفهام؛ بل إن عُرى الإسلام - أغلبها - منتقضة، والناس - جُلّهم - عبدوا الكواكب والنجوم، وعظموا القبور، وبنوا عليها المساجد، وعبدوا تلك الضرائح والمشاهد، معتمدين عليها في المهمات والملمات، سائلين ومستغيثين عندها رفع الدرجات، ودفع الكربات، وقضاء الحاجات، وشفاء المرضى، وإغاثة الهلكى، زاعمين - كذبًا وزورًا - أنها تبلغهم أسنى المطالب، وأرفع المراتب، وتحقق لهم قضاء المآرب، وغير ذلك من عظائم الأمور، الموجبة للويل والثبور.
فلما رأى ذلك إمام الدعوة رحمه الله وأيقن بحصول الشرك وازدهاره، ونمو الكفر وانتشاره، قام بالدعوة إلى التوحيد اتباعًا لمنهاج الأنبياء، واقتداءً بالربانيين من العلماء، ورأى رحمه الله أن ذلك من أهم المهمات، وآكد الواجبات، فشمر عن ساعد الجد والاجتهاد، ودعا إليه ليلًا ونهارًا، سرًّا وجهارًا، وأعلن أن ذلك من النصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين فأثمرت دعوته أعوانًا وأنصارًا، بعد أن وصل التوحيد الصافي إلى سويداء قلوبهم، وغرس جذوره في أعماق نفوسهم، فتحولوا معه إلى الصفاء والنقاء، والطهر والإخلاص لرب السماء، فكانت دعوة عظيمة، ومنَّة كريمة، صافية المشرب، سهلة الموردن خلّصت الناس من لوثات الجاهلية العمياء، وضلالات الوثنية الشوهاء.
ومن هنا يعلم - كل منصف حصيف - سر نجاح هذه الدعوة واستمرارها ومضي أمرها - ولله الحمد والمنّة - وما زلنا نعيش تحت دوحتها المباركة؛ ونتفيأ ظلالها، وننعم بطيب عبيرها وأريجها، إنني أقول بملء فيّ لو سار الدعاة - في كل مكان من العالم الإسلامي عامة وهاهنا خاصة - على أسسها وقواعدها، لتغير حال الأمة في جميع مناحي الحياة، ولاجتمع المسلمون على كلمة سواء، لأن التوحيد توحيد للكلمة وأساس مكين للاجتماع، وما الذي استفادته الأمة من دعوات وجماعات، أطلت برأسها وفكرها في زمننا المتأخر بعضها دعوتها مندرجة تحت مظلات سياسية، وأفكار واقعية، وبعضها اهتمت ببعض القضايا الزهدية والوعظية، دون العناية بالتأصيلات العلمية والعملية والعقدية، فتمادت بالجميع السنون، وتوالت عليها الأيام، وقدمت لها الأرواح، وبذلت من أجلها الأموال ثم انتهت إلى الفشل والزوال، وكم من جماعات أخرى وحركات حثيثة فاسدة روت طريقها بالدماء، وتبارت في ضروب الفداء، فسقطت دون وصولها إلى أمل منشود، أو هدف مرغوب، ومن فرض القول أن يعلم المؤمن علم يقين أن كل دعوة للإسلام لا تقوم على التوحيد الخالص لله تعالى، ولا تأخذ طريقها إلى منهج السلف الصالح فهي تائهة
مخذولة مهزومة، وإن توهمت غير ذلك؛ لا تصبر على لقاء، ولا تجسر على حق، ولا تحتمل المواجهة.
وغنيٌّ عن القول بعد أن الإمام المجدد رحمه الله قد صنف في تلك الحقبة كتابًا عجيبًا يعدّ من أمتع الكتب وأنفعها، وأفضلها جمعًا وتبينيًا وترتيبًا؛ وأحسنها نظامًا وتبويبًا، وهذا الكتاب هو كتاب التوحيد حق الله على العبيد. ولقد صدق بعض الأفاضل من أهل العلم والإيمان، وأرباب المعرفة والإحسان؛ حينما قال:"إن تبويبات الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد وتراجمه عليها لتدل على فقه كبير، ورأي سديد، وعقلية عليمة فذة من الطراز الأول، وتراجمه وتبويباته شبيهة أو قريبة من تراجم الإمام البخاري في جامعه الصحيح" اه. وكتاب التوحيد اشتمل على ستة وستين باباً، وكل باب يتضمن ترجمة وعنواناً؛ متضمنة للحكم، ثم بعد ذلك الأدلة على الباب والترجمة من الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة، وبعض التوضيحات الجلية من كلام المحققين من العلماء، ثم بعد ذلك - خاتمة مسك - مسائل مفيدة، وقواعد سديدة، وفوائد رشيدة، فيها من العلم النافع الغزير ما تشد إليه الرحال، وفيها وضوح مكانة الإمام رحمه الله العلمية الفائقة وقدرته الرائعة على الاستنباط وقوة العارضة والملكة الفقهية العلمية.
وعليه فأقول: إن المتأمل لهذا السبب يرى ويدرك ويعلم أن هذه الدعوة الإصلاحية التجديدية، ما أعطت ثمارها، واستوت على سوقها، وآتت أُكلها، إلا بالعناية والاهتمام والدعوة إلى التوحيد فهل من مدكر ومتبصر؟!!
وأي دعوة لا تهتم بالتوحيد فرعاً وأصلاً، ولا تعتني به مضموناً وشكلاً؛ ولا تُلقي له عناية وبالاً، وتسير وراء مناهج وافدة، وأفكار فاسدة؛ فإن مصيرها إلى اضمحلال، ونهايتها - والله - إلى فشل وزوال.
وإن استمرت أعواماً عديدة، وأزمنة مديدة، فلحكمة بالغة ربانية، وتقدير إلهي؛ وقد قال تعالى:{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد: 17] .