المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السبب الخامس: وضوح دعوتها وبعدها عن السرية: - المستطاب في أسباب نجاح دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

[عبد الرحمن بن يوسف الرحمة]

الفصل: ‌السبب الخامس: وضوح دعوتها وبعدها عن السرية:

‌السبب الخامس: وضوح دعوتها وبعدها عن السرية:

إن المتأمل في حقيقة الدعوة ليدرك بعين البصيرة والإنصاف أهمية وضوح الهدف والغاية، الهدف: إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، والغاية {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] .

والدعوة الإصلاحية، سارت على هذا الأصل الأصيل فلم تكن - كما هو معلوم - دعوة سرية، لها رموز وطقوس لا يعرفها إلا الخاصة، ولا يدركها إلا أُناس وفئام، بل كانت واضحة المقصد، بينة المسلك، أهدافها معلومة، وغاياتها معروفة، وإن السرية وخطورتها مما تنبه إليه سلفنا الصالح رحمهم الله في القديم، وحذروا منها وجعلوها بوابة ومدخلاً وتأسيساً للشر، ونواة للضلالة والفتنة فقد أخرج اللالكائي في كتابه "أصول اعتقاد أهل السنة" (1 / 135) عن الأوزاعي قال: قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "إذا رأيت قوماً يتناجون في دينهم بشيء دون العامَّة، فاعلم أنهم على تأسيس ضلالة".

ص: 46

وكم من الضلالات والبدع، التي أطلت علينا برأسها وعظم خطرها، وانتشر شرها، من جراء اجتماعات سرية، وتحزبات بدعية، قام بها فئام من الناس، يزعمون - زوراً وكذباً - أنها من الحق الذي جاءت به الشريعة ويستدلون على ذلك بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم السرية في مكة في أول دعوته وبدو أمرها، وتلك شبهة ظاهر عراها، وبين بطلانها، إذ النبي صلى الله عليه وسلم أُمر بالصدع وترك السر {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94] .

فصدع النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة في مكة بين المشركين، وأصابه ما أصابه من الأذى فصبر واحتسب، وصبر أصحابه معه على ما أصابهم من الأذى، فهذا الأمر الواضح بالصدع والجهر بالدعوة فيه النهي عن السرية بل قد ثبت عنه ابن أبي عاصم في "السنة" (2 / 508) بسندٍ جيد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أوصني. قال: «اعبد الله، ولا تُشرك به شيئاً، وأقم الصلاة، وآت الزكاة، وصُمْ رمضان، وحُجَّ البيت واعتمر، واسمع وأطع، وعليك بالعلانية وإيّاك والسِّر» .

ص: 47

وعليه فإن دعوتنا إلى الله لا بد أن تكون علنية واضحة كالشمس في رابعة النهار، وهذا الذي سار عليه أئمة الدعوة الإصلاحية فدعوتهم امتازت بالوضوح والعلانية في عدة أمور:

(1)

في معتقدها: فهي تعتقد ما اعتقده السلف في التوحيد سواء كان ذلك في توحيد الربوبية أو الألوهية أو الأسماء والصفات، بل وفي سائر مسائل الاعتقاد، وأبواب الإيمان.

(2)

في منهجها: فهي تسير على منهج واضح بيّن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك» فمنهجها قائم على فهم السلف الكلي للكتاب والسنة، على ضوء أصولهم المعروفة وقواعدهم المعلومة، فلا ابتداع لديهم، ولا خروج عن سبيلهم {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115] .

(3)

في دعوتها: فهي دعوة عامة شاملة، ليس فيها أي نوع من أنواع السرية، أو أي إطار من أُطر التخصيص بل هي للكل ومع الكل، كما هي دعوات الأنبياء، والمصلحين السائرين على النهج السوي؛ المقتفين لآثار منهج النبوة.

ص: 48

(4)

في مصدر تلقيها: فهذه الدعوة مصدرها وموردها الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة والسير عليهما في كل مسألة أو نازلة، على حسب الوسع والطاقة.

هذه أبرز معالم الوضوح والعلانية في تلكم الدعوة المباركة التي الخير كل الخير في الانتظام بسلكها، والاتصال بحبلها والركون إليها {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81] .

ص: 49