الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل: "هم الذين اجتمعوا على الأخذ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، والعمل بها ظاهرا وباطنا في القول والعمل والاعتقاد"1.
ملاحظة: لا يقصد بالجماعة هنا مجموع الناس وعامتهم، ولا أغلبهم، ولا سوادهم، ما لم يجتمعوا على الحق؛ لأن الجماعة هي التمسك بالكتاب والسنة، ولو كنت وحدك، كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:"إنما الجماعة ما وافق طاعة الله، وإن كنت وحدك"2.
يقول عبد الرحمن بن إسماعيل، المعروف بأبي شامة "ت665هـ:"وحيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق واتباعه، وإن كان المتمسك به قليلا، والمخالف كثيرا؛ لأن الحق الذي كانت عليه الجماعة الأولى من النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم، ولا تنظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم"3.
1 انظر: رسائل في العقيدة ص53، والمجموع الثمين 3/ 3، وكلاهما لفضيلة الشيخ ابن عثيمين.
2 انظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي 1/ 109.
3 الباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة ص34.
الوقفة الثانية: السلف
من المسميات التي أطلقت على حملة العقيدة الصحيحة: السلف.
التعريف بهم:
السلف في اللغة: جمع سالف، والسالف: المتقدم. والسلف: الجماعة المتقدمون1.
قال ابن فارس: "سلف: السين واللام والفاء أصل يدل على تقدم وسبق. من ذلك: السلف الذين مضوا، والقوم السلاف: المتقدمون"2.
فالسلف -إذًا- من سلف يسلف سلفا وسلوفا أي: تقدم3.
1 انظر لسان العرب لابن منظور 6/ 158.
2 معجم مقاييس اللغة لابن فارس 3/ 95.
3 انظر: المفردات للراغب الأصفهاني ص239. والوجوه والنظائر لألفاظ القرآن للدامغاني ص243.
وسلف كل إنسان: من تقدمه من آبائه وذوي قرابته الذين هم فوقه في السن والفضل، وأحدهم سالف1. وقيل: من تقدمه بالموت من آبائه وذوي قرابته. ولهذا سمي الصدر الأول من التابعين بالسلف الصالح2. هذا عن السلف في اللغة.
أما السلف في الاصطلاح: فقد اختلف العلماء في تحديد المراد بهم، نتيجة اختلافهم في تحديد الزمن الذي ينسبون إليه، إلى عدة أقوال:
1-
القول الأول: أنهم الصحابة رضي الله عنهم فقط، وهو قول عدد من شراح الرسالة لابن أبي زيد القيرواني3.
2-
القول الثاني: أنهم الصحابة والتابعون. وممن ذهب إلى هذا أبو حامد الغزالي، حين قال:"اعلم أن الحق الصريح الذي لا مراء فيه عند أهل البصائر، هو مذهب السلف؛ أعني مذهب الصحابة والتابعين"4.
3-
القول الثالث: أنهم الصحابة، والتابعون، وتابعوا التابعين؛ أي: القرون الثلاثة التي أثبت لها رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيرية بقوله: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"5.
وإلى هذا القول ذهب عدد كبير من أهل العلم؛ كالإمام الشوكاني، والإمام السفاريني، وغيرهما5.
ملاحظة:
يلاحظ على هذه الأقوال جميعها أنها تدخل من كان في القرون الأولى في مسمى السلف. ولكن ليس كل من كان في ذلك الزمن يسمى سلفيا، إذ المعروف أن الفرق ظهرت
1 انظر معالم التنزيل للبغوي 4/ 142.
2 انظر النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 2/ 390.
3 انظر وسطية أهل السنة بين الفرق للدكتور محمد باكريم ص97، 98.
4 إلجام العوام عن علم الكلام للغزالي ص53.
5 صحيح البخاري، كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
في القرون الأولى، فـ"ليس السبق الزمني كافيا في تعيين السلف، بل لا بد أن يضاف إلى هذا السبق الزمني موافقة الرأي للكتاب والسنة نصا وروحا. فمن خالف رأيه الكتاب والسنة، فليس بسلفي، وإن عاش بين ظهراني الصحابة والتابعين"1.
ويصح أن يضاف إلى أهل القرون المفضلة الموافقين للكتاب والسنة، من وافق الكتاب والسنة، ونهج نهج أولئك الكرام، واتبع آثارهم ومروياتهم الصحيحة التي أبانوا بها الحق.
فلا شك أنه داخل في مفهوم هذه الكلمة "السلف". ولقد وفق الإمام السفاريني رحمه الله حين حدد مذهب السلف بأنه "ما كان عليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، وأعيان التابعين لهم بإحسان، وأتباعهم، وأئمة الدين ممن شهد له بالإمامة، وعرف عظم شأنه في الدين، وتلقى الناس كلامهم خلفا عن سلف، دون من رمي ببدعة، أو شهر بلقب غير مرضي؛ مثل: الخوارج، والروافض، والقدرية، والمرجئة، والجبرية، والجهمية، والمعتزلة، والكرامية، ونحو هؤلاء"2.
إذًا: ليس المراد بالسلف أهل القرون المفضلة فحسب، بل يدخل فيهم كل من وافق الكتاب والسنة، ونهج منهج الصحابة رضي الله عنهم.
مفهوم الخلف عند علماء السلف:
الخلف في اللغة هو من جاء خلف المتقدم، سواء أكان تأخره في الزمن، أو في الرتبة3.
وإذا أطلقت كلمة "الخلف" في مقابل كلمة "السلف" يراد بها: "من رمي ببدعة، أو شهر بلقب غير مرضي"1، كما تقدمت عبارة الإمام السفاريني في ذلك. فمن انحرف عن الكتاب والسنة، ومال عن طريقة الصحابة رضي الله عنهم، فلم يتخذها منهجا له، فهو خلفي، وإن عاش بين ظهراني الصحابة.
1 بتصرف من كتاب: الإمام ابن تيمية وقضية التأويل للدكتور الجليند ص52.
2 لوامع الأنوار للسفاريني 1/ 20.
3 انظر القاموس المحيط للفيروزآبادي ص1042-1043.