المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: التوسل البدعي، والتوسل الشرعي، وأنواعه - المفيد في مهمات التوحيد

[عبد القادر عطا صوفي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف ببعض المصطلحات

- ‌المسألة الأولى: في بيان معنى العقيدة

- ‌المسألة الثانية: في بيان بعض المسميات التى أطلقت على العقيدة الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌الوقفة الأولى: مع مسمى "التوحيد

- ‌الوقفة الثانية: مع مسمى "أصول الدين

- ‌الوقفة الثالثة: مع مسمى "السنة

- ‌الوقفة الرابعة: مع مسمى "الفقه الأكبر

- ‌المسألة الثالثة: في بيان بعض المسميات التي أطلقت على حملة العقيدة الإسلامية

- ‌الوقفة الأولى: أهل السنة والجماعة

- ‌الوقفة الثانية: السلف

- ‌الوقفة الثالثة: أهل الحديث

- ‌المبحث الثاني: مصادر العقيدة الإسلامية

- ‌المبحث الثالث: ذكر بعض خصائص العقيدة الإسلامية

- ‌المسالة الأولى: من خصائص العقيدة الإسلامية: أنها توقيفية

- ‌المسألة الثانية: من خصائص العقيدة الإسلامية أنها غيبية

- ‌المسألة الثالثة: من خصائص العقيدة الإسلامية أنها شمولية

- ‌المسألة الرابعة: من خصائص العقيدة الإسلامية أنها وسطية

- ‌الباب الأول: التوحيد

- ‌تمهيد:

- ‌الفصل الأول: أنواع التوحيد

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: توحيد الربوبية

- ‌المبحث الثاني: توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الثالث: توحيد الألوهية

- ‌الفصل الثاني: دراسة بعض التفصيلات عن توحيد العبادة الإلهية

- ‌المبحث الأول: شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌المطلب الأول: معنى لا إله إلا الله

- ‌المطلب الثاني: أركان "لا إله إلا الله

- ‌المطلب الثالث: شروط "لا إله إلا الله

- ‌المطلب الرابع: نواقض "لا إله إلا الله

- ‌المبحث الثاني: العبادة، وأنواعها، وأركانها

- ‌المطلب الأول: معنى العبادة في اللغة والاصطلاح

- ‌المطلب الثاني: مفهوم العبودية الشامل في ضوء النصوص الشرعية

- ‌المطلب الثالث: أنواع العبادة

- ‌المطلب الرابع: أركان العبادة وأصولها

- ‌الباب الثاني: ما يضاد هذا التوحيد أو ينافي كماله

- ‌تمهيد:

- ‌الفصل الأول: الشرك، وأنواعه

- ‌المبحث الأول: معنى الشرك

- ‌المبحث الثاني: أنواع الشرك

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: الشرك الأكبر

- ‌المطلب الثاني: الشرك الأصغر

- ‌المبحث الثالث: وسائل الشرك المنافية للتوحيد، أو لكماله

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: التوسل البدعي، والتوسل الشرعي، وأنواعه

- ‌المطلب الثاني: اتخاذ القبور مساجد، والبناء عليها، والصلاة إليها من الوسائل المفضية إلى الشرك

- ‌المطلب الثالث: الغلو في الأنبياء والصالحين، والتبرك بآثارهم من الوسائل المفضية إلى الشرك

- ‌المطلب الرابع: الأعياد والاحتفالات البدعية من الوسائل المفضية إلى الشرك

- ‌الفصل الثاني: الكفر، وأنواعه

- ‌المبحث الأول: معنى الكفر

- ‌المبحث الثاني: أنواع الكفر الأكبر

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: من أنواع الكفر الأكبر "كفر الجحود

- ‌المطلب الثاني: من أنواع الكفر الأكبر "كفر الإباء والاستكبار

- ‌المطلب الثالث: من أنواع الكفر الأكبر الكفر بدعوى علم الغيب

- ‌المبحث الثالث: أنواع الكفر الأصغر

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: من أنواع الكفر الأصغر كفر النعمة

- ‌المطلب الثاني: من أنواع الكفر الأصغر الطعن في الأنساب والنياحة على الميت

- ‌المطلب الثالث: من أنواع الكفر الأصغر قتال المسلم

- ‌الفصل الثالث: النفاق، وأنواعه

- ‌المبحث الأول: معنى النفاق

- ‌المبحث الثاني: النفاق الأكبر الاعتقادي

- ‌المبحث الثالث: النفاق الأصغر العملي

- ‌الباب الثالث: عقيدة الولاء والبراء

- ‌الفصل الأول: نصوص الولاء والبراء في القرآن والسنة

- ‌أولا: من نصوص الولاء والبراء في القرآن الكريم

- ‌ثانيا: من نصوص الولاء والبراء في السنة النبوية

- ‌الفصل الثاني: مفهوم الولاء والبراء، ومنزلته في الدين

- ‌المبحث الأول: معنى الولاء والبراء في اللغة والشرع

- ‌المبحث الثاني: منزلة الولاء والبراء في الدين الإسلامي

- ‌الفصل الثالث: لمن يكون الولاء

- ‌الفصل الرابع: ممن يكون البراء

- ‌الفصل الخامس: حكم الولاء والبراء

- ‌فهرس المصادر والمراجع:

- ‌فهرس المحتويات:

الفصل: ‌المطلب الأول: التوسل البدعي، والتوسل الشرعي، وأنواعه

‌المطلب الأول: التوسل البدعي، والتوسل الشرعي، وأنواعه

سبب إدخال التوسل في هذا المبحث:

إنما أدخلنا التوسل في الوسائل المنافية للتوحيد أو لكماله، لأن التوسل إلى الله بذات أو جاه أحد مخلوقاته محذور من وجهين: أحدهما أنه أقسم على الله في دعائه بأحد مخلوقاته، ولا يجوز الحلف بغير الله عز وجل كما تقدم1.

والمحذور الثاني أنه اعتقد أن لأحد على الله حقا، وليس للعباد حق على الله إلا ما أوجبه عز وجل على نفسه من نصرة المؤمنين، وإنجاء الموحدين، وإثابة المطيعين، واستجابة دعاء الداعين2.

معنى التوسل لغة: يقال: وسل فلان يسل إلى الله بالعمل وسلا: رغب وتقرب. ووسل فلان إلى الله، وتوسل وسيلة وتوسيلا: أي عمل عملا تقرب به إليه. وأنا متوسل إليه بكذا، وواسل، ووسلت إليه، وتوسلت إلى الله بالعمل: تقربت3.

معنى التوسل شرعا:

يعرف التوسل شرعا بأنه: التقرب إلى الله عز وجل بطاعته، وعبادته، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، وبكل عمل يحبه ويرضاه4. أو: عبادة يراد بها التوصل إلى رضوان الله والجنة5.

من أدلة التوسل الشرعي:

1-

قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة} [المائد: 35] ؛ أي تقربوا إلى الله بطاعته، والعمل بما يرضيه6.

2-

قول الله عز وجل: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 57]، والوسيلة: هي القربة7.

1 انظر ص133-134 من هذا الكتاب.

2 انظر شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز والحنفي 1/ 294-296.

3 انظر: أساس البلاغة للزمخشري ص675. والقاموس المحيط للفيروزآبادي ص1378. ولسان العرب لابن منظور 11/ 724. والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير 5/ 185. والمعجم الوسيط ص1032.

4 انظر التوصل إلى حقيقة التوسل لمحمد نسيب الرفاعي ص12.

5 انظر مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين 5/ 279.

6 انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 6/ 159، وتفسير ابن كثير 2/ 55.

7 انظر: تفسير ابن كثير 2/ 55. وأضواء البيان للشنقيطي 2/ 86.

ص: 152

أقسام التوسل:

التوسل ينقسم إلى قسمين: توسل شرعي، وتوسل بدعي.

فالتوسل الشرعي: هو ما كان ثابتا بالشرع؛ بأن يدل عليه دليل من الكتاب أو السنة.

والتوسل البدعي: هو ما لم يدل عل جوازه دليل، أو وجد الدليل؛ ولكنه لم يثبت، ووجد من الدلة الثابتة ما يناقضه1.

أنواع التوسل الشرعي وأدلته:

التوسل المشروع هو كل توسل دل على جوازه نص من الكتاب أو السنة، والمراد به هنا: اتخاذ وسيلة لإجابة الدعاء؛ بأن يجعل الداعي في دعائه ما يكون سببا في قبوله2.

وهذا التوسل لا يعلم إلا من طريق الشرع. وهو أنواع، منها3:

1-

التوسل بالله عز وجل؛ بذاته المقدسة، أو بأسمائه الحسنى، أو صفاته العلى، أو أفعاله، ودليل ذلك قوله سبحانه وتعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180]، وقوله صلى الله عليه وسلم في دعائه:"أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك"4.

2-

التوسل بالأعمال الصالحة. ودليل ذلك من كتاب الله، قوله عز وجل:{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127]، ومن السنة: قصة النفر الثلاثة الذين توسلوا بأعمالهم الصالحة؛ من بر الوالدين، وترك الفواحش، وأداء الحقوق، فاستجاب الله عز وجل لهم5.

1 انظر شرح نواقض التوحيد لحسن بن علي العواجي ص41.

2 انظر التوسل حكمه وأقسامه لابن عثيمين والألباني ص13.

3 انظر شرح نواقض التوحيد للعواجي ص42-43.

4 أخرجه الإمام أحمد في المسند 1/ 391، وقال أحمد شاكر في تحقيقه للمسند رقم3712: إسناده صحيح. وصححه الألباني "السلسلة الصحيحة رقم199".

5 أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين. "صحيح البخاري، كتاب الإجارة، باب من استأجر أجيرا فترك أجره. وصحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب قصة أصاب الغار الثلاثة".

ص: 153

3-

التوسل بدعاء الغير:

ودليل ذلك قوله عز وج حكاية عن أبناء يعقوب عليه السلام: {قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} [يوسف: 97] ، ومن السنة دعاؤه صلى الله عليه وسلم لعكاشة بن محصن رضي الله عنه أن يجعله الله من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب -لما سأله ذلك1.

والأدلة على أنواع التوسل المشروع من الكتاب والسنة كثيرة جدا، وما ذكرته قليل من كثير.

التوسل البدعي:

سبق الحديث عن أنواع التوسل المشروع، وذكرنا منها: التوسل بدعاء الغير، ومثلنا له بصنيع الصحابة رضي الله عنه، وتوسلهم بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا النوع هو الذي أسيء فهمه؛ فظن المخالفون للكتاب والسنة أن المراد التوسل بشخصه صلى الله عليه وسلم. مع أن الصحابة رضي الله عنهم إنما كانوا يتوسلون بدعائه عليه الصلاة والسلام حال حياته؛ كما فعل ذاك الأعرابي الذي دخل عليه وهو يخطب، فسأله الدعاء2؛ وكذلك الصحابي الذي سأله أن يدعو الله أن يجعله ممن يدخلون الجنة بغير حساب3، وغير ذلك.

وهذا التوسل إنما يكون في حياته صلى الله عليه وسلم، أما بعد موته، فلا يجوز. من أجل هذا لما أجدب الناس في عهد عمر رضي الله عنه لم يطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستسقي لهم؛ بل استسقى عمر رضي الله عنه بالعباس رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مما قاله:"اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا"4. فسقاهم الله عز جل.

1 أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين؛ "صحيح البخاري، كتاب الطب، باب من اكتوى أو كوى غيره. وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب".

2 صحيح البخاري، كتاب الاستسقاء، باب الاستسقاء في خطبة الجمعة. وصحيح مسلم، كتاب صلاة الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء.

3 تقدم تخريجه في ح"1".

4 صحيح البخاري، كتاب الاستسقاء، باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا.

ص: 154

وهذا توسل من الصحابة رضي الله عنهم بدعاء العباس رضي الله عنه، لا بذاته حال حياته، وهو شبيه بتوسلهم بدعاء نبيهم صلى الله عليه وسلم في حياته. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والتوجه به في كلام الصحابة رضي الله عنه، فيريدون به التوسل بدعائه وشفاعته1.

والتوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم مقيد بقيدين: أحدهما: أن يكون التوسل حال حياته صلى الله عليه وسلم. وهذا يوضحه توسل عمر رضي الله عنه بالعباس رضي الله عنه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما التوسل بدعائه وشفاعته -كما قال عمر، فإنه توسل بدعائه لا بذاته. ولهذا عدلوا عن التوسل به صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بعمه العباس. ولو كان التوسل بذاته، لكان هذا أولى من التوسل بالعباس؛ فلما عدلوا عن التوسل به صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بالعباس، علم أن ما كان يفعل في حياته قد تعذر بموته، بخلاف التوسل الذي هو الإيمان به والطاعة له، فإنه مشروع دائما2.

هذا عن القيد الأول.

أما الثاني: فهو خاص بالمتوسل به، وهو النبي صلى الله عليه وسلم حال حياته؛ فلا بد أن يقوم بعمل ما. وهذا يؤكد أن التوسل ليس بذاته، وغنما هو بدعائه وتضرعه إلى الله.

ويوضح ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما توسل الأعرابي بدعائه وهو على المنبر: رفع يديه، وقال:"اللهم أغثنا، اللهم أغثنا"3.

فالتوسل المشروع: ما كان بدعائه صلى الله عليه وسلم حال حياته، لا كما فهم من خالف قوله الكتاب والسنة: أنه توسل بالشخص أو الذات أو الجاه، لا بالدعاء، فأحدثوا عبادة لم ترد في النصوص الشرعية، فسمي ما أحدثوه بدعة، وأطلق على التوسل الذي أحدثوه:"التوسل البدعي".

وقد تمسك هؤلاء بأدلة من تأملها وجد أنها حجة عليهم، لا لهم. ومن هذه:

حديث استسقاء عمر بالعباس، وقد تقدم أنه نص في أن التوسل بدعاء الشخص، يكون حال حياته، لا بعد مماته، بدليل عدول الصحابة رضي الله عنه، وهم أفضل الأمة عن التوسل به صلى الله عليه وسلم بعد موته إلى التوسل بعمه العباس رضي الله عنه4.

1 قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لابن تيمية ص80-181.

2 قاعدة جليلة في التوسل والوسييلة لابن تيمية ص82.

3 تقدم تخريجه ص154، ح"2" من هذا الكتاب.

4 انظر ما تقدم في هذه الصفحة والتي قبلها. وانظر كتاب التوسل حكمه وأقسامه ص45-57.

ص: 155

ومنها حديث الأعمى الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله له أن يعافيه، فعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء يدعو به بعد أن يتوضأ ويصلي ركعتين -كوسيلة بين يدي الدعاء1.

وهذا الحديث ذكره العلماء في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، ودلائل نبوته، ودعائه المستجاب، وما أظهره الله ببركة دعائه من الخوارق؛ فإنه صلى الله عليه وسلم بدعائه لهذا الأعمى، رد الله عز وجل عليه بصره، لا بتوسل الأعمى بذاته صلى الله عليه وسلم وجاهه. ولو كان السر في دعاء الأعمى وحده وتوسله بذات النبي صلى الله عليه وسلم وجاهه دو دعائه؛ لكان كل من دعا بهذا الدعاء من العميان مخلصا، يعافى من وقته أو بعد حين.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكذلك لو كان كل أعمى توسل به ولم يدع له الرسول صلى الله عليه وسلم بمنزلة ذلك الأعمى، لكان عميان الصحابة، أو بعضهم يفعلون مثل ما فعل الأعمى. فعدلوهم عن هذا إلى هذا -مع أنهم السابقون الأولون؛ المهاجرون والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان؛ فإنهم أعلم منا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وما يشرع من الدعاء وما ينفع، وما لم يشرع ولا ينفع وما يكون أنفع من غيره، وهم في وقت رورة ومخمصة وجدب يطلبون تفريج الكربات، وتيسير العسير، وإنزال الغيث بكل طريق ممكن -دليل على أن المشروع ما سلكوه دون ما تركوه2.

واستدلال المخالفين بحديث الأعمى على جواز التوسل بالذات أو الجاه مردود لما يلي:

1-

إن الأعمى إنما جاء طالبا الدعاء؛ فالمسألة من بدايتها توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم.

2 إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعده بالدعاء، وهو صلى الله عليه وسلم لا يخلف وعده أبدا. وقد دعا له كما وعده.

3-

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم الأعمى دعاء يدعو به، وفيه قوله:"اللهم فشفعه في، وشفعني فيه". والشفاعة هي الدعاء. "فشفعه في": أي شفع نبيك صلى الله عليه وسلم في، أي اقبل دعاءه لي بأن ترد علي بصري. "وشفعني فيه"؛ أي اقبل دعائي في أن تقبل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لي3.

وثمة أدلة أخرى استدلوا بها، كلها في مصاف الموضوعات، التي لا تنهض بها الحجة4.

1 أخرجه الإمام أحمد في المسند 4/ 138. والترمذي في جامعه، كتاب الدعوات، باب 119، وقال: حسن صحيح غريب، والحاكم في المستدرك 1/ 519، وقال: صحيح الإسناد. ووافقته الذهبي.

2 مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 1/ 326.

3 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية 2/ 287-387. والتوصل إلى حقيقة التوسل للرفاعي ص229-232، والتوسل حكمه وأقسامه ص59-66.

4 انظر: مجمموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 1/ 142-368، وكذلك: ما جمعه علي بن حسين أبو لوز من شبهاتهم في كتاب: التوسل حكمه وأقسامه ص79-103.

ص: 156