الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كذلك، لم يستخدم علماء الأمة في القرون المفضلة مصطلح "عقيدة"، وإنما استخدموا مصطلحات أخرى. وأول من استخدم هذا المصطلح -فيما أعلم- هو الإمام أبو حاتم الرازي "ت327هـ" فقي كتابه الذي وسمع بـ"أصل السنة واعتقاد الدين"، وتلاه الإمام أبو بكر الإسماعيلي "ت371هـ" الذي وسم كتابه بـ"اعتقاد أئمة الحديث"، وتبعه الأئمة؛ كأبي القاسم اللالكائي "ت418هـ" في كتابه "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة"، وأبي عثمان الصابوني "ت449هـ" في كتابه "عقيدة السلف أصحاب الحديث"، وأبي بكر البيهقي "ت458هـ" في كتابه "الاعتقاد على مذهب السلف أهل السنة والجماعة"، وقوام السنة الأصبهاني "ت535هـ" في كتابه "الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة، وغيرهم.
ولنا وقفات مع المصطلحات الأخرى التي استخدما العلماء بدلا من مصطلح "العقيدة"، "ومن ثمرة الوقوف على أسماء هذا العلم: معرفة مصادره الأصيلة"1.
1 أصول الدين عند الأئمة الأربعة للدكتور ناصر القفاري ص14.
الوقفة الأولى: مع مسمى "التوحيد
"
تعريف التوحيد لغة واصطلاحا:
هو في اللغة مصدر من: وحد يوحد توحيدا؛ إذا أفرده وجعله واحدا1. وهذا لا يتحقق إلا بنفي وإثبات؛ نفي الحكم عما سوى الموحد، وإثباته له. فنقول مثلا في توحيد الألوهية: لا يتم للإنسان التوحيد، حتى يشهد أن لا إله إلا الله، فينفي الألوهية عما سوى الله، ويثبتها لله وحده2.
1 انظر لسان العرب لابن منظور 3/ 448.
2 انظر المجموع الثمين من فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين 2/ 7.
فعلى هذا: يطلق الواحد على المنفرد بخصائصه عما سواه. يقول ابن فارس: "وحد: الواو والحاء والدال: أصل واحد يدل على الانفراد. من ذلك: الوحدة، وهو واحد قبيلته: إذا لم يكن فيهم مثله. قال الشاعر:
يا واحد العرب الذي
…
ما في الأنام له نظير
ولقيت القوم موحد موحد، ولقيت الرجل وحده. ولا يضاف إلا في قوله: نسيج وحده"1.
والتوحيد في الاصطلاح: إفراد الله بما تفرد به، وبما أمر أن يفرد به؛ فنفرده في ملكه وأفعاله فلا رب سواه ولا شريك له، ونفرده في ألوهيته فلا يستحق العبادة إلا هو، ونفرده في أسمائه وصفاته فلا مثيل له في كماله ولا نظير له2.
مدى المطابقة بين التوحيد والعقيدة:
حين المقارنة بين "العقيدة"، و"التوحيد" كمصطلحين، نجد أن العقيدة ليست مقصورة على توحيد الله تعالى فحسب، بل هي تشمل التوحيد وزيادة، فيدخل فيها مباحث شتى؛ كالرسل ورسالاتهم، والملائكة وأعمالهم، والكتب السماوية، واليوم الآخر وما فيه، والقضاء والقدر وما يتعلق به، والإمامة، والصحابة. بل يدخل فيها أيضا: موقف المسلمين من الفرق الضالة، وغير ذلك.
فهذا العلم الواسع بما يتضمنه من مباحث، وما يحويه من جزئيات يسمى "التوحيد"
أيضا، كما سماه بذلك علماء المسلمين. ولو تأملنا مدى المطابقة بين كلمة "توحيد"، وبين مفردات العقيدة، لوجدناها جزئية. وهذا يثير تساؤلا مفاده: إذاكانت المطابقة بين كلمة "توحيد" ومصطلح "عقيدة" بما يحويه من مباحث جزئية، فلماذا سمي علم العقيدة بـ"التوحيد"؟ ولم أطلق العلماء في القرون الماضية على ما صنفوه من كتب في علم العقيدة اسم "التوحيد"؟
1 معجم مقاييس اللغة لابن فارس 6/ 90-91.
2 انظر: الدين الخالص لصديق حسن خان 1/ 56. والأسئلة والأجوبة الأصولية للسلمان ص41.
والجواب: إن تسمية العقيدة بالتوحيد من باب تسمية الشيء بأشرف أجزائه؛ لأن توحيد الله عز وجل هو أشرف مباحث علم العقيدة. أما المباحث الأخرى؛ من إيمان بالملائكة، والكتب، والرسل، واليوم الآخر، والقضاء والقدر، ومباحث الإمامة، والصحابة، وغيرها، فهي تعتمد عليه، وتستند إليه؛ إذ هو أساسها وجوهرها، فهي تدخل فيه بالاستلزام.
الفرق بين العقيدة والتوحيد:
والآن، وقد فرغنا من بيان معنى العقيدة والتوحيد، نتساءل: ما الفرق بين المعنيين؟ فنقول: العقيدة أعم من جهة موضوعها؛ إذ هي تشمل التوحيد، وغيره من المباحث؛ فيدخل فيها أركان الإيمان الستة، ويدخل فيها ردود علماء الإسلام على الديانات الأخرى، والفرق، والتيارات المعاصرة، وغيرها. بخلاف التوحيد الذي يقتصر على توحيد الله عز وجل، وهو أشرف أجزاء العقيدة. ويلاحظ أيضا أن مباحث الإيمان بالكتب، والرسل، واليوم الآخر، والقضاء والقدر يدخل في إطار العقيدة بالمطابقة. أما في التوحيد فيدخل فيه بالاستلزام؛ إذ يلزم من إيمانك بالله عز وجل أن تؤمن بملائكته، وكتبه، ورسله، والمغيبات التي أخبر الله عنها، وأخبرت عنها رسله، وبالقدر الذي يجريه الله في عباده وفق إرادته ومشيئته.
مؤلفات في العقيدة تحت مسمى التوحيد:
1-
استخدم الإمام البخاري؛ محمد بن إسماعيل "ت256هـ" هذا المصطلح، حين سمى الكتاب الذي خرج فيه أحاديث العقيدة -في الجامع الصحيح- بـ"كتاب التوحيد".
2-
وأبو العباس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي "ت306هـ" سمى الكتاب الذي صنفه في العقيدة بـ"كتاب التوحيد".
3-
وأبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري "ت311هـ" ألف كتابا في العقيدة وسمه بـ"كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل".
4-
وأبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده "ت395هـ" ألف كتابه الموسوم بـ"كتاب التوحيد ومعرفة اسماء الله عز وجل وصفاته على الاتفاق والتفرد".
ثم تتابعت الكتب المؤلفة تحت هذا الاسم.